قال أهل السنة أن أول مطلوب من العبد هو توحيد الله عز وجل و خالف الأشاعرة فقالوا أن أول مأمور به هو النظر .

خطأ الأشاعرة هو تقديم العقل على النقل فأول ما يؤمر به العبد نجده في الكتاب و السنة لا بمجرد الرجوع إلى عقولنا : قال تعالى : "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" {النحل: 36}، وقال: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " {الأنبياء: 25}

فالأشاعرة كما هو معلوم يقولون بأن العبد يحاسب على ما يمكن الوصول إليه عقلا و لو لم يأته رسول بعكس اهل السنة الذين يقولون بقوله تعالى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً
.

قال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت
. فلم يقل انظروا أولا و يتضح ذلك جليا في قوله تعالى : قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]

فإسلام الأعراب مقبول بدون طلب النظر منهم لتحصيل الإيمان و من ادلة ذلك كذلك الزكاة في المؤلفة قلوبهم لتشجيعهم للدخول في الإسلام ، كل ذلك دليل يدل على أن المطلوب من العبد الشهادتان أولا لا النظر قبلهما
.

و لو كان النظر هو المطلوب لقال قائل نظرت و لم اقتنع فهل يغني عنه ذلك شيئا ؟ و لو ان احدهم دخل في الاسلام دون نظر لقبل منه كما قبل اسلام الأعراب .
قال تعالى تعالى عن نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لأقوامهم: "اعبدوا الله ما لكم من إله غيره
"
لهذا كان أول واجب على المكلف هو معرفة الله وتوحيده وعبادته
.

قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "ولا ريب أن المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، لم يكونوا يؤمرون بالنظر الذي ذكره أهل الكلام المحدث، كطريق الأعراض والأجسام
"

وقال ابن القيم: " ولهذا كان الصحيح: أن أول واجب على المكلف: شهادة أن لا إله إلا الله. لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال أرباب الكلام المذموم
"

و خير دليل على ذلك هم مسلموا الوراثة فالمسلم وراثة لا يطلب منه النظر عند البلوغ لكن يستصحب اسلامه معه مند ولادته لأنه ولد على الفطرة فلو كان أول ما يكلف به العبد هو النظر لطلب من البالغ ان يعيد اسلامه بالنظر و هذا محال
.

قال البخاري في أول كتاب التوحيد من صحيحه: "باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى"، ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا بعث معاذا نحو أهل اليمن قال له: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتَوَقَّ كرائم أموال الناس"

و كذلك كانت رسالة الرسول عليه الصلاة و السلام إلى هرقل : "من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " {آل عمران: 64
}

و الأدلة مستفيظة في الكتاب و السنة كلها تؤكد أن أول واجب العبد هو أن توحيد العبادة وإفراد الله بالوحدانية هو أول ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام

و جاء في حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل
"

كذلك جاء في صحيح مسلم

عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله قال فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال
.
فها هو دم العبد عصم بمجرد اسلامه و لم يطلب منه النظر و التمعن إذ يكفي إسلامه و حتى دون اقتناع لعصمة دمه
.

و جاء في حديث حذيفة يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة لا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس ، الشيخ الكبير والمرأة العجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة "لا إله إلا الله " فنحن نقولها . فقال صلة بن زفر لحذيفة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون صلاة ولا صياما ولا صدقة ولا نسكا ؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة .ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة تنجيهم من النار ، تنجيهم من النار، تنجيهم من النار. (رواه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
)

فلم يطلب من هؤلاء النظر اولا ،

وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أسلم قال أجدني كارها قال أسلم وإن كنت كارها .

صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1454 ) .


فلم يطلب من هذا الرجل النظر اولا لتحصيل الإيمان و إنما طلب منه الإسلام و إن كان كارها لذلك , فهذا قول رسول الله عليه الصلاة و السلام لهذا الرجل صريحا آمن و إن كنت لا تعقل فلم يبقى بعد قوله عليه الصلاة و السلام من كلام يقال.


المسألة كلها أساسها تقديم العقل على النقل عند الأشاعرة فهم لا يرون إسلاما دون استعمال العقل فمرد ادلتهم إلى العقل قبل النقل و هذا خطأ ظاهر و تبعهم في ذلك العصرانيون اليوم فجعلوا العقل مقياسا لكل الأمور و من نتائج هذه المسألة من يدعون إلى حوار الأديان و قبول الأديان الأخرى و ما شابه من أمور غير مقبولة شرعا.

أول واجب المكلف كما قال الرسول عليه الصلاة و السلام هو قول لا إله إلا الله :
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل".

و في حديث معاذ قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: (يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟) فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً) فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشرهم فيتكلوا) أخرجاه في الصحيحين.

و الله أعلم