تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حتى يقبل الله صيامنا

  1. #1

    افتراضي حتى يقبل الله صيامنا

    حتى يقبل الله صيامنا


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير نبي الرحمة وخاتم المرسلين.
    أما بعد:
    إنها لمناسبة عظيمة، مناسبة هذا الشهر العظيم، شهر القرآن الكريم، أغتنمها فرصة كي أقدم فيها للصائمين هدية من البشائر، عبارة عن باقة من الأحاديث، تبعث فيهم النشاط، وتنسيهم ألم الجوع والعطش، تفوح مسكا يذهب بخلوف الأفواه، وتحمل لهم من الثواب ما يحدو الهمم، فيتلذذون بالألم، ويودون لو أن أيامهم كلها صيام.
    فأول هديتي إليهم ما صح في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول: (كل حسنة يعملها ابن آدم تضاعف عشرا إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به يدع شهوته من أجلى ويدع طعامه من أجلى)[1] ، وعن أبي أمامة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، قال:( عليك بالصوم فإنه لا مثل له)[2]، وقال صلى الله عليه وسلم :( من صام يوما في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار بذلك اليوم سبعين خريفا[3]( ،وقال صلى الله عليه وسلـم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)[4]، وأخبرعن الجنة يصف أبوابها فقال صلى الله عليه وسلم:( إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد)[5]، وأقسم صلى الله عليه وسلم قائلا: (والذي نفسي بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)[6]، وقال صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه)[7].
    إنها فرحة الانتصارعلى النفس والشيطان، والفرحة بالتوفيق إلى إكمال العمل، فرحــة لايذوقها إلا من علم أنه لاحول ولا قوة إلا بالله، فيرى فضل ربه عليه وهو ينظر إلـــى المخذولين من عبيد الشهوات، منهم من انقطع به السير في الطريق،ومنهم من أتمه بالسخط والضجر، أما الصائم الحق ففي نشوة فرحته، وهو يتشوق إلى الفرحة الكبرى، يرجو ثواب ربه، كما وعده على لسان نبيه، لايشك في ذلك أدنى شك ولا يرتاب فيه، لكن قلبه في وجل من نفسه، يخاف ألا يتقبل منه، لخلل في عمله، أو مانع أتى به، يذكر ذلك وهو يتلو قول الله عز وجل ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ))، فهل تراك أخي الصائم من المتقين؟ تعمل العمل وأنت تخاف ربك، أم أنك تمن به عليه؟ أم اتخذت عهدا بقبوله؟ أم أنك أفضل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حين كانا يرفعان قواعد أعظم بيت على الأرض وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ويرحم الله وهيب بن الورد[8] إذ يقرأ قول الله تعالى: (( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا)) ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مُشْفق أن لا يتقبل منك.
    استسمحك أخي الصائم، فإني لاأريد أن أنزع باقة البشائر من بين يديـك، ولا أن أكــسر رجاءك، ولكني أخاف عليك قول الله تعالى:(( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)))، قال ابن عباس: تخشع ولا ينفعها عملها، وقوله: ( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) أي: قد عملت عملا كثيرا، ونصبت فيه، وصَلِيَت يوم القيامة نارا حامية[9].
    اعلم أخي الصائم أن الله لايظلم مثقال ذرة، ولكن لقبول العمل شروط فهل استوفيتها؟ وله محبطات فهل اجتنبتها؟ وهذا باب في الفقه كبير ليس هذا موضع استيفائه، إنما هي كلمة عاجلة أريد التنبيه فيها على بعض الأمور التي قد يقع فيها كثير من الصائمين، فيذهب ذلك ببعض ثوابهم، إن لم يذهب به كله، فيصبح العمل هباء منثورا، أو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه.
    فأول ما أخافه عليك أخي:الوقوع في الشرك من حيث تدري أو لا تدري، فيحبط عملك وأنت لاتشعر، ألم تسمع قول الله تعالى ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))، وقال عن أنبيائه، وهم خيرة خلقه: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))، وإن من أنواع الشرك التي ابتلي بها أهل زماننا كما ابتلي بها من كان قبلهم، الذهاب عند العرافين والكهان، بل أصبحت لهؤلاء في زماننا عناوين تنشر على صفحات الجرائد، وقنوات فضائية خاصة، فليعلم كل مسلم، وأخصك بالذكرأخي الصائم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال:( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)[10]،وذكر العلامة المناوي في فيض القدير عند شرح هذا الحديث قول بعض أهل العلم: "وخص الصلاة لكونها عماد الدين فصومه كذلك"،وفي حديث آخر(من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)[11]، واعلم أخي أن ما يسمى بالأبراج التي تنشرها بعض الجرائد ليطالعها ضعاف النفوس يتنبؤون بها عن مستقبلهم، هي مـــن الكهانة كذلك[12].
    وإن مما يمنع قبول العمل شرب الخمر التي عمت بها البلوى حتى شربها الصغير والكبير، علانية وجهارا، فاحذر أخي أن تكون منهم، فيذهب عملك سدى، ولاينالك منه إلا التعب، فقد قال كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم تقبل لــه صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه و سقاه من نهر الخبال)[13]، قال المبركفوري عند شرح هذا الحديث في سنن الترمذي:" قيل إنما خص الصلاة بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن فإذا لم تقبل منه فلأن لا تقبل منه عبادة أصلا كان أولى".
    ومن المحرمات التي تمنع قبول العمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:( أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل)[14]، هذا في التي خرجت للمسجد، فكيف بالتي تتزين قدر ماتستطيع وتتطيب ثم تقصد الأسواق و تجمعات الرجال لغير ضرورة إلا بقصد فتنة الرجال وإثارة الفتن،ثم هي بعد ذلك تدعي أنها صائمة تقية، فعن أي تقوى تتحدثين يا أختاه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، و كل عين زانية)[15].
    فإذا كان ارتكاب بعض المحرمات يمنع من قبول بعض الطاعات التي هي من أركان الإسلام ، فكيف بمن ترك ركنا من هذه الأركان ولا سيما أعظمها وهو الصلاة، أليس الذي أمرنا بالصيام هو الذي أمرنا بالصلاة، أم نسي هذا الصائم التارك لصلاته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمسة على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج)[16]، يقول ابن رجب رحمه الله: واعلم أن هذه الدعائم الخمس بعضها مرتبط ببعض، وقد روي أنه لا يقبل بعضها بدون بعض ... فمن قام بهذه الأركان على وجهها حصل له القبول بهذا المعني ومن أتى ببعضها دون بعض لم يحصل له ذلك وإن كان لا يعاقب على ما أتى به منها عقوبة تاركه[17].
    وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله و إن فسدت فسد سائر عمله)[18]
    هذه إشارات إلى بعض الأمور التي جاء التصريح بها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن المقصد الأساس من فرض الصيام هو تقوى الله عز وجل كما ذكر في كتابه((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، وقال رســوله صلى الله عليه وسلم:( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)[19]، وهذا مثل قول الله تعالى:(( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ))، يقول الشيخ ناصر السعدي عند هذه الآية:" وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشور الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح فيه".
    فإياك أخي الصائم أن يكون صيامك مجرد إمساك عن الطعام والشراب من الطيبــات، والخمرأم الخبائث لا تزال تجري في دمك، ولسانك يأكل من أعراض الناس نهارا، وتفطر على أموال الحرام مساء؛ تمسك شهوتك عن زوجتك في بيتك، وتطلق العنان لبصرك وراء النساء في الخارج.
    وإن وفقت في عملك، وجنبك الله المحبطات، وأنت ترجو قبوله، فاحرص على حفظه، فإنه رأس مالك، وزادك ليوم لا درهم فيه ولادينار، فاحذر أن تبور تجارتك، ويغلب ديْـنك على أرباحك، فتكون من المفلسين الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حــين قال لأصحابه رضي الله عنهم:( أتدرون ما المفلس ؟)، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)[20].
    وقبل أن أختم كلامي، لابد أن اشير إلى أن ما سبق ذكره من أحاديث في عدم قبول العمل، إنما المقصود منها نفي الثواب والأجر ورضى الرب، أما صحتها فهي صحيحة لايطالب فاعلها بإعادتها[21] ، وهوخير ممن لم يقم بها أصلا، ومن اتقى الله وأصلح فيما بقي، وندم على ما مضى، وأطاع الله ورسوله لم يضيعه الله في شيء من عمله كما قال تعالـــى:( وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
    والله أسأل لي ولك ولجميع الصائمين، أن يوفقنا إلى صالح الأعمال، ويجعلها خالصــة لوجهه لاشريك له فيها، وأن يؤتينا ما وعدنا على لسان نبيه، ولايخزينا يوم القيامة، إنـه لايخلف الميعاد.
    أبو عبد الغفور

    [1]
    صحيح مسلم،انظر حديث رقم : 4538 في صحيح الجامع.

    [2]
    انظر حديث رقم : 4044 في صحيح الجامع.

    [3]
    البخاري ومسلم والترمذي والنسائي واللفظ له وابن ماجة، وانظر حديث رقم : 6334 في صحيح الجامع.

    [4]
    البخاري ومسلم.

    [5]
    البخاري ومسلم.

    [6]
    البخري ومسلم.

    [7]
    البخاري ومسلم.

    [8]
    من كبار أتباع التابعين ، وكان من العباد المتجردين لترك الدنيا و المنافسين فى طلب الآخرة ، و كانت له أحاديث و مواعظ و زهد، كان الثورى إذا حدث الناس و فرغ من الحديث ، قال : قوموا بنا إلى الطبيب ، يعنى وهيب بن الورد؛ وقيل له: يجد طعم العبادة من يعصى الله ؟ قال : لا ، و لا من يهم بمعصية؛ توفي سنة: 153هـ.

    [9]
    انظر تفسير ابن كثير.

    [10]
    مسلم، وانظر حديث رقم : 5940 في صحيح الجامع.

    [11]انظر حديث رقم : 5939 في صحيح الجامع.

    [12]
    ومما تحسن الإشارة إليه في هذا الباب ماذكره الشيخ الألباني أثناء تعليقه على الحديث رقم: 2918 من السلسلة الصحيحة قائلا: و لكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ، و يتخذون استحضار الجن و مخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين و المصابين بالصرع ...( إلى أن قال رحمه الله)...و هو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى : ( و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) ، فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا - أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ؟ مسلم أم كافر ؟ و صدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده ، فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد"، و في حديث آخر : " .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة "، فينبغي الانتباه لهذا ، فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة ، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اخرج عدو الله " ، مذكرا لهم بقوله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ، و الله المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله . انتهى كلامه رحمه الله.

    [13]
    انظر حديث رقم : 6312 في صحيح الجامع .

    [14]
    انظر حديث رقم : 2703 في صحيح الجامع، ورقم1031 في السلسلة الصحيحة.

    [15]
    انظر حديث رقم : 2701 في صحيح الجامع.

    [16]
    البخاري ومسلم واللفظ له، حديث رقم :16 .

    [17]
    جامع العلوم والحكم.

    [18]
    انظر حديث رقم : 2573 في صحيح الجامع.

    [19]
    البخاري،وانظر حديث رقم : 6539 في صحيح الجامع.

    [20]
    صحيح مسلم،انظر حديث رقم : 87 في صحيح الجامع .

    [21]
    [21] قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في معـنى عدم قبول صلاة من أتى عرافا: وأما عدم قبول صلاته فمعناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة فى سقوط الفرض عنه ولايحتاج معها إلى إعادة... فان العلماء متفقون على أنه لايلزم من أتى العراف إعادة صلوات أربعين ليلة فوجب تأويله والله أعلم.وانظر كذلك جامع العلوم والحكم: شرح الحديث الثالث.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    15

    افتراضي رد: حتى يقبل الله صيامنا

    جزاك الله خير ونفع بك وجعله فى ميزان حسناتك

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •