بسم الله الرحمن الرحيم
وبه تعالى نستعين
الحمد لله حمدا حمدا، والشكر له شكرا شكرا، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعلاهم خُلُقا، ثم أما بعد..
فهذا تخريج بحسب الوسع والطاقة لهذا الحديث الذي سأل عنه ألأخ الكريم، أسأل الله أن يكون خالصاً لوجهه، وافياً لحقه، فأقول مستعيناً به وحده:
هذا الحديث يروى عن أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما وقفت عليه:
الأولى: رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده (وهو سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه):
وهو يروى عنه من أربعة طرق:
1) طريق: إبراهيم بن سعد عنه:
أخرجها كلٌ من:
أبو داود في (السنن رقم 494) _ ومن طريقه: ابن حزم في (المحلى 2/233) _، الدارقطني في (السنن 1/230)، الطبراني في (الكبير رقم 6547).
ولفظه: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها".
ولفظ الدارقطني: "إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم فإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة".
2) طريق: زيد بن الحباب عنه:
أخرجها كلٌ من:
ابن أبي شيبة في (المصنف رقم 3500) _ ومن طريقه: الطبراني في (الكبير رقم 6548) _.
ولفظه: "إذا بلغ الغلام سبع سنين فمروه بالصلاة فإذا بلغ عشر فاضربوه عليها".
3) طريق حرملة بن عبد العزيز الجهني عنه _ وهو ابن أخ عبد الملك _:
أخرجها كلٌ من:
الترمذي في (السنن رقم 407)، ابن خزيمة في (الصحيح رقم 1002) _ ومن طريقه: ابن طاهر في (تذكرة الحفاظ 2/450) _، الدارمي في (السنن رقم 1431)، الطبراني في (الكبير رقم 6546)، ابن الجارود في (المنتقى رقم 147)، الحاكم في (المستدرك رقم 984) _ ومن طريقه: البيهقي في (السنن رقم 2086) _، المزي في (التهذيب 5/545).
ولفظه: "علموا الصبي بالصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر".
وعند ابن الجارود: "مروا الصبي..".
4) طريق سبرة بن عبد العزيز الجهني عنه _ أخو عبد العزيز _:
أخرجها:
الطبراني في (الكبير رقم 6549).
ولفظه مثل حديث زيد بن الحباب السابق.
· الحكم على هذه الرواية:
هذه الرواية بمجموع طرقها رواية صحيحة ثابتة، وقد صححها أيضاً من الأئمة والعلماء: الترمذي، والحاكم _ ووافقه الذهبي _، والبيهقي كما في (الخلافيات) له، وقد حسنها النووي.
الثانية: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (وهو عبد الله بن عمرو بن العاص):
وهو يروى عنه من ستة طرق:
1) طريق: عبد الله بن بكر السهمي عن سوار بن داود عنه:
أخرجها كلٌ من:
الإمام أحمد في (المسند رقم 6756)، الحاكم في (المستدرك رقم 708) _ ومن طريقه: البيهقي في (السنن رقم 4871) (الشعب رقم 8650) _، الدارقطني في (السنن 1/230) _ ومن طريقه: الخطيب في (تاريخ بغداد 2/278) _، البيهقي في (السنن رقم 3050)، ابن أبي الدنيا في (العيال رقم 297).
ولفظه: "مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها في عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع وإذا زوج الرجل منكم عبده أو أجيره فلا يرين ما بين سرته وركبته فإن ما بين سرته وركبته من عورته ".
وليس في رواية الحاكم وابن أبي الدنيا الزيادة في آخره.
2) طريق: وكيع عن سوار بن داود عنه _ ووقع في طريق وكيع وهم خاطئ حيث جعله: داود بن سوار _:
أخرجها كلٌ من:
ابن أبي شيبة في (المصنف رقم 3501)، الإمام أحمد في (المسند رقم 6689)، أبو داود في (السنن رقم 496)، أبو نعيم في (الحلية 10/26).
ولفظه: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع".
وزاد أبو داود في لفظه: "وإذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة".
3) طريق: إسماعيل بن علية عن سوار بن داود عنه:
أخرجها:
أبو داود في (السنن رقم 495).
ولفظه: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع".
4) طريق: النضر بن شميل عن سوار بن داود عنه:
أخرجها كلٌ من:
الدارقطني في (السنن 1/230)، البيهقي في (السنن رقم 3051).
ولفظه: "مروا صبيانكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع وإذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة".
5) طريق: محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن سوار بن داود عنه:
أخرجها:
الإمام أحمد مقرونة مع طريق السهمي في (المسند رقم 6756).
ولفظه لفظ طريق السهمي.
6) طريق: قرة بن حبيب عن سوار بن داود عنه:
أخرجها:
البخاري في (التاريخ 4/168).
ولفظه: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين...".
· الحكم على هذه الرواية:
هذه الرواية بمجموع طرقها رواية حسنة ثابتة، وقد حسنها من الأئمة والعلماء: النووي وغيره.
وهي تزداد قوة أيضاً بالرواية قبلها. وقد تركت ذكر رواية العقيلي رحمه الله بسنده، فإنه كان يلين رواية سوار، والصحيح أن روايته مقبولة على الصحيح فيه.
خاصة وأنه قد توبع من قِبَلِ الليث بن أبي سليم، فقد أخرج روايته كلٌ من:
ابن عدي في (الكامل 3/60) _ ومن طريقه: البيهقي في (السنن رقم 3053) _.
ولفظه: "علموا صبيانكم الصلاة في سبع سنين وأدبوهم عليها في عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا تنظر إلى عورته والعورة فيما بين السرة والركبة".
وهي متابعة لا بأس بها، وإن كان الليث مختلف فيه، لكنها متابعة حسنة على الصحيح.
الثالثة: رواية محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن محمد بن عبد الرحمن:
وهي طريق مرسلة على الأشبه فيها، وقد وصلت عن أبي هريرة رضي الله عنه ولا تصح وصلاً على الصحيح.
أخرجها مرسلةً كلٌ من:
ابن أبي الدنيا في (العيال رقم 295)، العقيلي في (الضعفاء 4/49)، البخاري في (التاريخ الكبير 1/66).
وأخرجها موصولة كلٌ من:
ابن أبي الدنيا في (العيال رقم 301)، العقيلي في (الضعفاء 4/49).
ولفظه: "إذا بلغ أولادكم سبع سنين فمروهم بالصلاة فإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم عليها وفرقوا بينهم في المضاجع".
وفي بعضها: "علموا أولادكم الصلاة إذا لغوا سبعاً...".
· الحكم على هذه الرواية:
هذه الرواية كما سبق لك لا تصح موصولة أبداً على الصحيح، والأشبه فيها الإرسال، كما قرره الأئمة، قال العقيلي بعد رواية الإرسال: (وهذا أولى).
لكن يشكل على المرسلة والمتصلة أنها من رواية محمد بن الحسن بن عطية العوفي، وهو آفتها _وإلا فباقي رجال السند ثقات_؛ فإنه مجمع على ضعفه، بل قال البخاري: (لم يصح حديثه).
قلت: لعل الصحيح من قول البخاري أنه إذا انفرد كما قاله ابن حبان، وإلا فالإمام الذهبي قال في (المغني) و(الميزان): (ضعفوه ولم يترك)، وقال في (الكاشف): (لينوه).
بل لم يصفه العقيلي إلا بقوله: (مضطرب الحفظ)، ولعل من اضطرابه وصله الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، فلذلك قال العقيلي نفسه عن روايته المرسلة: (هي الأولى) كما مر بك.
فهو على الصحيح فيه: صدوق يخطئ.
ثم ظفرت بشاهد لها ذكره ابن حبان في (المجروحين 2/158) لكنه شاهد لا يفرح به البتة، فهو ضعيف جدا من رواية عبد المنعم بن نعيم الرياحي _ وهو ضعيف بالمرة _.
وعليه: فالحديث من هذه الرواية ضعيف لا يصح، لكنه يتقوى بما قبله من الروايات، وهي تغني عنه جداً.
الرابعة: رواية أنس بن مالك رضي الله عنه:
من طريق ثمامة عنه:
أخرجها كلٌ من:
الدارقطني في (السنن 1/231)، الطبراني في (الأوسط رقم 4129)، الحارث بن أسامة في (المسند رقم 106)، البزار في (مسنده رقم )
ولفظه: "مروهم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لثلاث عشرة".
· الحكم على هذه الرواية:
هذه الرواية تروى من طريق داود بن المحبر؛ وهو: متروك لا يحتج به، وهو آفتها. فهي رواية ساقطة لا تصح ولا تقبل. وإن كان قد وثق، لكن الصحيح فيه أنه ضعيف بالمرة.
قال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن ثمامة إلا المحبر بن قحذم؛ تفرد به ابنه).
وقال البزار: (لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد).
وقال ابن حجر: (داود متروك وقد خالف في هذا الحديث سندا ومتنا).
وعليه: فهذه الرواية لا تصح، ولا تثبت. وفيما قبلها كفاية وغاية.
· ثم ظفرت بشاهد عند البزار في (المسند رقم 3885) من حديث عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه رضي الله عنه قال:
(وجدنا صحيفة في قراب سيف رسول الله بعد وفاته فيها مكتوب: "بسم الله الرحمن الرحيم؛ فرقوا بين مضاجع الغلمان والجواري، والإخوة والأخوات؛ لسبع سنين، واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا _ أظنه _ تسعا، ملعون ملعون من ادعى إلى غير قومه أو إلى غير مواليه، ملعون من اقتطع شيئا من تخوم الأرض" _ يعني بذلك طرق المسلمين _).
قلت: وسنده مليء بالمجاهيل.
الخلاصة إذا = أن الحديث من رواية عبد الملك عن أبيه عن جده، ومن رواية عمرو عن أبيه عن جده = حديث صحيح ثابت بإذن الله تعالى، كما قال بذلك أيضاً جمعٌ من الأئمة الكبار رحمهم الله تعالى.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا ورسولنا الأكرم.