الحمد لله ، وصلوات الله على محمد وآله ومن والاه
أما بعد
فقد وقفت على رسالة( التماس السعد في الوفاء بالوعد ) للحافظ السخاوي رحمه الله تعالى ، فرأيت أن من الفائدة لي ولإخواني أن أستل منها مسألة حكم الوفاء بالوعد.
وها هي بين أيديكم الآن .

قال الحافظ السخاوي:
" قال أبو زكريا النووي رحمه الله في الأذكار قد أجمع العلماء على أن من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه فينبغي له أن يفي بوعده وهل ذلك واجب أو مستحب؟

فيه خلاف بينهم فذهب الشافعي وابو حنيفة رحمهما الله والجمهور إلى أنه مستحب فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة ولكن لا يأثم انتهى،

وقال المهلب انجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء،

وتعقب شيخنا رحمه الله دعوى الاتفاق على عدم الفرضية، فقد قال النووي عقب ما تقدم وذهب جماعة إلى أنه واجب قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي أجل من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز انتهى وكذا صرح ابن عبد البر أن المذكور أجل من قال به.

قلت وفي كتاب الغرر من الاخبار لوكيع قال حدثنا شيخ قال حدثنا محمد بن عبيد عن أبيه أن ابن اشوع قضى له بعده، وابن أشوع هذا قرأت بخط الحافظ الدمياطي أنه سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني الكوفي القاضي حدث عن الشعبي وقد اتفقا عليه، ومات في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق وكانت ولايته من سنة خمس ومائة إلى أن عزل عنها في سنة عشرين ومائة انتهى.

ولخص ذلك شيخنا حيث قال: كان قاضي الكوفة في زمان أمارة خالد القسري على العراق وذلك بعد المائة وقد علق على ذلك البخاري في صحيحه فقال: وقضى ابن الأشوع بالوعد وذكر ذلك عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

وقال شيخنا في الفتح وقع بيان رواية ابن أشوع لذلك عن سمرة في تفسير أسحاق بن راهويه قال البخاري ورأيت إسحاق ابن إبراهيم وهو ابن راهويه يحتج بحديث ابن أشوع يعني عن سمرة في القول بوجوب انجاز الوعد وترجم البخاري باب من أمر بانجاز الوعد، قال وفعله أي الأمر بإنجاز الوعد الحسن وكأنه البصري راوي حديث العدة عطية
قلت وكذا حكي القول بالوجوب عن أحمد.

وفي ثالث عشر المجالسة عن الدينوري عن الحسن بن أبي جعفر قال سمع مطرف رجلا يقول أستغفر الله وأتوب إليه فأخذ بذراعه، وقال لعلك لا تفعل مَن وعد فقد أوجب، وفي أنيس المنقطعين أنه قيل لبعض الصالحين وقد أصبح صائما تطوعا افطر فإن المتطوع أمير نفسه فقال أني لاستحي من ربي عزوجل أن أعده وعدا وهو أن أصوم ولا أوفي له بوعدي،

ثم قال النووي قال يعني ابن العربي وذهبت المالكية مذهبا ثالثا إلى أنه ارتبط الوعد بسبب كقوله تزوج ولك كذا، أو أحلف إنك لا تشتمني ولك كذا وجب الوفاء بالوعد ونحو ذلك وإن كان وعدا مطلقا لم يجب. انتهى

وخرج بعضهم الخلاف على أن الهبة هل تملك بالقبض أو قبله وأشار النووي إلى ذلك بقوله واستدل من لم يوجبه بأنه في معنى الهبة والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور، وعند المالكية تلزم قبل القبض

وأما الأنبياء عليهم السلام فسيأتي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم لا يخلفون الوعد، وهذا يحتمل أن يكون وجوبا ويحتمل أن يكون خلافه وجزم غير واحد كما سيأتي أيضا بأن إنفاذ الصديق رضي الله عنه لعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوص به صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

إذا علم هذا فقد استشكل والد شيخنا رحمهما الله عدم الوجوب حيث قال لم يذكر يعني النووي جوابا عن الآيات التي صدر بها الباب من الأذكار وهي (وَأَوفوا بِعَهدِ اللهِ إِذا عاهَدتُم).
ثم (يا أَيُها الَّذينَ آمنوا أَوفوا بِالعُقود)، (وَأَوفوا بِالعَهدِ إِنّ العَهدَ كانَ مسؤولا)، (يا أَيها الَّذينَ آمَنوا لَمَ تُقولونَ ما لا تَفعَلون كَبُرَ مَقتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقولوا ما لا تَفعَلون)، وهذه الأخيرة كما قال أشدها ولا عن الأحاديث التي فيها آية المنافق إذا وعد أخلف لا سيما آية الصف والحديث المذكور والدلالة على الوجوب منها قوية فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع هذا الزجر الشديد الذي لم يرد مثله إلا في المحرمات الشديدة التحريم،

وأورده شيخنا في الفتح حيث قال: وقرأت بخط أبي رحمه الله في إشكالات على الأذكار للنووي ولم يذكر جوابا عن الآية والحديث يعني قوله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وحديث آية المنافق قال والدلالة إلى آخره.

قلت ولم ينفرد والد شيخنا بالبحث في ذلك فقد قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله وناهيك به قول الأصحاب لا يجب الوفاء بالشرط مشكل لأن ظواهر الآيات والسنة تقتضي وجوبه وإخلاف الوعد كذب والكذب من أخلاق المنافقين،
قال ولا أقول يبقى دينا في ذمته حتى يقضي من تركته وإنما يجب الوفاء به تحقيقا للصدق وعدم الإخلاف وتصير الواجبات ثلاثة منها ما هو ثابت في الذمة ويطالب بأدائه وهو الدين على موسر وكل عبادة وجبت وتمكن منها، ومنها ما يثبت في الذمة ولا يجب أداؤه كالزكاة بعد الحول وقبل التمكن، ومنها ما لم يثبت في الذمة ويجب أداؤه كهذا. انتهى.

وسلك شيخنا طريقة أخرى حيث قال وينظر هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء أي يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك،
قلت ونظير ذلك نفقة القريب فإنه إذا مضت مدة يأثم بعدم الدفع ولا يلزم به، ونحوه قولهم في فايدة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة تضعيف العذاب عليهم في الآخرة مع عدم إلزامهم بالإتيان بها والله المستعان.

وإلى هذا الإستشكال أشار صاحب الخادم في آخر الهبة فقال فإن قيل فيجب الوفاء بالوعد للخروج عن الكذب فإنه حرام وترك الحرام واجب، وقد ذكر الماوردي في الشهادات في الكلام على المروءة أن مخالفة الوعد كذب ترد به الشهادة
فالجواب ما قال الغزالي في الإحياء أن إخلاف الوعد إنما يكون كذبا إذا لم يكن في عزمه حين الوعد الوفاء به، أما لو كان عازما عليه ثم بدا له الا يفعل فليس بكذب لأنه حينئذ إخبار عما في نفسه، وكان مطابقا له فيكون صدقا... انتهى.

وقد عده الغزالي رحمه الله في إحيائه من حقوق المسلم فقال منها ألا يعد مسلما بوعد إلا ويفي به، ثم إن كل ما أسفلته في الوعد بالخير، أما الوعد بالشر فيستحب إخلافه، وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة، وقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وعده الله عزوجل على عمل ثوابا فهو منجز له، ومن أوعده الله على عمل عقابا فهو بالخيار. أخرجه أبو يعلى في مسنده من حديث سهيل بن أبي حزم القطعي عن ثابت البناني عنه".

انتهى المقصود من كلام السخاوي في التماس السعد في الوفاء بالوعد - (1 / 5)
والله يرعاكم!