هذا تلخيص لسفر نفيس في هذا الباب , كنت قد أعددته قبل فترة ..
وعنونته بـ: بعض آداب وأحكام المهاتفة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد ..
فللشيخ العلامة : بكر بن عبد الله أبو زيد , كتيب بعنوان : أدب الهاتف , جمع فيه شيئا من الأحكام والآداب المتعلقة بالهاتف .. ويسرني هنا أن أضع ملخصاً لهذا الكتاب , مع بعض الإضافات اليسيرة ..
أولاً : عناصر الموضوع :
1. ذكر بعض الآداب مع شيء من التفصيل.
2. بعض الأحكام المختصة.
3. بعض المحاذير والتنبيهات.
4. فوائد لغوية.
العنصر الأول : ذكر بعض الآداب على سبيل الإجمال:
من المعلوم أن المهاتفة وآدابها مخرجة فقهاً على آداب الزيارة والاستئذان والكلام والحديث مع الآخرين, في المقدار والزمان والمكان وجنس الكلام وصفته, وجميعها معلومة..
وهي آداب مطلوبة من الطرفين, المتصل والمتصل عليه , وبعضها في حقّ المتصل آكد ..
وإليك بيانها مع شيء من التفصيل..
1. صحة الرقم :
حتى لا تقع في حرج وغلط فتوقظ نائماً أو تزعج مريضاً أو تشغل غيرك عبثاً, فإن وقع غلط منك فتلطف بالاعتذار, ويا أيها المتصل عليك لا تنفعل حينما يحصل شيء من ذلك .. فتحمله, ولا تعنّف.. فإن كان غالطاً حقيقة فقد أدخلت السرور عليه, ولا سبيل لك عليه شرعاً, وإن كان متعمدّاً الإيذاء, فقد نفذه سهم اللطف, ولك الأجر وعليه الوزر.
2. وقت الاتصال :
إن كان لك حاجة في الاتصال فاذكر أن للناس أشغالاً, وحاجات.. وهم أولى بالعذر منك لضرورة أو حاجة.
ولهذا منحت الشريعة الشخص الْمُزَار, ومثله المتصل عليه: حق الاعتذار, دون اللجوء إلى الكذب, كقول الكثيرين: فلان ليس في الدار, وهو فيها!.. لأن الله قال: (وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم).
وانظر كيف أمرت الشريعة الأرقاء والصغار بالاستئذان في ثلاثة أوقات: قبل صلاة الفجر, ووقت الظهيرة, وبعد صلاة العشاء, أما الأحرار البالغون فعليهم الاستئذان في كل الأوقات, كما في سورة النور!.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الطروق ليلاً, أي قدوم المسافر إلى أهله ليلاً دون إعلامهم.
وحكم مراعاة وقت الاتصال هذا, هو في غير الأماكن العامة المفتوحة على مدار الساعة, كالفنادق ودور التأجير للمسافرين..
3. دقات الاتصال :
التزم الاعتدال والتوسط, بما يغلب على الظن سماع منبه الهاتف, ولا تحد دقات الاتصال هنا بثلاث للحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف), للحديث الآخر المبين لحكمة الاستئذان, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) رواه البخاري.
وهذا غير وارد في المهاتفة.
لكن؛ احذر المبالغة دفعاً لإيذاء المتصل عليه, لأن ذلك أسلوب من أساليب الإثقال, والبلاء فيه قديم, ومنه أن امرأة ذهبت إلى الإمام أحمد -رحمه الله- فدّقت عليه الباب دقّاً شديداً, فخرج وهو يقول: (هذا دقّ الشُّرَط) مستنكرً لهذا!.
وانظر إلى أدب الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ كانوا يقرعون أبواب النبي صلى الله عليه وسلم بالأظافير. (رواه البخاري في الأدب المفرد).
4. مدة الاتصال :
ومقياسها يرجع لكل مقام مقال, فاحذر الإفراط والتفريط.
5. خفص الصوت :
ففي وصية لقمان لابنه: (واغضض من صوتك)!.
6. إنزال الناس منازلهم :
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يوقّر كبيرنا, ويرحم صغيرنا, ويعرف لعالمنا حقّه) رواه أحمد.
ورأس الأمر: الإسلام, والناس فيه رتب ومنازل, حسب الطاعة والمعصية, والبدعة المغلظة والخفيفة!.
أما الكفار فلهم معاملة تخصهم, بالتحية ومقدار الكلام وما إلى ذلك.
وبالجملة, فلتصاحبك عزّة المسلم من غير كبرياء أو تنفير أو هضم حق شرعي معتبر!.
7. من الأدب ألا تتصل بشخص وأنت في دار مليئة بالصخب والضجيج, فعليك بالتصون وحفظ بيتك من إظهار عورته ومكرمته, ولا تحملك الصداقة والألفة على التبذل؛ فإن ذلك يجرّك إلى استمرائه فيصير طبعاً لك تعرف به!.
8. كما عليك تدبير أمر الهاتف في منزلك, فلا يرفع الهاتف المخصص للرجل مرأة ويوجد رجل من أهلها!.
9. بالنسبة للمتصل المستفتي, فعليه التأدب بطريقة الاستفتاء الجميلة, قائلاً:
( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, لدي –أحسن الله إليك- سؤال, هو...) وبعد نهاية المكالمة, يقول: (جزاكم الله خيراً, وأثابكم, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
إلى غير ذلك من الآداب المدرجة تحت هذا الباب !.
* * *
العنصر الثاني: بعض الأحكام المختصة :
1. أحكام السلام.
- السلام من المتصل بداية ونهاية, فإن المتصل في منزلة القادم, فإذا رُفِعَت السماعة فبادر بالتحية الإسلامية: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته), فهي شعار الإسلام, ومفتاح الأمن والسلام, وهي شرف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
- ويجب الجواب على سامعه, والمتصل عليه.
فقد ورد في الحديث, عن ربعي –رضي الله عنه-, قال: أخبرنا رجل من بني عامر, أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم, وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان, فقل له: قل: السلام عليكم, أأدخل؟, فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم, أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. رواه أبو داود.
- أما عن ختم المهاتفة بالسلام , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم, فإذا أراد أن يقوم, فليسلّم, فليست الأولى بأحق من آخره. رواه أبو داود.
- ومن الأحكام المتعلقة بذلك ألا يبدأه بالكلام, قبل أن يسلم المتصل!.. للحديث الذي ورد عن ابن عمر –رضي الله عنه- في تخريج الإحياء: (من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه حتى يبدأ بالسلام), [2/252], ومع أن الحديث في إسناده لين؛ إلا أن أحاديث صحاح تقوي معناه, ومنها ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد, وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد[813], والسلسلة الصحيحة [6/478]: عن أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلم ، قال : لا يؤذن حتى يبدأ بالسلام!.
2. إذا أجابك صاحب الهاتف, وقال: من المتكلم؟ فقل: فلان الفلاني, أو بما يعرّف شخصك عنده.
عن جابر رضي الله, قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: من هذا؟ فقلت: أنا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا, أنا!. رواه مسلم, وأبو داود, وزاد: كأنه كرهه!.
3. تسجيل المكالمات :
وهي لا تجوز دون إذن المتصل عليه أو المتصل؛ لأنها خيانة, مهما يكن نوع الكلام: دينيا, أو دنيويا, كفتوى, أو مباحثة علمية, أو مالية, أو ماجرى مجرى ذلك.
وقد ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدّث الرجلُ الرجلَ فالتفت فهي أمانة) رواه أحمد, وأبوداود, والترمذي.
قال: الراغب: السرُّ ضربان: أحدهما: مايلقي الإنسان من حديث يستكتم, وذلك إما لفظاً, كقولك لغيرك: اكتم ما أقول لك, وإما حالاً: وهو أن يتحرى القائل حال انفراده, فيما يورده أو خفض صوته, أو يخفيه عن مُجالسه, وهو المراد في هذا الحديث. ا.هـ.
فإذا سجلتَ مكالمته دون إذنه وعلمه, فهذا مكر وخديعة, وخيانة للأمانة.
وإن نشرت هذه المكالمة للآخرين, فهي زيادة في التخون, وهتك الأمانة.
وإن فعلت فعلتك الثالثة, وهي التصرف في نصّ المكالمة, بدبلجة, فإنك ترتدي الخيانة مضاعفة, وتسقط على أم رأسك في أم الخبائث, غير مأسوف على خائن.
ولذا ضعف (التسجيل) عن حُجّية الإثبات والحكم قضاءً إلى رتبة القرائن.
4. النغمات, وخدمة الانتظار, وخدمة صدى..
إن كانت غناءً أو أناشيد موسيقية وما إلى ذلك!, فهي محرمة..
أما إن كانت أذكاراً, وآيات من كتاب الله, فمن الأفضل عدم وضعها, لأن ذلك يوقع في محظورات منها:
- عدم التحكم بالوقوف على رؤوس الآي, وقد يكون التوقف في مكان يحرم التوقف عليه!.
- قد ينسى الشخص إصمات جواله, فيرن في الأماكن غير المناسبة كدورات المياه –أكرمكم الله- وما إلى ذلك.
- أن القرآن الكريم أنزل للتدبر والعبادة, لا وضعه نغمات وأجراساً في كل شيء!.
وبليّة النغمات عمّت والله المستعان, فترى بعض النغمات الموسيقية تهتك حرمة المساجد, وأماكن الذكر المعظمة!, وهكذا نحن –المسلمين- نستورد كل دخيل غربيّ بسعة صدر وبال!.
وصار الإنكار مستهجنا!, فاللهم سلم سلم ...
فسد الناس وصاروا إن رأوا :: صالحاً في الدين قالوا مبتدع!
5. الهاتف والمرأة ..
يحرم على المرأة الخضوع بالقول, والاسترسال في الكلام مع الرجال الأجانب, بل ومع محارمها بما تنكره الشريعة وتأباه النفوس, ويُحدِث في نفس السامع علاقة.
ولتحذر من رفع الصوت عن المعتاد, وتمطيط الكلام, وتحسينه وتليينه وترقيقه وترخيمه وتنغيمه بالنبرة اللينة واللهجة الخاضعة!.
وإن كان يحرم عليها ذلك, فيحرم على الرجل سماع صوتها بتلذذ, ولو كان صوتها بقراءة القرآن, وإذا شَعُرَت المرأة بذلك حرم عليها الاستمرار في الكلام معه, لما يدعو إليه من الفتنة.
* * *
العنصر الثالث: بعض المحاذير والتنبيهات..
1. عند حاجتك لاستعمال هاتف غيرك فاستعمله بعد التلطف في استئذان صاحبه, ولا تطلب من قليل ذات اليد, ومن لا من ضيق نفس, يأذن وهو متبرم.
2. البدء بتحية الإسلام, والحذر من العدول عنها إلى نحو: صباح الخير, صباح النور!.
وكذلك المبادرة من المتهاتفين بلفظ: (ألو), ولو أفتاك الناس وأفتوك, فهي لفظة مولّدة, فرنسية المولد, يأباها اللسان العربي؛ إذ تقلص ظلها.
3. ومما ينبه عليه الاتصال وتغيير الصوت والنبرة حتى يمزح مع صاحبه, إما ليختبره أو يرهبه, وهذا غير جائز؛ لأنه نقصٌ في الأدب, وإشغال لبال صاحب الهاتف, ومن أنت يا عظيم القدر في نفسه ؟!..
4. لا يمعنك الاتصال وصلة الرحم عن طريقه عن التخلي من سنة نقل الخطى والزيارة إلى هذه الفضائل, وإذا كانت زيارة المريض والمصاب خفيفة, مقدرة بجلسة الخطيب بين الخطبتين, فلتكم المهاتفة حال المرض كذلك, ومن يأنس بك , فله حال لا تخفى!.
5. شدة الحرمة في استخدام جهاز التنصت, ونقل المكالمات, فيقضي ساعات ليله ونهاره في الفرجة على أحاديث الناس, وما يجري بينهم دون علم منهم, وهذا محرم لا يجوز, سواء عرف المتهاتفين, أم أحدهما, أم لم يعرفا!.
وقد ثبت من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صُبَّ في أذنيه الآنك يوم القيامة) رواه البخاري في صحيحه.
6. سعار الاتصال:
احذر فضول المهاتفة, حتى لا يصيبك سعارُ الاتصال, فكم من مصابٍ به, فمن حين يرفع رأسه من نومته, يدني جواله وهاتفه, فيشغل نفسه وغيره, عبر الهاتف, من شخص لآخر!..
وليس لنا مع هؤلاء حديثٌ إلا الدعاء بالعافية, وننصحهم بمعالجة وضعهم من هذا الفضول!.
* * *
العنصر الرابع: فوائد لغوية
اللغة العربية من شعائر الإسلام, والتكلم بها حفظ لشعائر الإسلام, فيجب حفظها, وكف الدخولات عليها, وإليك كلمات عربية فيها الغنية:
يقولون : التلفون!
وتعريبها [أي الكلمة] الصحيح: الهاتف, أو : الْمَسَرّة.
يقولون : الموبايل!
وتعريبها الصحيح: الجوال, أو: الهاتف الخلوي.
يقولون : البيجر!
وتعريبها الصحيح: النداء
يقولون : فاكس!
وتعريبها الصحيح : راسل [كما يرى الشيخ بكر أبو زيد] , أو : لاقط [كما عرفه الشيخ: حمد الجاسر] , أو : فَقْس [كما عربّه مجمع اللغة بالقاهرة].
يقولون : جهاز التصّنت!
وتعريبها الصحيح: جهاز التنصّت.
يقولون : ألو , هلو!
والصحيح : السلام عليكم.
هذا وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
[اختصار بتصرف لكتاب الشيخ : بكر بن عبد الله أبو زيد, بعنوان : أدب الهاتف, الذي طبع عن دار العاصمة, الطبعة الأولى, 1416هـ]
أبو الليث الشيراني
مكة المكرمة
19/7/1430هـ
http://alddar-na.com/vb/showthread.php?t=623