تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليما . أما بعد:
    فإن للإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ مكانة وتحقيقا في علوم الشريعة قلَّ من يشركه فيها من العلماء ، و كتابه الفذ «إعلام الموقعين عن رب العالمين» من أنفس كتبه وأجلها قدرا؛ بل هو من أجل كتب العلماء في بابه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

    وقد من الله عليّ بقراءته، وتقييد بعض الفوائد واللطائف ... فرأيت أن المستحسن نشرها لينتفع بها من لم يتيسر له قراءة الكتاب ، وتكون حاديا لقراءته ، و تذكرة لمن قرأه من قبل، والله أسأل أن ينفع بها من كتبها ، ومن قرأها، وأن يرفع درجة المؤلف في عليين .
    والطبعة التي أعزو لها هي التي حققها الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله .

    1/5:
    أَشْرَفُ الْعُلُومِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِلْم التَّوْحِيدِ ، وَأَنْفَعُهَا علم أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعَبِيدِ .

    1/6: [يتكلم عن الصحابة والتابعين وتابعيهم ...]
    وَكَانَ دِينُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَجَلَّ فِي صُدُورِهِمْ ، وَأَعْظَمَ فِي نُفُوسِهِمْ ، مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهِ رَأْيًا أَوْ مَعْقُولًا أَوْ تَقْلِيدًا أَوْ قِيَاسًا ، فَطَارَ لَهُمْ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ فِي الْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ، ثُمَّ سَارَ عَلَى آثَارِهِمْ الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ ، وَدَرَجَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ الْمُوَفَّقُونَ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ ، زَاهِدِينَ فِي التَّعَصُّبِ لِلرِّجَالِ ، وَاقِفِينَ مَعَ الْحُجَّةِ وَالِاسْتِدْلَا لِ ، يَسِيرُونَ مَعَ الْحَقِّ أَيْنَ سَارَتْ رَكَائِبُهُ ، وَيَسْتَقِلُّون َ مَعَ الصَّوَابِ حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ مَضَارِبُهُ ، إذَا بَدَا لَهُمْ الدَّلِيلُ بِأُخْذَتِهِ طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا ، وَإِذَا دَعَاهُمْ الرَّسُولُ إلَى أَمْرٍ انْتَدَبُوا إلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا قَالَ بُرْهَانًا ، وَإِذَا دَعَاهُمْ الرَّسُولُ إلَى أَمْرٍ انْتَدَبُوا إلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا قَالَ بُرْهَانًا ، وَنُصُوصُهُ أَجَلُّ فِي صُدُورِهِمْ وَأَعْظَمُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ، أَوْ يُعَارِضُوهَا بِرَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا وَكُلٌّ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ، جَعَلُوا التَّعَصُّبَ لِلْمَذَاهِبِ دِيَانَتَهُمْ الَّتِي بِهَا يَدِينُونَ ، وَرُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي بِهَا يَتَّجِرُونَ ، وَآخَرُونَ مِنْهُمْ قَنَعُوا بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ وَقَالُوا : { إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } ، وَالْفَرِيقَانِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ مِنْ الصَّوَابِ ، وَلِسَانُ الْحَقِّ يَتْلُو عَلَيْهِمْ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُم ْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } ، قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ . قَالَ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَأَنَّ الْعِلْمَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ . وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ الدَّلِيلِ ، وَأَمَّا بِدُونِ الدَّلِيلِ فَإِنَّمَا هُوَ تَقْلِيدٌ فَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَانِ الْإِجْمَاعَانِ إخْرَاجَ الْمُتَعَصِّبِ بِالْهَوَى وَالْمُقَلِّدِ الْأَعْمَى عَنْ زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ ، وَسُقُوطَهُمَا بِاسْتِكْمَالِ مَنْ فَوْقَهُمَا الْفُرُوضَ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ { الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ } ، وَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ وَرَثَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَجْهَدُ وَيَكْدَحُ فِي رَدِّ مَا جَاءَ بِهِ إلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ وَمَتْبُوعِهِ ، وَيُضَيِّعُ سَاعَاتِ عُمْرِهِ فِي التَّعَصُّبِ وَالْهَوَى وَلَا يَشْعُرُ بِتَضْيِيعِهِ تَاللَّهِ إنَّهَا فِتْنَةٌ عَمَّتْ فَأَعْمَتْ ، وَرَمَتْ الْقُلُوبَ فَأَصْمَتْ ، رَبَا عَلَيْهَا الصَّغِيرُ ، وَهَرِمَ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَاُتُّخِذَ لِأَجْلِهَا الْقُرْآنُ مَهْجُورًا ، وَكَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ، وَلَمَّا عَمَّتْ بِهَا الْبَلِيَّةُ ، وَعَظُمَتْ بِسَبَبِهَا الرَّزِيَّةُ ، بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُ أَكْثَرُ النَّاسِ سِوَاهَا ، وَلَا يُعِدُّونَ الْعِلْمَ إلَّا إيَّاهَا ، فَطَالِبُ الْحَقِّ مِنْ مَظَانِّهِ لَدَيْهِمْ مَفْتُونٌ ، وَمُؤْثِرُهُ عَلَى مَا سِوَاهُ عِنْدَهُمْ مَغْبُونٌ ، نَصَبُوا لِمَنْ خَالَفَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ الْحَبَائِلَ ، وَبَغَوْا لَهُ الْغَوَائِلَ ، وَرَمَوْهُ عَنْ قَوْسِ الْجَهْلِ وَالْبَغْيِ وَالْعِنَادِ ، وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ : إنَّا نَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ فَحَقِيقٌ بِمَنْ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ ، أَلَا يَلْتَفِتَ إلَى هَؤُلَاءِ وَلَا يَرْضَى لَهَا بِمَا لَدَيْهِمْ ، وَإِذَا رُفِعَ لَهُ عِلْمُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ شَمَّرَ إلَيْهِ وَلَمْ يَحْبِسْ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ ، فَمَا هِيَ إلَّا سَاعَةٌ حَتَّى يُبَعْثَرَ مَا فِي الْقُبُورِ ، وَيُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ ، وَتَتَسَاوَى أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ فِي الْقِيَامِ لِلَّهِ ، وَيَنْظُرُ كُلُّ عَبْدٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ، وَيَقَعُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمُحِقِّينَ وَالْمُبْطِلِين َ ، وَيَعْلَمُ الْمُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ .
    1/9:
    وَطَاعَتُـ[الفقهاء]ـهُمْ أَفْرَضَ عَلَيْهِـ[الناس]ــمْ مِنْ طَاعَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ بِنَصِّ الْكِتَابِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }
    قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ عَنْهُ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ عَنْهُ : أُولُو الْأَمْرِ هُمْ الْعُلَمَاءُ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
    وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ : هُمْ الْأُمَرَاءُ ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ [ طَاعَةُ الْأُمَرَاءِ تَابِعَةٌ لِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ ] .
    وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأُمَرَاءَ إنَّمَا يُطَاعُونَ إذَا أَمَرُوا بِمُقْتَضَى الْعِلْمِ ؛ فَطَاعَتُهُمْ تَبَعٌ لِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنَّ الطَّاعَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَعْرُوفِ وَمَا أَوْجَبَهُ الْعِلْمُ ، فَكَمَا أَنَّ طَاعَةَ الْعُلَمَاءِ تَبَعٌ لِطَاعَةِ الرَّسُولِ فَطَاعَةُ الْأُمَرَاءِ تَبَعٌ لِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ ، وَلَمَّا كَانَ قِيَامُ الْإِسْلَامِ بِطَائِفَتَيْ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ ، وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ لَهُمْ تَبَعًا ، كَانَ صَلَاحُ الْعَالَمِ بِصَلَاحِ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْن ِ ، وَفَسَادُهُ بِفَسَادِهِمَا ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ : صِنْفَانِ مِنْ النَّاسِ إذَا صَلَحَا صَلَحَ النَّاسُ ، وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَ النَّاسُ ، قِيلَ : مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : الْمُلُوكُ ، وَالْعُلَمَاءُ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ :
    رَأَيْت الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ *وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُهَا
    وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ *وَخَيْرٌ لِنَفْسِك عِصْيَانُهَا
    وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إلَّا الْمُلُوكُ * وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    1/10: [صفة المفتي]
    لَمْ تَصْلُحْ مَرْتَبَةُ التَّبْلِيغِ بِالرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا إلَّا لِمَنْ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ ؛ فَيَكُونُ عَالِمًا بِمَا يُبَلِّغُ صَادِقًا فِيهِ ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ ، مَرَضِيَّ السِّيرَةِ ، عَدْلًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ، مُتَشَابِهَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَة ِ فِي مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَأَحْوَالِهِ ؛ وَإِذَا كَانَ مَنْصِبُ التَّوْقِيعِ عَنْ الْمُلُوكِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُ ، وَلَا يُجْهَلُ قَدْرُهُ ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ السَّنِيَّاتِ ، فَكَيْف بِمَنْصِبِ التَّوْقِيعِ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ ؟!
    فَحَقِيقٌ بِمَنْ أُقِيمَ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ أَنْ يَعُدَّ لَهُ عِدَّتَهُ ، وَأَنْ يَتَأَهَّبَ لَهُ أُهْبَتَهُ ، وَأَنْ يَعْلَمَ قَدْرَ الْمَقَامِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ ، وَلَا يَكُونُ فِي صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَالصَّدْعِ بِهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ وَهَادِيهِ ، وَكَيْف هُوَ الْمَنْصِبُ الَّذِي تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَيَسْتَفْتُونَ كَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ } وَكَفَى بِمَا تَوَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ شَرَفًا وَجَلَالَةً ؛ إذْ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } ، وَلِيَعْلَمَ الْمُفْتِي عَمَّنْ يَنُوبُ فِي فَتْوَاهُ ، وَلِيُوقِنَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ غَدًا وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ .

    1/12:
    وَاَلَّذِينَ حُفِظَتْ عَنْهُمْ الْفَتْوَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةٌ وَنَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ نَفْسًا ، مَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ، وَكَانَ الْمُكْثِرُونَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ .
    وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ حَزْمٍ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ فَتْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِفْرٌ ضَخْمٌ قَالَ : وَقَدْ جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونِ فُتْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي عِشْرِينَ كِتَابًا.
    وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ الْمَذْكُورُ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ .

    1/23:
    [الفقهاء السبعة] نَظَمَهُمْ الْقَائِلُ فَقَالَ :
    إذَا قِيلَ مَنْ فِي الْعِلْمِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ * رِوَايَتُهُمْ لَيْسَتْ عَنْ الْعِلْمِ خَارِجَهْ
    فَقُلْ هُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ * سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَهْ

    1/28:
    [ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ] شَدِيدَ الْكَرَاهَةِ لِتَصْنِيفِ الْكُتُبِ ، وَكَانَ يُحِبُّ تَجْرِيدَ الْحَدِيثِ ، وَيَكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ كَلامَهُ ، وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ جِدًّا ، فَعَلِمَ اللَّهُ حُسْنَ نِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ فَكُتِبَ مِنْ كَلامِهِ وَفَتْوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاثِينَ سِفْرًا ، وَمَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا بِأَكْثَرِهَا فَلَمْ يَفُتْنَا مِنْهَا إلا الْقَلِيلُ ، وَجَمَعَ الْخلالُ نُصُوصَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَبَلَغَ نَحْوَ عِشْرِينَ سِفْرًا أَوْ أَكْثَرَ .

    1/29:
    [ أُصُولُ فَتَاوَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ «مختصر»]
    1- النُّصُوصُ ...
    2- مَا أَفْتَى بِهِ الصَّحَابَةُ ...
    3- إذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ تَخَيَّرَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا كَانَ أَقْرَبَهَا إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَقْوَالِهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مُوَافَقَةُ أَحَدِ الْأَقْوَالِ حَكَى الْخِلَافَ فِيهَا وَلَمْ يَجْزِمْ بِقَوْلٍ ...
    4- الْأَخْذُ بِالْمُرْسَلِ وَالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ عِنْدَهُ الْبَاطِلَ وَلَا الْمُنْكَرَ وَلَا مَا فِي رِوَايَتِهِ مُتَّهَمٌ بِحَيْثُ لَا يَسُوغُ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِهِ ؛ بَلْ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ عِنْدَهُ قَسِيمُ الصَّحِيحِ وَقِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْحَسَنِ ، وَلَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُ الْحَدِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ ، بَلْ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ ، وَلِلضَّعِيفِ عِنْدَهُ مَرَاتِبُ ...
    5- فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَلَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا أَثَرٌ مُرْسَلٌ أَوْ ضَعِيفٌ عَدَلَ إلَى الْأَصْلِ الْخَامِسِ - وَهُوَ الْقِيَاسُ - فَاسْتَعْمَلَهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْخَلَّالِ ، سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْقِيَاسِ ، فَقَالَ : إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَهَذِهِ الْأُصُولُ الْخَمْسَةُ مِنْ أُصُولِ فَتَاوِيهِ ، وَعَلَيْهَا مَدَارُهَا ...

    1/30:
    وَلَمْ يَكُـ[الإمام أحمد]ـنْ يُقَدِّمُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَمَلًا وَلَا رَأْيًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ وَلَا عَدَمَ عِلْمِهِ بِالْمُخَالِفِ الَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إجْمَاعًا وَيُقَدِّمُونَه ُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ كَذَّبَ أَحْمَدُ مَنْ ادَّعَى هَذَا الْإِجْمَاعَ ، وَلَمْ يَسِغْ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا نَصَّ فِي رِسَالَتِهِ الْجَدِيدَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ بِخِلَافٍ لَا يُقَال لَهُ إجْمَاعٌ ، وَلَفْظُهُ : مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ فَلَيْسَ إجْمَاعًا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : مَا يَدَّعِي فِيهِ الرَّجُلُ الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَذِبٌ ، مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، مَا يُدْرِيهِ ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ ؟ فَلْيَقُلْ : لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ ، هَذَا لَفْظُهُ وَنُصُوصُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا تَوَهُّمَ إجْمَاعٍ مَضْمُونُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ ، وَلَوْ سَاغَ لَتَعَطَّلَتْ النُّصُوصُ ، وَسَاغَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ أَنْ يُقَدِّمَ جَهْلُهُ بِالْمُخَالِفِ عَلَى النُّصُوصِ ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ ، لَا مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ.
    1/32:
    قَالَ [الإمام أحمد] لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ : إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَك فِيهَا إمَامٌ .
    1/33:
    وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَسَائِلِهِ : مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا فِيهِ الِاخْتِلَافُ فِي الْعِلْمِ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي ، قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَا رَأَيْت مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْفَتْوَى أَحْسَنَ فُتْيَا مِنْهُ ، كَانَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ : لَا أَدْرِي .
    وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِهِ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْغَرْبِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : لَا أَدْرِي فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ لَا أَدْرِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَاءَك أَنِّي لَا أَدْرِي .
    وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : كُنْت أَسْمَعُ أَبِي كَثِيرًا يُسْأَلُ عَنْ الْمَسَائِلِ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي وَيَقِفُ إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ فِيهَا اخْتِلَافٌ ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ : سَلْ غَيْرِي ، فَإِنْ قِيلَ لَهُ : مَنْ نَسْأَلُ ؟ قَالَ : سَلُوا الْعُلَمَاءَ ، وَلَا يَكَادُ يُسَمِّي رَجُلًا بِعَيْنِهِ .

    1/34:
    وَقَالَ سَحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ : أَجْسَرُ النَّاسِ عَلَى الْفُتْيَا أَقَلُّهُمْ عِلْمًا ، يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الْبَابُ الْوَاحِدُ مِنْ الْعِلْمِ يَظُنُّ أَنَّ الْحَقَّ كُلَّهُ فِيهِ .
    قُلْت : الْجُرْأَةُ عَلَى الْفُتْيَا تَكُونُ مِنْ قِلَّةِ الْعِلْمِ وَمِنْ غَزَارَتِهِ وَسِعَتِهِ ، فَإِذَا قَلَّ عِلْمُهُ أَفْتَى عَنْ كُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَإِذَا اتَّسَعَ عِلْمُهُ اتَّسَعَتْ فُتْيَاهُ ، وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَوْسَعِ الصَّحَابَةِ فُتْيَا .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    1/35:
    مُرَادُ عَامَّةِ السَّلَفِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ : رَفْعُ الْحُكْمِ بِجُمْلَتِهِ تَارَةً وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمُتَأَخِّرِي نَ ، وَرَفْعُ دَلَالَةِ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَالظَّاهِرِ وَغَيْرِهَا تَارَةً ، إمَّا بِتَخْصِيصٍ أَوْ تَقْيِيدٍ أَوْ حَمْلِ مُطْلَقٍ عَلَى مُقَيَّدٍ وَتَفْسِيرِهِ وَتَبْيِينِهِ حَتَّى إنَّهُمْ يُسَمُّونَ الِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ وَالصِّفَةَ نَسْخًا لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ رَفْعَ دَلَالَةِ الظَّاهِرِ وَبَيَانَ الْمُرَادِ ، فَالنَّسْخُ عِنْدَهُمْ وَفِي لِسَانِهِمْ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ ، بَلْ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهُمْ رَأَى مِنْ ذَلِكَ فِيهِ مَا لَا يُحْصَى ، وَزَالَ عَنْهُ بِهِ إشْكَالَاتٌ أَوْجَبَهَا حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ الْمُتَأَخِّرِ .

    1/36:
    وَقَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ " جَامِعِ فَضْلِ الْعِلْمِ " : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الْمِصِّيصِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ وَاقِدٍ ثنا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ حُسَيْنٍ إمَامُنَا قَالَ : رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فِي النَّوْمِ ، فَقُلْت : مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك يَا أَبَا حَنِيفَةَ ؟ قَالَ : غَفَرَ لِي ، فَقُلْت لَهُ : بِالْعِلْمِ ؟ فَقَالَ : مَا أَضَرَّ الْفُتْيَا عَلَى أَهْلِهَا ، فَقُلْت : فَبِمَ ؟ قَالَ : بِقَوْلِ النَّاسِ فِيَّ مَا لَمْ يَعْلَمْ اللَّهُ أَنَّهُ مِنِّي.

    1/36: [أيهما أشد خطرا المفتي أو القاضي]
    قَالَ أَبُو عُمَرَ : وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْحَدَّادُ : الْقَاضِي أَيْسَرُ مَأْثَمًا وَأَقْرَبُ إلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْفَقِيهِ - يُرِيدُ الْمُفْتِي ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ مِنْ شَأْنِهِ إصْدَارُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ سَاعَتِهِ بِمَا حَصَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ ، وَالْقَاضِي شَأْنُهُ الْأَنَاةُ وَالتَّثَبُّتُ وَمَنْ تَأَنَّى وَتَثَبَّتَ تَهَيَّأَ لَهُ مِنْ الصَّوَابِ مَا لَا يَتَهَيَّأُ لِصَاحِبِ الْبَدِيهَةِ ، انْتَهَى .
    وَقَالَ غَيْرُهُ : الْمُفْتِي أَقْرَبُ إلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْزِمُ بِفَتْوَاهُ ، وَإِنَّمَا يُخْبِرُ بِهَا مِنْ اسْتَفْتَاهُ ، فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ قَوْلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُلْزِمُ بِقَوْلِهِ ، فَيَشْتَرِك هُوَ وَالْمُفْتِي فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْحُكْمِ ، وَيَتَمَيَّزُ الْقَاضِي بِالْإِلْزَامِ وَالْقَضَاءِ ؛ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَطَرُهُ أَشَدُّ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْقَاضِي مِنْ الْوَعِيدِ وَالتَّخْوِيفِ مَا لَمْ يَأْتِ نَظِيرُهُ فِي الْمُفْتِي ، [ذكر بعض النصوص...] فَكُلُّ خَطَرٍ عَلَى الْمُفْتِي فَهُوَ عَلَى الْقَاضِي ، وَعَلَيْهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخَطَرِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ ، وَلَكِنْ خَطَرُ الْمُفْتِي أَعْظَمُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ؛ فَإِنَّ فَتْوَاهُ شَرِيعَةٌ عَامَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفْتِ ي وَغَيْرِهِ ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَحُكْمُهُ جُزْئِيٌّ خَاصٌّ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَلَهُ ؛ فَالْمُفْتِي يُفْتِي حُكْمًا عَامًّا كُلِّيًّا أَنَّ مَنْ فَعَلَ كَذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَذَا ، وَمَنْ قَالَ كَذَا لَزِمَهُ كَذَا ، وَالْقَاضِي يَقْضِي قَضَاءً مُعَيَّنًا عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ، فَقَضَاؤُهُ خَاصٌّ مُلْزِمٌ ، وَفَتْوَى الْعَالِمِ عَامَّةٌ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ ، فَكِلَاهُمَا أَجْرُهُ عَظِيمٌ ، وَخَطَرُهُ كَبِيرٌ.

    1/39:
    [استخدام الأئمة لفظ الكراهة بمعنى التحريم]
    قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا ، وَلَا أَدْرَكْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ : هَذَا حَلَالٌ ، وَهَذَا حَرَامٌ ، وَمَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ : نَكْرَهُ كَذَا ، وَنَرَى هَذَا حَسَنًا ؛ فَيَنْبَغِي هَذَا ، وَلَا نَرَى هَذَا ، وَرَوَاهُ عَنْهُ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ ، وَزَادَ : وَلَا يَقُولُونَ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ؟ } الْحَلَالُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
    قُلْت : وَقَدْ غَلِطَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِي نَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَئِمَّتِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، حَيْثُ تَوَرَّعَ الْأَئِمَّةُ عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ ، وَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْكَرَاهَةِ ، فَنَفَى الْمُتَأَخِّرُو نَ التَّحْرِيمَ عَمَّا أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْكَرَاهَةَ ، ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِمْ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ وَخَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّنْزِيهِ ، وَتَجَاوَزَ بِهِ آخَرُونَ إلَى كَرَاهَةِ تَرْكِ الْأَوْلَى ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي تَصَرُّفَاتِهِم ْ ؛ فَحَصَلَ بِسَبَبِهِ غَلَطٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ ...
    [ثم ذكر أمثلة كثيرة من استخدام الأئمة لفظ الكراهة ونحوه على المحرم]

    1/55:
    قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَصْبَحَ أَهْلُ الرَّأْيِ أَعْدَاءَ السُّنَنِ ، أَعْيَتْهُمْ أَنْ يَعُوهَا وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا ، فَاسْتَبَقُوهَا بِالرَّأْيِ . [... وذكر نحوه من طرق أخرى وألفاظ أخرى]

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    1/65:
    وَعَنْ عُمَرَ « أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا فَقَالَ : مَا صَنَعْت ؟ قَالَ : قَضَى عَلِيٌّ وَزَيْدٌ بِكَذَا ، قَالَ : لَوْ كُنْت أَنَا لَقَضَيْت بِكَذَا ، قَالَ : فَمَا مَنَعَك وَالْأَمْرُ إلَيْك ؟ قَالَ : لَوْ كُنْت أَرُدُّك إلَى كِتَابِ اللَّهِ أَوْ إلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَعَلْت ، وَلَكِنِّي أَرُدُّك إلَى رَأْيٍ ، وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ ».
    فَلَمْ يَنْقُضْ مَا قَالَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ .

    1/66:
    الْعَرَبُ تُفَرِّقُ بَيْنَ مَصَادِرِ فِعْلِ الرُّؤْيَةِ بِحَسَبِ مَحَالِّهَا فَتَقُولُ : رَأَى كَذَا فِي النَّوْمِ رُؤْيَا ، وَرَآهُ فِي الْيَقِظَةِ رُؤْيَةً ، وَرَأَى كَذَا - لِمَا يُعْلَمُ بِالْقَلْبِ وَلَا يُرَى بِالْعَيْنِ - رَأْيًا ، وَلَكِنَّهُمْ خَصُّوهُ بِمَا يَرَاهُ الْقَلْبُ بَعْدَ فِكْرٍ وَتَأَمُّلٍ وَطَلَبٍ لِمَعْرِفَةِ وَجْهِ الصَّوَابِ مِمَّا تَتَعَارَضُ فِيهِ الْأَمَارَاتُ ؛ فَلَا يُقَالُ لِمَنْ رَأَى بِقَلْبِهِ أَمْرًا غَائِبًا عَنْهُ مِمَّا يَحُسُّ بِهِ أَنَّهُ رَأْيُهُ ، وَلَا يُقَالُ أَيْضًا لِلْأَمْرِ الْمَعْقُولِ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْعُقُولُ وَلَا تَتَعَارَضُ فِيهِ الْأَمَارَاتُ إنَّهُ رَأْيٌ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى فِكْرٍ وَتَأَمُّلٍ كَدَقَائِقِ الْحِسَابِ وَنَحْوِهَا .

    1/74:
    وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : « دَعُوا السُّنَّةَ تَمْضِي ، لَا تَعْرِضُوا لَهَا بِالرَّأْيِ » .

    1/79:
    وَلِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ :
    الْعِلْمُ قَالَ اللَّهُ قَالَ رَسُولُهُ * قَالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيهِ
    مَا الْعِلْمُ نَصْبُكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً * بَيْنَ النُّصُوصِ وَبَيْنَ رَأْيِ سَفِيهِ
    كَلًّا وَلَا نَصْبُ الْخِلَافِ جَهَالَةً * بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَ رَأْيِ فَقِيهِ
    كَلا وَلَا رَدُّ النُّصُوصِ تَعَمُّدًا * حَذَرًا مِنْ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ
    حَاشَا النُّصُوصَ مِنْ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ * مِنْ فِرْقَةِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْوِيهِ


    1/84:
    قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ وَقَدْ تَعَدَّدَتْ مِنْهُمْ رُؤْيَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ : { أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ } فَاعْتَبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاطُؤَ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِينَ ، فَالْأُمَّةُ مَعْصُومَةٌ فِيمَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَتِهَا وَرُؤْيَاهَا.

    1/86:
    [من كتاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما]
    ...فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الْحَقِّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ =كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ تَزَّيَّنَ بِمَا لَيْسَ فِي نَفْسِهِ = شَانَهُ اللَّهُ ...

    1/87:
    وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلَا الْحَاكِمُ مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ :
    أَحَدُهُمَا : فَهْمُ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِيهِ وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا .
    وَالنَّوْعُ الثَّانِي : فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ؛ فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعْدَمْ أَجْرَيْنِ أَوْ أَجْرًا ؛ فَالْعَالِمُ مَنْ يَتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، كَمَا تَوَصَّلَ شَاهِدُ يُوسُفَ بِشَقِّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ إلَى مَعْرِفَةِ بَرَاءَتِهِ وَصِدْقِهِ ...
    وَمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ وَقَضَايَا الصَّحَابَةِ وَجَدَهَا طَافِحَةً بِهَذَا ، وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ هَذَا أَضَاعَ عَلَى النَّاسِ حُقُوقَهُمْ ، وَنَسَبَهُ إلَى الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ .

    1/90:
    وَلا حَجْرَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ حَمْلَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَيْهِ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْغَلَطُ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ وَحَمْلِهَا عَلَى غَيْرِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهَا وَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ لِلْمُتَأَخِّرِ ينَ أَغْلَاطٌ شَدِيدَةٌ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ...

    1/93:
    طُرُق الْحُكْمِ أَعَمُّ مِنْ طُرُقِ حِفْظِ الْحُقُوقِ...

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    1/95:
    وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِإِشْهَادِ امْرَأَتَيْنِ لِتَوْكِيدِ الْحِفْظِ ؛ لِأَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَتَيْنِ وَحِفْظَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ عَقْلِ رَجُلٍ وَحِفْظِهِ ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمِيرَاثِ وَالدِّيَةِ وَالْعَقِيقَةِ وَالْعِتْقِ .
    قلت : وذكر هذا في بدائع الفوائد 3/673، وزاد المعاد1/160، وتحفة المودود ص68، والطرق الحكمية ص219 .

    1/99:
    وَقَدْ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً بصْحِيفَة عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، وَلَا يُعْرَفُ فِي أَئِمَّةِ الْفَتْوَى إلَّا مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا وَاحْتَجَّ بِهَا ، وَإِنَّمَا طَعَنَ فِيهَا مَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ أَعْبَاءَ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى كَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا .

    1/105: ... أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَلَّمَا يُخْطِئُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ : اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ ، إنَّ وَرَاءَكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ ، وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ ، حَتَّى يَقْرَأَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ ، فَيُوشِكُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُولَ : قَرَأْت الْقُرْآنَ فَمَا أَظُنُّ أَنْ يَتْبَعُونِي حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ ، فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتَدَعَ ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَإِيَّاكُمْ وَزَيْغَةَ الْحَكِيمِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ بِكَلِمَةِ الضَّلَالَةِ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ ، فَتَلَقَّوْا الْحَقَّ عَنْ مَنْ جَاءَ بِهِ ، فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا ، قَالُوا : وَكَيْف زَيْغَةُ الْحَكِيمِ ؟ قَالَ : هِيَ الْكَلِمَةُ تَرُوعُكُمْ وَتُنْكِرُونَهَ ا وَتَقُولُونَ مَا هَذَا ، فَاحْذَرُوا زَيْغَتَهُ ، وَلَا يَصُدُّنَّكُمْ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَفِيءَ وَأَنْ يُرَاجِعَ الْحَقَّ ، وَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانُهُمَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

    1/106: وَسُئِلَ [الإمام أحمد] عَنْ رَجُلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْكَى فِي الْعَدُوِّ مَعَ شُرْبِهِ الْخَمْرَ وَالْآخَرُ أَدْيَنُ ؟ فَقَالَ : يُغْزِي مَعَ الْأَنْكَى فِي الْعَدُوِّ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ .
    وَبِهَذَا مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُوَلِّي الْأَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ، كَمَا وَلَّى خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مِنْ حِينِ أَسْلَمَ عَلَى حُرُوبِهِ لِنِكَايَتِهِ فِي الْعَدُوِّ ، وَقَدَّمَهُ عَلَى بَعْضِ السَّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِثْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ، وَهُمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ وَقَاتَلُوا ؛ وَخَالِدٌ وَكَانَ مِمَّنْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ، فَإِنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ ، ثُمَّ إنَّهُ فَعَلَ مَعَ بَنِي جَذِيمَةَ مَا تَبَرَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ حِينَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ ، وَقَالَ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ } وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَعْزِلْهُ ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ مِنْ أَسْبَقِ السَّابِقِينَ وَقَالَ لَهُ { يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ } وَأَمَّرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْصِدُ أَخْوَالَهُ بَنِي عُذْرَةَ فَعَلِمَ أَنَّهُمْ يُطِيعُونَهُ مَا لَا يُطِيعُونَ غَيْرَهُ لِلْقَرَابَةِ ؛ وَأَيْضًا فَلِحُسْنِ سِيَاسَةِ عَمْرٍو وَخِبْرَتِهِ وَذَكَائِهِ وَدَهَائِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَدْهَى الْعَرَبِ ؛ وَدُهَاةُ الْعَرَبِ أَرْبَعَةٌ هُوَ أَحَدُهُمْ ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ وَقَالَ : { تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا } فَلَمَّا تَنَازَعَا فِيمَنْ يُصَلِّي سَلَّمَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعَمْرٍو ؛ فَكَانَ يُصَلِّي بِالطَّائِفَتَي ْنِ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ ؛ وَأَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَكَانَ أَبِيهِ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ - أَحْرِصُ عَلَى طَلَبِ ثَأْرِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَقَدَّمَ أَبَاهُ زَيْدًا فِي الْوِلَايَةِ عَلَى جَعْفَرٍ بْن عَمِّهِ مَعَ أَنَّهُ مَوْلَى ، وَلَكِنَّهُ مِنْ أَسْبَقِ النَّاسِ إسْلَامًا قَبْلَ جَعْفَرٍ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى طَعْنِ النَّاسِ فِي إمَارَةِ أُسَامَةَ وَزَيْدٍ وَقَالَ : { إنْ تَطْعَنُوا فِي إمَارَةِ أُسَامَةَ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ ، وَأَيْمُ اللَّهِ إنْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ } وَأَمَّرَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَإِخْوَتَهُ لِأَنَّهُمْ مِنْ كُبَرَاءِ قُرَيْشٍ وِسَادَاتِهِمْ وَمِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَلَمْ يَتَوَلَّ أَحَدٌ بَعْدَهُ .
    وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَدْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْلِيَةُ الْأَنْفَعِ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ ، وَالْحُكْمُ بِمَا يُظْهِرُ الْحَقَّ وَيُوَضِّحُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْوَى مِنْهُ يُعَارِضُهُ ، فَسِيرَتُهُ تَوْلِيَةُ الْأَنْفَعِ وَالْحُكْمُ بِالْأَظْهَرِ .

    1/90-107: فصل طويل في البينات والشهادات وما يتعلق بها قال في آخره :
    وَلَا يُسْتَطَلْ هَذَا الْفَصْلُ فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعْ فُصُولِ الْكِتَابِ .

    1/109:
    وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْن ِ الْمُقْتَتِلَتَ يْنِ أَوَّلًا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ لَا بِالصُّلْحِ فَإِنَّهَا ظَالِمَةٌ ، فَفِي الْإِصْلَاحِ مَعَ ظُلْمِهَا هَضْمٌ لِحَقِّ الطَّائِفَةِ الْمَظْلُومَةِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الظَّلَمَةِ الْمُصْلِحِينَ يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَادِرِ الظَّالِمِ وَالْخَصْمِ الضَّعِيفِ الْمَظْلُومِ بِمَا يُرْضِي بِهِ الْقَادِرَ صَاحِبَ الْجَاهِ ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ الْحَظُّ ، وَيَكُونُ الْإِغْمَاضُ وَالْحَيْفُ فِيهِ عَلَى الضَّعِيفِ ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَصْلَحَ ، وَلَا يُمَكِّنُ الْمَظْلُومَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ ، وَهَذَا ظُلْمٌ ، بَلْ يُمَكِّنُ الْمَظْلُومَ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ، ثُمَّ يَطْلُبُ إلَيْهِ بِرِضَاهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ حَقِّهِ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِصَاحِبِ الْجَاهِ ، وَلَا يَشْتَبِهُ بِالْإِكْرَاهِ لِلْآخَرِ بِالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِهَا .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    1/111-118:
    بحث في شهادة القريب لقريبه هل تقبل ؟
    رجّح أنها لا تقبل مع التهمة ، وتقبل بدونها.

    1/116:
    مسائل حول حديث « أنت ومالك لأبيك » .

    1/119:
    وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ : هَلْ هُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ مِنْ الْكَبَائِرِ ؟
    عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَكَاهُمَا أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَمَامِهِ .
    وَاحْتَجَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ : بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ صِفَاتِ شَرِّ الْبَرِّيَّةِ ، وَهُمْ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُو نَ ، فَلَمْ يَصِفْ بِهِ إلَّا كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا ، وَجَعَلَهُ عَلَمَ أَهْلِ النَّارِ وَشِعَارَهُمْ وَجَعَلَ الصِّدْقَ عَلَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشِعَارَهُمْ .
    وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ؛ فَإِنَّهُ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرِّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَصْدُقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَكْذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا : { آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ } .
    وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَذِبِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَهُ الْكَذْبَةَ فَمَا تَزَالُ فِي نَفْسِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً } .
    وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ : ثنا مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ثنا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { مَا كَانَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَذِبِ ، وَمَا جَرَّبَ عَلَى أَحَدٍ كَذِبًا فَرَجَعَ إلَيْهِ مَا كَانَ حَتَّى يَعْرِفَ مِنْهُ تَوْبَةً } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيق ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْطَلَ شَهَادَةَ رَجُلٍ فِي كَذْبَةٍ كَذَبَهَا } وَهُوَ مُرْسَلٌ ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ عَنْهُ .
    وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ : سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : " إيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ مُجَانِبُ الْإِيمَانَ " يُرْوَى مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا ؛ وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " الْمُسْلِمُ يُطْبَعُ عَلَى كُلِّ طَبِيعَةٍ غَيْرَ الْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ " ، وَيُرْوَى مَرْفُوعًا أَيْضًا .
    وَفِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيّ ِ مِنْ حَدِيثِ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِمًا قَالَ : عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ بِاَللَّهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } .
    وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ وَفُشُوُّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ ، وَقَطْعُ الْأَرْحَامِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، وَكِتْمَانُ شَهَادَةِ الْحَقِّ } .
    وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ : ثنا أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَالًا ، فَجَحَدَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَشَهِدَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ : لَا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا شَهِدَ عَلَيَّ بِحَقٍّ ، وَمَا عَلِمْتُهُ إلَّا رَجُلًا صَالِحًا ، غَيْرَ هَذِهِ الزَّلَّةِ فَإِنَّهُ فَعَلَ هَذَا لِحِقْدٍ كَانَ فِي قَلْبِهِ عَلَيَّ ، وَكَانَ مُحَارِبٌ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ : يَا ذَا الرَّجُلِ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ تَشِيبُ فِيهِ الْوَلَدَانِ ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ مَا فِي بُطُونِهَا ، وَتَضْرِبُ الطَّيْرُ بِأَذْنَابِهَا وَتَضَعُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَلَا ذَنْبَ عَلَيْهَا وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا يُقَارُّ قَدَمَاهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يُقْذَفَ بِهِ فِي النَّارِ فَإِنْ كُنْت شَهِدْت بِحَقٍّ فَاتَّقِ اللَّهَ وَأَقِمْ عَلَى شَهَادَتِك ، وَإِنْ كُنْت شَهِدْت بِبَاطِلٍ فَاتَّقِ اللَّهَ وَغَطَّ رَأْسَك وَاخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ.
    وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ: كُنْت فِي مَجْلِسِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ فِي قَضَائِهِ ، حَتَّى تَقَدَّمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ حَقًّا ، فَأَنْكَرَهُ ، فَقَالَ : أَلَك بَيِّنَةٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، اُدْعُ فُلَانًا ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، وَاَللَّهِ إنْ شَهِدَ عَلَيَّ لَيَشْهَدَنَّ بِزُورٍ ، وَلَئِنْ سَأَلْتَنِي عَنْهُ لَأُزَكِّيَنَّه ُ ؛ فَلَمَّا جَاءَ الشَّاهِدُ قَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ الطَّيْرَ لِتَضْرِبَ بِمَنَاقِيرِهَا ، وَتَقْذِفَ مَا فِي حَوَاصِلِهَا ، وَتُحَرِّكَ أَذْنَابَهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تُقَارُّ قَدَمَاهُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يُقْذَفَ بِهِ فِي النَّارِ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ : بِمَ تَشْهَدُ ؟ قَالَ : كُنْت أُشْهِدْت عَلَى شَهَادَةٍ وَقَدْ نَسِيتُهَا ، أَرْجِعُ فَأَتَذَكَّرُهَ ا ، فَانْصَرَفَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.
    وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ ثنا زَافِرٌ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ: كُنْت عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ ، فَشَهِدَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَاهِدٌ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ شَهِدَ عَلَيَّ بِزُورٍ ، وَلَئِنْ سُئِلَتْ عَنْهُ لَيُزَكَّيَنَّ ، وَكَانَ مُحَارِبٌ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَزُولُ قَدَمَا شَاهِدِ الزُّورِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ . وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ إلَى مُحَارِبٍ .
    فَصْلٌ :
    وَأَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ وَالْفُتْيَا وَالرِّوَايَةِ : الْكَذِبُ ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ فِي نَفْسِ آلَةِ الشَّهَادَةِ وَالْفُتْيَا وَالرِّوَايَةِ ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ ، وَشَهَادَةِ الْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ ؛ فَإِنَّ اللِّسَانَ الْكَذُوبَ بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ تَعَطَّلَ نَفْعُهُ ، بَلْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ ، فَشَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ لِسَانٌ كَذُوبٌ ؛ وَلِهَذَا يَجْعَلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شِعَارَ الْكَاذِبِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِعَارَ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِهِ سَوَادَ وُجُوهِهِمْ ، وَالْكَذِبُ لَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي سَوَادِ الْوَجْهِ ، وَيَكْسُوهُ بُرْقُعًا مِنْ الْمَقْتِ يَرَاهُ كُلُّ صَادِقٍ ؛ فَسِيَّمَا الْكَاذِبُ فِي وَجْهِهِ يُنَادَى عَلَيْهِ لِمَنْ لَهُ عَيْنَانِ ، وَالصَّادِقُ يَرْزُقُهُ اللَّهُ مَهَابَةً وَجَلَالَةً ، فَمَنْ رَآهُ هَابَهُ وَأَحَبَّهُ ، وَالْكَاذِبُ يَرْزُقُهُ إهَانَةً وَمَقْتًا ، فَمَنْ رَآهُ مَقَتَهُ وَاحْتَقَرَهُ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

    1/130:
    وَقَدْ اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ عَلَى بِضْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَثَلًا تَتَضَمَّنُ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِنَظِيرِهِ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ .
    وَقَالَ تَعَالَى : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ } فَالْقِيَاسُ فِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ مِنْ خَاصَّةِ الْعَقْلِ ، وَقَدْ رَكَّزَ اللَّهُ فِطَرَ النَّاسِ وَعُقُولَهُمْ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَي ْنِ
    وَإِنْكَارِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْ نِ وَإِنْكَارِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا .
    [ثم سرد الأمثال وشرحها شرحا نفيسا]

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    1/136:
    وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَمَعَ بَيْنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْخَلَاقِ وَبَيْنَ الْخَوْضِ بِالْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الدِّينِ إمَّا أَنْ يَقَعَ بِالِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ وَهُوَ الْخَوْضُ ، أَوْ يَقَعُ فِي الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْخَلَاقِ ، فَالْأَوَّلُ الْبِدَعُ ، وَالثَّانِي اتِّبَاعُ الْهَوَى ، وَهَذَانِ هُمَا أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ وَبَلَاءٍ ، وَبِهِمَا كُذِّبَتْ الرُّسُلُ ، وَعُصِيَ الرَّبُّ ، وَدُخِلَتْ النَّارُ ، وَحَلَّتْ الْعُقُوبَاتُ ، فَالْأَوَّلُ مِنْ جِهَةِ الشُّبُهَاتِ ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الشَّهَوَاتِ ، وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ : احْذَرُوا مِنْ النَّاسِ صِنْفَيْنِ : صَاحِبُ هَوًى فِتْنَتُهُ هَوَاهُ ، وَصَاحِبُ دُنْيَا أَعْجَبَتْهُ دُنْيَاهُ .وَكَانُوا يَقُولُونَ : احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ؛ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ ، فَهَذَا يُشْبِهُ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَعْمَلُونَ بِخِلَافِهِ ، وَهَذَا يُشْبِهُ الضَّالِّينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ .

    1/144:
    وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } فَرَدَّ عَلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ رَدًّا يَتَضَمَّنُ الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى إعَادَتِهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا فَقَالَ : { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } فَلَمَّا اسْتَبْعَدُوا أَنْ يُعِيدَهُمْ اللَّهُ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ أَنْ صَارُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا قِيلَ لَهُمْ : كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْتَ أَوْ السَّمَاءَ أَوْ الْأَرْضَ أَوْ أَيَّ خَلْقٍ اسْتَعْظَمْتُمُ وهُ وَكَبُرَ فِي صُدُورِكُمْ ، وَمَضْمُونُ الدَّلِيلِ أَنَّكُمْ مَرْبُوبُونَ مَخْلُوقُونَ مَقْهُورُونَ عَلَى مَا يَشَاءُ خَالِقُكُمْ ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى تَغْيِيرِ أَحْوَالِكُمْ مِنْ خِلْقَةٍ إلَى خِلْقَةٍ لَا تَقْبَلُ الِاضْمِحْلَالَ كَالْحِجَارَةِ وَالْحَدِيدِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ كُنْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْخِلْقَةِ مِنْ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ لَنَفَذَتْ أَحْكَامِي وَقُدْرَتِي وَمَشِيئَتِي ، وَلَمْ تَسْبِقُونِي وَلَمْ تَفُوتُونِي ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ هُوَ فِي قَبْضَتِهِ : اصْعَدْ إلَى السَّمَاءِ فَإِنِّي لَاحِقُك ؛ أَيْ لَوْ صَعِدْت إلَى السَّمَاءِ لَحِقْتُك ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْآيَةِ لَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ أَعْظَمَ خَلْقًا مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَعْجَزْتُمُونِ ي وَلَمَا فُتُّمُونِي .
    وَقِيلَ : الْمَعْنَى كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ ، أَيْ صَوِّرُوا أَنْفُسَكُمْ وَقَدِّرُوهَا خَلْقًا لَا يَضْمَحِلُّ وَلَا يَنْحَلُ ، فَإِنَّا سَنُمِيتُكُمْ ثُمَّ نُحْيِيكُمْ وَنُعِيدُكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا ، وَبَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَرْقٌ لَطِيفٌ ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنَّكُمْ لَوْ قَدَرْتُمْ عَلَى نَقْلِ خِلْقَتِكُمْ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ هِيَ أَشَدَّ مِنْهَا وَأَقْوَى لَنَفَذَتْ مَشِيئَتُنَا وَقُدْرَتُنَا فِيكُمْ وَلَمْ تُعْجِزُونَا ، فَكَيْفَ وَأَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنْ ذَلِكَ ؟ وَالْمَعْنَى الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّكُمْ صَوِّرُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَنْزِلُوهَا هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ ، ثُمَّ اُنْظُرُوا أَتَفُوتُونَا وَتُعْجِزُونَا أَمْ قُدْرَتُنَا وَمَشِيئَتُنَا مُحِيطَةٌ بِكُمْ وَلَوْ كُنْتُمْ كَذَلِكَ ؟ وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي لَا تَعْرِضُ فِيهَا شُبْهَةٌ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ لَا تَجِدُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ عَنْ الْإِذْعَانِ وَالِانْقِيَادِ لَهَا بُدًّا ، فَلَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ صِحَّةَ هَذَا الْبُرْهَانِ وَأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ انْتَقَلُوا إلَى الْمُطَالَبَةِ بِمَنْ يُعِيدُهُمْ فَقَالُوا : مَنْ يُعِيدُنَا ؟ وَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ سُؤَالًا مِنْهُمْ عَنْ تَعْيِينِ الْمُعِيدِ أَوْ إنْكَارًا مِنْهُمْ لَهُ فَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ التَّعَنُّتِ وَأَبْيَنِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ جَوَابُهُ : {قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وَلَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّ هَذَا جَوَابٌ قَاطِعٌ انْتَقَلُوا إلَى بَابٍ آخَرَ مِنْ التَّعَنُّتِ ؛ وَهُوَ السُّؤَالُ عَنْ وَقْتِ هَذِهِ الْإِعَادَةِ ، فَأَنْغَضُوا إلَيْهِ رُءُوسَهُمْ وَقَالُوا : مَتَى هُوَ ؟ فَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا } فَلْيَتَأَمَّلْ اللَّبِيبُ لُطْفَ مَوْقِعِ هَذَا الدَّلِيلِ ، وَاسْتِلْزَامَه ُ لِمَدْلُولِهِ اسْتِلْزَامًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ السُّؤَالَاتِ وَالْجَوَابِ عَنْهَا أَبْلَغَ جَوَابٍ وَأَصَحَّهُ وَأَوْضَحَهُ ، فَلِلَّهِ مَا يَفُوتُ الْمُعْرِضِينَ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ الْمُتَعَوَّضِي نَ عَنْهُ بِزُبَالَةِ الْأَذْهَانِ وَنُخَالَةِ الْأَفْكَارِ .

    1/145:
    { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } ... وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّلْبِ صُلْبُ الرَّجُلِ ، وَاخْتُلِفَ فِي التَّرَائِبِ فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهَا تَرَائِبُهُ أَيْضًا ، وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ مَا بَيْنَ التَّرْقُوَةِ إلَى الثَّنْدُوَةِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ تَرَائِبُ الْمَرْأَةِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } وَلَمْ يَقُلْ يَخْرُجُ مِنْ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَاءُ الرَّجُلِ خَارِجًا مِنْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْ نِ كَمَا قَالَ فِي اللَّبَنِ : { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ } وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَالنُّطْفَةُ هِيَ مَاءُ الرَّجُلِ ، كَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَالنُّطْفَةُ الْمَاءُ الصَّافِي قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَالنُّطْفَةُ مَاءُ الرَّجُلِ ، وَالْجَمْعُ نُطَفٌ ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِالدَّفْقِ وَالنَّضْحِ إنَّمَا هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ ، وَلَا يُقَالُ نَضَحَتْ الْمَرْأَةُ الْمَاءَ وَلَا دَفَقَتْهُ ، وَاَلَّذِي أَوْجَبَ لِأَصْحَابِ الْقَوْلِ الْآخَرِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا : التَّرَائِبُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ ، قَالَ الزَّجَّاجُ : أَهْلُ اللُّغَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْشَدُوا لِامْرِئِ الْقَيْسِ : مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ التَّرَائِبِ بِالْمَرْأَةِ ، بَلْ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ .
    قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : التَّرَائِبُ عِظَامُ الصَّدْرِ مَا بَيْنَ التَّرْقُوَةِ إلَى الثَّنْدُوَةِ .

    1/161:
    فَصْلٌ :
    وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
    هَذَانِ مَثَلَانِ مُتَضَمِّنَانِ قِيَاسَيْنِ مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ ، وَهُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ لِنَفْيِ عِلَّتِهِ وَمُوجِبِهِ ، فَإِنْ الْقِيَاسَ نَوْعَانِ :
    قِيَاسُ طَرْدٍ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ .
    وَقِيَاسُ عَكْسٍ يَقْتَضِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْفَرْعِ لِنَفْيِ عِلَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ ؛ فَالْمَثَلُ الْأَوَّلُ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْأَوْثَانِ ، فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُ كَيْف يَشَاءُ عَلَى عَبِيدِهِ سِرًّا وَجَهْرًا وَلَيْلًا وَنَهَارًا يَمِينُهُ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةُ سَحَّاءَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَالْأَوْثَانُ مَمْلُوكَةٌ عَاجِزَةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، فَكَيْف يَجْعَلُونَهَا شُرَكَاءَ لِي وَيَعْبُدُونَهَ ا مِنْ دُونِي مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ وَالْفَرْقِ الْمُبِينِ ؟
    هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ ؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ فِي الْخَيْرِ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ رَزَقَهُ مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ سِرًّا وَجَهْرًا ، وَالْكَافِرُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ عَاجِزٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ عِنْدَهُ ، فَهَلْ يَسْتَوِي الرَّجُلَانِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ ؟
    وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهَ بِالْمُرَادِ ، فَإِنَّهُ أَظْهَرُ فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ ، وَأَوْضَحُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ ، وَأَعْظَمُ فِي إقَامَةِ الْحُجَّةِ ، وَأَقْرَبُ نَسَبًا بِقَوْلِهِ : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ثُمَّ قَالَ : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الْمِثْلِ وَأَحْكَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ كَمِنْ رَزَقَهُ مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ، وَالْكَافِرُ الْمُشْرِكُ كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، فَهَذَا مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ وَأَرْشِدْ إلَيْهِ ، فَذَكَره ابْنُ عَبَّاسٍ مُنَبِّهًا عَلَى إرَادَتِهِ لَا أَنَّ الْآيَةَ اخْتَصَّتْ بِهِ ، فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّك تَجِدْهُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ ، فَيُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا غَيْرُهُ فَيَحْكِيه قَوْلُهُ .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    1/189:
    ثم في هذه الأمثال [في سورة التحريم] من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة ؛ فإنها سيقت في ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، والتحذير من تظاهرهن عليه ، وأنهن إن لم يطعن الله ورسوله ويردن الدار الآخرة لم ينفعهن اتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما ، ولهذا إنما ضرب في هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة .
    قال يحيى بن سلام : ضرب الله المثل الأول يحذر عائشة وحفصة ، ثم ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسك بالطاعة .
    وفي ضرب المثل للمؤمنين بمريم أيضا اعتبار آخر وهو أنها لم يضرها عند الله شيئا قذف أعداء الله اليهود لها ، ونسبتهم إياها وابنها إلى ما برأهما الله عنه ، مع كونها الصديقة الكبرى المصطفاة على نساء العالمين ؛ فلا يضر الرجل الصالح قدح الفجار والفساق فيه .
    وفي هذا تسلية لعائشة أم المؤمنين إن كانت السورة نزلت بعد قصة الإفك ، وتوطين نفسها على ما قال فيها الكاذبون إن كانت قبلها ، كما في ذكر التمثيل بامرأة نوح ولوط تحذير لها ولحفصة مما اعتمدتاه في حق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فتضمنت هذه الأمثال التحذير لهن والتخويف ، والتحريض لهن على الطاعة والتوحيد ، والتسلية وتوطين النفس لمن أوذي منهن وكذب عليه ، وأسرار التنزيل فوق هذا وأجل منه ، ولا سيما أسرار الأمثال التي لا يعقلها إلا العالمون .

    1/191-195:
    تأويل الرؤى ومناسبات ذلك... «ذكر أمور كثيرة »

    1/195:
    فالرؤيا أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب به من المثل على نظيره ، ويعبر منه إلى شبهه ، ولهذا سمي تأويلها تعبيرا ، وهو تفعيل من العبور ، كما أن الاتعاظ يسمى اعتبارا وعبرة لعبور المتعظ من النظير إلى نظيره ، ولولا أن حكم الشيء حكم مثله وحكم النظير حكم نظيره لبطل هذا التعبير والاعتبار ، ولما وجد إليه سبيل ، وقد أخبر الله - سبحانه - أنه ضرب الأمثال لعباده في غير موضع من كتابه ، وأمر باستماع أمثاله ، ودعا عباده إلى تعقلها ، والتفكير فيها ، والاعتبار بها ، وهذا هو المقصود بها.

    1/197:
    وقد جاء التعليل في الكتاب العزيز بالباء تارة ، وباللام تارة ، وبأن تارة ، وبمجموعهما تارة ، وبكي تارة ، ومن أجل تارة ، وترتيب الجزاء على الشرط تارة ، وبالفاء المؤذنة بالسببية تارة ، وترتيب الحكم على الوصف المقتضي له تارة ، وبلما تارة ، وبأن المشددة تارة ، وبلعل تارة ، وبالمفعول له تارة. [ثم ذكر الأمثلة]

    1/206:
    [ذكر عن ابن عبد البر بعض المسائل التي قال فيها السلف بالقياس ثم ذكر أن نفاة القياس قد دفعوا بعضها واستدلوا عليه بالعمومات... ثم قال:]
    هؤلاء إن أمكنهم ذلك في بعض المسائل فلا يمكنهم ذلك في كثير من المواضع وهم مضطرون فيها ولا بد من القياس أو القول بما لم يقله به غيرهم ممن تقدمهم .

    1/207:
    ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تشربوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة } ، وقوله : { الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم } ، وهذا التحريم لا يختص بالأكل والشرب ، بل يعم سائر وجوه الانتفاع ، فلا يحل له أن يغتسل بها ، ولا يتوضأ بها ، ولا يدهن فيها ، ولا يكتحل منها ، وهذا أمر لا يشك فيه عالم.

    1/219-220:
    والعلم بمراد المتكلم يعرف تارة من عموم لفظه ، وتارة من عموم علته ، والحوالة على الأول أوضح لأرباب الألفاظ ، وعلى الثاني أوضح لأرباب المعاني والفهم والتدبر ، وقد يعرض لكل من الفريقين ما يخل بمعرفة مراد المتكلم ، فيعرض لأرباب الألفاظ التقصير بها عن عمومها ، وهضمها تارة وتحميلها فوق ما أريد بها تارة ، ويعرض لأرباب المعاني فيها نظير ما يعرض لأرباب الألفاظ فهذه أربع آفات هي منشأ غلط الفريقين . [ثم ذكر أمثلة]

  9. #9

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    الحمد لله

    جزاك الله خيرا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    بارك الله فيك وشكر لك وسددك

    1/223:
    وقد روى الإمام أحمد عن خمسة من الصحابة عثمان وابن عباس وعبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وجابر أنهم كانوا يخمرون وجوههم محرمون ؛ فإذا كان هذا في حق الرجل وقد أمر بكشف رأسه فالمرأة بطريق الأولى والأحرى .
    1/226:
    وتأمل قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } ، كيف تجد تحته بألطف دلالة وأدقها وأحسنها: أنه من اجتنب الشرك جميعه =كفرت عنه كبائره، وأن نسبة الكبائر إلى الشرك كنسبة الصغائر إلى الكبائر، فإذا وقعت الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر؛ فالكبائر تقع مكفرة باجتناب الشرك، وتجد الحديث الصحيح كأنه مشتق من هذا المعنى، وهو قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه - تبارك وتعالى - : { ابن آدم إنك لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة } ، وقوله : { إن الله حرم النار على من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه }، بل محو التوحيد الذي هو توحيد الكبائر أعظم من محو اجتناب الكبائر للصغائر.

    1/227-330 :
    سرد طويل لأقوال وحجج نفاة القياس.

    1/230-239:
    سرد لأحاديث كثيرة ضرب فيها أمثال متنوعة.

    1/270:
    سرد طويل لتناقض قياس القياسيين.

    1/297:
    حكى غير واحد إجماع الصحابة على أن الحالف بالطلاق لا يلزمه الطلاق إذا حنث.

    1/309:
    طرفة على أصحاب الرأي في مسالة بئر وقعت فيه نجاسة:
    وقلتم : لو وقع في البئر نجاسة تنجس ماؤها وطينها ، فإن نزح منها دلو فترشرش على حيطانها تنجست حيطانها ، وكلما نزح منها شيء نبع مكانه شيء فصادف ماء نجسا وطينا نجسا ، فإذا وجب نزح أربعين دلوا مثلا فنزح تسعة وثلاثون كان المنزوح والباقي كله نجسا ، والحيطان التي أصابها الماء والطين الذي في قرار البئر ، حتى إذا نزح الدلو الأربعون قشقش النجاسة كلها ، فطهر الطين والماء وحيطان البئر وطهر نفسه! فما رئي أكرم من هذا الدلو ولا أعقل ولا أخير . وانظر: 2/318.

    1/310:
    وقلتم : لو تزوجها على أن يرعى غنمها مدة صح ، وليس جهالة حملانها إلى الحج بأعظم من جهالة أوقات الرعي ومكانه ، على أن هذه المسألة بعيدة من أصول أحمد ونصوصه ولا تعرف منصوصة عنه؛ بل نصوصه على خلافها ، قال في رواية منها ، فيمن تزوج على عبد من عبيده جاز ، وإن كانوا عشرة عبيد يعطي من أوسطهم ، فإن تشاحا أقرع بينهما ، قلت : وتستقيم القرعة في هذا ؟ قال : نعم.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    113

    افتراضي رد: فوائد ولطائف ومختارات من «إعلام الموقعين» للعلامة ابن القيم

    جزاكم الله خيرا أخي عبد الرحمن وبارك فيك
    {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ }
    { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •