تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 35

الموضوع: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    الجزائر - باتنة -
    المشاركات
    486

    افتراضي البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    مُدَارسة في:
    الضوابط التّي يجب أن تتوفر في الفعل حتىّ يكون بدعة.

    سبق وأن قدمت موضوعا للمجلس العلمي.
    هل كل ما جمعه الشيخ مشهور في قاموسه للبدع يصلح أن يقال عنه بدعة ؟.
    وطلب بعض إخواني أن نقدّم موضوعا مستقلا في المجلس العلمي ندرس فيه معنى البدعة، ونحدد ضوابطها.

    وعليه:
    فإنّه لن يستقيم الأمر، ولن تتحدد ضوابط البدعة، إلاّ بعد بيان تعريفٍ لها.

    والبدعة في حقيقتها اللغوية تطلق ويراد بها:
    الاختراع والإنشاء على غير مثال سابق.
    والبِدع:
    الشّيء الذّي يكون أوّلاً.

    قال تعالى:
    قُل مَا كُنتُ بِدَعاً مِنَ الرُسُل الأحقاف: 9.

    أمّا في الاصطلاح:
    فقد تعددت تعريفات العلماء لها.
    فمنهم من وصفها بمفهوم لا يخرج عن معناها اللغوي، كالإمام العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام (ص: 337)..
    حيث قال:
    "البدعة فِعل ما لم يُعهَد في عصر رسول الله ".
    وقد اختار هذا التعريف بعض العلماء كأبي العباس القرافي والنووي، وابن حجر العسقلاني وغيرهم رحمهم الله.

    إلاّ أنّه تعريف يعم كلّ ما استحدث بعد عصر الرسالة، سواء كان له أصل أو لم يكن ذلك.

    ولأنّ هؤلاء اختاروا هذا التعريف الذّي يشمل كلّ ما أُحدِث بعده فلا تعجب أخي إذا وجدت الواحد فيهم يُقسِّم البدعة إلى خمسة أقسام.
    - فتَنَبه -

    أمّا عن التعريف الذّي استحسنه كثير من العلماء، وتكاد تجد اتفاقا عند الباحثين المعاصرين أنّه الأفضل، هو تعريف الإمام الشّاطبي في كتابه الاعتصام، الذّي قال فيه:
    البدعة:
    "عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تُضَاهِي الشرعية، يُقصَد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه".
    (3/ 28).

    يتبع...
    قال الإمام الشاطبي:
    "خذ من العلم لبه، ولا تستكثر من ملحه، وإياك وأغاليطه".

  2. #2

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    واصل بارك الله فيك وسددك

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    53

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    بارك الله فيك أخي أبا سعيد.
    نحن في المتابعة واصل.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    بارك الله فيك أخي أبا سعيد.
    نحن في المتابعة واصل
    سئل الشيخ أسامة بن عبدالعظيم :ماذا ينقص المتدينين؟ فأجاب : ثلاثة أشياء
    1-الصدق 2-ترك الوجاهات
    3-السآمة من الشهوات

  5. #5

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    جزاك الله خيرا أبا سعيد..
    ذلك ما كنا نبغ..
    بارك فيك، وسدد خطاك..

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    300

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    بارك الله فيك اخي الفاضل
    موضوع ماشاء الله يحتاج إلى تامل ودراسة دقيقة ، إذ كثرت المسائل المبدعة وقد ذكرت البعض منها في موضوعك القيم السابق
    وفقكم الله

  7. #7

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    نحن بانتظار المواصلة أخي أبا سعيد.
    جزاك الله خيرا.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    الدولة
    مسافر في بحار اليقين ... حتى يأتيني اليقين ؟!
    المشاركات
    1,121

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    يا حبيب !
    مو شايفون كلون بيؤولولك واصل ....!
    ليش ما عم تواصل لكان ؟؟ بزعل منكم هاه

    سدد الله خطاكم .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    الجزائر - باتنة -
    المشاركات
    486

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    تحية طيبة للإخوة المتابعين.
    وأشكر لهم التواصل، واعتذر عن التأخير.
    وربما واصلت مع إخواني.
    فبعد تعريف البدعة، نحاول معا استخراج ضوابط البدعة منها:
    الضابط الأول:
    قول الشّاطبي:
    طريقة في الدين:
    الطريقة:
    يُقصَد بها السبيل والسنة.
    وكلّ ما رُسِم للسلوك عليه.
    وقوله – رحمه الله - "في الدّين":
    تقييد للطريقة المسلوكة بأنّها من الدين،
    وإليه يضيفها صاحبها، وبه يلصِقها.
    فلو كانت:
    طريقة في الدنيا على الخصوص لم تسمى بدعة.
    والدليل على ذلك قوله في حديث عائشة رضي الله عنها:
    "من أحدث في أمرنا هذا".
    ويحصل هذا المعنى بـ:
    1. التقرب إلى الله بما لم يشرع.
    2. الخروج على نظام الدين.
    وبهذا القيد الذّي وضعه الإمام الشّاطبي نُخرِج:
    1. المخترعات المادية، والمحدثات الدنيوية.
    كالسيارة، والطيارة، والنظارة، و...
    والحجة في ذلك قوله :
    "أنتم أدرى بأمور دنياكم".
    2. أمور العادات.
    يقول الشّاطبي في الاعتصام (1/ 31):
    "فكل ما اخترع من الطرق ... ولم يقصد به التعبد، فقد خرج عن هذه التسمية".
    تنبيه:
    قد يقول قائل: إنّ بعض العبادات تُصادِم الشّرع، فهل تسمى بدع ؟.
    والجواب:
    نعم.
    قد يصلح في بعضها لفظ البدعة، لا لأنّ البدعة تدخل في العادة، وإنّما لاعتقاد فاسد مُصاحِب لتلك العادة قد يغير الأحكام الثابتة، فيحرم المباح منها، أو يبيح الممنوع، ومن ثَمَّ نسبته إلى الدّين والله أعلم.
    وإذا فَهِمت ذلك جيدا فإنّ:
    المصافحة بِكلتا اليدين، عادة قد يُعبِّر بها صاحبها على حرارةٍ واشتياقٍ للقاء المُصافَح، ولا يمكن أن يصلح لفظ البدعة لها.
    ومثلها: المعانقة في غير السفر.
    وتقبيل أيادي الوالدين إكراماً لهما وتحببا وتلطفا معهما.
    لا يصلح – والله أعلم – لفظ البدعة لها.
    وغيرها مما تعارفت بعض المجتمعات، أو العائلات، إلاّ أن يُصاحِب هذه العادات اعتقاد فاسد – كما ذكرت سابقاً-.
    3. وكذلك يخرج منها أنواع المعاصي والمنكرات التّي استحدثت.
    ولم تكن من قبل، فهذه لا تكون بدعة، وإنّما تسمى: معصية، أو كبيرة، ...
    هذا فيما يخص الضابط الأوّل للبدعة.
    نواصل إن شاء الله باقي الضوابط.
    قال الإمام الشاطبي:
    "خذ من العلم لبه، ولا تستكثر من ملحه، وإياك وأغاليطه".

  10. #10

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    بارك الله فيكم ننتظر البقية

  11. #11

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سعيد الباتني مشاهدة المشاركة
    فبعد تعريف البدعة، نحاول معا استخراج ضوابط البدعة منها:
    الضابط الأول:
    قول الشّاطبي:
    طريقة في الدين:
    الطريقة:
    يُقصَد بها السبيل والسنة.
    وكلّ ما رُسِم للسلوك عليه
    وقوله – رحمه الله - "في الدّين":
    تقييد للطريقة المسلوكة بأنّها من الدين،
    وإليه يضيفها صاحبها، وبه يلصِقها.
    فلو كانت:
    طريقة في الدنيا على الخصوص لم تسمى بدعة.
    والدليل على ذلك قوله في حديث عائشة رضي الله عنها:
    "من أحدث في أمرنا هذا".
    ويحصل هذا المعنى بـ:
    1. التقرب إلى الله بما لم يشرع.
    2. الخروج على نظام الدين.
    وبهذا القيد الذّي وضعه الإمام الشّاطبي نُخرِج:
    1. المخترعات المادية، والمحدثات الدنيوية
    كالسيارة، والطيارة، والنظارة، و...
    والحجة في ذلك قوله :
    "أنتم أدرى بأمور دنياكم".
    الأخ أبو سعيد
    ربما بعض المخالفين الذين يطلقون لفظ البدعة على هذه الأمور يقصدون البدعة بالمعنى اللغوي.
    جميل عندما حددت ما يخرج عن هذا القيد.
    لكني لم أفهم وجه خروج المعاصي من هذا القيد.
    لو تفضلتم بزيادة شرح قبل التقدم في الموضوع جزاكم الله خيرا.

  12. #12

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    ضابط البدعة وما تدخله

    28/12/1429 - الشيخ سليمان الماجد
    ضابط البدعة وما تدخله
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد ..
    فلم يتنازع المسلمون قديماً ولا حديثاً في كون البدعة في الدين محرمة مذمومة ، وإنما وقع النزاع في الأعمال المعينة : هل تُعتبر بدعة ، أو أنها صحيحة مشروعة ، ومنشأُ هذا النزاع عدمُ اعتبار القواعد والضوابط .
    وإذا ضاعت الأصول وقع الاضطراب في الحكم على القضايا المعينة ؛ فترى الناس يفرقون بين المتماثلات ، ويجمعون بين المتناقضات ، وتصير القاعدة التي لا تنخرم ـ عند بعضهم ـ هي تحكيم العادات والمألوفات ، وإذا بلغ الحال إلى ذلك فإن كثيراً من تنازع الناس إنما هو بين مألوف ومألوف ؛ لا بين اجتهادين معتبرين .
    وحينئذ يضيع التحقيق العلمي بين أقدام وجلبة المتعصبين ممن يُحكِّم مألوفه وبيئته .
    فإن قال أحد سواه ببدعية أمر أو مشروعيته : رأى أنه لم يقل بذلك إلا تأثراً ببيئته ومحيطه ، أو مجاملة لبيئة أو محيط آخرين ؛ فيكون هذا أشبه بتنازع السوقة والدهماء ؛ لا أهل الفقه والعلماء .
    وبسبب اضطراب الناس فيما تدخله البدعة وما لا تدخله ، أو ما هو محل جريانها ؟ أخطأ بسبب ذلك فريقان :
    الأول : من أجرى البدعة في العاديات ، ومن مفاسد هذا نوعٌ من البدعة خفي ، وهو : اعتبار ما ليس عبادةً من العبادة ؛ كحال من اعتبر التعبد والتوقيف في الوسائل .
    والثاني : من أجاز الحدث في محل التعبدات ؛ فوقع في البدعة المذمومة .
    ولهذا كان اعتبار القواعد والتعليل لها بعد التجرد للحق هو السبيل الصحيح لتحقيق الكلام في هذه المسائل .
    الاتجاهات في المسألة :
    وبتأمل ما يرى الناس جريان البدعة فيه وجدته لا يخرج عن أمور :
    الأول : ما أريد به القربة في أصل شرعه : وذلك كالذكر والدعاء والصلاة والصيام والحج ، ولم يُجروه في غيرها من المعاملات والعادات والمناكح ؛ مما لم تُعتبر القربة في أصل مشروعيته .
    الثاني : أنها تجري مع ما ذُكر في وسائل العبادات التي وجد المقتضي لفعلها على عهد النبي eوانتفى المانع من فعلها ثم لم تفعل .
    وذلك لقربها من العبادة ، ولأن للوسائل أحكام المقاصد ، ولأن هذا هو فهم السلف ؛ حيث أنكر ابن مسعود على الذين يسبحون بالحصى ؛ فهو اعتبار منه للتوقيف في وسائل التعبدات .
    فعلى قولهم هذا تكون كل وسيلة إلى عبادة قام المقتضي لفعلها على عهد النبي e وانتفى المانع من القيام بها ثم لم يفعلها صلى الله عليه وسلم فإن فعلها بدعة ، ومن فروع ذلك عندهم : خطوط ضبط الصفوف في الصلاة ، وخط بداية الطواف ، والسبحة لعد الذكر ، ووسائل الدعوة .
    ولا يدخل في حكم البدعة ـ عندهم ـ ما جاءت به المخترعات الحديثة من وسائل العبادات ؛ كمكبرات الصوت في الأذان والصلاة ؛ لوجود المانع ، وهو عدم التمكن من تحصيل هذه الوسيلة في عهده e ؛ فقالوا بمشروعيتها .
    الثالث : ما كان تعبداً محضاً ، وقُـيِّد بأحوال مخصوصة ؛ كالمكان أو الزمان أو الصفة أو العدد أو حال الأشخاص ، والتعبد المحض هو الذي شُرع على وجه لا يُعقل معناه على التفصيل ؛ ولو لم يكن قربة ، وتكون البدعة فيه بإيقاعه على غير الوجه الوارد زماناً أو مكاناً أو صفة أو حالاً .
    ولمناقشة هذه الاتجاهات يُقال :
    أما الاتجاه الأول وهو اعتبار القربة :
    فإنه مع افتقاره إلى دليل صحته فهو غير مانع ولا جامع :
    فهو غير مانع لأنه يُخضِعُ لأحكام البدعة أعمالاً لا يراد منها في أصل شرعها إلا القربة والأجر ؛ كالجهاد فِي سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذه الأمور مما لا تدخلها البدعة ؛ فلم يقل أحد : إن هذه الأشياء من الأمور التوقيفية التي لا يُحدث فيها ، ولا يُجدد في أعمالها إلا بدليل خاص .
    وهو غير جامع لأنه يُخرج أعمالا تُعد من التعبدات المحضة ، ويسمى المحدث فيها في الشريعة مبتدعاً ، وهي مع ذلك ليست مما يُراد بها القربة ؛ حيث يُخرج الطلاق فِي الحيض ، ويُخرج الأعياد الزائدة على الأعياد الشرعية ؛ فقد استقر عمل العلماء على تسمية الطلاق الذي وقع على غير الوجه المشروع بالبدعة ، وتسمية العيد الجديد بالعيد المبتدع ؛ فهو إذاً غير جامع .
    وأما الثاني : وهو جملة "المقتضي والمانع" في وسائل العبادات :
    فقد انتشر بين طلاب العلم اعتبارها ضابطاً يرون أنه فرقُ ما بين البدعة وغيرها .
    والذي يظهر عند التحقيق ـ والله تعالى أعلم ـ أنها لا تصلح ضابطاً لا في العادات ولا في العبادات ولا في وسائلها ؛ لوجهين :
    الأول : أن كل قاعدة لا بد لها من أدلة تصححها ، ولا أعلم دليلاً يوصل إلى المطلوب ، وأما كون هذه السمات موجودة في البدع والسنن فلا يكفي لاعتبارها ضابطاً جامعاً مانعاً .
    الثاني : أن هذه الجملة لم تتضمن تحرير المحل الذي تُجرى فيه : هل يكون في التعبدات ، أو في العادات والمعاملات ؟
    فإن قيل : لا تُجرى إلا في التعبدات ؛ فيُقال : اعتبار جريان الحدث والبدعة في التعبدات لا يفتقر إلى هذه الجملة ؛ فكل تغيير في بِـنْـيَة الفعل التعبدي بزيادة أو نقص كلي أو جزئي ، أو إيقاعه في غير المحدد له شرعاً من : مكان أو زمان أو حال أو صفة نقول عن ذلك كله بأنه بدعة ؛ كقولنا بالبدعة في التلفظ بالنية في الصلاة ، والأذان للعيدين ، ودعاء الختم في الصلاة ، وصلاة الرغائب ، وركعتي السعي ، والتنفل بالسعي مفرداً في غير حج ولا عمرة ، وغسل حصى الجمار تديناً ، وعيد المولد والعيد القومي ، ولا نحتاج أن نقول بعد ذلك : وجد المقتضي لهذه المحدثات وانتفى المانع منها فهي بدعة ؛ وذلك لأن مجرد التغيير بالزيادة أو النقص فيما حدته الشريعة بدعة في الدين .
    وإن قيل : تُجرى في العادات والمعاملات فهذا أظهر في البطلان ؛ إذْ لا يُشترط في المعاملات إجراء هذه القاعدة ؛ فهي كثيرة متجددة ، وأغلبها وجد المقتضي لفعله وانتفى المانع من ذلك الفعل ؛ ولم يقل أحد بجريان البدعة فيها .
    وإن قيل تُجرى في وسائل العبادات دون غيرها من العادات والمعاملات ؛ فهذا غير صحيح لما يلي :
    أولاً : أن الأصل في الأشياء أن لا تكون تعبدية ؛ فأين الدليل من الشريعة الذي يُخرج من ذلك الأصل ؛ فيجعل الوسائل من جملة الدين المُـنَزَّل الذي لا يجوز الإحداث فيه ؟
    فاختيار الوسائل لحكم التوقيف دون غيرها نوع تحكم يعود على القول بالبطلان .
    ثانياً : أن الشريعة لا تترك مثل هذا دون بيان ، وهو من أعظم الأمور ، وأكثر الحاجات ؛ فدل ذلك على أن محل وسائل العبادة ليس توقيفياً .
    ثالثاً : من المعلوم ـ من حيث الأصل ـ أنه لا مقصد لأي مطاع في نوع وكيفية وسائل إنفاذ أوامره على المتبوعين ، وإنما مراده تحقيق المأمور به على الوجه المطلوب ؛ فإذا كان هناك ما يُخرج أوامر الباري سبحانه وتعالى من ذلك الأصل فعلى مدعيه الدليل .
    رابعاً : أن الأمة بعملها لا زالت تخترع وتجدد في وسائل العبادات دون نكير:
    فمن ذلك نقط المصحف ، وضبطه بالشكل ، ثم تحزيبه وترقيمه .
    ومن ذلك ما أحدثوه من تصنيف العلم على طرق ووسائل متعددة ؛ فهناك السنن والآثار والمستدركات والمسانيد على الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من الرواة ، والتبويب على أبواب الفقه .
    ومن ذلك جعل والٍ لتدبير شؤون العبادة والمساجد والأئمة ، وإدارة هذه الولاية بالأنظمة الحديثة .
    وأكثر هذه الأشياء وُجد المقتضي لفعلها ، وانتفى المانع من ذلك فلم تُعدَّ بدعة ، ولم يحكم عليها أحد بحدث .
    ثم يقال أيضاً : إن من المعلوم أن التعبدات المحضة قد فُرغ منها بانقطاع الوحي ، ولا يُمكن أن يتصور أن يكون التطور مؤثراً في حكمها من حيث المشروعية أو عدمها ؛ كالذي قالوه في بعض الوسائل ؛ كمكبرات الصوت في الأذان ؛ بحيث تكون مشروعيتها مرتبطة بالإمكان أو عدمه .
    وإذا كنت لا تتصور أن يكون التطور مؤثراً في عدد الركعات أو الجمرات أو المواقيت أو فترة الصيام ـ لأننا نقول : إنها توقيفية ـ فلا يجوز أن نتصور أن يؤثر التطور في نوع آخر من التوقيف .
    ولا يصح أن نقول إن للوسائل حكماً بالتوقيف والتعبدية يختلف عن بقية ما حكمه التوقيف ؛ كالصلاة والصيام والحج ؛ إذْ لا بد من بيان الحدود والفواصل بين النوعين ، وبيان الدليل على كل فرق ؛ فإن وجدت هذه الحدود وإلا فالضابط باطل لا اعتبار له .
    خامساً : أن أظهر سمة لما تدخله البدعة أنه تعبدي لا يُعقل معناه على التفصيل ، وأظهر سمة للعاديات هي معقولية المعنى ؛ فما هو الأشبه بالوسائل ؟ لا ريب أن الأشبه بحالها هو عقل المعنى لا التعبد ؛ فعليه لا تدخل البدعةُ وسائل العبادات .
    وفي هذا المعنى يقول الإمام الشاطبي في "الاعتصام" عن تبليغ الشريعة : (.. والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة ؛ لأنه من قبيل معقول المعنى ؛ فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة ، وكذلك لا يتقيد حفظه عن الزيغ والتحريف بكيفية دون أخرى ) .
    وأما تعليل البعض بقرب الشيء من العبادة أو ملابسته لها أو مجاورته إياها فليس دليلاً على أنه يأخذ حكمها ، وإلا لأخذ اللباس أثناء الصلاة حكم التوقيف ؛ بحيث يعتبر مبتدعاً كل من صلى في غير ما صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من إزار ورداء ، أو قميص ، واللباس وسيلة لشرطها ، وهو ستر العورة .
    وأما نقلهم قول بعض الأصوليين : إن للوسائل أحكام المقاصد ؛ فإنما هو من حيث الحكم التكليفي ؛ فالمقاصد الواجبة وسائلها واجبة ، والمستحبة وسائلها مستحبة بشروط ذلك ، ولم أجد أن أحداً منهم قال : إنها تأخذ جميع أحكامها حتى اعتبارَ التوقيف .
    وأما إنكار ابن مسعود t على قوم اجتمعوا يذكرون الله ؛ فيقول أحدهم سبحوا فيسبحون ، ويقول : كبروا فيكبرون ، ويعدون ذلك بالحصى فلا دليل فيه على أن الأصل فِي وسائل العبادة هو التوقيف ؛ لأن إنكاره t يحتمل أشياء منها :
    1. الاجتماع على الذكر .
    2. الذكر بصوت واحد جماعة .
    3. عد التسبيح في غير الصلاة ؛ حيث يراه بعض السلف بدعة .
    4. التسبيح بالحصى .
    فما الذي أنكره ابن مسعود t من هذه الأشياء ؟ فالأمر محتمل للأربعة ، وإذا كان أهل التوقيف فِي الوسائل يقولون بما اقتضته أصول البدعة من أن الذكر الجماعي بصوت واحد محدث ، والاجتماع على الذكر ولو دون صوت واحد محدث أيضاً ، كما أن بعض السلف يرى أن عد التسبيح في غير دبر الصلاة بدعة ؛ فلماذا تخيروا التسبيح بالحصى ليجعلوه مناط إنكار ابن مسعود t ؟
    فالأقرب أنه إنما أنكر الأمور الثلاثة الأُوَل ، أو بعضها ، ومن ادعى توجه إنكاره على التسبيح بالحصى فعليه الدليل .
    وهذا ما مال إليه الإمام السيوطي رحمه الله ؛ كما في رسالة "الاتباع" ص 18 حيث قال عن الذكر : ( .. وقد كره ابن مسعود وغيره من الصحابة اعتياد الاجتماع في مكان مخصوص ) .
    ووجّه في "تبيين الحقائق" (1/166) إنكاره ذلك على عد التسبيح خارج الصلاة .
    * * *
    فإن قيل : إن بعض العلماء ذكر قاعدة المقتضي والمانع فما القول في ذلك ؟
    فالجواب أن هذه الجملة اُشتهرت عن إمامين جليلين هما الشاطبي وابن تيمية رحمهما الله ، ولكن سياق كلامهما لا يدل على أنها ضابط للبدعة عندهما ، وقد ساقوها لأغراض منها :
    الأول : الإزراء على المبتدع ، وإلزامه بلازم الاستدراك على الشريعة ؛ فكأنهم يقولون : كيف ترى شرعية عملك وصحة تعبدك بهذا العمل التوقيفي مع أن الرسول e والصحابة رضي الله عنهم قد تركوه مع قيام المقتضي لفعله وانتفاء المانع من ذلك الفعل ؟ إلا أن يكون تركهم هذا لمعنى الحدث والبدعة .
    وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص280) بعد ذكره هذه الجملة بحروفها : ( .. فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة ، أو يستدل به من الأدلة قد كان ثابتاً على عهد رسول الله e ، ومع هذا لم يفعله رسول الله e .. ) .
    وذكر رحمه الله في المرجع نفسه ص295 هذه القاعدة لمثل هذا الغرض ، وذلك في حكمه بالبدعة على الاحتفال بالمولد فقال : ( .. فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيرا محضاً ، أو راجحاً ، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا .. ) .
    الغرض الثاني : التعليل لشرعية وسنية عبادات لم تُفعل في وقته e لوجود مانع ؛ كالمداومة على قيام رمضان جماعة في المسجد ؛ وذلك لأجل خوف أن تُفرض على الناس ، وبناء على ذلك يُعتبر الدوام عليها بعد وفاة الرسول e سنة ؛ ولو لم يداوم عليها .
    فقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (21/318) :
    ( .. السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله e، سواء فعله رسول الله ، أو فعل على زمانه ، أو لم يفعله ، ولم يفعل على زمانه ؛ لعدم المقتضي حينئذ لفعله ، أو وجود المانع منه ؛ فإنه إذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة ) أهـ .
    فهو هنا يُثبت سنية ومشروعية المداومة في قيام رمضان جماعة في المسجد ، وأن ترك الرسول e المداومة لا يسلبها وصف السنة ؛ فهي في غير السياق الذي يقول به أهل التوقيف في الوسائل .
    الثالث : أنهما لم يذكرا ضبط البدعة بهذه الجملة في "الوسائل" ؛ كالذي ذكره بعض المتأخرين ؛ فتخصيصها بالوسائل زيادة على كلامهما .
    أما تطبيقاتهما في مسائل البدعة فهي تدل على أنهما لا يريان إجراءها في غير العبادات المحضة ؛ فلم يوجد ـ فيما وقفت عليه في كلامهما ـ أنهما حكما بالبدعة في وسيلة عبادة ، أو في أمر عادي مجاور لعبادة ؛ كالذي تنازع فيه الناس اليوم ؛ بل قال ابن تيمية بجواز التسبيح بالسبحة ، وقال الشاطبي بشرعية كل وسيلة لتبليغ الدين ؛ كما تقدم قريباً .
    وكان كلامهما في هذه القاعدة إنما يدور على تعبدات محضة :
    فالشاطبي قال في "الاعتصام" (1/361) . بعد ذكره هذه القاعدة : ( .. لأنه لما كان الموجب لشريعة الحكم موجوداً ثم لم يشرع كان صريحاً في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة مخالفة لقصد الشارع ؛ إذْ فُهم من قصده الوقوف عند ما حُدَّ هنالك بلا زيادة ولا نقصان منه ) .
    فقوله : ( الوقوف عند ما حُدّ هنالك ) يدل على أن كلامه على محدود ، وهو ما خُلص في هذا البحث بأنه التعبد الذي تدخله البدعة ، والوسائل لا تحديد فيها .
    وذكرها الإمام ابن تيمية في تعبدي محض ، وهو الأذان للعيدين .
    كما صرح فِي "مجموع الفتاوى" (26/172) بأنها تُجرى في التعبدات فقال بعد ذكره للقاعدة : ( .. فأما ما تَرَكه من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعاً لفعله ، أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة ؛ فيجب القطع بأن فعله بدعة .. ) .
    ومتى صححت الإيرادات ببطلان هذه الجملة حداً بين السنة والبدعة ؛ فرُدَّ المشتبه من كلام البشر إلى محكمات الأدلة ، وصحيح التعليلات .
    وقد كان اعتقادها ضابطاً صحيحاً للبدعة من أسباب التنازع والبغي والعدوان بين المختلفين ؛ فالذي يستدل بها يجعل محل البدعة مضمراً في نفسه لا يعرف هو له خطاماً ولا زماماً ؛ فيضطرب قوله ، وتختلف أحكامه ؛ فيرى منازعُه أنه يحكم على الشيء بالبدعة ، ويحكم على مثله ـ بمقتضى القاعدة نفسها ـ بالسنة ؛ مما يزيد غيض مخالفيه عليه ، ويحصل له من ذلك التهمة بالهوى ، ومجرد الخضوع لمعهود أو بيئة .
    فكان تحرير مسألة ضابط البدعة وما تدخله من أهم مهمات هذا الباب ؛ لما فيه من معرفة البدعة للحذر منها ، وما يتضمنه أيضاً من عدم اعتقاد شيء من الدين بأنه تعبد محض ، وليس هو كذلك ؛ إذْ إن هذا ضرب من البدعة أيضاً .
    * * *
    الراجح بين هذه الاتجاهات :
    وقد ظهر باستقراء الأدلة وكلام أهل العلم أن المحل الذي تدخله البدعة هو الذي عينت الشريعة له حدوداً بمكان أو زمان أو عدد أو اتجاه أو صفة أو حال ، وكانت هذه الحدود مما لا يُعقل لها معنى على التفصيل .
    وتدخل البدعة بهذا الاعتبار في أي عمل سواء أُريد به القربة ؛ كالصلاة والصيام والحج والذكر والدعاء ، أو لم تُرد به القربة ؛ كالأعياد والطلاق وعٍٍدَد النساء .
    فهذا هو المحل الذي تدخله البدعة .
    كما ظهر أن الحكم بالبدعة على الشيء يدور على قواعد ثلاث :
    القاعدة الأولى : أن كل تغيير في ذلك المحدود بالزيادة أو النقص أو الصفة أو إبدال المكان أو الزمان أو الموضع أو الحال على وجه لم يأذن به الله كله بدعة في الدين .
    القاعدة الثانية : أن نية التعبد المحض في فعل وترك الأمور العادية على وجه لم ترد به الشريعة تحيل العمل والترك إلى عبادة محضة ؛ فيصير بدعة .
    وذلك كالتعبد بلبس نوع معين من الثياب ، وإطلاق شعر الرأس والشارب شعثاً ، والتعرض للشمس ، والمشي إلى الحج مع توفر مراكب سريعة بلا كلفة ، والتغني بالقصائد تعبداً .
    هذا في الأفعال ، ومثله في التروك ، وذلك بأن يترك المسلم الشيء تعبداً ؛ كترك الماء البارد وجميل الثياب التي لا إسراف فيها تقرباً إلى الله وابتغاء الأجر . أما تركها لمعارض أرجح ؛ كالسرف في تبريد الماء ، أو في تحصيل جميل الثياب ؛ فهو مباح أو مستحب ؛ لأجل عقل المعنى ، ولهذا وصف العلماء الرسول e بأنه لا يرد موجوداً ، ولا يتكلف مفقوداً .
    القاعدة الثالثة : مضاهاة المكلف للتعبدات المحضة .
    ويجري حكم البدعة بمضاهاة التعبدات في صورتين :
    الصورة الأولى : تخصيص العبادة المحضة ، أو تقييدها بمكان أو زمان أو حال أو صفة ؛ سواء كان ذلك باعتقاد المشروعية على الوجه الخاص أو المقيد ، أو أن يقع هذا التخصيص أو التقييد بمحض العادة ، ومطلق المداومة .
    والصورة الثانية : تخصيص العادات بمحدودات من مكان أو زمان أو حال أو صفة لا يُعقل لهذه المحدودات معنى على التفصيل ؛ ولو لم يُرد بها القربة لله أو للبشر ؛ كضرب المكوس والوظائف على الدوام ، وتنكيس العلم أو الصمت حداداً ، وزيارة نصب الجندي المجهول ، والأعياد القومية .
    أدلة ضابط ما تدخله البدعة وقواعد الابتداع :
    وقبل أن نستدل لما رُجح هنا فيحسن أن نتأمل مصطلح "التعبد" عند العلماء ؛ فهو مهم لفهم كثير من مسائل الباب ؛ حيث تجده يُطلق ، ويراد بها معان ثلاثة :
    المعنى الأول : ما لم يُعقل له معنى على التفصيل من القربات المحضة التي لا تصرف إلا لله ؛ كالصلاة والحج والصوم ، وأنواع الذكر مطلقاً ومقيداً ؛ فهذا تدخله البدعة ؛ إذا وجد تغيير في بنية العبادة أو مكانها أو زمانها ، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف .
    ويدخل في هذا المعنى كل ما حدته الشريعة بحدود زمانية أو مكانية وأحوال مخصوصة لا يُعقل لحدودها معنى على التفصيل ؛ كَعِدَد النساء ، والأعياد ، والطلاق .
    المعنى الثاني : ما لم يُعقل له معنى في أصل شرعه في المعاملات ، وهو ما اصطلح الأصوليون عليه بأنه المعدول به عن سَنَن القياس ؛ كالنهي عن تلقي الركبان عند من يراه تعبداً لا يُعقل معناه : هل هو لحظ الجالب ، أو هو لحظ أهل البلد حماية لهم من احتكار المتلقي أو رفعه الأسعار ؟ فلتزاحم الأوصاف التي يُحتمل تأثيرها امتنع القياس ؛ فصار عند البعض تعبدياً ، وكالنهي عن بيع الطعام قبل قبضه ، وكالشفعة واللعان والعرايا عند من يرى امتناع القياس في هذا النوع من المعاملات ؛ فلامتناع القياس سماه تعبداً ؛ أي لا علة له .
    وهذا المعنى لا تدخله البدعة ؛ لعدم وجود مقدر ومحدود من زمان أو مكان أو صفة أو عدد ؛ لأن إلحاق حكم البدعة لا يُتصور إلا بتغيير في محدود ، ولا يوجد في هذا النوع شيء من ذلك ؛ فالتعبد هنا إنما اعتبر في أصل شرع الحكم ؛ لا في تفاصيله .
    وآثار وصف "التعبد" هنا هي : منع إجراء القياس ، لعدم وجود ركنه وهو العلة ، أما الأحكام المعللة فهي التي تُعدى فيها العلة إلى الفرع محل النزاع ؛ فالتعبدي هنا ثابت ، والمعلل عرضة للتغير .
    وانظر في منع القياس في التعبدات "المجموع" (3/342) للنووي ، و"الاعتصام" (2/62) للشاطبي .
    ومن آثار التعبدية هنا أيضاً : اعتبار الحكم الوضعي بالفساد بمجرد المخالفة ؛ لعدم معرفة العلة التي يُعرف بها فساد الشيء وصحته .
    ومعقول المعنى على التفصيل يُخرج معقول المعنى على الإجمال ؛ فجميع الشرائع الربانية أريد بها مصالح العباد في الدين والدنيا ؛ فهذا معنى إجمالي ، ولكن تفاصيل الأحكام التعبدية ؛ من الأعداد والأمكنة والأزمنة غير معقولة المعنى على التفصيل .
    والمعنى الثالث للتعبد : هو المعنى العام للعبادة ، والذي عرفه بعض العلماء بأنه : كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ؛ فيدخل فِي ذلك الأعمال الصالحة التي شرعت فِي نفسها لتحصيل مقاصدها الشرعية على وجه الاستحباب أو الوجوب ، ويُقصد منها آثارها الحسنة ، وكذلك ما يترتب عليها من الثواب ؛ كحسن الخلق وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم والدعوة إلى الله تعالى ، وكالنفقة على العيال وطلب الرزق بنية الاستغناء به عن الناس ، وكذلك الأكل والشرب والنوم بنية الاستعانة على الطاعة ، أو الجماع بنية العفاف والولد ، ونحو ذلك .
    فهذا لا تدخله البدعة بلا خلاف أعلمه إلا بنية التعبد ، أو حصول المضاهاة .
    * * * *
    وإذا أردنا أن نلج إلى الأدلة فلنبدأ بضابط محل البدعة ؛ حيث دل لصحته أن النصوص التي جاءت بها الشريعة في ذم البدعة بينت ذلك بطرق عديدة منها : الإحداث في "أمر الدين" في قوله e : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه من حديث عائشة . ومنها : التحذير من محدثات الأمور في قوله e : "وإياكم ومحدثات الأمور" رواه أحمد من حديث العرباض بن سارية.
    فما هو الدين أو الأمر الذي نُهينا عن الإحداث فيه ؟
    فإن قيل : هو كل ما يباشره المرء في حياته من عادة ومعاملة ومأكل ومشرب وملبس ومركب ومسكن ، وغيرها من أمور المعاش ـ لأنها محكومة بالدين ـ فإن من لازم ذلك إجراء حكم البدعة فيما اتفقت الأمة على عدم دخولها فيه مما ذُكرت أمثلته من العادات والمعاملات ، وهذا باطل ؛ فلم يبق من الدين الذي تدخله البدعة إلا ما حدته الشريعة بعدد أو صفة أو مكان أو زمان ؛ لأنه هو الدين المُنَزَّل يقيناً .
    ولك أن تقول بعبارة أخرى : إن لك التصرف في كل شيء ـ بمقتضى أصل الإباحة ـ من العادات والمعاملات والوسائل حتى تجد حدوداً وضعتها الشريعة ؛ فهاهنا يكون الدين الذي منعنا من التصرف فيه ، أو التغيير في محدوداته ؛ ويُسمى هذا التغيير وذلك التصرف بدعة في الدين .
    وهذا ـ كما ترى ـ سهلُ المدرك واضحُ التطبيق .
    وكان من طريقة العلماء أنهم لم يجروا البدعة في عادة أو معاملة ، وأجروها في جميع المحدودات التعبدية :
    أما العبادات المحضة التي يراد بها القربة ؛ كالصلاة والصيام والحج فالأمر فيها ظاهر ، وأحكامهم فيها معلومة .
    وأما ما سواها من المقدرات والمحدودات ؛ فمنها :
    1. الأعياد الزمانية ؛ حيث قال العلماء بأن الأعياد المحدثة بدع مذمومة ؛ كعيد المولد ، والأعياد القومية ؛ كالثورة والاستقلال ، والأعياد التاريخية مما له أصول دينية ، أو لم يكن ؛ كالنيروز وشم النسيم .
    ومن المعلوم أن العيد الزائد عن الأعياد الشرعية ليس عبادة محضة ، وإنما وجدت البدعة فيه لكون الأعياد قد حُصرت في عيدين فقط ؛ فالزيادة عليهما حدث .
    2. نكاح التحليل ؛ كما قال بذلك الشاطبي في "الموافقات" (2/290) أقول : وأقرب تعليل لذلك ما يتضمنه التحليل من تعطيل مقاصد الشريعة في المحدودات ، وهي الطلاق الثلاث في أحوال مخصوصة وأعداد مقدرة ، وآثارها من البينونة الكبرى ، ويكون هذا التعطيل بمنع وقوعها على الوجه الذي حدته الشريعة .
    3. إيقاع الطلاق الثلاث جملة ؛ كما في "المبسوط" للسرخسي (6/4) .
    4. إيقاع الطلاق في الحيض الذي وقع على خلاف الحال الذي حددته الشريعة ، رغم تجرده من معنى القربة ؛ فسموه طلاق بدعة ، وهذا محل اتفاق في كتب المذاهب الأربعة ، وغيرها .
    5. عدة المتوفى عنها زوجها ، وانظر "الموافقات" للشاطبي (2/213) .
    وقد ذهب إلى اعتبار عدم معقولية المعنى لجريان حكم البدعة الإمام الشاطبي رحمه الله ؛ فقال في "الموافقات" (2/222) : ( .. التعبد راجع إلى عدم معقولية المعنى ، وبحيث لا يصح إجراء القياس ، وإذا لم يعقل معناه دل على أن قصد الشارع فِي الوقوف عند ما حدّه لا يتعدى .. ) .
    وقال رحمه الله : ( .. لأن ما لا يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنـهي عنـه ؛ فهو المراد بالتعبدي ، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدتـه فهو المراد بالعادي ) .
    وقال في "الاعتصام" (1/347) : ( فإن كان مقيداً بالتعبد الذي لا يعقل معناه فلا يصح أن يُعمل به إلا على ذلك الوجه ) .
    وفي "الشرح الكبير" (1/672) قال الدردير رحمه الله : ( .. إن الشارع إذا حدد شيئاً كان ما زاد عليه بدعة ) .
    * * * *
    والدليل على أثر النية في تحويل الفعل والترك العاديين إلى عبادة محضة قوله : "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب .
    * * * *
    وأما تحقق وصف البدعة بالمضاهاة في التخصيص والتقييد أو بمجرد الإلف والعادة ؛ فيُقال في تعليل ذلك : إن سمات التعبد المحض هي قصد الشريعة في العمل المعين أن يؤتى به على الوجه المعين ، وأن أظهر سمات العبادات المحضة اعتبار محدودات منها :
    1. مواضع معينة محددة من الجسم ؛ كأعضاء الوضوء .
    2. المكان ؛ كما في الحج ، وهو من أبرز سمات المناسك .
    3. الزمان ؛ كما في مواقيت الصلاة والصيام والحج .
    4. الهيئة أو الصفة ؛ كما في الصلاة .
    5. الاجتماع ؛ لصلاة الجمعة والعيدين ؛ فلا تصحان إلا بالاجتماع ، وبالحركة الموحدة في الأركان ، وبالصوت الواحد في التأمين ، وقد شُرع لضبطها وجود إمام للمصلين .
    6. التكرار والمداومة ؛ لمعنى التعبد ، وتحصيل الأجر .
    7. الاتجاهات ؛ كما في القبلة في الصلاة والطواف في المناسك .
    8. الأعداد والمقادير ؛ كما هو في جميع التعبدات المحضة من الصلاة والصيام والزكاة والحج والطلاق وعدد النساء .
    ولو تأملت في الجامع لهذه السمات في التشريع رأيته ضرباً من التخصيص والتقييد بهذه السمات أو بعضها دون معنى معقول على التفصيل ؛ فقصد المكلف في العبادات إلى خصوصٍ أو تقييدٍ لم تدل عليه الشريعة هو ضرب من مضاهاة الشريعة في سنها للأحكام التعبدية ؛ فيكون فعلها على هذا الوجه المعين ضرباً من البدع .
    وذلك مثل الذكر جماعة بصوت واحد ، وتخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام من بين الليالي ، وتحرى الدعاء الذي لله عند قبر من القبور ، أو عند باب المسجد إذا هم بسفر ، والصلاة على النبي e عند تناول البخور ، والتعوذ عند التثاؤب ، والمداومة في خطبة الجمعة على قراءة آية : "إن الله يأمر بالعدل والإحسان .." الآية ، أو التزام خطيب الجمعة أمر الناس بالاستغفار نـهاية الخطبة الأولى .
    وكل هذه الأمثلة يُمكن أن يستدل لها صاحب البدعة بدليل عام أو مطلق .
    وأظهر تعليل على أن العمومات والمطلقات لا تصح دليلاً على الصفات المخصوصات والمقيدات هو أنه يلزم من ذلك أن تُحدث صلاة سادسة على صفة صلاة الفجر أو المغرب يجتمع لها الناس ضحى ويؤدونها جماعة في المسجد ، ويُستدل لها بمطلق الأمر بالصلاة أو الأمر بعبادة الله ، وبمشروعية الجماعة للنوافل، وهذه الأدلة العامة أو المطلقة هي نفسها التي استدل بها المبتدع في الأمثلة المذكورة قريباً .
    وقد أشار إلى هذا اللازم الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/132) .
    فعلى هذا : إما أن يكون استدلال المبتدع بالمطلق والعام لاعتبار الصلاة السادسة صحيحاً ، أو أن يكون استدلالنا بها لتصحيح ما ذُكر في هذه الأمثلة باطلاً ؛ فلا مناص من أحد الأمرين إلا طريقة ثالثة وهي سنة المتبعين : أن الاستدلال بالعمومات على الصفات المخصوصات كله باطل ، وما ينتجه هذا الاستدلال من صفات مركبة جميعه بدعة في الدين ، حتى ولو كان كل واحد من هذه الصفات مشروعاً على الانفراد .
    وقد قرر هذه القاعدة جمع من الأئمة منهم الإمام ابن دقيق العيد في كلامه عن دلالة العام على الخاص ؛ فقال في "إحكام الأحكام" (1/200و201) : (.. إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة ، والفعل المخصوص : يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه .. ) .
    ورجح رحمه الله أن طلب الدليل الخاص على الشيء المخصوص أصح من إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات ، ثم استدل بطريقة السلف حين حكموا بالبدعة على أعمال ؛ لأنه لم يثبت عندهم فيها دليل ، ولم يروا إدراجها تحت العمومات .
    وقال الإمام الشاطبي فِي تقرير هذه القاعدة : ( ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقة : أن يكون أصل العبادة مشروعاً إلا أنها تخرج عن أصل شرعيتها بغير دليل توهماً أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل ، وذلك بأن يُقيّد إطلاقها بالرأي .. ) . انظر "الموافقات" (3/211) فما بعدها .
    وقال في "الاعتصام" : ( .. فإن أتى به المكلف فِي ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مقارناً لعبادة مخصوصة ، والتزم ذلك بحيث صار مُتخيلاً أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصودة شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه : كان الدليل بمعزل عن هذا المعنى المستدل عليه ) .
    وذكر رحمه الله في "الموافقات" (3/123) جملة من نكير السلف على من داوم على بعض الأعمال دون دليل خاص ، ثم قال : ( .. هذا فيما لم يظهر الدوام فيه ؛ فكيف مع الالتزام ؟ والأحاديث في هذا والأخبار كثيرة ، جميعها يدل على أن التزام الخصوصات في الأوامر المطلقات مفتقر إلى دليل ، وإلا كان قولاً بالرأي واستناناً بغير مشروع ، وهذه الفائدة أنبنت على هذه المسألة ؛ مع مسألة أن الأمر بالمطلق لا يستلزم الأمر بالمقيد ) .
    وهذا هو رأي الإمام السبكي فقد ذكر ذلك العلامة ابن حجر الهيتمي في "فتاواه" (2/80) في كلامه على تخصيص ليلة النصف من شعبان بالقيام حيث قال : إن ذلك بدعة ، ونقل عن السبكي تقريره بأن ما لم يرد فيه إلا مطلق طلب الصلاة ، وأنها خير موضوع فلا يطلب منه شيء بخصوصه ؛ فمتى خَصَّ شيئاً منه بزمان أو مكان أو نحو ذلك دخل في قسم البدعة ، هذا ملخص كلامه رحمه الله .
    وعبر الإمام ابن تيمية عن هذه القاعدة بقوله : ( شرع الله ورسوله للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعاً بوصف الخصوص والتقييد ؛ فإن العام والمطلق لا يدل على ما يختص بعض أفراده ويقيد بعضها ؛ فلا يقتضي أن يكون ذلك الخصوص والتقييد مشروعاً ولا مأموراً به ) .
    وتقع المضاهاة بالمداومة على الفعل أو التزامه دون دليل خاص على ذلك ، وهو من التخصيص والتقييد غير المشروع ؛ لعدم الدليل على الخصوص .
    قال الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (1/345) فِي أنواع المداومات : (.. ووجه دخول الابتداع هنا أن كل ما واظب عليه رسول الله من النوافل وأظهره فِي الجماعات ، فهو سنة ، فالعمل بالنافلة التي ليست بسنة عن طريق العمل بالسنة إخراج للنافلة من مكانـها المخصوص بها شرعاً ..) .
    ويرى رحمه الله أن العبد إذا خص يوماً للصيام مثلاً كالجمعة بعينه ، أو أياما من الشهر بأعيانها لا من جهة ما عينه الشارع فإن ذلك ظاهر بأنه من جهة اختيار المكلف ؛ كيوم الأربعاء مثلاً فِي الجمعة والسابع والثامن فِي الشهر ، وما أشبه ذلك ، وأنه إذا قيل له : لم خصصت تلك الأيام دون غيرها لم يكن له بذلك حجة غير التصميم ، أو يقول : إن الشيخ الفلاني مات فيه ، أو ما أشبه ذلك . ويرى أن هذا رأيٌ محض بغير دليل ضاهي به تخصيص الشارع أياما بأعيانها دون غيرها ؛ فصار التخصيص من المكلف بدعة ؛ إذ هي تشريع بغير مستند ، هذا ملخص ما ذكره في "الاعتصام"(2/ 12) .
    وقال العلامة الدسوقي في "الحاشية" (1/317) ( .. لا تصلى النافلة جماعة فِي مكان مشتهر ولو كانوا قلة ، ولا يصلون كثرة ولو فِي مكان خفي ، ولا يداوم عليها فِي سر ولا علن .. ) .
    وما ذكره العلامة الدسوقي ظاهر في الالتفات إلى خصائص التعبدات المحضة ، وأن محاكاتها ضرب من الحدث والبدعة ، وهذا بين ؛ فلو أن الإمام قال لجماعته : لنصل نافلة العشاء جماعة لاستنكر الناس ذلك ورأوا أنه جاء ببدعة ؛ رغم مشروعية النافلة ، ومشروعية الجماعة فيها ، ولكنها حين ضاهت المشروع مُنعت .
    وقرر الإمام ابن تيمية رحمه الله ؛ كما في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص303) أنه لا تُشرع المداومة على الجماعة في صلاة التطوع أو استماع القرآن أو ذكر الله ونحو ذلك ، وأنه إذا فُعل أحياناً فهو حسن ، وأن اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة يضاهي الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة ، وأن ذلك هو المبتدع المحدث ، ونقل عن أحمد أنه سئل : هل يكره أن يجتمع القوم يدعون الله ، ويرفعون أيديهم ؟ فقال : ما أكره للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد ، وبنى هذا على : ( .. أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى تصير سنناً ومواسم : قد شرع الله منها ما فيه كفاية للعباد ؛ فإذا أُحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات يعتاد : كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه .. ) .
    إلى أن قال رحمه الله : ( .. وكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء جماعة وفرادى . وتطوع قصد بعض المشاهد ، ونحو ذلك كله من نوع واحد : يفرق بين الكثير الظاهر منـه والقليل الخفي والمعتاد وغير المعتاد ، وكذلك كل ما كان مشروع الجنس لكن البدعة اتخاذه عادة .. ) .
    وقرر في ذلك قاعدة بقوله في "مجموع الفتاوى" (20/197) : (مضاهاة غير المسنون بالمسنون بدعة) .
    وانظر المرجع السابق (1/132) .
    المضاهاة في العادات :
    التعبد ـ وهو الأمر بما لا يُعقل معناه على التفصيل ـ حق لله وحده ، وإذا أوقع أحدٌ الفعل أو القول على هذا الوجه التعبدي ، وجعلهما في عادة فقد اخترع عبادة جديدة وصرفها لغير الله ، ومن هنا استحقت وصف البدعة ؛ لأنه تشريع فهو من أعظم البدع .
    فإحداث التعبد و صرفه لله بدعة عظيمة ؛ فإن صُرف لغير الله كان أشنع وأشد .
    وإذا أردنا أن نتصور هذه المسألة فلنضرب لها مثالاً : فلو أن أحداً أراد أن يُعظِّم أباه فكان عند استيقاظه يقف صامتاً متوجهاً إلى منزل والده ، وهو مع ذلك يتمتم ببيت معين من الشعر ، ويحرك يديه بطريقة معينة يداوم عليها ؛ فإذا سئل عن ذلك قال : هذه مجرد عادة لا مدخل فيها لبدعة ، ولي أن أعظم والدي بأي طريقة أراها !
    فماذا نحن قائلون ؟ لا ريب أن حكم كل من رآه أن يقول : إن هذا الفعل يشبه العبادة المشروعة ، ومن هنا كان السلوك بالعادات مسلك التعبدات بدعة محرمة .
    ولا يؤثر في الحكم أن تكون السمات التعبدية واحدة أو مجموعة ؛ فإن كانت مجموعة ؛ ـ كالذي قلنا في مثال تعظيم الوالد ـ كان أظهر في معنى الحدث ، وإن كانت سمة واحدة فهي داخلة في دائرة التعبد ؛ فكان ذلك من البدع .
    إن الأشياء التعبدية المحضة التي لا يُعقل معناها على التفصيل لا تكون إلا من الله ولا تُصرف إلا إليه ؛ ولهذا يصدق عليها اسم البدعة في الحالين .
    قال الشاطبي في "الاعتصام" (2/80) بعد ذكره وضع المكوس في معاملات الناس بأن ذلك قد يكون على قصد حجر التصرفات وقتاً ما ، أو لنيل حطام الدنيا ؛ كعمل الغاصبين ( .. أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدِّين الموضوع ، والأمر المحتوم عليهم دائماً ، أو في أوقات محدودة علي كيفيات مضروبة بحيث تضاهى المشروع الدائم الذي يُحمل عليه العامة ويؤخذون به ، وتوجه على الممتنع منه العقوبة ؛ كما في أخذ زكاة المواشي ... فأما الثاني فظاهر أنه بدعة إذ هو تشريع زائد ، وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة ... فمن هذه الجهة يصير بدعة بلا شك ؛ لأنه شرع مستدرك .. فتصير المكوس على هذا الفرض لها نظران : نظر من جهة كونها محرمة .. ونظر من جهة كونها اختراعاً لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت [أي دائماً] ؛ كما يؤخذون بسائر التكاليف ؛ فاجتمع فيها نهيان : نهىٌ عن المعصية ، ونهى عن البدعة ، وليس ذلك موجوداً في البدع في القسم الأول ، وإنما يوجد به النهي من جهة كونه تشريعاً موضوعاً على الناس أمر وجوب أو ندب ، إذ ليس فيه جهة أخرى يكون بها معصية ؛ بل نفس التشريع هو نفس الممنوع ) .
    بين البدعة والمعصية :
    فإن قيل : إن المعصية بترك الواجب وفعل المحرم إيقاع للشيء على غير الوجه الذي أرادته الشريعة فلم لم تُدخل في البدع ؟
    فالجواب : أن هذا الإيراد من أسهل مسائل هذا الباب ؛ وذلك للاتفاق على أن ترك الواجب ، وفعل المحرم عزيمة لا خيرة فيها للمكلف ؛ كوجوب الترك لما نتفق على كونه بدعة ، بخلاف مسائل البدع الأخرى فالخلاف واقع في جواز الفعل .
    وغاية ما يريده الباحثون في موضوع البدعة هو الوصول إلى صدق اسم البدعة ليُوصل به إلى حكم المنع ، والمنع في المعصية متحقق باتفاق ؛ فلأجل ذلك كان هذا المبحث سهلاً يسيراً .
    ولو قيل : إن المعصية بدعة لكان له وجه ؛ لما ذُكر في هذا الإيراد ؛ لكن الأظهر أنها لا توصف بذلك ؛ لأن النهي عن فعل المحرم عام مطلق لم يُحدد بزمان أو مكان أو صفة ، وإنما أُريد من المكلف فيه مطلق الترك ، وكذلك واجب الفعل إذا كان مطلقاً .
    كما أن المخالف للأمر والنهي لا توجد عنده نية التعبد بالمخالفة ، ولا إيقاعها على وجه محدد ، ولم يقع فيها مضاهاة لما شرعه الله .
    وقد تأيد هذا الأصل بترك جماهير السلف إطلاق اسم البدعة على المعصية المجردة .
    مسائل تدخلها البدعة :
    إعلان شعائر الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية :
    إعلان بعض الأعمال التعبدية مقصود للشريعة ؛ كإعلان الأذان ؛ حيث صار شعاراً لها ؛ فإن وُجد عمل تعبدي الأصل فيه عدم الإعلان فلا يجوز أن يُسلك به هذا السبيل ، وتُعتبر هنا قاعدة المضاهاة ؛ فلا يُشرع تعمد إعلان شعائر الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية .
    ولا مجال هنا للتعليلات العقلية ؛ كقول البعض : إن هذا ينبه الغافل على أن الصلاة قد أقيمت ؛ فإن هذا تعبدي ، وقد وجد المقتضي لفعل مثله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو إعلان الإقامة على أبواب المساجد أو أسطحها ولم يُفعل فدل على أنه غير مشروع .
    والله عز وجل قد شرع الأذان لإحاطة الناس بقرب إقامة الصلاة ، وشرع الإقامة لإحاطة من في المسجد بأوان الشروع فيها ؛ فلا يجوز أن تراعى معاني أخرى لم تقصدها الشريعة ؛ فإن هذا عين الاستدراك عليها .
    وإذا كان إعلان التلاوة مجردة من خلال هذه المكبرات غير مشروع ، ويستنكره قلب كل من سمعه فإن إعلان شعائر الصلاة لا يختلف عن هذا .
    كما أن الناس يستنكرون إعلان دعاء الأذان المشروع في المكبرات بعد أدائه ، والذي حدث هو مجرد الإعلان .
    ولنحذر في هذا المقام من تأثير الإلف والعادة ؛ فإنها المانعة من التأمل والنظر .
    ولا يسري هذا على نقل شعائر الصلاة من خلال وسائل الإعلام ؛ فإن هذه الوسائل لا تُبث في أماكن عامة حتى تأخذ صفة الشعار ؛ فالتحكم فيها بيد مالك الوسيلة من تلفاز أو مذياع ؛ بخلاف إعلان شعائر الصلاة عبر مكبرات الصوت الخارجية فهي ظاهرة ملزمة .
    وقارن في هذا بين الدعاء وشعائر الصلاة ، وكلاهما تعبدي ؛ فلو تم الدعاء في وسيلة إعلامية لم يظهر فيه ما يُستنكر ، ولكن لو اُتخذت مكبرات المساجد الخارجية لهذا الغرض لظهرت هنا معاني الشعار ومضاهاة المشروع ، وقل مثل ذلك في تلاوة القرآن تظهر شرعيتها في هذه الوسائل ، ولا تظهر هذه الشرعية في إعلانها في مكبرات المساجد الخارجية .
    السلام والمصافحة بعد السلام من الصلاة :
    كثير من الناس يستدل لشرعية هذا العمل بعمومات النصوص ، أو إطلاقاتـها . والناس فِي هذه المسألة طرفان ووسط :
    فمنهم من يستحب المصافحة بعد الصلاة مباشرة وقبل أداء الأذكار الواردة ، حتى وإن كان قد سلّم على صاحبه قبل الصلاة ، ولم يفصل بينهما إلا أداؤها ، وتراه يداوم على ذلك ؛ فهذا قد اعتقد الخصوص أو التقييد بغير دليل ، وخالف بذلك القاعدة ؛ لأنه لا معنى يفهم من ذلك إلا أن السلام مستحب بذاته بعد الصلاة مباشرة .
    ومنهم من لا يسلم على من جاوره مطلقاً خشيةً من وقوعه فِي البدعة ـ على حد زعمه ـ فيثير الوحشة مع إخوانه المسلمين من غير مستند .
    ومنهم وسط متبع للشريعة مؤد للحقوق ؛ فإن كان قد سلم على صاحبه قبل الصلاة ، ولم يفصل بينهما إلا الصلاة فإنه لا يُعيد السلام ؛ لأن الصلاة لا تعتبر فِي الشريعة فاصلاً ، ولأنه لا يتمحض من هذا السلام إلا اعتقاد استحباب السلام بعد الصلاة على الخصوص دون دليل خاص ، وإن لم يسلم عليه قبل الصلاة ؛ فسلم عليه بعد إتيانه بالأذكار المشروعة ؛ فليس في فعله محظور ولا بدعة ؛ بل هو مأجور مشكور ، وكان بفعله هذا قد استعمل نصوص السلام على إطلاقها دون تقييد .
    وممن قال بعدم مشروعية السلام بعد الصلاة عز الدين ابن عبد السلام والشاطبي وغيرهما .
    وقال القرافي في "الفروق" (4/253) : ( .. ما يفعله أهل الزمان من المصافحة عند الفراغ من الصلاة بدعة غير مشروعة ، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينهى عنه ، وينكره على فاعله ) .
    دعاء ختم القرآن :
    الأظهر أن دعاء ختم القرآن غير مشروع لا في الصلاة ولا خارجها ، وهذا هو مذهب مالك رحمه الله ؛ ففي "المدخل" لابن الحاج (2/299) أنه قال حين سئل عنه : ( ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن ، وما هو من عمل الناس ) .
    ودليل ذلك هو : عدم ثبوت فعله ولا إقراره عن النبي e ، ولا يُقال : ربما فعله أو أقره ولم يُنقل ؛ فالجواب أن ترك النبي e للشيء التعبدي مع وجود المقتضي لفعله وانتفاء المانع من الفعل ، وكون هذا الشيء مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فإن تركه ، وعدم نقل فعله والحال هذه كالنص من الشارع على النهي عنه ، أو الحكم عليه منه بأنه بدعة .
    ودعاء ختم القرآن من هذا الجنس ؛ إذْ يستحيل أو يكاد أن يفعله النبي e ثم لا يُنقل ، وقد نُقل عمن هو دونه ، وهو أنس رضي الله عنه .
    وأما فعل أنس رضي الله عنه فلا يدل على مشروعيته ؛ فقد ترك المحققون من العلماء أفعال الصحابة أو أقوالهم إذا لم يكن عليها ظاهر هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تركاً .
    فمن ذلك : غرس الجريد على القبر ؛ حيث ثبتت الوصية بذلك عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه .
    ومن ذلك التعريف فِي الأمصار ، وهو الاجتماع للدعاء فِي المساجد يوم عرفة من غير الحجاج ؛ حيث ثبت فعل ابن عباس رضي الله عنهما له .
    ومن ذلك تعليق التمائم من القرآن والسنة ؛ فقد ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في ذكر الفزع عند النوم وهو : "بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" أنه كان يعلمهن من عقل من بنيه ، ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه .
    ومن ذلك قصد الصلاة في مواضع صلاة النبي e ؛ حيث ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتتبعها .
    ومن ذلك الزيادة فِي الوضوء على أعضائه ؛ كغسل العضد إلى الكتف مع اليد ، والساق إلى الركبة مع الرِجْل ؛ فقد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يفعل ذلك .
    وكل هذه المسائل لم يرها كثير من العلماء أعمالاً مشروعة يُستحب فعلها ؛ بل نهوا عنها ، وسماها كثيرون باسم البدعة .
    قال الإمام ابن تيمية فِي "مجموع الفتاوى" (1/279) فِي معرض كلامه عن التوسل بالنبي e : ( .. ومثل هذا لا تثبت به شريعة ؛ كسائر ما يُنقل عن آحاد الصحابة فِي جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات ؛ إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه - وكان ما يثبت عن النبي e يخالفه لا يوافقه - لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها ؛ بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد ، ومما تنازعت فيه الأمة ؛ فيجب رده إلى الله والرسول ) .
    وقد ساق في "مجموع الفتاوى" (1/279) كلاماً مطولاً قرر فيه أن اجتهاد الصحابي لا يكون حجة إذا خالف جمهورهم ، وضرب لذلك أمثلة ، ثم قال رحمه الله : ( .. ولا يقول عالم بالسنة : إن هذه سنة مشروعة للمسلمين . فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله e ؛ إذ ليس لغيره أن يسن ، ولا أن يشرع ) .
    وجاء فِي "المدخل" لابن الحاج : (3/280) نقلاً عن الطرطوشي قوله عن غرس الجريد على القبر : ( .. وما نُقل عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم ؛ فلـم يصحبه عمل باقيهم رضي الله تعالى عنهم ؛ إذ لو فهـموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه ، وكانوا من أحرص الناس على الخير ) .
    ودعاء ختم القرآن من جنس اجتهادات الصحابة المذكورة : فَعَلها آحاد الصحابة وخالفت الهدي التركي الظاهر للنبي e ، كما خالفت الهدي التركي لجملة الصحابة ؛ فلا يعد مشروعاً .
    وتأمل في غرس الجريد على القبر حيث اجتمع فيه فعل النبي e مع عدم وجود نهي صريح منه ، وانضم إليه فعل صحابي على وفقه ، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة نهي عنه ، وعلى مشروعيته نصوص جمع من علماء المذاهب الأربعة ، ومع ذلك عَدَّه بعض العلماء غير مشروع ، وبعضهم صرح بكونه بدعة ؛ لكون عمل السلف لم يجر عليه ، وهذا أصح . ولكن لماذا لم تُجر القاعدة ويُسحب الحكم على ما هو أولى من هذا : دعاء الختم الذي لم يثبت به أثر عنه ولا قول ولا عمل عن جمهور الصحابة رضي الله عنهم ؟
    ومما يدل على عدم جريان عمل بقية الصحابة على ذلك هو ترك أهل المدينة له ؛ كما حكاه عنهم الإمام مالك وهو من كبار تابعي التابعين ؛ فلا يُظن أن يكون الدعاء سنة مشروعة ثم لا يفعله الصحابة ، ولا ينقله عنهم التابعون حتى يكون هدياً ظاهراً ، وسنة متبعة .
    أما جعله في الصلاة في قيام رمضان أو غيره ، فهو أشد في معنى الحدث والبدعة ؛ لأن الدعاء في نفسه تعبد محض ، وقد وضعوه في تعبد محض وهو الصلاة ، وكان فيها أغلظ ؛ لأنه لم يرد عن النبي e ، ولا عن أحد من صحابته الكرام ، وتعظم المفسدة إذا وضع في ليلة معينة ، وخُص بالمداومة على كونه في القيام الأول دون الآخر ؛ مما يضيف إليه بدعة العيد الزماني ، وهو ما يعود كل سنة .
    وتأمل مرة أخرى في حال مؤذن جهر بعد أذانه بدعاء الأذان الوارد : "اللهم رب هذه الدعوة التامة .. " في مكبرات الصوت بنفس لحن الأذان لقيل عن عمله : إنه بدعة ، وصار هو مبتدعاً ، رغم كونه خارج الصلاة ، ورغم أن محله بعد انتهاء الأذان ، والدعاء نفسه مشروع بخصوصه في هذا الموضع ؛ فكيف تكون الحال في دعاء الختم وهو غير مشروع في أصله وقد أدخل في الصلاة ؟
    وكثيراً ما نقول للناس عن بعض المحدثات إنها بدعة ، وكان من حجتنا على أصحابها أن نقول : لم يفعله الرسول eولا الصحابة ، وخير الهدي هدي محمد e .
    وهذا لم يفعله الرسول e ولا الصحابة ؛ فلم رأيناه عملاً صحيحاً ؟
    وقد روى ابن عبد البر في "التمهيد" (21/242) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : لن يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات اللَّه ، ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً .
    التزام آيات وأدعية وأذكار في أحوال معينة :
    يأخذ الإلف والعادة بعض الناس إلى الظن أن ما يفعله صحيح مشروع ، والواجب أن يُخضع كل ما يقوله ويفعله للسنة ، وقد تقدم في قاعدة المضاهاة والتخصيص والتقييد أن البدعة تقع بمجرد المداومة للشيء التعبدي ؛ ولو لم يعتقد المداوم أن ما يفعله عبادة على هذا الوجه .
    فمما يكون بدعة إذا وقعت المداومة فيه أشياء ، منها :
    1. تبليغ المؤذن صوت الإمام :
    فُعل هذا فِي عهد النبي e ، فعله أبو بكر حين مرض الرسول e فضعف صوته فبلّغه أبو بكر t.
    فإذا زال السبب وجب ترك هذا التبليغ .
    وفي "رد المحتار" (1/476) : نقلاً عن السيرة الحلبية : فِي كلامه عن تبليغ صوت الإمام من المؤذن مع بلوغه للمأمومين قال : (.. اتفق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة .. وأما عند الاحتياج إليه فمستحب ) .
    2. الصلاة على النبي عند استلام المبخرة :
    الصلاة على النبي فِي أي حال مشروعة ؛ بل هي من أفضل القربات وأجل الطاعات ؛ ولكن الكلام هنا إنما هو على التخصيص ؛ فقد اعتاد بعض الناس عند رؤية البخور ، أو عند تناول المبخرة أن يصلي على النبي e ، ويعللون ذلك بأنه يحب الطيب ولأن رائحته هي الطيب ، ولأن ذكره من أطيب الذكر ، وهذا كله صحيح ، ولكن الدين ليس بالرأي كما قال علي t فِي المسح على أعلى الخفين ، ولو كان بالرأي لكان ذكر الله عز وجل أولى من ذكر رسوله e ؛ لذلك لا ينبغي أن يقيد هذا الذكر إلا بما ورد .
    3. التكبير الجماعي يوم العيد بصوت واحد :
    جاء فِي "الحاشية" للعدوي (1/394) : ( .. ويُكبِّر كل واحد وحده فِي الطريق وفِي المصلى ولا يكبرون جماعة ؛ لأنه بدعة .. ) .
    وفِي "مواهب الجليل" (2/195) : ( .. ولا فرق فِي ذلك أعني فِي التكبير بين أن يكون إماماً أو مأموماً أو مؤذناً أو غيرهما ؛ فإن التكبير مشروع فِي حقهم أجمعين على ما تقدم وصفـه .. بخلاف ما يفعله بعض الناس اليوم ؛ فكأن التكبير إنما شرع فِي حق المؤذن ، فتجد المؤذنين يرفعون أصواتهم بالتكبير كما تقدم ، وأكثر الناس يستمعون لهم ولا يكبرون وينظرون إليهم كأن التكبير إنما شرع لهم وهذه بدعـة محدثة ، ثم إنهم يمشون على صوت واحد وذلك بدعة ؛ لأن المشروع أن يكبر كل إنسان لنفسه ، ولا يمشي على صوت غيره ) .
    4. افتتاح الحفلات بقراءة القرآن :
    أنزل الله تعالى كتابه هداية وتعبداً ؛ فلا ينبغي أن يقرأ إلا على الوجه المشروع : في العام والمطلق بعمومه وإطلاقه ، وفي الخاص والمقيد بما ورد نصاً بخصوصه وتقييده ، وإذا عرفنا في قواعد البدعة أن ما فيه سمة التعبد المحض ، وقد وجد المقتضي لفعله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى المانع منه فإن فعله بدعة ؛ فإن هذا يرد في هذه المسألة ؛ فعليه فإن الأقرب هو عدم شرعيته .
    5. تخصيص خطبة الجمعة بالمداومة على شيء من ذلك :
    فمن ذلك الدعاء للخلفاء الراشدين ، وغيرهم في خطبة الجمعة :
    جاء في "الاعتصام" (1/27) للإمام الشاطبي : ( .. سئل أصبغ عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين ؟ فقال : هو بدعة ، ولا ينبغي العمل به ، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة . قيل له : فدعاؤه للغزاة والمرابطين ؟ قال : ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه ، وأما أن يكون شيئاً يصمد له فِي خطبته دائماً فإني أكره ذلك ) .
    وجاء "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 217) عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كتب أن لا يسمى أحد فِي الدعاء ‎‎.
    ومن ذلك قراءة آية : "إن الله يأمر بالعدل .." الآية .
    وأمر الناس بالاستغفار نهاية الخطبة الأولى .
    وقول الإمام نهاية الخطبة الثانية : فاذكروا الله الجليل يذكركم ، وضجيج الناس بالتهليل .
    قال أبو العباس الصاوي فِي "بلغة السالك" (1/510) : ( .. ومن البدع المذمومة أن يقول الخطيب فِي آخر الخطبة الأولى : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، ثم يجلس فتسمع من الجالسين ضجة عظيمة ) .
    وإذا أردت أن تتصور ذلك فتأمل لو أن خطيباً يعظ في غير الجمعة جاء بجميع هذه الآيات والأذكار فماذا سيقول الناس ؟ لا ريب أنهم سيقولون : إنه حوَّل كلمته إلى خطبة جمعة ، وما ذلك إلا لاعتقادهم أن هذه الأمور تختص بخطبتها ؛ فإذا كانت مستنكرة في المواعظ فما الذي جعلها معروفة مشروعة في الجمعة ؟
    ولو قلت للخطيب : اجعل قولك فاذكروا الله الجليل يذكركم فِي نهاية الخطبة الأولى : لقال لك بلسان حاله أو مقاله : إنك بدلّت ، والتبديل فِي الحقيقة إنما وقع منه حين التزم ما لم يرد بخصوصه .
    ولو سئل بعض المداومين على مثل هذه الأعمال عن مسألة يقول فيها السائل : أريد أن أداوم على تلاوة قول الله تعالى : "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً" أتلوها كلما تثاءبت دون اعتقاد المشروعية لخصوص هذا العمل ؛ لنفر منه قلبه ، ولقال بفطرية عجيبة : لا تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله e.
    بينما هو يلتزم كثيراً من الأذكار والدعوات دون برهان ، ولا حجة إلا إلفه وعادته ، حيث جعلها كالدليل عند أهل الإتباع والأثر .
    الأعياد الزمانية :
    الزمان والمكان ظرفان جامدان لا تعظيم لهما إلا ما عظمه الإسلام ، والتفات القلب إلى تعظيم شيء منها واعتباره إما أن يكون قربة لله وضرباً من العبودية له ؛ لأنه عظَّمه ، أو أن يكون بعداً عنه وضرباً من عوائد الوثنية ؛ فلا وسط في هذه المسائل .
    وللعيد فِي اللغة وفي عرف الناس سمات عدة : من أظهرها : أنه يعود في زمن محدد . ومنها : أنه تُظهر فيه البهجة والسرور ، ويكون فيه الاجتماع وأعمال الفرح ؛ كالتهاني واللعب والمآكل والمشارب .
    هلموا لنصرة دينكم ، ولا تولوا عند اللقاء ،
    فالتغريب يطرق الأبواب ولم يعد لطالب علم عذر في التواني عن مقارعته ...

  13. #13

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    ولا عيد فِي الإسلام سوى ما شرعه الله من الأعياد ، وهي : عيد الفطر وعيد الأضحى .
    فعن أنس بن مالك t قال : قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال e : ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما فِي الجاهلية ؛ فقال رسول الله e : "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" . رواه أبو داود في "سننه" (1/295) .
    وقال e : "يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب" رواه أحمد من حديث عقبة بن عامرt .
    فقوله : "أبدلكم" دليل على إبطال كل عيد وإلا لزادهم من أعياد الإسلام دون إبطال الأعياد الحالية . وقوله : "عيدنا أهل الإسلام" دليل على أن ما سواها أعياد غير أهل الإسلام .
    ثم تأيدت هذه الأدلة بالهدي الظاهر للسلف ؛ فلم يظهر في ديار الإسلام بعد إيقاف الأعياد السابقة ، وإبدالها بأعياد الإسلام أي عيد طيلة القرون الثلاثة المفضلة تعبدية كانت أو عادية ؛ وذلك رغم أن للأمم المجاورة أو المخالطة للمسلمين أعياداً تعبدية وعادية ؛ يقصد منها الاحتفاء بزمان أو شخص ؛ كعيد الشعانين ومولد عيسى عليه السلام للنصارى ، والنيروز للمجوس وغيرها من الأعياد ؛ لا سيما والأمة فِي هذه القرون كانت تأخذ الكثير من المفيد النافع من الأمم الأخرى ؛ فتركها لهذه الأعياد رغم وجودها دليل على إعراضها عنها ديانة.
    فصارت الأعياد الأخرى بدعة من وجهين :
    الأول : أن في أعياد الإسلام سمة التعبد المحض في اختيار زمانها ، والزيادةُ على تعبدي محض بدعةٌ ؛ كما تقرر آنفاً في تأصيل البدعة في صدر الورقة .
    الثاني : أن في الأعياد المشهورة ؛ كعيد المولد والعيد القومي ضرباً من التعبد المحض في اختيار الزمان دون معنى معقول ، وفي هذا مضاهاة للمشروع . يوضح هذا أنه لا معنى عقلياً لاختيار الزمان ليكون وقتاً لتعظيم الرسول e أو الولي أو المناسبة القومية ، وحب النبي والولي من أعظم القرب ، وحب الوطن والعناية به ـ في حدود ما أقرته الشريعة ـ لا تثريب فيه ، ولكن ما المعنى العقلي المفهوم من قصر الاحتفاء بما ذُكر في زمان دون آخر ؛ بل إن المناسبة العقلية هي في اختيار غير الزمان الذي وقع فيه الحدث الذي يراد الاحتفاء به ؛ لأنه وقت نسيانه ، ولأن زمان حدوثه هو : وقت تذكره ؛ فالصمود إلى الزمان المعين نوع تحكم وتصميم لم يُعهد إلا من الشريعة في اختيار الأزمنة والأمكنة ؛ فههنا كانت المضاهاة ، وتقدم في قاعدتها ما يدل على أن ما وقعت فيه المضاهاة فهو بدعة .
    وقد استدل بعضهم لتصحيح عيد المولد بما أخرجه أحمد بسند صحيح عن ابن سيرين رحمه الله قال : (نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول e المدينة قالوا : لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا .. وفيه أنهم اختاروا الجمعة ؛ فاجتمعوا فِي بيت أبي أمامه أسعد بن زرارة ؛ فذُبحت لهم شاة فكفتهم .
    وقالوا بأن هذا في حقيقته احتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم معين .
    فالجواب عن ذلك بعدم التسليم أن ذلك احتفال بالنبي e، ولو سُلم لكان قبل شرع صلاة الجمعة وخطبتيها ؛ حيث جاء فِي رواية عبدالرزاق بسند صححه ابن حجر أن ابن سيرين قال : وقبل أن تنْزل الجمعة وفيها : فأنزل الله فِي ذلك بعد : "يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" الآية .
    فتركهم لهذا الاجتماع على يوم محدد ـ بعد نزول الجمعة ـ دليل على عدم مشروعية أي اجتماع آخر له سمة العيد ، وفيه دليل أيضاً على أنهم يعرفون مثل هذه الطرق ؛ فتركوها اكتفاء بما شرعه الله يوم الجمعة من الصلاة والتذكير والوعظ في خطبتيها .
    ولو قيل : إن البدعة إنما تصدق على الأعياد التعبدية دون العادية ؛ وذلك لأن لأصحاب هذه الأعياد أن يقولوا : نحن لا نتعبد بها ؛ بل نفعلها محبة للرسول أو الولي ؛ كمحبة الوطن ، ويقولون أيضاً : إن التعبد فيها إنما يُعتبر بمعناه العام الذي لا بدعة فيه ؛ لا بمعناه الخاص ، وإذا أجزتم لأهل الدنيا التعبير عن شعورهم بإحداث عيد لمناسبة ترابية فبالأولى أن يجوز ذلك لمعنى صحيح لا يوجد فيه تعبد محض .
    فالجواب : أن هذا لا يصح ؛ فإن الأعياد الشرعية ذات صفات تعبدية محضة يظهر هذا في اختيار زمانها وبعض أعمالها ، وقد تقرر في التأصيل أن ما كان عبادة محضة فهو من جملة الدين المنزل الذي لا يجوز الحدث فيه بالزيادة عليه ، أو النقص منه ، أو التصرف في أعماله التي حدتها الشريعة .
    كما أن الأعياد التي تنازع الناس فيها قد سُلك بها طريق التعبد المحض باختيار الزمان دون مناسبة عقلية ؛ فكانت إقامتها على هذا الوجه من المضاهاة التي تحيل العمل العادي إلى أمر تعبدي يصدق عليه وصف البدعة .
    ولا يصح أن يُقصر مناط الحكم بالمنع على التشبه بالكفار في هذه الأعياد ؛ فلو صح ذلك لم تكن هذه الأعياد ممنوعة حرمة ؛ لأن القاعدة في التشبه : أن ما لم يكن من خصائص مَنْ نُهينا عن التشبه بهم فلا يُعتبر تشبهاً مذموماً ، وهذه الأعياد ليست من خصائص الكفار ؛ بل صار يشترك فيها المسلم والكافر ؛ كبعض الملابس التي كانت خاصة بهم ثم صارت مشاعة بين الأمم ؛ فلم يعد لبسها تشبهاً .
    فتلخص من هذا أن كل ما فيه سمات العيد المذكورة في تأصيل المسألة فهو ممنوع ؛ لأن الأعياد محدودة ؛ فهي من جملة الشرائع والمناهج التي لا يزاد على الوارد فيها بشيء ، ولما في الأعياد المحدثة من المضاهاة المذكورة ؛ فكل عيد سوى أعياد الإسلام فهي أعياد محدثة سواء أريد به القربة وتعظيم الدين ؛ كعيد المولد ، أو عيد الإسراء والمعراج ، أو كان عيداً عادياً ؛ كعيد النيروز أو عيد الجلوس أو عيد الثورة أو عيد الاستقلال وغيرها من الأعياد التاريخية والقومية والعرقية .
    التزام لباس معين لأهل العلم أو الزهد :
    جاءت الشريعة باللباس المعين المحدود في المناسك ؛ فلا يُشرع أن يتخذ أحد لباساً يدل على معان شرعية من العلم أو الزهد والتصوف ؛ فإن في ذلك مضاهاة للمشروع .
    ومن المعلوم أن من مقاصد هذه الشريعة سد كل باب يؤدي إلى الرياء والسمعة .
    وقد كان الداخل على النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرق بينه وبين أصحابه لا في لباسه ولا في موضعه .
    مع ما في ذلك من التشبه باليهود والنصارى الذين نهينا عن مشابهتهم ؛ حيث يجعلون لباساً لعلمائهم وعبادهم .
    وانظر في ذلك كلاما نفيساً لابن الحاج في "المدخل" (1/136) .
    وإذا كان اللباس مجرد زينة للمناسبات والمجامع ، ولا يختص به العالم والزاهد عن غيره فلا حرج فيه .
    تخصيص أيام الأعياد والجُمع لزيارة المقابر :
    وذلك بدعوى عموم أدلة مشروعية الزيارة مطلقة أو عامة ؛ وهذا مسلك غير صحيح ؛ فيجب أن تبقى على عمومها أو إطلاقها ولا تقيد أو تخص بالرأي ؛ فعليه حينئذ أن يعود نفسه على زيارة المقابر حسب الاتفاق .
    أما إذا كان وقت الزيارة هو وقت الفراغ أو النشاط ؛ دون أن يكون الزمان مقصوداً للزائر فلا شيء فِي ذلك ؛ كمن لا يجد فراغاً مطلقاً إلا يوم الخميس أو الجمعة مثلاً ؛ فله أن يجعل الزيارة فِي هذا الوقت ؛ لأنها صارت معقولة المعنى فلم ينطبق عليها حد البدعة .
    مما لا تدخله البدعة :
    كل شيء خرج عن بِـنْـية العمل التعبدي المحض ، ولم يُغير ذلك الشيء في العبادة المحدودة بشيء يُخرجها عن المحدود في الشريعة ؛ فإن التغيير في ذلك الشيء والتجديد فيه لا يُعد بدعة ، وإذا كان ذلك الشيء من الوسائل ؛ فإن الوسيلة لها حكم مقاصدها ؛ فمرة تكون مستحبة ومرة واجبة بحسب حال المقصد أو الوسيلة .
    فمن هذه الفروع :
    وسائل تبليغ الدين :
    كوسائل تبليغ الدعوة ، ووسائل التربية التعليم ، ووسائل الحسبة والطرق الإدارية لتنظيم ذلك كله ، وذلك لأنها عمل منفصل عن بنية العبادة المحضة .
    وإذا تأملت في هذه الوسائل رأيت أنها تقع في رتبة متأخرة عن المقاصد التعبدية المحضة ، وللإيضاح فهذه مراتبها :
    الأولى : العمل التعبدي .
    الثانية : الدعوة إليه ، التي هي عمل الداعية أو المربي أو المحتسب أو المعلم لحمل الناس على الدين .
    الثالثة : وسائل عمل الداعية أو المربي أو المحتسب أو المعلم .
    فهي إذا في مرتبة بعيدة عن بنية العمل التعبدي .
    وقد تفنن علماء المسلمين في هذه الوسائل ؛ حيث بدأ ذلك في نقط المصحف ، ثم ضبطه بالشكل ، ثم تحزيبه وترقيم آياته .
    وكذلك ما أحدثوه من تبويب للعلم ؛ فهناك الآثار والسنن والمستدركات والمسانيد على الصحابة أو التابعين أو من بعدهم ، والتصنيف على أبواب الفقه .
    فكل هذه وسائل إلى تعبدات ، ولم يدر في ذلك بينهم خلاف ولا جدل .
    وقد رأينا أنه لا مجال فيها للبدعة ؛ لكونها معقولة المعنى على التفصيل .
    وفي هذا المعنى يقول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى عن تبليغ الشريعة : (.. والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة ؛ لأنه من قبيل معقول المعنى ؛ فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة ، وكذلك لا يتقيد حفظه عن الزيغ والتحريف بكيفية دون أخرى ) .
    الذكر بالمسبحة :
    ذهب بعضهم إلى أنها بدعة ؛ لعدم فعل النبي e لها ، وإذا أجريت هذه القاعدة في ضبط المحل وجدت أن السبحة لا تدخل في تغيير بنية العبادة بشيء ، وإنما هي وسيلة إلى تحقيق المشروع في عد التسبيح ، وهي معقولة المعنى على التفصيل ؛ فليست إذا بدعة ولا حدثاً في الدين .
    وقد ثبت نحو المسبحة في إقرار النبي e للمرأة على التسبيح بالحصى أو النوى .
    فعن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع النبي e على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال : "ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك" . رواه الترمذي وأبو داود ، وسكت عنه ، وصححه المنذري وابن حجر .
    وبجواز التسبيح قال جمع من الأئمة ؛ منهم ابن تيمية والشوكاني ومحمد بن عثيمين وغيرهم .
    ومن المعلوم أن لها بعض المفاسد ؛ كغيرها من الوسائل فيجب على مستعملها اجتناب المفسدة ، ولا علاقة لهذه المفسدة ببدعة ولا سنة ؛ فمن ذلك جعلها شعاراً للصلاح ، ومجالاً للرياء ، وانظر في ذلك "مجموع الفتاوى" (22/187) و(22/505) .
    ويُحاذر من هذه المفاسد حتى في حمل السواك وإظهاره في الجيب ، وفي حمل المصحف ؛ فلا زال المخلصون المخبتون يخشون إظهار ما يدل على عبادتهم .
    وأما ما فعله ابن مسعود t من الإنكار على قوم اجتمعوا يذكرون الله فقد تقدم الجواب عنه .
    وأما ما قيل إنها في التاريخ القديم عادات هندوسية ؛ فلا يؤثر في حكم الجواز ؛ لأن القاعدة في التشبه : أن الشيء إذا تحول وصار عادة عند المسلمين ، ولم يكن من خصائص الكفار فلا يُعد استعماله تشبهاً ، ولهذا أفتى العلماء في الألبسة الحديثة بأنها جائزة وإن كان أصلها من الكفار ؛ لما ذُكر من هذه القاعدة .
    خطا صف الصلاة وبداية الطواف :
    تحرر هنا أنها وسيلة معقولة المعنى فلا تدخلها البدعة ؛ بل لها حكم مقصدها ؛ فمقصدها في الصلاة مستحب فهي مستحبة .
    أما خط المطاف فالأصل جوازه على هذه القاعدة إلا إنه عرض لهذا الأصل ما هو خارج عن حكم البدعة والسنة ، وهي مفسدة ازدحام الناس عند بداية الطواف بما يعرقل انسيابه ، ويقع به من أذية الرجال للنساء الشيء الكثير ؛ فيُعتبر لهذا السبب ممنوعاً ، وأما قول بعض أهل العلم بضرورة وضعه حتى مع هذه المفسدة بحجة أن الطائف قد يترك جزءاً من الطواف ففيه تكلف لا يخفى ؛ إذْ إن المكلف متعبد بغلبة الظن في المحاذاة عند البداية وعند النهاية ؛ فإن أمكن تحقيق الوسيلة دون مفسدة جاز ذلك ؛ وإلا وجب تركها .
    حفلات تكريم الطلبة :
    تقام حفلات تكريم الجامعيين وطلبة حلق تحفيظ القرآن العظيم ؛ فهل تُعتبر بدعة لكونها تشبه العيد ؟
    ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم ، والأظهر أن ذلك مرجوح ؛ لكون هذه الحفلات معقولة المعنى على التفصيل ، والزمن غير معين ، ولا يُقصد لذاته ؛ كما هي الحال في الأعياد الشرعية وغير الشرعية ؛ كاحتفالات المولد والأعياد القومية ، وإنما المقصود خاتمة الفترة الدراسية ؛ فلو تأخرت أو تقدمت تبعتها في ذلك .
    الحداء والنشيد :
    النشيد من الأمور العادية ، وحتى لو قصد به ترقيق القلوب فإنه إنما يدخل في باب الوسائل التي لا مدخل فيها للبدع ، ولا تنطبق عليه قواعدها ، وإذا وجد فيه ذكر ، أو ترديد دعاء ؛ كحداء الصوفية فإنما أدركته البدعة بذلك لا لأجل كونه نشيداً .
    أما ابتلي به بعض هذه الأمة من التغني بالقصائد الملحنة بنية التعبد ، أو ما يُسمى بالغناء الصوفِي ، وهو الذي جُعل مضاهياً للقرآن فِي أحكام التلاوة ؛ فإنما حكم عليه بذلك لأجل نية التعبد المحض التي تُحيل العمل العادي إلى عبادي مبتدع ، وقد حكم العلماء على مثل هذا النشيد بالبدعة لهذا السبب ، وكان فيه مضاهاة المشروع في أشياء منها :
    - أن المغنين يتطهرون له .
    - أنـهم يستنْزلون رحمة الله بـه ؛ كحِلِق الذكر .
    - دعواهم حضور الملائكة والأنبياء ؛ شأن الذكر والصلوات .
    - تفضيله على القرآن قولاً وفعلاً ، والأمر بالإنصات عند سماعه .
    وانظر تفاصيل هذا الغناء التعبدي فِي "الاعتصام" للشاطبي (2/85 ، 87 ، 93) و"مجموع الفتاوى" لابن تيمية : (3/211 – 427، 359) و (4/77) و(10/71 و76 و170 و418 و419) و (11/532و298و562 إلى641) و(22/522) و ( 27/229) .
    وأما القصائد الملحنة التي لا يُراد بِها التعبد ، ولا يقارنـها ما يدل على ذلك فلا ينطبق عليها حد البدعة .
    وبيان ذلك أنه قد عُهد من الشريعة إباحة مثلها ؛ كحداء المسافرين ، وغناء العيد ، وأراجيز العاملين .
    وقد فرّق ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (11/558 و631) بين سماع المتقربين وسماع المتلعبين ، وأن هناك فرقاً بين ما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو ، ونحو ذلك من العادات ، وبين ما يُفعل لقصد العبادة والتقرب إلى الله ؛ كالذي يفعله النصارى فِي كنائسهم على وجه العبادة والطاعة ؛ لا على وجه اللهو واللعب .
    ومثّل لذلك بجواز كشف الرأس ، ولبس الإزار والرداء على وجه العادة ، ومنعه إذا فعله على وجه الإحرام ؛ كما يحرم الحاج .
    ومثّل لذلك أيضاً بما رواه البخاري فِي "صحيحه" (6210) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله e رأى رجلاً قائماً فِي الشمس . فقـال : من هذا ؟ قالوا : هذا أبو إسرائيل يريد أن يقوم فِي الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ؛ فقال النبي e : "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" .
    فعلق على قصة أبِي اسرائيل هذه بقوله : ( .. فهذا لو فعله لراحة أو غرض مباح : لم يُنهَ عنه ؛ لكن لما فعله على وجه العبادة نُهي عنه ..) .
    ونحو ذلك تمثيله رحمه الله بحلق الرأس تعبداً ، أو على وجه مباح ؛ كما في "الاستقامة" (1/256) .
    وقد قرر فِي المرجع المذكور (1/282) فِي رده على من استدل بسماع عبدالله بن جعفر على شرعية التقرب إلى الله بالقصائد الملحنة ، بأنه لا يعده ديناً.
    ولا يرد على هذا أن يُقال : إن الأناشيد يراد بها مقاصد شرعية ؛ كالحث على أعمال الخير وترقيق القلوب فيُقصد بـها ـ من هذا الوجه ـ القربة والتعبد ؛ فهي بدعة ، لا يرد هذا ؛ لأن هذا التعبد إنما هو بمعناه العام لا معناه الخاص ؛ كما تقدم تفصيله في الأدلة ، ووجه تبديع أهل السماع بقصائدهم هو وجود حقيقة التعبد بالنية ، أو بما يقارنـها من أحوال تعبدية محضة ؛ كالتطهر لها ، أو دعوى حضور الملائكة ؛ وغيرها مما مر آنفاً ؛ مما لا يوجد في الأناشيد موضع البحث : من نية التعبد بها ، أو قرائنه .
    ولا يخلو الحال في إطلاق وصف البدعة عليها من اعتبار أحد أمرين: أحدهما : التلحين ، والثاني : مقصد ترقيق القلب ؛ فإن قيل : إن السبب هو التلحين فيُقال : إن المواعظ يراد بـها ترقيق القلوب وقد لُحِّنت ؛ كما فعله بعض العلماء في خطبهم ، ولم تُعتبر بدعة . وإن كان السبب في الشعر الموزون المقفى فقد قاله الصحابة وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يُقصد به إلا الحكمة ، أو ترقيق القلوب .
    فظهر بذلك أن مراد العلماء هو الحكم ببدعية الحداء المقترن بقصد التعبد المحض ، أو وجود صورة العبادة ؛ كما تقدم .
    ولكن اعترى بعض النشيد فِي الوقت الحاضر مفاسـد ظاهرة ؛ كتقليد المطربين الفسقة والتشبه بـهم فِِِي ألحانـهم وطريقـة أدائهم ، واستعمال الآلات المحرمة بوساطة الحاسب الآلي مع مبالغة شديدة في تحسين الصوت وتطريبه ، من ذلك ما هو محرم ومنه ما هو مكروه .
    كما أن الإكثار من سماع القصائد والترنم بها ملهاة عن كتاب الله قراءة وسماعاً وتدبراً ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "لأن يمتليء جوف رجل قيحاً يَرِيَه خير من أن يمتليء شعراً" رواه البخاري في "صحيحه" (5689) ومسلم في "صحيحه" (2257) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ومعنى يريه : يفسد جوفه .
    وانظر كلام الشاطبي في "الاعتصام" ( 2 / 96 ، 98 ، 99 ) في النشيد المجرد الذي لا تعبد فيه ، وقد قرر في هذه المواضع نفسها ما فيه من تجاوز ؛ كالمبالغة في تمطيط الصوت وتحسينه .
    الحاجز بين الرجال النساء في المساجد :
    حيث ذهب بعضهم إلى أنه بدعة لتعلقه بعبادة ، وطار بها بعض دعاة التغريب لفتح باب الاختلاط في المدارس وغيرها ، والصحيح أن هذا الحاجز معقول المعنى على التفصيل ، وهو وسيلة محضة ، وعلى ما حُقق هنا فلا تدخله البدعة ؛ بل هو من الوسائل التي تُتخذ عد الحاجة .
    فإن قيل : لماذا تركه النبي eمع وجود المقتضي وانتفاء المانع ؛ فالجواب : أن هذه الجملة لا ترد هنا ، ولا تصح ضابطاً للبدعة لما تقدم تفصيله ، وإنما نشتغل بالجواب على سبيل التبرع فنقول : لعل الحاجة لم تكن داعية إلى ذلك ؛ لحرص الصحابيات على الحجاب ، وحرص الصحابة على غض البصر ؛ فإذا كان الناس على مثل حالهم فقد يقال : لا مانع من إزالته .
    وإذا رأى المحتسبون الحاجة إلى ذلك كان صحيحاً مشروعاً .
    فالحاصل في موضوع هذا البحث أن لا يقال : إن هذا الحاجز بدعة .
    من فروع المضاهاة في العادات :
    وضع المكوس الدائمة :
    عدها الشاطبي ـ كما تقدم ـ من البدع لمضاهاتها لما ضرب الله حدوده من الزكوات فِي أنواع الأموال .
    زيارة نصب الجندي المجهول :
    ونصب الجندي المجهول يرمز إلى الشهداء من الجنود وغيرهم ، وزيارته تكون تعظيماً لهم ، وتنويهاً بشأنهم .
    وهذه الزيارة لا يعرف لها معنى يقصده العقلاء عادة ؛ فالذي يقصدونه عادة في مثل هذا هو ذكرهم ، والثناء عليهم ، أو الدعاء لهم ، أو نفع ذريتهم إكراماً لهم .
    أما وضع النصب وتخصيصه بالزيارة ، والصمت عنده دقيقة ونحو ذلك ؛ ففيها مضاهاة للتعبد المشروع ؛ كقصد المشاعر والمساجد ؛ فصارت من البدع .
    الصمت حداداً :
    في بعض المجتمعات يتخذون عادة يصمت فيها المرء مدة من الزمن تكون دقيقة واحدة أو أكثر حداداً على وفاة عظيم ، وهذا قد يكون فِي المجتمعات والمحافل العامة .
    وهناك طريقة أخرى بأن توقف السيارات فِي المدينة وينْزل منها أصحابها فيقفون مدة معينة : دقيقة أو دقيقتين حزناً على هالك أو إحياء لذكرى هالكين ، واختيار الصمت والمدة لا يعقل لها معنى على التفصيل ؛ فقد دخل فِي العادي شائبة التعبد ؛ فكان من البدع .
    التزام مدة معينة للتفرغ الدعوة :
    يلتزم بعض الناس مدة معينة للدعوة يجعلها طريقة متبعة ، ويداوم عليها ؛ فيحدد لذلك مدة معينة ؛ كأربعة أيام أو أربعين يوماً ونحو ذلك ؛ فضرب هذه الأعداد لكل شخص لكل مكان ولكل زمان لا يُعقل لذلك معنى على التفصيل مضاهاةٌ لطريقة الشارع في سن الأحكام ؛ فيُعتبر بدعة .
    ولو كان في هذا معنى معقول يوافق فراغ الناس ؛ كشهرين ؛ لأنها إجازة الموظفين ، وكيومين ؛ لأنها إجازة نهاية الأسبوع لم يكن في هذا محذوراً ؛ لخروجه عن محل البدعة بمعقولية معناه .
    هذا الله أعلم ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
    http://www.salmajed.com/node/251
    هلموا لنصرة دينكم ، ولا تولوا عند اللقاء ،
    فالتغريب يطرق الأبواب ولم يعد لطالب علم عذر في التواني عن مقارعته ...

  14. #14

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    ماقولكم في هذا التعريف للبدعة : البدعة هي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع الزعم بذلك إلى التقرب إلى الرحمن ولا تشهد لذلك نصوص الشرع الحسان ولا تحتمل هذا الحدث قواعد الإسلام ولم يقل به أحد من الأئمة الأعلام .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    53

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    بارك الله في الأخ الباتني، وجزاه الله خيرا على ما يكتبه.
    ولكن لي أن أسأل وأريد إجابة من بعض الإخوة:
    لماذا نلمس في بعض المشاركات خروجا عن الموضوع ؟.
    بعض مشاركات إخواننا يقدمون فيها كلاما دون أن يكون له صلة بما قبله.
    فإن كان الأخ يقدم عرضا لما طرحه الشاطبي، وينتظر مناقشة في صلب الموضوع، ولكم وددنا أن نستفيد، ونحن لسنا اهلا للنقاش، ولكن نتابع من أجل أن نستفيد، ولكن البعض يدخل ليقول ما يريد ان يكون.
    مرات أقول بعض الإخوة لا يقرؤون الموضوع، ويكتفون بالعنوان ويجيبون.
    والله المستعان.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    الجزائر - باتنة -
    المشاركات
    486

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    بارك الله في الإخوة الذين ما بخلوا علينا بالتواصل.
    كنت أنوي أن أواصل الضابط الثاني للبدعة، ولكن شاء الله أن أؤجل ذلك، ربما لأجيب الأخ القرافي والأخ شبل السنة فقد طرحوا ما يستحق أن نفكر قليلا قبل الإجابة عليه.
    وأشكر كل الإخوة على ما قدموه.
    وأحيي الأخ نبيل المعيقلي على تحمسه للموضوع.
    سأعود إن شاء الله للمشاركة.
    قال الإمام الشاطبي:
    "خذ من العلم لبه، ولا تستكثر من ملحه، وإياك وأغاليطه".

  17. #17

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    أنا في الانتظارجزاك الله خيرا أبا سعيد.

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    الجزائر - باتنة -
    المشاركات
    486

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة القرافي المالكي مشاهدة المشاركة
    الأخ أبو سعيد

    ربما بعض المخالفين الذين يطلقون لفظ البدعة على هذه الأمور يقصدون البدعة بالمعنى اللغوي.
    جميل عندما حددت ما يخرج عن هذا القيد.
    لكني لم أفهم وجه خروج المعاصي من هذا القيد.
    لو تفضلتم بزيادة شرح قبل التقدم في الموضوع جزاكم الله خيرا.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    الأخ الحبيب القرافي المالكي:
    أشكر اهتمامك بالموضوع.
    أمّا عن الأمر الذّي طرحته أخي:
    فإنّ المعصية قد تكون محدثة بعد عصر النبي وتشتبه بالبدعة، فأخرجها قيد نسبتها إلى الدين عن البدعة.
    فمثلا حلق اللحية أُحدِث مؤخرا.
    وحلق اللحية كما هو معلوم معصية ولا يصلح إطلاق لفظ البدعة بالمعنى الاصطلاحي عليه.

    قال الجيزاني في قواعد معرفة البدع:
    "وبهذا القيد تخرج المخترعات المادية والمحدثات الدنيوية مما لا صلة له بأمر الدين، وكذلك المعاصي والمنكرات التي استحدثت، ولم تكن من قبل، فهذه لا تكون بدعة، اللّهم إلا إن فُعلت على وجه التقرب، أو كانت ذريعة إلى أن يظن أنها من الدين".
    والله تعالى أعلى واعلم.
    وتقبل تحياتي أخي الحبيب.
    قال الإمام الشاطبي:
    "خذ من العلم لبه، ولا تستكثر من ملحه، وإياك وأغاليطه".

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    الجزائر - باتنة -
    المشاركات
    486

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسامة شبل السنة مشاهدة المشاركة
    ماقولكم في هذا التعريف للبدعة : البدعة هي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع الزعم بذلك إلى التقرب إلى الرحمن ولا تشهد لذلك نصوص الشرع الحسان ولا تحتمل هذا الحدث قواعد الإسلام ولم يقل به أحد من الأئمة الأعلام .

    إنّ هذا التعريف أخي نستطيع أن نقول بأنّه تعريف جامع مانع، مطابق لتعريف الإمام الشاطبي إلا أنّ الزيادة الأخيرة:
    "ولم يقل به أحد من الأئمة الأعلام" غريبة عن التعريف.
    فقوله:
    "البدعة هي الحدث في الإسلام"
    موافق لقول الإمام الشاطبي:
    "البدعة طريقة في الدين".
    وقوله:
    "مع الزعم بذلك إلى التقرب إلى الرحمن"
    موافق لقول الإمام الشاطبي:
    "تُضَاهِي الشرعية"
    وقوله:
    "ولا تشهد لذلك نصوص الشرع الحسان، ولا تحتمل هذا الحدث قواعد الإسلام"
    موافق لقول الإمام الشاطبي:
    "مخترعة"
    أي: لا أصل لها.
    والله تعالى أعلى وأعلم.
    قال الإمام الشاطبي:
    "خذ من العلم لبه، ولا تستكثر من ملحه، وإياك وأغاليطه".

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    53

    افتراضي رد: البدعة: لفظ لا يصلح إطلاقه على الفعل ما لم تتوفر ضوابطه.

    بارك الله في الإخوة المشاركين
    ولكني أريد أن أطرح سؤالا"
    هل إذا اجتهد إمام في مسألة ما، ووصل إلى أنها سنة أو مستحب، هل يصلح أن يصفها آخر بأنها بدعة، رغم أن الأول عنده فيها دليل ؟.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •