لماذا يجاهد المسلمون ؟.
الحمد لله
فرض الله تعالى على المسلمين الجهاد في سبيله ، وذلك للمصالح العظيمة المترتبة عليه ، ولما في تركه من أضرار ومفاسد سبق ذكر بعضها في السؤال رقم (
34830) .
فمن الحكم في مشروعية الجهاد في سبيل الله :
1- الهدف الرئيس للجهاد هو تعبيد الناس لله وحده ، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد.
قال الله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة /193 . وقال : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الأنفال /39 .
وقال ابن جرير :
فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض، وهو الفتنة ويكون الدين كله لله ، وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها خالصة دون غيره اهـ .
وقال ابن كثير :
أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان اهـ .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري (24) ومسلم (33) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لا شَرِيكَ لَهُ ) . رواه أحمد (4869) . وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2831) .
وقد كان هذا الهدف من الجهاد حاضراً في حس الصحابة رضي الله عنهم أثناء معاركهم مع أعداء الله ، روى البخاري (2925) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ ... فَنَدَبَنَا عُمَرُ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ : لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ . فَقَالَ الْمُغِيرَةُ : سَلْ عَمَّا شِئْتَ . قَالَ : مَا أَنْتُمْ ؟ قَالَ : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ ، كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ ، وَبَلاءٍ شَدِيدٍ ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنْ الْجُوعِ ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ ، تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ ، إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ .
وتلك حقيقة كان يعلنها الصحابة وقادة المسلمين في غزواتهم .
وقال ربعي بن عامر لما سأله رستم أمير جيوش الفرس : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله .
ولما بلغ عقبة بن نافع طنجة أوطأ فرسه الماء ، حتى بلغ الماء صدرها ، ثم قال : اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود ، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك ، حتى لا يعبد أحدٌ من دونك .
2- رد اعتداء المعتدين على المسلمين .
وقد أجمع العلماء على أن رد اعتداء الكفار على المسلمين فرض عين على القادر عليه .
قال الله تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة /190 .
وقال تعالى : ( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُم ْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/13 .
3- إزالة الفتنة عن الناس .
والفتنة أنواع :
الأول : ما يمارسه الكفار من أشكال التعذيب والتضييق على المسلمين ليرتدوا عن دينهم . وقد ندب الله تعالى المسلمين للجهاد لإنقاذ المستضعفين ، قال تعالى : ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَ فِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) النساء /75 .
الثاني : فتنة الكفار أنفسهم وصدهم عن استماع الحق وقبوله ، وذلك لأن الأنظمة الكفرية تفسد فطر الناس وعقولهم ، وتربيهم على العبودية لغير الله ، وإدمان الخمر ، والتمرغ في وحل الجنس ، والتحلل من الأخلاق الفاضلة ، ومن كان كذلك قَلَّ أن يعرف الحق من الباطل ، والخير من الشر ، والمعروف من المنكر . فشرع الجهاد لإزالة تلك العوائق التي تعوق الناس عن سماع الحق وقبوله والتعرف عليه .
4- حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار .
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رؤوس الكفر الذي كانوا يألبون الأعداء على المسلمين ، ككعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق اليهوديين .
ومن ذلك : الأمر بحفظ الثغور (الحدود) من الكفار ، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال : ( رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا ) البخاري (2678) .
5- إرهاب الكفار وإذلالهم وإخزاؤهم .
قال تعالى : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة /14-15 . وقال : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الأنفال /60
موقع الاسلام سؤال وجواب