بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :
(( وقد جرت عادة الله التي لا تبدَّل وسنته التي لا تحول، أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوب زور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به، فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء )) إعلام الموقعين (6/106) .

::: خاطرة :::

المرائي : إنما يرائي ليرى الناس عمله فيمتدحوه عليه، وهو بذلك يظن في نفسه أنه حصل على محبة الناس، والحقيقة أنه : أحبط عمله وأسخط عليه مولاه وخالقه، فيبغضه الله ويقذف في قلوب خلقه بغضه، دلّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض )) رواه مسلم وغيره، فالحاصل : أن المرائي أتعب نفسه في العمل، وعمل عمله لغير الله عندما راءى فيه، ومن ثم أُحبط العمل ورد بسبب ماوقع فيه من رياء وشرك، فأغضب اللهَ عليه، وأغضب اللهُ خلقه عليه، فخسر الدنيا والآخرة .

أما المخلص : فقد عمل العمل لله خالصا، فقبل الله منه عمله فأحبه ورضي عنه، ومن ثم ألقى في قلوب الخلق محبّة عبده هذا، ففاز المخلص بخيري الدنيا والآخرة، محبة الله له ومحبة عباد الله له أيضا، دلّ على ذلك ماجاء في الحديث السابق (( إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض )) .

طبعاً : لابد من الإشارة إلى أن الطاعة يتوقف قَبولها على ركنين أساسيين :
1 ـ الإخلاص : وهو تحقيق الشق الأول من الشهادة [ لا إله إلا الله ] .
2 ـ الاتباع : وهو تحقيق الشق الثاني من الشهادة [ محمد رسول الله ] .
فكما أنه لامستحق للعبادة سوى الله، فكذلك لامستحق للاتباع سوى محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا هو تحقيق معنى الشهادتين :
[ لاإله إلا الله :إفراد الله تعالى بالعبادة ( الإخلاص ) ]
[ محمد رسول الله :إفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع ]

وقد ذكر بعض العلماء : أن الإسلام قائم على حديثين، أحدهما يتعلق بأعمال القلب الباطنة ( الاخلاص )، والآخر يتعلق بأعمال الجوارح الظاهرة
(
الاتباع ) .


الحديث الأول الذي يتعلق بأعمال القلوب والسرائر هو : حديث عمر رضي الله عنه : (( إنما الأعمال بالنيات )) وبهذا فإن هذا الحديث يمثل الشق الأول من الشهادة .

الحديث الثاني الذي يتعلق بأعمال الجوارح الظاهرة وهو : حديث عائشة رضي الله عنها : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) وبهذا فإن هذا الحديث يمثل الشق الثاني من الشهادة .

فيا أيها المرائي، اعلم . . . أن محبة الله ومن ثم محبة عباده لك إنما تتحصل بلزوم الإخلاص وسلوكه، لا بالرياء الذي يوجب لك خسران الدنيا والآخرة

أسأل الله لي ولكم الإخلاص والاتباع في القول والعمل


الفَقِيْرُ إلَىْ رَحْمَةِ رَبِّهِ وَعَفْوِهِ

.::
حَاْمِلُ الْمِسْكِ اَلْفُرِاْتِيّ ::.