بسم الله الرحمن الرحيم



تبصير الأنام بمعابد الشيطان


كاتب المقالة: المشرف العام لموقع ميراث السنه


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، ثم أما بعد : إن ما نراه اليوم في عالمنا المعاصر لمن عجائب آخر الدهر ! أشياء لم نكن نتصورها أن تحدث في المجتمعات المسلمة التي طهرها الله تعالى من الشرك به سبحانه وتعالى على أيدي الفاتحين الأبرار [كاستغاثة أهل القبور بقبورهم وعبادة عباد الأشجار والأحجار المبروكة في زعمهم وتقديسهم لأضرحتهم]، ووهذا ما يدفعونا إلى بذل الجهود حقا لطمس الشرك ومحاربته حتى يخمد ويزول نهائيا من قلوب وعقول الناس فيوحدوا الله تعالى حق توحيده ولا يعبدوا معه غيره، وللشرك بالله تعالى صفات وألوان وأشكال وأقسام، وكله من هوى الإنسان وعمل الشيطان، كما قال الله تعالى: { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه...}، وهذه الحماقات التعبدية الإبليسية لدليل قوي على سفاهة عقول عباد المخلوقات وقلة ذكائهم، وسذاجة فكرهم فتراهم يعمرون المشاهد القبورية، ويقدسون الأصنام الشركية، والأضرحة المنكرة، ويجتهدون في خدمة المخلوقات المعبودة من دون الله رغبا ورهبا، وهؤلاء في الحقيقة يعبدون غير الله يشركون به تارة أخرى، يعبدون الند والشريك والمخلوق وحده دون الله تارة، ولقد أبطل الله تعالى حججهم كلها في تنزيله كما أخبرنا تعالى عن دعوة التوحيد التي بعث بها الأنبياء وهي دعوة المرسلين جميعا : { وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}، وقال جل جلاله :{ وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}، وقال تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}وغيرها من الآيات التي تدل على التوحيد الخالص لله قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى[ج1ص359 هؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم- لما كانوا من جنس عباد الأوثان- صار الشيطان يضلهم ويغويهم كما يضل عباد الأوثان ويغويهم فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة كما تخاطب الشياطين الكهان وبعض ذلك صدق لكن لا بد أن يكون في ذلك ما هو كذب بل الكذب أغلب عليه من الصدق، وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك أو يظن أن الله تعالى صور ملكا- على صورته- فعل ذلك ويقول أحدهم : هذا سر الشيخ وحاله وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب وهو اليوم موجود في المشركين من الترك والهند وغيرهم، وأعرف من ذلك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي وبغيري في حال غيبتنا عنهم فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء ودفعنا عنهم ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين وهذا من أكبر الأسباب التي بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان، وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم الذين يسمونهم العلامس يرون أيضا من يأتي على صورة ذلك الشيخ النصراني الذي استغاثوا به فيقضي بعض حوائجهم ، وهؤلاء الذين يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم غاية أحدهم أن يجرى له بعض هذه الأمور أو يحكى لهم بعض هذه الأمور فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل ، ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أوسلاح أو غير ذلك مما يطلبه فيظن ذلك كرامة لشيخه وإنما ذلك كله من الشياطين، وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان، وقد قال الخليل عليه السلام:{ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}،{ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} كما قال نوح عليه السلام، فيا عباد الله : إن هذه الخزعبلات الشيطانية والشبهات الإبليسية هي نفس الشبهات التي كانت عند المشركين الأوائل الذين كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى كهبل واللات والعزى ومناة وغيرها من الأصنام كما أخبرنا الله تعالى عن حالهم في القرآن الكريم، فقال تعالى عن دينهم وعقيدتهم الباطلة: { مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، وهذا هو الشرك الذي حاربته الرسل ونهت عنه العباد ولأجل هذا الشرك أرسلهم الله بالحجج البالغة والأدلة الدامغة فنصرالله تعالى أهله الموحدين على من عاداهم من المشركين، ألا فيلعلم كل من يلعب بهذه الشطحات القبورية ويدوخ نفسه بالنطحة الكفرية أن عبادته الشركية هي طريقة أبي جهل وأبي لهب وغيرهم من رؤوس الشرك وصناديد الكفر وخدمة الأصنام والتماثيل..، فيا أمة الإسلام: إن الله عز وجل قدر مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقضى قضاء لا ظلم فيه لأحد من الخلق بعدله وفضله، والعباد لأعمالهم عاملون حقا كما قال تعالى : {والله خلقكم وما تعملون}، وقال تعالى: { من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا }، وقال تعالى: { فريق في الجنة وفريق في السعير}، وقال تعالى: { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}، وقال الله تعالى في الحديث القدسي:[ يا عباد إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه]، وغير ذلك من النصوص في الكتاب والسنة الصحيحة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الله تعالى خلق العباد لعبادته ولم يخلقهم عبثا ولم يأذن سبحانه أن يشرك به شيئا في عبادته أو حكمه كما قال تعالى في تنزيله: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحد}، وقال تعالى كذلك : { ولا يشرك في حكمه أحدا} ، فالدين الإسلامي مبني على قاعدتين: ألا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، وأن لا يعبد إلا بما شرع لا بالهواء ولا بالبدع، فهؤلاء الذين يعبدون القبور والأشجار والأحجار أضلهم الله تعالى على علم، وهم ممن رضوا بالشرك والكفر لأنهم لم يكرهوا على أفعالهم القبيحة قال عمر رضي الله عنه للحجر الأسود: [إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك]، وروى أبو داود والنسائي بسند جيد 6[الترغيب والترهيب وحسنه الألباني] عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه]، فعبدة الحجر والشجر والقبور لم يحققوا الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب قال تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله }، وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }، وغيرها من الآيات و النصوص الصحيحة في السنة النبوية الميمونة المباركة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : [ج1ص359] ومعلوم أن الحجر لا يضل كثيرا من الناس إلا بسبب اقتضى ضلالهم ولم يكن أحد من عباد الأصنام يعتقد أنها خلقت السماوات والأرض ، بل إنما كانوا يتخذونها شفعاء ووسائط لأسباب : منهم من صورها على صور الأنبياء والصالحين ، ومنهم : من جعلها تماثيل وطلاسم للكواكب والشمس والقمر، ومنهم من جعلها لأجل الجن، ومنهم : من جعلها لأجل الملائكة، فالمعبود لهم في قصدهم إنما هو الملائكة والأنبياء والصالحون أو الشمس أو القمر، وهم في نفس الأمر يعبدون الشياطين : فهي التي تقصد من الإنس أن يعبدوها وتظهر لهم ما يدعوهم إلى ذلك كما قال تعالى: { ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون}، { قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}، وإذا كان العابد ممن لا يستحل عبادة الشياطين أوهموه أنه إنما يدعو الأنبياء والصالحين والملائكة وغيرهم ممن يحسن العابد ظنه به، وأما إن كان ممن لا يحرم عبادة الجن عرفوه أنهم الجن وقد يطلب الشيطان المتمثل له في صورة الإنسان أن يسجد له أو أن يفعل به الفاحشة أو أن يأكل الميتة ويشرب الخمر أو أن يقرب لهم الميتة وأكثرهم لا يعرفون ذلك بل يظنون أن من يخاطبهم إما ملائكة، وإما رجال من الجن يسمونهم رجال الغيب ويظنون أن رجال الغيب أولياء الله غائبون عن أبصار الناس وأولئك جن تمثلت بصور الإنس أو رئيت في غير صور الإنس وقال تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }، كان الإنس إذا نزل أحدهم بواد يخاف أهله قال : أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، وكانت الإنس تستعيذ بالجن فصار ذلك سببا لطغيان الجن، وقالت الإنس تستعيذ بنا، وكذلك الرقى والعزائم الأعجمية: هي تتضمن أسماء رجال من الجن يدعون، ويستغاث بهم ويقسم عليهم بمن يعظمونه فتطيعهم الشياطين بسبب ذلك في بعض الأمور، وهذا من جنس السحر والشرك قال تعالى : {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} وكثير من هؤلاء يطير في الهواء وتكون الشياطين قد حملته وتذهب به إلى مكة وغيرها ويكون مع ذلك زنديقا يجحد الصلاة وغيرها مما فرض الله ورسوله ويستحل المحارم التي حرمها الله ورسوله وإنما يقترن به أولئك الشياطين لما فيه من الكفر والفسوق والعصيان حتى إذا آمن بالله ورسوله وتاب والتزم طاعة الله ورسوله فارقته تلك الشياطين وذهبت تلك الأحوال الشيطانية من الإخبارات والتأثيرات، وأنا أعرف من هؤلاء عددا كثيرا بالشام ومصر والحجاز واليمن وأما الجزيرة والعراق وخراسان والروم ففيها من هذا الجنس أكثر مما بالشام وغيرها وبلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب أعظم، وإنما ظهرت هذه الأحوال الشيطانية التي أسبابها الكفر والفسوق والعصيان بحسب ظهور أسبابها فحيث قوي الإيمان والتوحيد ونور الفرقان والإيمان وظهرت آثار النبوة والرسالة ضعفت هذه الأحوال الشيطانية وحيث ظهر الكفر والفسوق والعصيان قويت هذه الأحوال الشيطانية والشخص الواحد الذي يجتمع فيه هذا وهذا الذي تكون فيه مادة تمده للإيمان ومادة تمده للنفاق يكون فيه من هذا الحال وهذا الحال، والمشركون الذين لم يدخلوا في الإسلام مثل البخشية والطونية والبدى ونحو ذلك من علماء المشركين وشيوخهم الذين يكونون للكفار من الترك والهند الجوار وغيرهم تكون الأحوال الشيطانية فيهم أكثر ويصعد أحدهم في الهواء ويحدثهم بأمور غائبة ويبقى الدف الذي يغنى لهم به يمشي في الهواء ويضرب رأس أحدهم إذا خرج عن طريقهم ولا يرون أحدا يضرب له ويطوف الإناء الذي يشربون منه عليهم ولا يرون من يحمله ويكون أحدهم في مكان فمن نزل منهم عنده ضيفه طعاما يكفيهم ويأتيهم بألوان مختلفة، و ذلك من الشياطين تأتيه من تلك المدينة القريبة منه أو من غيرها تسرقه وتأتي به ، وهذه الأمور كثيرة عند من يكون مشركا أو ناقص الإيمان من الترك وغيرهم، فالذي يلاحظ ما يفعله شيطان الإنس والجن بالعبد الخاوي من الإيمان أو المشرك بربه تعالى أو العاصي المستسلم للجن والمفسدين القبوريين يدرك نعمة التوحيد وومنة تحقيق عبادة الله وحده لا شريك له، فإن مما يزيد المسلمين قوة إلى ثباتهم معرفة الله تعالى بلوازم توحيده ومقتضيات عبادته سبحانه وحده، فالله تعالى وحده هو ذو الأولوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وقال ابن رجب : فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا في إخلاصه في لا إله إلا الله ونقصا في توحيده وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، كان ذلك نقصا في توحيده أي ناقضا لأن مبطلات الإسلام هي القوادح والنواقض التي من ارتكبها خرج من ملة التوحيد ودائرة الإسلام، فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نوحده بعلم ومعرفة ويقين، كما قال تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله}، فهذا هو الواجب على العبد أن يتعلمه ويعمل به حتى يلقى الله تعالى، وهذه هي وظيفته في الأرض والتي من أجلها خلق:[عبادة الله وحده لا شريك له].