تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 31 من 31

الموضوع: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    34-قال الجهمي:
    وما هي الجناية علي النص أن ينزه الله عن التشبيه بالمخلوقات!!.
    الجناية هي أن جعلتم كلام الله تعالى يوهم التشبيه فهربتم من هذا التشبيه الذين توهمتموه في عقولكم إلى تشبيه الله بالجماد والعدم ووصفتموه بالنقص والعجز فأنتم المشبهة أولا والمحرفة ثانيا فالمعطلة ثالثا.
    وليس في إثبات ما أثبته الله لنفسه تشبيها كما تدعون وتفترون
    قال نعيم بن حماد الحافظ: من شبه الله بخلقه, فقد كفر, ومن أنكر ‏ما وصف به نفسه فقد كفر, وليس ما وصف به نفسه, ولا رسوله ‏تشبيها.‏
    ‏2- ‏يقول الإمام إسحاق بن راهويه :" إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما ‏قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، فهذا لا يكون تشبيهاً، قال تعالى:{ ليس كمثله شيء وهو السميع ‏البصير }" ذكره الترمذي في جامعه .
    ولو كان إثبات الفوقية أو النزول لله تعالى معناه التشبيه, لكان كل من أثبت ‏الصفات الأخرى لله تعالى ككونه حيا قديرا سميعا بصيرا مشبها أيضا, ‏وهذا ما لا يقول به مسلم ممن ينتسبون اليوم إلى أهل السنة والجماعة ‏خلافا لنفات الصفات والمعتزلة وغيرهم
    ‏فأنتم الجهمية ومن شار على شاكلتكم من نفاة الصفات تجعلون كل من أثبتها ‏مجسما مشبها, ومنكم من يعد من المجسمة والمشبهة الأئمة ‏المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم, كما ذكر ذلك أبو حاتم ‏صاحب كتاب "الزينة" وغيره.‏
    وشبهتكم أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ‏ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق, ويقولون: إن الله يرى في ‏الآخرة". هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت ‏وغيرهم. ‏
    ‏"إن أهل السنة السلفيين متفقون على أن الله ليس كمثله شيء, لا ‏في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس ‏لفظ مجمل, فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن, ودل عليه العقل فهذا ‏حق, فإن خصائص الرب تعالى لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء ‏من
    صفاته.., وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات, فلا يقال ‏له علم, ولا قدرة ولا حياة, لأن العبد موضوف بهذه الصفات فيلزم أن ‏لا يقال له: حي, عليم, قدير لأن العبد يسمى بهذه الأسماء, وكذلك في ‏كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك, وهم يوافقون أهل السنة على ‏أن الله موجود حي عليم قادر, والمخلوق يقال له: موجود حي عليم ‏قادر, ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه)‏
    وقد إعترف كبار الأشاعرة بهذا فقال الرازي في رده على المعتزلة‎((‎إن كنتم بالمشبهة من يقول ‏بكون الله مشابها لخلقه من بعض الوجوه فهذا لا‎ ‎يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أن ‏الله موجود‎...)).‎‏.‏


    35-قال الجهمي:

    أتريد أن يقول أهل السنة والجماعة مثل ما يقول أهل الحشو
    أن الله ينزل بنفسة حقيقة ويتحرك وينتقل ويمر في نزوله علي السماء الاولي والثانية وهكذا؟؟
    فما هي الحقيقة عندكم؟
    واذا بحثت في قواميس اللغة ستقف علي معني كلمة ينزل بنفسه حقيقة
    التي يقول بها الحشوية!!!
    ولا يوجد غير معنى واحد يفيد النقلة من أعلى إلى أسفل كما تقولون به وتريدون أن نقول بهذا القول الفاسد ندعوكم لتنزيه الله
    وتدعوننا لتجسيم رب العباد!!
    واين ورد لفظ الإنتقال والحركة والمكان كما يقول مشايخكم المجسمة ؟؟

    أولا: لقد تقدم تحرير أقوال أهل السنة وموقفهم من ألفاظكم المبتدعة(جهة-مكان-حد-حركة –انتقال))) ونحوها فلا داعي للتكرار.
    ثانيا: لقد اعترفت بنفسك بأنك لا تفهم من صفات الله إلا ما تفهمه من صفات المخلوقين فقد أكدت للقراء أنك من كبار المشبهين المجسمين بلا منازع في قولك((ولا يوجد غير معنى واحد يفيد النقلة من أعلى إلى أسفل كما تقولون)) .
    بل هذا المعنى الذي وجدته أنت في القواميس لكونك أعجميا أو لكونك لا تفهم اللغة العربية-لست أدري – إنما هو في حق المخلوقات لا الخالق فهناك فرق بين المعنى الكلي وبين المعنى الإضافي إذ أغلب القواميس إنما تتكلم عن المعنى الإضافي لا الكلي فمن المعلوم أن معنى(النزول) إذا أضيف لله تعالى غير معناه إذا أضيف للخالق لكن القدر المشترك هو المعنى الكلي ألا وهو(الهبوط) أما الإنتقال من أعلى لأسفل فهذا في حق المخلوق أما الخالق فنقول(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
    وكون المخلوق يعجز أن يجمع بين صفة العلو والنزول في آن واحد فإن الخالق لا يوصف بشيء من صفات المخلوق ولا يقاس بأحد من خلقه فدع عنك التشبيه الذي في ذهنك وآمن بما قاله لك ربك ونبينك عليه الصلاة والسلام إني لك من الناصحين.
    ثالثا: أما التنزيه المزعوم الذي تدعوا إليه فما هو تعطيل قد صوره الشيطان على هيئة تنزيه إذ أنك كذبت الله ورسوله وادعيت بأنه لا ينزل أو ادعيت بأن الذي ينزل هو الملك أو الأمر أو الرحمة بل وادعيت أن كلام الله وكلام رسوله يعد تشبيها وتجسيما فنفيت صفات ربك وجردته من كل صفات الكمال بل وعدمته وجعلته لا داخل ولا خارج وزعمت أنه لا ينزل ولا يأتي ولا يجئ فلم يبقى لك أن تنكر ذاته فتدخل في تعداد الملحدين والله المستعان.
    رابعا: إننا لا ندعوك إلا أن تؤمن بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن التحريف أو التعطيل أو التمثيل أو التكييف.


    دعوى أن النزول يستلزم الحلول والتجسيم:

    ومن آفات التشبيه الذي يتصوره الجهمية المعاصرون أنهم يتصورن بعقولهم المريضة أن نزول رب العالمين إلى السماء الدنيا يلزم الحلول فيها ,وهذا لأنهم يكيفون النزول في أذهانهم ويحاولون معرفة الكيفية ويقيسون الخالق بالمخلوق .
    وبالرغم من أنني رددت على هذه الشبهة في موضوعي(دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين) إلا أن الجهمي كعادته يهوي التكرار ليقال له: لقدرد..!.
    والجواب على فساد تصوره كالتالي:
    دعواه أَنَّ مَنْ قالَ ينزلُ بذاتهِ أنَّهُ مجسمٌ حلوليُّ: قولٌ بلا علمٍ وكذبٌ وافتراءٌ: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].
    وهذا الجهمي وأمثالهُ لمْ يفهموا منْ نزولِ الخالقِ إلى السَّماءِ الدنيا إلَّا كمَا فهموا منْ نزولِ المخلوقاتِ، «وهذا عينُ التمثيلِ، ثَّم إنَّهم بعدَ ذلكَ جعلوهُ كالواحدِ العاجزِ منهم الذي لا يمكنهُ أنْ يجمعَ منَ الأفعالِ ما يعجزُ غيرهُ عنْ جمعهِ»[1]. وكذبوا في هذا الفهمِ، وضلُّوا في هذا الظنِّ والوهمِ الكاسدِ.
    فإنَّ الله سبحانه وتعالى قالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67].
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «يطوي الله عزَّ وجلَّ السمواتِ يومَ القيامةِ ثمَّ يأخذهنَّ بيدهِ اليمنى، ثمَّ يقول: أنا الملكُ. أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتكبِّرونَ؟ ُثمَّ يطوي الأرضينَ بشمالهِ ثمَّ يقولُ: أنا الملكُ أينَ الجبَّارونَ أينَ المتكبرونَ؟!»[2].
    فمنْ هذهِ عظمتهُ، كيفَ يحصرهُ مخلوقٌ مِنَ المخلوقاتِ. سماءٌ أو غيرُ سماءٍ؟! حتَّى يقال: إنَّهُ إذا نزلَ إلى السماء الدنيا صارَ العرشُ فوقهُ، أو يصيرُ شيءٌ مِنَ المخلوقاتِ يحصرهُ ويحيطُ بهِ سبحانه وتعالى[3].
    واللهُ - ولله المثلُ الأعلى - أعظمُ منْ أنْ يظنَّ ذلكَ بهِ، وإنَّما يظنُّهُ الذينَ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67][4].
    قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: العليُّ الأعلى العظيمُ، فهو أعلى منْ كلِّ شيءٍ، وأعظمُ منْ كلِّ شيءٍ. فلا يكونُ نزولهُ وإتيانهُ بحيثُ تكونُ المخلوقاتُ تحيطُ بهِ، أو تكونُ أعظمَ منهُ وأكبرَ، وهذا ممتنعٌ[5].
    فالمخلوقُ إذا نزلَ من علوٍّ إلى سفلٍ زالَ وصفهُ بالعلوِّ وتبدَّلَ إلى وصفهِ بالسُّفولِ، وصارَ غيرهُ أعلى منهُ.
    والرَّبُّ تعالى لا يكونُ شيءٌ أعلى منهُ قطُّ، بلْ هوَ العليُّ الأعلى، ولا يزالُ هوَ العليُّ الأعلى مع أنَّهُ يقربُ إلى عبادهِ ويدنو منهم، وينزلُ إلى حيثُ شاءَ، ويأتي كما شاءَ. وهو في ذلكَ العليُّ الأعلى، الكبيرُ المتعال، عليٌّ في دنوِّه، قريبٌ في علوِّهِ.
    فهذا وإنْ لمْ يتَّصفْ بهِ غيرهُ فلعجزِ المخلوقِ أنْ يجمعَ بينَ هذا وهذا. كمَا يعجزُ أنْ يكونَ هو الأولَ والآخرَ والظاهرَ والباطنَ[6].
    وقَالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: ونزولهُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا سلامٌ ممَّا يضادُّ علوَّهُ، وسلامٌ مما يضادُّ غناهُ وكمالهُ، سلامٌ منْ كلِّ ما يتوهَّمُ معطِّلٌ أو مشبِّهٌ، وسلامٌ منْ أنْ يصيرَ تحتَ شيءٍ أو محصورًا في شيءٍ. تعالى الله ربُّنا عن كلِّ ما يضادُّ كمالَهُ[7].
    فتبيَّنَ بهذا الكلامِ النفيسِ، بطلانُ ما ذكرهُ هذا الجهمي, وأنَّهُ مبنيٌّ على شفا جرفٍ هارٍ منَ الخيالاتِ والأوهامِ.
    وليتأمَّل هذا الجهمي وأمثالهُ منْ أهلِ الكلامِ الأثرَ التالي:
    قالَ محمَّدُ بنُ حاتمٍ المظفريُّ: سمعتُ عمرو بن محمد يقولُ: كانَ أبو معاوية الضريرُ يحدِّثُ هارونَ الرشيد، فحدثَّهُ بحديثِ أبي هريرةَ: «احتجَّ آدمُ وموسى»[8] فقالَ عليُّ بنُ جعفرٍ: كيفَ هذا وبينَ آدمَ وموسى ما بينهما؟! قالَ: فوثبَ بهِ هارونُ وقالَ: يحدِّثكَ عَنِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضهُ بكيفَ؟! فما زالَ يقولُ حتَّى سكتَ عنهُ[9].
    قالَ المحدِّثُ الصابونيُّ معقِّبًا: هكذا ينبغي للمرءِ أنْ يعظِّمَ أخبارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويقابلها بالقبولِ والتسليمِ والتَّصديقِ، وينكرُ أشدَّ الإنكارِ على منْ يسلكُ فيها غيرَ هذا الطريقِ الذي سلكهُ هارونُ الرشيدُ رحمه الله معَ مَنِ اعترضَ على الخبرِ الصَّحيحِ الذي سمعهُ بـ«كيف»؟! على طريقِ الإنكارِ لهُ، والابتعادِ عنهُ، ولمْ يتلقَّهُ بالقبولِ كمَا يجبُ أنْ يتلقَّى جميعُ ما يردُ مِنَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
    جعلنا الله سبحانهُ مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ ويتَّبعونَ أحسنهُ ويتمسَّكونَ في دنياهم مدَّةَ حياتهم بالكتابِ والسنَّةِ، وجنَّبنا الأهواءَ المضلَّةَ والآراءَ المضمحلةَ والأسواءَ المذلَّةَ، فضلًا منهُ ومنَّةً.

    الرد على شبهة الجهة:

    وادعى الجهمي أن القول بالنزول والعلو يستلزم إثبات الجهة
    والجواب عليه:
    ما قاله ابن تيمية في ( التدمرية ) ( ص 45 ) : قد يراد ب ( الجهة ) شيء موجود غير الله فيكون ‏مخلوقا كما إذا أريد ب ( الجهة ) نفس العرش أو نفس السماوات وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما ‏إذا أريد بالجهة ما فوق العالم . ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه كما فيه إثبات العلو والاستواء ‏والوفوقية والعروج إليه ونحو ذلك وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق والخالق سبحانه وتعالى مباين ‏للمخلوق ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته فيقال لمن نفى : أتريد بالجهة أنها شيء ‏موجود مخلوق ؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم . وكذلك ‏يقال لمن قال : الله في جهة . أتريد بذلك أن الله فوق العالم أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات ؟ فإن ‏أردت الأول فهو حق وإن أردت الثاني فهو باطل ).‏
    وقد يقول قائل ‏‎:‎‏ ((هل كان الله تعالى في هذا الحال – أي قبل خلق الكون – جهة وغيرها , إن قالوا نعم ‏كفروا ‏وتناقضوا )‏ شبهة ذكرها سعيد فودة.‏
    والجواب ما جاء في رسالة إثبات الفوقية للجويني ‏‎:‎
    ‏((، فلما اقتضت الإرادة المقدسة بخلق الأكوان المحدثة المخلوقة المحدودة ذات الجهات اقتضت الإرادة ‏المقدسة على أن يكون الكون له جهات من العلو، والسفل، وهو سبحانه منزه عن صفات الحدث، فكوَّن ‏الأكوان، وجعل لها جهتا العلو والسفل، واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الكون في جملة التحت؛ ‏لكونه مربوباً مخلوقاً، واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون لا باعتبار ‏فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت، ولكن الرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته، فهو الآن كما ‏كان، لكن لما حدث المربوب المخلوق، والجهات، والحدود ذو الخلا، والملا، وذو الفوقية، والتحتية، ‏كان مقتضى حكم عظمة الربوبية أن يكون فوق ملكه، وأن تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من ‏الكون لا باعتبار القدم من المكون، فإذا أشير إليه يستحيل أن يشار إليه من جهة التحتية، أو من جهة ‏اليمنى، أو من جهة اليسرى، بل لا يليق أن يشار إليه من جهة العلو والفوقية)).


    معنى قول الطحاوي(لا تحتويه الجهات الست)):

    أما قول الطحاوي(لا تحتويه الجهات الست)) فقد تقدم بيان معناه وهو أن الله لا يحل في أحد من خلقه فـ(لا تحويه الجهات الست) التي هي مخلوقاته، بل هو فوق الجهات والمخلوقات كلها. وهو رد على الحلُولِيَّة والجهمية الذين كانوا يقولون بأن الله حالٌّ في خلقه، وأنه في كل مكان، تعالى الله علو الكبيرا.
    قال ابن القيم: وكذلك قولهم ننزهه عن الجهة؛ إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه ‏وتحصره إحاطة الظرف بالمظروف فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى. ولكن لا يلزم من كونه فوق ‏العرش هذا المعنى. وإن أردتم بالجهة أمراً يوجب مباينة الخالق للمخلوق, وعلوه على خلقه, واستواءه ‏على عرشه فنفيكم لهذا المعنى الباطل, وتسميته جهة اصطلاح منكم توصلتم به إلى نفي ما دل عليه ‏العقل والنقل والفطرة, وسميتم ما فوق العالم جهة, وقلتم منزه عن الجهات, وسميتم العرش حيزاً, و ‏قلتم ليس بمتحيز, وسميتم الصفات أعراضاً, وقلتم الرب منزه عن قيام الأعراض به([2]).‏
    ومنه يتبين أن لفظة الجهة غير وارد في الكتاب والسنة وعليه فلا ينبغي إثباتها ولا نفيها لأن في كل من الإثبات ‏والنفي ما تقدم من المحذور ولو لم يكن في إثبات الجهة إلا إفساح المجال للمخالف أن ينسب إلى متبني العلو ما لا ‏يقولون به لكفى.‏
    وقال القرطبي ( 671 هـ ) بعدما ذكر مذهب المعطلة نفاة العلو لله تعالى ( وقد كان السلف ‏الأول لا يقولون بنفي الجهة , ولا ينطقون بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله , كما نطق كتابه ‏وأخبرت رسله , ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة .... , وإنما جهلوا ‏كيفية الاستواء ) الجامع لأحكام القرآن 7/219-220‏
    وكذلك لا ينبغي نفي الجهة توهما من أن إثبات العلو لله تعالى يلزم منه إثبات الجهة لأن في ذلك محاذير عديدة منها ‏نفي الأدلة القاطعة على العلو له تعالى . ومنها نفي رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة فصرح بنفيها ‏المعتزلة والشيعة وعلل ابن المطهر الشيعي في ( منهاجه ) النفي المذكور بقوله : ( لأنه ليس في جهة ) وأما ‏الأشاعرة أو على الأصح متأخروهم الذين أثبتوا الرؤية فتناقضوا حين قالوا : ( إنه يرى لا في جهة ) يعنون العلو.


    التعطيل تشبيه لله بالمعدوم والجماد:

    وينكر الجهمي على أهل السنة إثباتهم الصفات على ظاهرها من غير تشبيه ولا تكييف بحجة أن هذا من التشبيه وقد تقدم معنا معنى التشبيه عند السلف بخلاف معناه عند هذا الجهمي فهو يرى إثبات الصفات تشبيها لهذا رد عليهم الإمام ابن عبد البر بقوله((((ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء))الاستذكار ق/78 مخطوط المحمودية.
    لهذا فالمشبهون حقيقة هم الجهمية الذي شبهوا الله تعالى بالجماد والعدم إذ الذي لا ينزل ولا يجيء ولا يأتي ولا يتكلم إنما هو جماد.
    وكذلك الذي لا فوق ولا تحت ولا داخل ولا خارج إنما هو عدم.
    فالمعطلة الجهمية هم المشبهون حيققة لسببين:
    أولاً : لأنهم وقعوا في وهم التشبيه ورأوا نصوص الكتاب والسنة ظاهرة في إثبات التشبيه حتى قال كبيرهم الرازي " إن الأخبار المذكورة في باب التشبيه بلغت مبلغاً كثير في العدد ، وبلغت مبلغة عظيماً في تقوية التشبيه ، وإثبات أن إله العالم يجري مجرى إنسان كبير الجثة عظيم الأعضاء وخرجت عن أن تكون قابلة للتأويل " ([10]) فلجأوا إلى التحريف (التأويل) كحل لإغلاق منافذ وسوسة التشبيه ، فوقعوا في وسوسة التعطيل . فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار .
    ثانياً : أنهم يصفون الله بالصفات السلبية فلا يثبتون في الحقيقة إلهاً محموداً بل ولا موجوداً كالذين يقولون : ليس الله داخل العالم ولا خارجه ولا مباين للعالم ولا محايث له ، فشبّه ربه بالمعدوم إذ لو سألناه : صف لنا المعدوم ؟ فلن يسعه إلا وصف المعدوم لما وصف به ربه . ولذلك قيل: المشبه يعبد صنماً ، والمعطل يعبد عدماً ، لأن النفي عدمٌ والعدم ليس بشيء ([11]) وإذا حقق الرجل قولهم وما يؤول إليه وجد أنهم يجعلون الله شبحاً وخيالاً وسراباً ، ويكون حينئذ قد وصف الله بصفة لا شيء كما قاله الإمام محمد بن الحسن الشيباني ([12])
    ودليل آخر على فساد قولهم : أنهم بقولهم لا داخل العالم ولا خارجه ألزمهم الصوفية بأننا قد اتفقنا على أن الله ليس فوق العالم ، وحينئذ يتعين مداخلته للعالم : إما أن يكون وجوده وجود العالم أو يحل في العالم أو يتحد به . وهذا يبين مدى الارتباط بين أهل الباطل وكيف يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا .
    ويلزم الذين يعبدون العدم نفي رؤية الله عز وجل لأن الرؤية تكون في محل ومقابلة ، وأما رؤية من ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا داخل ولا خارج محال عقلا ومردود شرعاً .
    فإما أن تنفوا أن الله في العلو فيلزمكم معه نفى رؤيته ، وإما أن تثبتوا علوه تعالى كضرورة من أجل إثبات رؤيته وإلا فنقول لكم ما قاله لكم المعتزلة ([13]) " من سلّم أن الله ليس في جهة وادعى مع ذلك أنه يرى فقد أضحك الناس على عقله "


    أقوال أهل العلم من أهل السنة والمتكلمين في بيان أن الجهمية يشبهون الله بالعدم:

    1- قول كثير من أهل العلم في هؤلاء المعطلة والممثلة لعلو الله تعالى ولكلامه ( المعطل يعبد عدماً والمثل يعبد صنماً , والمعطل أعمى والممثل أعشى , ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ) .
    2- الإمام محمد بن الحسن الشيباني ( 189 هـ ) فقد قال ( ... فمن قال بقول الجهم فقد فارق الجماعة , لأنه قد وصفه بصفة لاشيء )([14]) .
    3- إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ( 241 هـ ) فقد قال في شرح عقيدة من أنكر علو الله تعالى ( فعند ذلك يتبين للناس أنهم لا يؤمنون بشيء )([15]) .
    4- الإمام عبدالعزيز الكناني ( 240 هـ ) قال ( قال لي أحد الجهمية : أقول : إن الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء , ولا كالشيء على الشيء , ولا كالشيء خارجاً عن الشيء , ولا مبايناً للشيء , فقلت : فقد دللت بالقياس والمعقول على أنك لا تعبد شيئاً )([16]) .
    5- لقد ذكر شيخ الإسلام هذا النص عن الكناني ثم علق عليه بقوله ( فهذا عبدالعزيز يبين أن القياس والمعقول يوجب أن ما لا يكون في الشيء ولا خارجاً عنه – فإنه لا يكون شيئاً , وأن ذلك صفة معدوم )([17]) .
    6- وقال الإمام ابن كلاب إمام الكلابية والأشعرية جميعاً ( 240 هـ ) في الرد على المعطلة ( وأخرج([18]) من النظر والخبر قول من قال : إن الله لا في العالم ولا خارج منه , فنفاه نفياً مستوياً , لأنه لو قيل له : صفه بالعدم , ما قدر أن يقول فيه أكثر منه ... , فإن قالوا لا فوق ولا تحت , أعدموه , لأن ما كان لا تحت ولا فوق فعدم ,فإذا قيل لهم : فهو لا مماس للعالم ولا مبائن للعالم , قيل لهم : فهو بصفة المحال ... , قيل لهم فأخبرونا عن معبودكم ؟ مماس هو أم بائن ؟فإذا قالوا : يوصف بهما .قيل لهم : فصفة إثبات خالقنا كصفة عدم المخلوق , فلم لا تقولون صريحاً : إن الله
    عدم .
    ..)([19]) .

    7- السلطان العادل كاسر الأصنام محمود بن سبكتكين ( 421 هـ ) لما سمع ابن فورك الأشعري ينفي فوقية الله على خلقه قال له ( فلو أردت أن تصف المعدوم كيف تصفه بأكثر من هذا ؟ ) , وقال هذا السلطان في الرد على ابن فورك أيضاً ( فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه وبين المعدوم )([20]) .
    8- حافظ المغرب الإمام ابن عبدالبر ( 463 هـ ) قال ( وهم ] أي المعطلة [([21]) نافون للمعبود ]يلاشون أي يقولون : لا شيء [([22]) , والحق فيما قاله القائلون ربما نطق به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم أئمة الجماعة )([23]) .
    9- شيخ الإسلام ابن تيمية ( 728 هـ ) فقد رفع إليه سؤال في حق الأشعرية و الماتريدية والجهمية :
    يا منكراً أن الإله مبائن *** للخلق يا مقتون بل فاتن
    هب قد ضللت فأين أنت فإن تكن *** أنت المباين فهو أيضاً بائن
    أو قلت : لست مبائناً قلنا إذن *** بالاتحاد أو الحلو تشاحن
    أو قلت : ما هو داخل أو خارج *** هذا يدل بأن ما هو كائن
    إذ قد جمعت نقائصاً ووصفته *** عدماً بها هل أنت عنها ضاعن([24])
    فارجع وتب من قال مثلك إنه *** لمعطل والكفر فيه كامن([25])

    أن الذي يقول : إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا مبائن عنه ولا متصل به – فقد جعل الله تعالى معدوماً بل ممتنعاً , وهذا اللازم ولا محيد له منه .
    10- الإمام الذهبي ( 748 هـ ) فقد قال ( مقالة السلف وأئمة السنة بل الصحابة والله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين : وأن الله فوق سماواته ... , ومقالة الجهمية الأولى أنه في جميع الأمكنة , ومقالة متأخري المتكلمين من المعتزلة والماتريدية و الأشعرية أن الله تعالى ليس في السماء ولا على العرش ولا على السماوات ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا هو بائن عن خلقه ولا هو متصل بهم ... , قال لهم أهل السنة والأثر : فإن هذا السلوب نعوت المعدوم تعالى الله جل جلاله عن العدم , بل هو متميز هن خلقه موصوف بما وصف به نفسه في أنه فوق العرش بلا كيف )([26]) .

    .
    11- الإمام ابن القيم – رحمه الله – ( 751 هـ ) فقد قال :
    فاحكم على من قال ليس بخارج *** عنها ولا فيها بحكم بيان

    بخلافة الوجهين والإجماع والـ *** عقل الصريح وفطرة الرحمن
    فعليه أوقع حد معدوم وذا *** حد المحال بغير ما فرقان
    يا للعقول إذا نفيتم مخبراً *** ونقيصه ؟ هل ذاك في إمكان
    إذا كان نفي دخوله وخروجه *** لا يصدقان معا لذي الإمكان
    إلا على عدم صريح نفيه *** متحقق ببداهة الإنسان([27])

    هل في إثبات الصفات تشبيهاً:

    وأكثر الجهمي من وصفه لأهل السنة السلفيين بالمجسمة والمشبهة لكونهم يثبتون النصوص على ظاهرها فهو يتهوم أن إثبات النصوص يستلزم التشبيه وما درى المسكين أن
    أصل التأويل الذي هم عليه بحجة الهروب من التشبيه حجة جهمية ، قال أحمد " وتأول – جهم - القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه كان كافراً وكان من المشبهة ، فأضلّ بكلامه بشراً كثيراً ، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية ([28]) .
    وقد نقل الدهلوي عن الحافظ في الفتح أن إجراء هذه الصفات كما هي ليس بتشبيه ، وإنما التشبيه أن يقال : سمع كسمع أو بصر كبصر ، وهذا مروي عن إسحاق بن راهويه كما تقدم ذكره أعلاه ([29]).

    كراهية أهل البدع لأهل الحديث:
    ثم شنّع الدهلوي على الخائضين في علم الكلام قائلاً " واستطال هؤلاء الخائضون على معشر أهل الحديث وسمّوهم مجسمه ومشبهة وهم المتسترون بالبلكفة وقد وضح لي وضوحاً بيّناً أن استطالتهم هذه ليست بشيء وأنهم مخطئون في مقالتهم رواية ودراية وخاطئون في طعنهم بأئمة الهدى" ([30])
    وقال الزبيدي "وسمّت المعتزلة أهل السنة مشبهة وهذا بواسطة قياس الشاهد على الغائب الذي هو عين التشبيه " ومن العجيب منه رحمه الله أنه قسم التشبيه إلى نوعين " أحدهما مذموم وهو تشبيه الحق بالخلق في الذات كما تقوله المجسمة وهو كفر .
    والثاني : محمود وهو التشبيه بمعنى إثبات الصفات الثبوتية له ، وهذا التشبيه أيضاً مرتبة عظيمة ومن مراتب الكمال ، وأكملها : الجمع بينهما " ([31]) أي أن لا تشبه ولكن تثبت ما أثبته الله لنفسه ورسوله.
    قال عبد الله بن المبارك " من قال لك يا مشبه : فاعلم أنه جهمى " ([32]) ، وقال أبو حاتم الرازي " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة " ([33]) .
    وعن أحمد بن سنان " ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث ، وإذا ابتدع الرجل بدعة نزعت حلاوة الحديث من قلبه " ([34]) .
    وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني وابن قتيبة " والجهمية تسمي مثبتة الصفات مشبهة لإثباتها صفات الباري عز وجل من العلم والقدرة والحياة وغيرها من الصفات ، ومن علامات الزنادقة تسميهم أهل الأثر بالحشوية والمجسمة والمشبهة " ([35]) .
    وكل من نفى شيئاً قال لمن أثبته " مجسم مشبه " فالأشاعرة عند الجهمية والمعتزلة مجسمة لأنهم أثبتوا بعض الصفات. كما أن أهل السنة مجسمة عند الأشاعرة لأنهم لم يوافقوهم على نفي ما نفوه من الصفات .

    يتبع..........


    -----------------

    [1] بيان تلبيس الجهمية (2/228 - 229).
    [2] رواه مسلم (2788).
    [3] مجموع الفتاوى (5/482).
    [4] مجموع الفتاوى (6/582 - 583).
    [5] مجموع الفتاوى (16/422).
    [6] مجموع الفتاوى (16/424).
    [7] بدائع الفوائد (2/136).
    [8] رواه البخاري (3409 و6614 و7515) ومسلم (2652).
    [9] أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/181)، وعنه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/243) من طريق آخر وبألفاظ مختلفة، وإسناده صحيح. انظر: «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص127)، تحقيق: بدر البدر.
    [10]) - المطالب العالية 9 / 213 .
    ([11]) - الرسالة التدمرية 39.
    ([12]) - رواه اللالكاني في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3 / 432 – 433 .
    ([13]) - شرح الأصول الخمسة 249-353 المغني لعبد الجبار 4 / 139 .
    [14] ) رواه اللالكائي فيشرح أصول الاعتقاد 3/432-433 , وانظر الحموية 54 ومجموع الفتاوى 5/50 .

    [15] ) انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد 105-106 .
    [16] ) درء التعارض 6/118-119 , ومجموع الفتاوى 5/317 , وبيان تلبيس الجهمية .
    [17] ) درء التعارض 6/118-119 , ومجموع الفتاوى 5/317 , وبيان تلبيس الجهمية .

    [18] ) هكذا في الأصول , ولعل الصواب : ( وخرج ) من اللازم لا من المتعدي .
    [19] ) درء التعارض 6-119-121 , ومجموع الفتاوى 5/317-319 , والصواعق المرسلة 4/1241 , واجتماع الجيوش 282-283 من كتاب " المجرد " لابن فورك .
    [20] ) مجموع الفتاوى 3/37 , درء التعارض 6/253 , والصواعق المرسلة 4/1287 .
    [21] ) الزيادة مني للإيضاح .
    [22] ) الزيادة من الصواعق المرسلة 4/1289 , ولم أجدها في التمهيد المطبوع .
    [23] ) التمهيد لابن عبد البر 7/145 .
    [24] ) هكذا في الأصل ولم أجد مادة ( ضعن ) في اللغة , بالضاد المعجمة والعين المهملة ولعله ( ظاعن ) بالظاء المعجمة والعين المهملة , بمعنى ( السير ) أو ( ضاغن ) بالضاد والغين المعجمتين , بمعنى الميل راجع القاموس 1564 , 1566 .
    [25] ) انظر مجموع الفتاوى 5/267-320 .
    [26] ) العلو 107 , 195 , ومختصر العلو 146-147 , 287 .
    [27] ) النوينة 55 وشرحها توضيح المقاصد 1/386-389 , وشرحها للهراس 1/176-177 , وتوضيح الكافية الشافية
    للسعدي 58 .
    ([28]) - الرد على الجهمية 104 – 105 .
    ([29]) - فتح الباري 13 / 407 جامع الترمذي 3 / 50 .
    ([30]) - حجة الله البالغة 64.
    ([31]) - إتحاف السادة المتقين 9 / 407 .
    ([32]) - رواه ابن مندة في شرح حديث النزول 53.
    ([33]) - أنظر اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 2 / 179 والإمام الصابوني في عقيدة السلف 1 / 132 .
    ([34]) - سير أعلام النبلاء 12 / 245 تذكرة الحفاظ 2 / 521 صون المنطق والكلام للسيوطي 41 معرفة علوم الحديث للحاكم ص 4 شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي 73 ط: إحياء السنة النبوية وشرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص 73.
    ([35]) - الغنية لطالبي الحق 58 وانظر الفقه الأكبر بشرح القاري 13 وتأويل مختلف الحديث
    55.

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    189

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    سدَّدَ الله رميكم وقولكم ..
    وجعلكم غصَّة في حلوقِ الـمُبتدعَة ..

    واصِلوا ..
    لا أكبأ الله لكم جوادا ..


    مُتابعين ..

  3. افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال البليدي مشاهدة المشاركة
    العفو أخي الكريم .


    يمكنك زيارة مدونتي لتجيب على سؤالك(ابتسامة).
    المدونة فارغة الا من فلاش تهنئة برمضان ؟

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم تميم مشاهدة المشاركة
    سدَّدَ الله رميكم وقولكم ..
    وجعلكم غصَّة في حلوقِ الـمُبتدعَة ..

    واصِلوا ..
    لا أكبأ الله لكم جوادا ..


    مُتابعين ..
    أحسن الله إليكم وجزاكم الله خيرا على حسن ظنكم .

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد المرسى مشاهدة المشاركة
    المدونة فارغة الا من فلاش تهنئة برمضان ؟
    هذا لأنني أريد أن أجعل تلك الصورة في التوقيع ولا أعرف كيف


    هذا رابط المدونة:

    http://djamel.maktoobblog.com/

    وهذه محتوياتها:

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    مناقشة ما احتج به الجهمي من الأقوال :

    37-واحتج الجهمي ببعض أقوال علماء مذهبه الأشاعرة ودس فيهم بعض أهل السنة التي تخالف مذهبه دون خجل ولا حياء ليُوهِم القارئ بأنه على مذهب السلف الصالح ولكن الحق يقال أن للولد الفراش وللعاهر الحجر:







    1- الإمام مالك بن أنس رضي الله : سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن نزول الرب عزّ وجلّ، فقال (ينزل أمره - تعالى - كل سَحَر، فأما هو عزّ وجلّ فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلى هو) اهـ.
    (التمهيد 7 / 143، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص/136، شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 37، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 82)

    2- الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( ت ٤٥٨ هـ)
    صاحب السنن في كتابه "الأسماء والصفات" عند ذكر هذا الحديث :


    " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: {وجاء ربُّك} والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدل من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير" انتهى كلام البيهقي.
    السنن الكبرى، البيهقي – المجلد الثالث ص ٣

    3- وروى البيهقي بإسناده
    عن الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة السلف أنه قال :
    "سألني ابن طاهر عن حديث النبي صلي الله عليه وسلم -يعني في النزول- فقلت له النزول بلا كيف"
    الأسماء والصفات – البيهقي – طبعة دار الكتب العلمية – بيروت – ص ٥٦٨

    4- قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) صاحب السنن :
    يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، ووأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: {ليس كمثله شيء}
    وقال ولم يكن له كفوا أحد{ وقال } هل تعلم له سميا. ا.هـ.
    الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي – علم الكتب، بيروت – ص ٧٢

    5- القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري (ت ٤٠٣ هـ)
    قال ما نصه : "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وقوله: {ولم يكن له كفوا أحد} ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك". ا.هـ.
    الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به – ص ٦٤

    6- إمام الحرمين الجويني
    يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : وأما الأحاديث التي يتمسكون بها ، فآحاد لا تفضي إلى العلم ، ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغاً ، لكنا نوميء إلى تأويل ما دوّن منها في الصحاح ، فمنها حديث النزول ، وهو ما روي عن النبي أنه قال : { ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول : هـل من تائب فأتـوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيب له } الحديث ، ولا وجه لحمل النزول على التحول ، وتفريغ مكان وشغل غيره فإنّ ذلك من صفات الأجسام ونعوت الأجرام ، وتجويز ذلك يؤدي إلى طرفي نقيض ، أحدهما الحكم بحدوث الإله ، والثاني القدح في الدليل على حدوث الأجسام والوجه حمل النزول وإنْ كان مضافاً إلى الله تعالى ، على نزول ملائكته المقربين ، وذلك سائغ غير بعيد
    ونظير ذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
    معناه : إنما جزاء الذين يحاربون أولياء الله ، ولا يبعد حذف المضاف وإقامة المضاف إليه تخصيصاً .
    كتاب الإرشاد ص 150 ، 151

    7- الإمام المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي(ت ٦٧١ هـ)
    قال في تفسيره ما نصه : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشىء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
    الجامع لأحكام القرءان، القرطبي – سورة الفجر

    8- رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة
    (ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل"
    ما نصه: " اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه، لوجوه:
    الأول: النزول من صفات الأجسام والمحدَثات ويحتاج إلى ثلاثة: منتقِل، ومنتقَل عنه ومنتقَل إليه، وذلك على الله تعالى محال.
    الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلا نهارا، من قوم إلى قوم، وعوده إلى العرش في كل لحظة على قولهم، ونزوله فيها إلى سماء الدنيا، ولا يقول ذلك ذو لب وتحصيل.
    الثالث، أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين: إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين." انتهى كلام ابن جماعة.
    إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، ابن جماعة – دار السلام ١٤١٠ هـ - ص ١٦٤

    9- الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه "الباز الأشهب
    " بعد ذكر حديث النزول ما نصه: "إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا".

    10- الإمام البيضاوي
    ما ثبت بالقواطع العقلية أنه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع أعلى إلى ما هو أخفض منه ، فالمراد دنو رحمته ، وقد روي { يهبط الله من السماء العليا إلى السماء الدنيا }
    أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال التي تقتضي الأنفة من الأرذال وقهر الأعداء والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الإكرام للرأفة والرحمة ، ويقال : لا فرق بين المجيء والإتيان والنزول إذا أضيف إلى جسم يجوز عليه الحركة والسكون والنقلة التي هي تفريغ مكان وشغل غيره ، فإذا أضيف ذلك إلى من لا يليق به الإنتقال والحركة كان تأويل ذلك على حسب ما يليق بنعته وصفته تعالى .
    نقله عنه العيني في عمدة القاري ج7 ص 200
    وكذلك بعض كلامة نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني

    11- الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي
    قال ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى:
    {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: {وكلم الله موسى تكليما} فخص موسى بوصف كليم الله"
    عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ابن العربي – دار الفكر، بيروت – المجلد الثاني، ص ٢٣٥

    12- قال النووي في شرحه على صحيح مسلم :
    "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدهما وهو مذهب السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف." انتهى كلام النووي.
    شرح صحيح مسلم، الإمام النووي – المجلد السادس، ص ٣٦ -

    13- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري
    "وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه." ثم قال: "والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه. وحكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنزِل ملَكا قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد )) أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له
    (( الحديث، وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد ))
    ينادي مناد هل من داع يستجاب له
    (( الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال…
    وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته." انتهى كلام الحافظ ابن حجر
    فتح البارئ شرح صحيح البخاري – المجلد الثالث – كتاب الصلاة: باب الدعاء والصلاة من ءاخر الليل.

    14- الإمام العيني في شرح صحيح البخاري
    قال أثناء كلامه عن حديث النزول
    : وقال ابن فورك : ضبط لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم بضم الياء من ينزل يعني من الإنزال وذكر أنه ضبط عمن سمع منه من الثقات الضابطين ، وكذا قال القرطبي قد قيده بعض الناس بذلك ، فيكون معدى إلى مفعول محذوف ، أي ينزل الله ملكاً ، قال : والدليل على صحة هذا ما رواه النسائي من حديث الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد قال : قال رسول الله : { إنّ الله عز وجل يمهل حتى يأتي شطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً يقول : هل من داع فيستجاب له } ، وصححه عبد الحق ، وحمل صاحب المفهم على النزول المعنوي على رواية مالك عنه عند مسلم ، فإنه قال فيه ، { يتنزل ربنا } ، بزيادة تاء بعد ياء المضارعة ، فقال : كذا صحت الرواية هنا ، وهي ظاهرة في النزول المعنوي ، وإليها يُرد
    > ينزل < على أحد التأويلات ، ومعنى ذلك أنّ مقتضى عظمة الله وجلاله واستغنائه عن خلقه أنّ لا يعبأ بحقير ذليل ، لكن ينزل بمقتضى كرمه ولطفه ، لأنّ يقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم ، ويكون قوله
    > إلى السماء الدنيا < عبارة عن الحالة القريبة إلينا والدنيا ، والله أعلم عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج7 ص 199

    15- وقال القسطلاني في شرحه على البخاري عند ذكره لهذا الحديث "هو نزول رحمة ومزيد لطفٍ وإجابة دعوة وقبول معذرة، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله فهو نزول معنوي" ثم قال "نعم يجوز حمله على الحسي ويكون راجعا إلى ملَكه الذي ينزل بأمره ونهيه"
    شرح صحيح البخاري، القسطلاني – المجلد الثاني، ص ٣٢٣

    16- الحافظ السيوطي
    قال السيوطي في أثناء كلامه في شرح حديث النزول في تنوير الحوالك:
    فالمـراد إذن نـزول أمره أو الملك بأمره ، وذكـر بن فورك أن بعـض المشايخ ضبطه ينزل بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكاً تنوير الحوالك ج1 ص 167

    17- الإمام الزرقاني في شرحه على موطإ الإمام مالك
    نقل الزرقاني ما نقله ابن حجر عن ابن العربي وابن فورك وزاد ما نصه: "وكذا حكى عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل الملِك كذا أي أتباعه بأمره." انتهى كلام الزرقاني.
    شرح الزرقاني على موطإ الإمام مالك، الزرقاني - دار الجيل، بيروت - المجلد الثاني، ص ٣٤.

    18- الملا علي القاري الحنفي
    قال في مرقاة المفاتيح بعد أنْ نقل كلام النووي بشأنْ معنى حديث النزول وأقوال العلماء فيه
    وبكلامه ، وبكلام الشيخ الرباني أبي إسحاق الشيرازي ، وإمام الحرمين والغزالي ، وغيرهم من أئمتنا يعلم أنّ المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر ، كالمجيء والصورة ، والشخص ، والرجل ، والقدم ، واليد ، والوجه ، والغضب ، والرحمة ، والاستواء على العرش ، والكون في السماء ، وغير ذلك مما يفهمه ظاهرها لما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان ، تستلزم أشياء يُحكم بكفرها بالإجماع ، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره ، وإنما اختلفوا ، هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أنْ نؤوله بشيء آخر ، وهو مذهب أكثر أهل السلف ، وفيه تأويل إجمالي أو مع تأويلـه بشيء آخر ، وهـو مـذهب أكثر أهل الخـلف وهـو تأويل تفصيلي ...
    إلى أنْ قال : بل قال جمع منهم ومن الخلف : أنّ معتقد الجهة كافر كما صرّح بـه العـراقي ، وقال : إنه قـول لأبي حنيفة ومالـك والشافعي والأشعري والباقلاني .
    مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج3 ص 299


    أقول:

    أولا :قبل أن أعقب على بعض الأقوال التي احتج بها الجهمي تقليدا منه وتعصبا للرجال دون الوحي المعصوم عندي من الملاحظات ما أقول :


    الملاحظة الأولى : أن الجهمي لم يستطع أن يأتي بحرف واحد عن السلف من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين أهل القرون الثلاث المفضلة -بشهادة نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم- تنصر مذهبه في التحريف(التأويل) أو التعطيل(التفويض) اللهم إلا رواية مكذوبة عن الإمام مالك كما سأبين عند ردي على الشبهات وكذا قول التابعي عبد الله المزني الذي هو حجة عليه لا له كما سأبين في الملاحظة الرابعة ,وهذا كافي في هدم مذهبه ورد مقالته المليئة بالتلبيس والتحريف ناهيك عن التناقض .
    و العبرة عندنا بما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد قال نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم في وصفه للفرقة الناجية((إلا ما كان على مثلي ما أنا عليه اليوم وأصحابي))) وهذه بعض أقوالهم في إثبات الصفات لله تعالى على الحقيقة لا المجاز دون تحريف ولا تعطيل :


    1-الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

    قال قيس بن أبي حازم: (لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذوناً تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: لا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا وأشار بيده إلى السماء، خلوا سبيل جملي)[1].
    وفيه تحقيق علو الله تعالى وأنه في السماء، وفيه جواز الإشارة إليه في السماء.



    2-ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه


    عن عطاء: عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل {تجري بأعيننا} القمر14، قال: أشار بيده إلى عينيه[2].

    وهذا تحقيق لصفة العين لله تعالى. وليس في إشارة ابن عباس رضي الله عنه إلى عينه تمثيل عين الله تعالى بعين المخلوق إنما أراد تقريب الفهم إلى أذهان وإثبات صفة العين لله تعالى وإلا فالخلق مفطورون على تنزيه الله تعالى عن المماثلة والمشابهة بخلقه فلم يكن في أذهان السلف شيء إسمه التشبيه ألبتة إلا أن جاء الجهمية وأضرابهم من أهل الكلام وشبهوا الله بخلقه ابتداءا في أذهانهم ثم هربوا بهذا التشبيه إلى التعطيل أو التحريف فأصلوا وقعدوا البدع والمحدثات فتناقضوا وتفرقوا إلى أقسام متناحرة فيما بينها .

    3- الإمام التابعي ربيعة بن عمرو الخرشي (64هـ)


    قال في قول الله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} الزمر67، قال: (ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء)[3].
    وهذا ظاهر في إثبات حقيقة اليد لله، وأنها ليست النعمة أو القدرة.

    4-الإمام التابعي حكيم بن جابر بن طارق بن عوف الأحمسي (82 هـ)

    قال: (إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده من خلقه غير ثلاثة أشياء خلق الجنة بيده ثم جعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك وخلق آدم بيده وكتب التوراة لموسى)[4].

    وفيه تحقيق صفة اليد التي من شأنها المسيس.

    5 -زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (93 هـ)


    قال مستقيم: قال كنا عند علي بن حسين ،قال: فكان يأتيه السائل، قال: فيقوم حتى يناوله، ويقول: إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، قال: وأومأ بكفيه)[5].

    وفيه تحقيق صفة اليد لله تعالى.


    6- التابعي العابد خالد بن معدان الكلاعي الحمصي (103 هـ)

    قال: (إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا آدم صلوات الله عليه خلقه بيده، والجنة، والتوراة كتبها بيده)[6].


    7-عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس (104 هـ)


    قال: (إن الله عز وجل لم يمس بيده شيئا إلا ثلاثا : خلق آدم بيده ، وغرس الجنة بيده ، وكتب التوراة بيده)[7].


    8- الإمام التابعي عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة (117 هـ)


    قال نافع بن عمر الجمحي: (سألت ابن أبي مليكة عن يد الله: أواحدة أو اثنتان؟ قال: بل اثنتان)[8].

    وفيه إثبات حقيقة اليد لله عز وجل، وإبطال حملها على المجاز والقول بأنها النعمة أو القدرة.


    9- الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (150 هـ)

    قال: (لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه. ونصفه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حي قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم، ليست كأيدي خلقه، ووجهه ليس كوجوه خلقه)[9] اهـ.

    وقال أيضاً: (وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال: يده قدرته أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال)[10] اهـ.

    وقال أيضاً في إثبات النزول لله: (ينزل بلا كيف)[11] اهـ.

    وفيه إثبات أن الرضى والوجه واليد ونحوها صفات لله تعالى غير مؤولة.


    -10 عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (164 هـ)


    قال بعدما ذكر جملة من صفات الله تعالى: (إلى أشباه هذا مما لا نحصيه، وقال تعالى {وهو السميع البصير} الشورى11، و{اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} الطور 48، وقال تعالى {ولتصنع على عيني} طه 39، وقال تعالى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ص75، وقال تعالى {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} الزمر67، فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته، إلا صغر نظيرها منهم عندهم)[12] اهـ.

    فقوله "فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته، إلا صغر نظيرها منهم عندهم" صريح في أن ما أثبته الله تعالى لنفسه من الصفات حق على حقيقته، وأن أصل ما وُصف به ربنا من الصفات هو نظير ما وصف به المخلوق في أصل معنى الصفة لا في الحقيقة.



    11-الإمام حماد بن زيد (179 هـ)


    سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء: "ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا" قال: (حق، كل ذلك كيف شاء الله)[13] اهـ.

    وقوله "حق" ظاهر في إثبات حقيقته، لأنه سؤال عن إمرار ما دل عليه ظاهره وإثباته صفة لله، لا عن ثبوته في نفس الأمر، وإلا لكان الجواب: هو صحيح، ونحو ذلك. كما أن قوله "كيف شاء الله" دال أيضاً على أن نزول الرب على حقيقته لغة، إلا أننا لا نعلم كيفيته. ولو لم يكن على حقيقته لما قال "كيف شاء الله". بل يقول: هو نزول أمره، أو رحمته.

    وقال أيضاً: (مثل الجهمية مثل رجل قيل له: في دارك نخلة؟ قال : نعم. قيل: فلها خوص؟ قال: لا. قيل: فلها سعف؟ قال: لا. قيل: فلها كرب؟ قال: لا. قيل: فلها جذع؟ قال: لا. قيل: فلها أصل؟ قل: لا. قيل: فلا نخلة في دارك.

    هؤلاء الجهمية قيل لهم: لكم رب يتكلم؟ قالوا: لا. قيل: فله يد؟ قالوا: لا. قيل: فيرضى ويغضب؟ قالوا: لا. قيل: فلا رب لكم)
    [14] اهـ.

    12- الفضيل بن عياض (187هـ)

    قال الفضيل بن عياض: (وكل هذا النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الإطلاع، كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فاذا قال الجهمى: أنا أكفر برب يزول عن مكانه. فقل: بل أومن برب يفعل ما يشاء )[15] اهـ.

    وفيه أن النزول على حقيقته في اللغة، إذ لو كان مجازاً ولم يكن صفة لله تعالى على الحقيقة، لما اعترض الجهمي على إثباته بكونه يستلزم الزوال الذي هو من لوازم حقيقة المخلوق، وهذا بظنهم الفاسد، وإلا فإنه لا يلزم في حق الخالق ما يلزم في حق المخلوق. وسيأتي تقرير هذا الأصل في الفصل السادس.



    -13 الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشى (204 هـ)


    قال يونس بن عبد الأعلى المصري: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما ينبغي أن يؤمن به فقال: (لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم .... - إلى أن قال: ونحو ذلك أخبار الله سبحانه وتعالى إيانا أنه سميع، وأن له يدين بقوله {بل يداه مبسوطتان} المائدة64، وأن له يميناً بقوله {والسموات مطويات بيمينه}الزمر67، وأن له وجهاً ... – ثم ذكر صفة القدم، والضحك، والنزول، والعينين، والرؤية، والأصابع، ثم قال:

    فإن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم مما لا يُدرك حقيقته بالفكر والروية، فلا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، فإن كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته، والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه، كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11)[16]اهـ.

    فتأمل قوله: "وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته" أي حقيقة اتصاف الله به.


    14-الإمام الحافظ يحيى بن معين (233 هـ)


    قال يحيى بن معين: (إذا سمعت الجهمي يقول: أنا كفرت برب ينزل. فقل: أن أؤمن برب يفعل ما يريد)[17] اهـ.

    فبين أن النزول فعل الرب، لا فعل ملك، ولا غيره.



    -15 إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241 هـ)

    قال حنبل بن إسحاق : (قلت لأبي عبد الله : ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم. قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟ قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضباً شديداً، وقال: مالك ولهذا؟ أمض الحديث كما روي بلا كيف)[18] اهـ.

    وقال حنبل: (سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تُروى أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يُرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث.
    فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

    وقال حنبل في موضع آخر عن أحمد: ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه، قد أجمل الله الصفة فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه. قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا نتعدى ذلك، ولا يبلغ صفته الواصفون، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته بشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة)[19] اهـ.

    ومراد الإمام أحمد بشناعة من شنع: الجهمية ومن شاكلهم من أصناف المعطلة الذي ينكرون حقائق الصفات لله تعالى، ويفهمون منها ما يُعلم من حقيقة صفة المخلوق، ويُلزمون صفة الله تعالى ما يَلزم من صفة المخلوق، وينسبون من أثبتها إلى التشبيه، فبين رحمه الله أن تشنيعهم هذا لا يمنع من إثباتها على حقيقتها اللائقة بالله تعالى، مع نفي مماثلتها لصفة المخلوق.

    واستدلاله أيضاً رحمه الله بهذه الصفات على إثبات رؤية الله تعالى دال على أن الصفات حقيقة على ظاهرها، وإلا لو كانت مجازات لم يكن فيها دلالة على رؤية الله.

    وقال أيضاً في إنكاره على من تأول الضحك لله بضحك الزرع: (قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن عبد الله التيمي فقال: صدوق وقد كتبت عنه من الرقائق، ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال: مثل الزرع، وهذا كلام الجهمية)[20] اهـ.

    وهذا صريح منه كما ترى في أن تأويل الصفات على هذا النحو هو قول الجهمية، وأن الصفة على حقيقتها، لا تطلب لها المعاني المجازية.

    وقال يوسف بن موسى: (قيل لأبي عبد الله: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء من غير وصف؟ قال: نعم)[21] اهـ.

    وهذا صريح أيضاً في إثبات النزول الحقيقي لله لا المجازي، كالقول بأنه نزول ملك أو نزول أمره. ولذلك قال عن نزوله (كيف شاء).

    وقال في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" في "باب بيان ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلم موسى": (قال أحمد رضى الله عنه فلما خنقته الحجج قال: إن الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره. فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم. فقلنا: هذا مثل قولكم الأول، إلا أنكم تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون. وحديث الزهري قال: "لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت.

    قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك؟ قال: سبحان الله وهل أستطيع أن أصفه لكم. قالوا: فشبِّهه؟ قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله
    [22])[23] اهـ.

    وليس أبْيَنَ من هذا في أن الله يتكلم حقيقة بصوت عظيم لائق به لا يشبه أصوات الخلق.


    16- الإمام إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي (264 هـ)

    قال في "شرح السنة" له: (عالٍ على عرشه في مجده بذاته، وهو دانٍ بعلمه من خلقه .... ))إلى أن قال حاكياً الإجماع على هذا: هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى، وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضى ....)[24].

    فتأمل حكايته الإجماع على أن الله عز وجل قد علا عرشه بذاته ونفسه، وهذا تحقيق لصفة الاستواء على العرش، وهو علوه عليه وارتفاعه.



    -17 الإمام الحافظ محمد بن عيسى الترمذي أبو عيسى (279 هـ)


    قال في سننه في الصفات: (وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويُؤمن بها، ولا يُتوهم، ولا يُقال كيف؟ هكذا رُوي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه)[25] اهـ.

    ومعلوم أنه لو لم يُثبت السلف الصفات كالنزول وغيرها على الحقيقة، وأنها صفات الله، لم يكن لاتهام الجهمية لهم بالتشبيه معنى ولا كان تفويضه للكيفية فائدة.



    -18 الإمام العلامة الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ)


    قال في "الرد على المريسي" في تحقيق نزول الله بنفسه: (فادعى المعارض أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته ... إلى أن قال: وهذا أيضاً من حجج النساء والصبيان ومن ليس عنده بيان)[26] اهـ.

    وقال في تحقيق صفة اليد لله عز وجل: (وإلا فمن ادعى أن الله لم يَلِ خلق شيء صغير أو كبير فقد كفر. غير أنه ولي خلق الأشياء بأمره، وقوله، وإرادته. وولي خلق آدم بيده مسيساً)[27] اهـ.

    وهذا صريح في إثبات حقيقة اليد لله تعالى.

    وقال في تحقيق إتيان الله بنفسه يوم القيامة: (وادعيت أيها المريسي في قول الله تعالى {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك} الأنعام158، وفي قوله {إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} البقرة210، فادعيت أن هذا ليس منه بإتيان لما أنه غير متحرك عندك، ولكن يأتي يوم القيامة بزعمك، وقوله {يأتيهم الله في ظلل من الغمام} البقرة210، ولا يأتي هو بنفسه)[28] اهـ.

    وقال في الرد على تأويلات المريسي : (فيقال لك أيها المريسي المدعي في الظاهر لما أنت منتف في الباطن: قد قرأنا القرآن كما قرأت، وعقلنا عن الله أنه ليس كمثله شيء، وقد نفينا عن الله ما نفى عن نفسه، ووصفناه بما وصف به نفسه فلم نعده، وأبيت أن تصفه بما وصف به نفسه، ووصفته بخلاف ما وصف به نفسه.

    أخبرنا الله في كتابه أنه ذو سمع، وبصر، ويدين، ووجه، ونفس، وكلام، وأنه فوق عرشه فوق سماواته، فآمنا بجميع ما وصف به نفسه كما وصفه بلا كيف. ونفيتها أنت عنه كلها أجمع بعمايات من الحجج، وتكييف، فادعيت أن وجهه: كله، وأنه لا يوصف بنفس، وأن سمعه: إدراك الصوت إياه، وأن بصره: مشاهدة الألوان كالجبال والحجارة والأصنام التي تنظر إليك بعيون لا تبصر، وأن يديه: رزقاه موسعه ومقتوره، وأن علمه وكلامه مخلوقان محدثان. وأن أسماءه مستعارة مخلوقة محدثة، وأن فوق العرش منه مثل ما هو أسفل سافلين، وأنه في صفاته كقول الناس في كذا وكقول العرب في كذا، تضرب له الأمثال تشبيهاً بغير شكلها، وتمثيلاً بغير مثلها، فأي تكييف أوحش من هذا إذا نفيت هذه الصفات وغيرها عن الله تعالى بهذه الأمثال والضلالات المضلات؟
    )[29] اهـ.

    ما أروعه من كلام وأبينه من حجة في إثبات السلف للصفات حقيقة لا مجازاً.



    -19 الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)


    قال بعد ذكره لجملة من صفات الله تعالى: (فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز جل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه فقال {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11، . ..) إلى أن قال: (فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه فنقول:

    يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرق في أذن، ولا جارحة كجوارح بني آدم. وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم.

    وله يدان ويمين وأصابع، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجه لا كجوارح بني آدم التي من لحم ودم.

    ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. لا تقول: إن ذلك كشر عن أنياب.

    ويهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا.)[36] اهـ.

    وقال بعد أن أبطل تفسير المعطلة لمجيء الله: بمجيء أمره: (فإن قال لنا منهم قائل: فما أنت قائل في معنى ذلك؟

    قيل له: معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا جل جلاله يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلة، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره، بل نقول: أمره نازل إليها في كل لحظة وساعة، وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودة. ولا تخلو ساعة من أمره فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقت، ما دامت موجودة باقية.

    وكالذي قلنا في هذه المعاني من القول: الصواب من القيل في كل ما ورد به الخبر في صفات الله عز وجل وأسمائه تعالى ذكره بنحو ما ذكرناه
    )[37] اهـ.



    20- إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (311 هـ)


    قال في "كتاب التوحيد" في إثبات حقيقة الوجه لله: (ولما كان الوجه في تلك الآية مرفوعة، التي كانت صفة الوجه مرفوعة، فقال: {ذو الجلال والإكرام} الرحمن27، فتفهموا يا ذوي الحجا هذا البيان، الذي هو مفهومٌ في خطاب العرب، ولا تغالطوا فتتركوا سواء السبيل، وفي هاتين الآيتين دلالة أن وجه الله صفة من صفات الله، صفات الذات، لا أن وجه الله: هو الله، ولا أن وجهه غيره، كما زعمت المعطلة الجهمية، ...)[38] اهـ.

    وقال في بيان حقيقة صفة اليدين: (الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه نحن نقول: لله جل وعلا يدان كما أعلمنا الخالق البارئ في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونقول: كلتا يدي ربنا عز وجل يمين، على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول: إن الله عز وجل يقبض الأرض جميعاً بإحدى يديه، ويطوي السماء بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين، لا شمال فيهما، ونقول: من كان من بني آدم سليم الأعضاء والأركان، مستوي التركيب، لا نقص في يديه، أقوى بني آدم، وأشدهم بطشاً له يدان عاجز عن أن يقبض على قدر أقل من شعرة واحدة، من جزء من أجزاء كثيرة، على أرض واحدة من سبع أرضين .... – إلى أن قال: فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من وصف يد خالقه بما بينا من القوة والأيدي، ووصف يد المخلوقين بالضعف والعجز مشبهاً يد الخالق بيد المخلوقين؟ ...- إلى أن قال: نقول: لله يدان مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، بهما خلق الله آدم عليه السلام، وبيده كتب التوراة لموسى عليه السلام، ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة غير قديمة، فانية غير باقية، بالية تصير ميتة ، ثم رميماً ،ثم ينشئه الله خلقاً آخر تبارك الله أحسن الخالقين، فأي تشبيه يلزم أصحابنا - أيها العقلاء - إذا أثبتوا للخالق ما أثبته الخالق لنفسه، وأثبته له نبيه المصطفى r، ..)[39] اهـ.

    فتأمل ذكره لما اتصفت به يد الله تعالى من الكمال والعظمة، مما تعجز عنه يد المخلوق، الأمر الذي ينبؤك أن صفة اليدين لله تعالى على الحقيقة لا على المجاز، كما هي في المخلوق حقيقة لا مجاز.

    وقال في تحقيق صفة النزول لله بعد أن ذكر الأدلة من السنة: (وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح : أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا، الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول : نزل من أسفل إلى أعلى ، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل)[40] اهـ.

    الملاحظة الثانية :أن هذا الجهمي الناقل لهذه الأقوال متناقض أشد التناقض, ولا يقف على مذهب واحد بل يرقص على مذهبين متناقضين فتارة يشيد بالتعطيل(التفوي )) وينصر ذلك بأقوال بعض السلف التي يفسرها على غير وجهها ويحملها على غير سياقها وهذا منه غير مستغرب فالرجل حرف صفات الله تعالى فكيف لا يحرف كلام البشر - كما سبق بيانه عند الكلام على معنى قول السلف((أجروها على ظاهرها)) -وهاهو الآن الجهمي نفسه الذي كان ينصر التعطيل(التفويض) ) ينقل أقوال الأشاعرة المؤولة ومن وقع في أخطاءهم في التأويل(التحريف) ) لينصر بذلك مذهب التحريف(التأويل) فتبين بهذا أن الجهمي لا هو مؤول ولا هو مفوض بل مجادل بالباطل همه الطعن في مخالفه ومحاولة إطفاء نور الحق بشتى الطرق الممكنة ولو بالرقص على مذهبين متناقضين كما بينا آنفا عند الكلام عن تناقض الأشاعرة وطعنهم في بعضهم البعض(طعن المؤولة في المفوضة))) وسيأتي رد المفوضة على المؤولة من باب الإنصاف!

    الملاحظة الثالثة :أن الجهمي احتج بأقوال علماء مذهبه على طريقة المثل الجزائري(عويشة تزكي عويشة)) أو المثل العربي((القرد عند أمه غزال)) أو(قال من يشهد للعروس قال أمها))) فاحتج الجهمي بأقوال الأشاعرة المؤولة كالباقلاني و الجويني والقرطبي وبدر الدين بن جماعة والبيضاوي وابن فورك و القسطلاني والسيوطي و الزرقاني والملا علي القاري من أجل نصرة مذهب التحريف الذي رده السلف جميعا وهذا باعتراف الأشاعرة المفوضة أنفسهم والذي أشاد بهم هذا الجهمي وبمذهبه التفويضي(=التجهي لي) قبلها بل وبعدها بسطور لهذا سأكتفي بنقل ردود شيوخه الأشاعرة المفوضة على شيوخه الأشاعرة المؤولة وإلا ففي أقوال السلف وأئمة السنة كفاية لكن أنقل أقوال الأشاعرة المفوضة من باب إلزام الجهمي ومن باب(من فمك أدينك)) ليتبين بذلك خلطه وخبطه في العقيدة وليعلم القارئ أن القوم ليسوا على عقيدة واحدة كما يدعون ولا علاقة لمذهبهم بنور الوحي كما يزعمون .






  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    رد الأشاعرة المفوضة على الأشاعرة المؤولة :

    من الحجج الظاهرة على الأشاعرة في إبطال التأويل ما جاء عن كبار أئمتهم وعلمائهم في باب التأويل :

    ما نقله مرتضى الزبيدي في [ إتحاف السادة المتقين 2/12و79 و110] عن القشيري اعترافه أن من السلف : الشافعي ومالك وأحمد والمحاسبي والقلانسي اختاروا عدم التأويل للمتشابهات ،، وأن أحمد سد باب التأويل على الإطلاق كما نقل عن والد الجويني أن طريقة كثير من السلف كابن عباس وعامة الصحابة الإعراض عن الخوض في التأويل .
    وقال القشيري في [ التحبير في التذكير ص 73 ] : الله تعالى نهى العبد في وصفه ما لم يعلمه وإن كان صادقاً في قوله قال تعالى { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
    وقال إمام الحرمين الجويني في الرسالة النظامية [ ص21-24 ] :
    اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على ان إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع .
    ونقله الحافظ ابن حجر في الفتح (16/179) ونقله الذهبي في العلو للعلي الغفار (1/257) ومذهب الجويني في هذه الرسالة النظامية هو التفويض !!

    وقال الشعراني في في اليواقيت والجواهر (1/106) :

    إن الله تعالى ما أمرنا أن نؤمن إلا بعين اللفظ الذي أنزله ، لا بما أوَّلناه بعقولنا ، فقد لا يكون التأويل الذي أوَّلناه يرضاه الله تعالى .

    وقال الغزالي ضمن وصاياه في قانون التأويل :

    والوصية الثالثة : أن يكفَّ عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات، فإن الحكم على مراد الله سبحانه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالظن والتخمين خطر، فإنما تعلم مراد المتكلم بإظهار مراده، فإذا لم يظهر فمن أين تعلم مراده، إلا أن تنحصر وجوه الاحتمالات، ويبطل الجميع إلا واحداً، فيتعين الواحد بالبرهان . ولكن وجوه الاحتمالات في كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير، فمتى ينحصر ذلك، فالتوقف في التأويل أسلم. اهـ
    وكلامه السابق لهذا في تقديم للعقل على النقل ..

    رد البيهقي على الرازي وغيره في وجوب التأويل:
    فقد قرر الرازي في أساس التقديس (182-183) أن مذهب جمهور المتكلمين وجوب الخوض في تأويل المتشابهات .
    ويرد البيهقي هذا الإيجاب حيث يرى كما نقله ابن حجر في فتح الباري (4/190) عنه قال : وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد الا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم . اهـ

    الملاحظة الرابعة: أن الجهمي نقل بعض الأقوال الخارجة عن محل النزاع كما نقل بعض الأقوال الخارجة عن الموضوع وبرهان ذلك بما يلي :


    1-نقل الجهمي كلام عبد الله المزني الذي فيه :



    أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: {وجاء ربُّك} والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا.

    التعليق :


    هذا الأثر الذي رواه البيهقي عن عبد الله المزني هو حجة على هذا الجهمي لو كان يفقه لأن فيه إثبات للصفة كما وردت مع نفي المشابهة والمماثلة وهذا هو مذهب أهل السنة السلفيين بخلاف مذهب هذا الجهمي الذي يتصور في ذهنه أن إثبات الصفة يستلزم التشبيه لهذا نجد أن المزني رد على المعطلة(المفوضة) الذين كان يحتج بهم محاورنا قبلها بسطور فقال-يعني عبد الله المزني-(( جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته)) فهذا رد على المعطلة ثم قال بعدها((والمشبهة بها علوا كبيرا.)) وهذا رد على هذا الجهمي المشبه الذي تصور في ذهنه أن إثبات النزول والمجيء يلزم منه إثبات التحول والحركة والإنتقال فهرب إلى التأويل فوقع في التحريف فالجهمية ينكرون هذه الصفة وينفونها نفيا مطلقا بدليل أن محاورنا الجهمي نقل كلام شيخ مذهبه بدر الدين بن جماعة المناقض لكلام المزني السابق فقال :



    - رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة

    (ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل"
    ما نصه: " اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه......)) ..



    فالفرق بين كلام عبد الله المزني السلفي المذهب وبين بدر الدين بن جماعة الخلفي المذهب هو أن المزني أثبت الصفة ونفى التشبيه فجمع بين الإثبات وبين النفي لكن بن جماعة لم يثبت شيء بل بدأ كلامه بنفي الصفة لأنه توهم في ذهنه أن صفة نزول الإلهي معناها الإنتقال المشاهد في حق المخلوق وهذا ما نفاه عبد الله المزني فشتان شتان بين السلف وبين الخلف.


    2-نقل الجهمي :



    عن الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة السلف أنه قال :



    "سألني ابن طاهر عن حديث النبي صلي الله عليه وسلم -يعني في النزول- فقلت له النزول بلا كيف".


    التعليق :

    الإمام إسحاق بن راهوية يثبت النزول لله تعالى ولا يعطل مثل هذا الجهمي ولا يحرف نزول الله تعالى إلى نزول رحمته كما هو حال هذا الجهمي الراقص بين التفويض والتعطيل فمن أولى بكلام الإمام اسحاق بن راهوية؟ !.


    3-نقل الجهمي كلام بعض الأشاعرة المؤولة كالبيضاوي وبدر الدين بن جماعة والبيضاوي في الكلام عن الانتقال والحركة والحدوث وقد سبق وبينا أن هذا خارج محل النزاع لأننا نتكلم عما أثبته الله لنفسه من النزول والمجيء والإتيان وليس عما تصوره الجهمية في عقولهم عند قراءتهم لنصوص الصفات.



    يتبع.....


    ------------


    [1] رواه ابن أبي شيبة (7/9)، وأبو نعيم في الحلية (1/47) وابن قدامة في العلو (ص111) كلاهما من طريق ابن أبي شيبة، وأورده الذهبي في العلو بإسناده إلى ابن أبي شيبة (ص77) وقال: إسناده كالشمس.

    [2] رواه اللالكائي (3/411).

    [3] رواه ابن جرير (24/25) وعبد الله في السنة (2/501).

    [4] رواه ابن أبي شيبة (13/96) وهناد بن السري في الزهد (46) وعبد الله في السنة (1/275) والآجري في الشريعة (ص340) وأورده الذهبي في العلو (ص125).

    [5] رواه ابن سعد في الطبقات (5/166).

    [6] رواه عبد الله في السنة (1/297).

    [7] رواه عبد الله في السنة (1/296).

    [8] رواه الدارمي في رده على المريسي (1/286).

    [9] الفقه الأبسط ص56. نقلاً من أصول الدين عند أبي حنيفة (ص298).

    [10] الفقه الأكبر مع شرحه للدكتور محمد الخميس ص37.

    [11] رواه الصابوني في اعتقاد أهل الحديث (ص60) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص572).

    [12] رواه ابن بطة في الإبانة (3/63) واللالكائي (3/502) والذهبي في السير بإسناده من طريق الأثرم (7/312) وأورده في العلو (ص141) وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاوى ابن تيمية (5/44) وفي تلبيس الجهمية (2/186) وعزاه للأثرم في السنة ولأبي عمرو الطلمنكي.

    [13] رواه ابن بطة في الإبانة (3/302). وعزاه ابن تيمية للخلال في السنة وساقه بإسناده كما في مجموع الفتاوى (5/376).

    [14] رواه ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة (ص91) وأبو يعلى في إبطال التأويلات (1/55) وأبو القاسم التيمي في الحجة (1/441) وأورده الذهبي في العلو (ص250).

    [15] رواه البخاري في خلق أفعال العباد (ص17) وابن بطة في الإبانة (3/203) واللالكائي (3/452) وعزاه شيخ الإسلام اين تيمية للخلال في السنة كما في مجموع الفتاوى (5/61) وفي درء التعارض (2/23).

    [16] طبقات الحنابلة في ترجمة الشافعي (1/283)، وذكر طرفاً منه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/407) وعزاه إلى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي.

    [17] رواه ابن بطة في الإبانة (3/206) واللالكائي (3/453).

    [18] رواه ابن بطة في الإبانة (3/242) واللالكائي (3/453) والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/260).

    [19] عزاه ابن قدامة للخلال في السنة (ذم التأويل ص21) وابن تيمية في درء التعارض (1/254) وفي بيان تلبيس الجهمية (1/431) وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص211).

    [20] رواه ابن بطة في الإبانة (3/111) والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/75).

    [21] رواه أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/260) وذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/146).

    [22] وهذا لفظ حديث جابر t: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1119) والبزار كما في مجمع الزوائد (8/204) وابن بطة في الإبانة (2/310) وأبو نعيم في الحلية (6/210) والآجري في الشريعة (ص316) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص348) وعزاه ابن كثير في تفسيره (1/589) إلى ابن مردويه، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، قال عنه ابن كثير في تفسيره (1/589): (ضعيف بمرة).

    وأما حديث الزهري: فقد رواه عبد الرزاق في تفسيره (2/238) وابن أبي حاتم في تفسيره من طريقه (4/1119) وعبد الله في السنة (1/283) وابن جرير (6/29) وابن بطة في الإبانة (311) والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق (ص35)، كلهم من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال أخبرني جرير بن جابر الخثعمي أنه سمع كعب الأحبار يقول: (لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه، فطفق موسى يقول: والله يا رب ما أفقه هذا، حتى كلمه آخر ذلك بلسانه بمثل صوته، فقال موسى: هذا يارب كلامك؟ قال الله تعالى: لو كلمتك كلامي لم تكن شيئاً، أو قال: لم تستقم له، قال: أي رب هل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأقرب خلقي شبه كلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق). قال ابن كثير في تفسيره (1/589): (هذا موقوف على كعب الأحبار وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين).

    قلت: وليست الحجة في هذا الحديث الضعيف، وإنما في استشهاد الإمام أحمد به، وقبوله لما دل عليه من صفة كلام الله تعالى وأنه بصوت مسموع حقيقة.

    [23] الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد (ص132). وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه منها: مجموع الفتاوى (6/154) ودر التعارض (1/377).

    [24] شرح السنة للمزني (ص75،89).

    [25] سنن الترمذي (3/50).

    [26] الرد على المريسي (1/214).

    [27] المرجع السابق (1/230).

    [28] المرجع السابق (1/339).

    [29] المرجع السابق (1/428).

    [30] المرجع السابق (2/680).

    [31] المرجع السابق (2/688).

    [32] المرجع السابق (2/769-780).

    [33] المرجع السابق (2/755).

    [34] المرجع السابق (2/866)

    [35] الرد على الجهمية (ص73).

    [36] التبصير في معالم الدين (141-145).

    [37] المرجع السابق (148-149).

    [38] التوحيد (22-23).

    [39] المرجع السابق (83-85).

    [40] المرجع السابق (125-126).

    [41] المرجع السابق (230-231).

    [42] نقله ابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة 433هـ بتمامه، وشيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (6/254) وفي نقض التأسيس (ص113)، وابن القيم في الصواعق المرسلة (4/1288)، والذهبي في السير (16/213).

    [43] طبقات الحنابلة (2/210).

    [44] تهذيب اللغة (3/246).

    [45] نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/80).

    [46] التعرف لمذهب أهل التصوف (ص47-48).

    [47] الإبانة (3/240).

    [48] الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/73).

    [49] الرد على الجهمية (ص68).

    [50] المرجع السابق (ص94).

    [51] المرجع السابق (ص102).

    [52] أصول السنة (ص110-113) ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/56) وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص164).


  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    الشبهات الواردة في الأقوال التي احتج بها الجهمي :

    ثانيا :المتأمل لنصوص الأشاعرة (أو بعض من وافقهم عن اجتهاد غلطوا فيه) التي نقلها محاورنا الجهمي يجد في طياتها أوهام ظنوها أدلة وحجج عقلية وما هي إلا شبهات فلسفية لا تثبت على قدم التصديق ولا في ميزان التحقيق وسأرد على هذه الشبهات برد إجمالي أبين فيه الموقف الحق من الصفات الواردة في الكتاب والسنة بما في ذلك صفة النزول-وقد مر بنا موقف الصحابة والتابعين وتابعي التابعين في هذا- ثم أتبعه بالرد المفصل بتتبعها واحدة واحدة مع عزوها إلى صاحبها رغم أنها لم تأتي بجديد فقد رددت على أكثرها في بحثي السابق(دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين)) فمحارونا الجهمي لم يأتي بكلام جديد ولا بدليل مفيد بل هو تكرار لما سبق بيانه في البحث الساق فبتقصي وتحليل الأقوال التي احتج بها الجهمي نستلخص منها الشبه التالية :


    الشبهة الأولى :دعواهم بأن النزول يستلزم الحركة والإنتقال والتحول

    الشبهة الثانية : انتقال الليل من مكان إلى مكان

    الشبهة الثالثة : احتاجهم ببدعة الكلام النفسي .

    الشبهة الرابعة : تأويلهم لنزول الله تعالى بنزول رحمته أو أمره أو أحد ملائكته

    الشبهة الخامسة : ‏‎:‎‏ دعواهم في أن نزول الله تعالى يستلزم منه خلو العرش ويستلزم منه أن السماء تقله

    الشبهة السادسة : احتجاجهم بما رواه النسائي في(عمل اليوم والليلة‎))أن ‏الله عز وجل يمهل‎ ‎حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر ‏مناديا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له‎ )).‎

    الشبهة السابعة :احتاججهم بالأثر المنسوب للإمام مالك رحمه الله .

    الشبهة الثامنة :ما نسبه الإمام النووي رحمه الله إلى الأوزاعي .



    وهذه الشبه هي نفسها التي رددت عليها في بحثي(دك حصون المفترين بإثبات نزول رب العالمين) والتي عجز الجهمي عجزا فاضح عن ردها والتعقيب عليها فما وجد سبيلا إلا تكرارها مختبئ وراء أصحابها تعصبا منه وتقليدا لهم, والله تعالى يقول ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله))) فالجهمية وأضرابهم من أهل الكلام ليس لهم مستند فيما ابتدعوه إلا التقليد فالجهمي والأشعري قد أخذ مذهبه عن طريق التقليد وليس عن طريق الوحي المعصوم وهذا أمر معلوم لهذا لا تجد في طبقة العوام من هو أشعري لأن الأشعري حتى يكون كذلك عليه إما بدخول مدرسة أشعرية أو باتباع شيخ الطريقة وهذا هو حال جميع أهل البدع يتعصبون إلى شيوخهم وأئمتهم وإذا جادلتهم نقلوا لك مذهب شيوخهم ثم يدسون فيه بعض أقوال أهل السنة مبتورة عن سياقها لينصروا باطلهم فليس لأهل البدع إلا ذاك .وفي هذا يقول الاللالكائي المتوفى سنة 418هـ -رحمه الله- في كتابه الفذ: «شرح أصولاعتقاد أهل السنة والجماعة» (1/32- 25):

    «
    ثم كل من اعتقد مذهباً فإلى صاحب مقالته التي أحدثها ينتسب، وإلى ربه يستند، إلا أصحاب الحديث فإن صاحب مقالتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم إليه ينتسبون، وإلى علمه يستندون، وبه يستدلون، وإليه يفزعون، وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سنته بقربهم منه يصولون، فمن يوازيهم في شرف الذكر، ويباهيهمفي ساحة الفخر، وعلو الاسم؟!)).
    ولله در القائل :


    وقول أعلام الهدى لا يعمل * * * بقولنا بدون نص يقبل

    فيه دليل الأخذ بالحديث * * * وذاك في القديم والحديث

    قال أبو حنيقة الإمــــام * * * لا ينبغي لمن له إسلام

    أخذ بأقوالـي حتى تعرضا * * * على الكتاب والحديث المرتضى

    ومالك إمام دار الهجرة * * * قال وقد أشار نحو الحجرة

    كل كلام منه ذو قبــول * * * ومنه مردود سوى الرســول

    والشافعي قال إن رأيتم * * * قولي مخالفاً لما رويـتم

    من الحديث فاضربوا الجدار * * * بقولي المخالف الأخبار

    وأحمد قال لهم لا تكتبــوا * * * ما قلته بل أصل ذلك فاطلـبوا

    فاسمع مقالات الهداة الأربعـة * * * واعمل بها فإن فيها منفعة

    لقمعها لكل ذي تعصب * * * والمنصفون يكتــفون بالنب
    ي


    ودونك الرد المجمل على تلك الشبهات ثم المفصل :


    الرد المجمل على شبهات الأشاعرة في تحريفهم لحديث النزول :

    ((قبلَ البدءِ بذكرِ الشُّبهاتِ الواردةِ على حديثِ النزولِ والردِّ عليها أذكرُ كلامًا نفيسًا يزيلُ كثيرًا منَ الشُّبهاتِ في هذا البابِ وغيرهِ.

    اعلمْ رحمكَ اللهُ بأنَّ صفاتِ الله لا يتوهَّمُ فيها شيءٌ منْ خصائصِ المخلوقينَ لا في لفظهَا ولا في ثبوتِ معناهَا. فإثباتهَا للرَّبِّ تعالى لا محذورَ فيهِ بوجهٍ، بلْ تثبتُ لهُ على وجهٍ لا يماثلُ فيها خلقهُ، ولا يشابههم، فمنْ نفاها عنهُ لإطلاقهَا على المخلوقِ ألحدَ في أسمائهِ، وجحدَ صفاتِ كمالهِ. ومنْ أثبتهَا على وجهٍ يماثلُ فيها خلقهُ فقدْ شبَّههُ بخلقهِ، ومنْ شبَّهَ الله بخلقهِ فقدْ كفرَ، ومنْ أثبتهَا لهُ على وجهٍ لا يماثلُ فيها خلقهُ، بلْ كما يليقُ بجلالهِ وعظمتهِ فقد برىءَ من فرثِ التَّشبيهِ ودمِ التَّعطيلِ، وهذا طريقُ أهلِ السنَّةِ.


    فما لزمَ الصفَّة لإضافتها إلى العبدِ وجبَ نفيهُ عَنِ الله كما يلزمُ حياةُ العبدِ منَ النَّومِ والسِّنةِ والحاجةِ إلى الغذاءِ والمرضِ والموتِ، وكذلكَ علمهُ محفوفٌ بنقصينِ: جهلٌ سابقٌ، ونسيانٌ لاحقٌ؛ وكذلكَ ما يلزمُ إرادتهُ عنْ حركةِ نفسهِ في جلبِ ما ينتفعُ بهِ ودفعِ ما يتضررُ بهِ، وكذلكَ ما يلزمُ علوُّهُ من احتياجهِ إلى ما هو عالٍ عليهِ وكونهِ محمولًا بهِ مفتقرًا إليهِ محاطًا بهِ، كلُّ هذا يجبُ نفيهُ عنِ القدُّوسِ السَّلامِ - تباركَ وتعالى ـ.


    فإذا أحطتَ بهذهِ القاعدةِ خبرًا وعقلتهَا كما ينبغي خلصتَ مِنَ الآفتينِ اللتينِ هما أصلُ بلاءِ المتكلِّمينَ، آفةُ التَّعطيلِ وآفةُ التَّشبيهِ، فإنَّكَ إذا وفَّيتَ هذا المقامَ حقَّهُ أثبتَ لله الأسماءَ الحسنى والصفِّاتِ العلى حقيقةً، فخلصتَ مِنَ التَّعطيلِ ونفيتَ عنهَا خصائصَ المخلوقينَ ومشابهتهم فخلصتَ مِنَ التَّشبيهِ.


    فعليكَ بمراعاةِ هذا الأصلِ والاعتصامِ بهِ، واجعلهُ جُنَّتَكَ التي ترجعُ إليهَا في كلِّ ما يطلقُ على الرَّبِّ تعالى وعلى العبدِ[1].


    وبعدَ هذا الكلامِ النَّفيسِ نذكرُ شبهاتِ القومِ ونأتي عليهَا مِنَ القواعدِ بإذنِ العليِّ الأعلى الكبيرِ المتعالِ سبحانه وتعالى.))
    من كتاب الكلمات الحسان في بيان علو الرحمان.

    يتبع بالرد المفصل.....

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"



    الرد المفصل :

    الشبهة الأولى :دعواهم بأن النزول يستلزم الحركة والإنتقال والتحول



    أكثر الجهمي من النقولات عن بعض العلماء في نفيهم للحركة والإنتقال فكان مما نقله :

    4- قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) صاحب السنن :
    وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم……. ا.هـ.
    الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي – علم الكتب، بيروت – ص ٧٢

    5- القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري (ت ٤٠٣ هـ)
    قال ما نصه : "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وقوله: {ولم يكن له كفوا أحد} ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك". ا.هـ.
    الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به – ص ٦٤

    6- إمام الحرمين الجويني
    يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : { ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول : هـل من تائب فأتـوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيب له } الحديث ، ولا وجه لحمل النزول على التحول ، وتفريغ مكان وشغل غيره فإنّ ذلك من صفات الأجسام ونعوت الأجرام ، وتجويز ذلك يؤدي إلى طرفي نقيض ، أحدهما الحكم بحدوث الإله ، والثاني القدح في الدليل على حدوث الأجسام……
    كتاب الإرشاد ص 150 ، 151

    7- الإمام المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي(ت ٦٧١ هـ)
    قال في تفسيره ما نصه : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشىء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
    الجامع لأحكام القرءان، القرطبي – سورة الفجر




    9- الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه "الباز الأشهب
    " بعد ذكر حديث النزول ما نصه: "إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا".
    التعليق : ملخص ما ورد في هذه الأقوال-الغير المعصومة- أن النزولُ نقلةٌ والنقلةُ منْ خصائصِ الأجسامِ، فيلزمها لوازم تمتنعُ في حقِّ الله تعالى كالتجسيم والحدوث والتغير هذا مايرمي إليه محارونا الجهمي لهذا أقول :

    لا تغترَّ أيُّها النَّاظرُ بهذهِ التلفيقاتِ المزوَّقةِ، والكلماتِ المدبَّجة، والعباراتِ المبهرجةِ. فإنَّها كلماتٌ خاليةٌ مِنَ التَّحقيقِ عاريةٌ مِنَ التَّوفيقِ.

    والردُّ على الشُّبهةِ المذكورةِ منْ وجوهٍ:

    الوجهُ الأوَّل:

    نقولُ: هذا جدالٌ بالباطلِ لا يرتضيهِ مَنْ هو عارفٌ بكيفيَّةِ الاستدلالاتِ، وعالمٌ بمداركِ الشَّرعِ والمدلولاتِ، «وليسَ بمانعٍ منَ القولِ بحقيقةِ النزولِ!!
    هل أنتمْ أعلمُ بما يستحقُّه الله عزَّ وجلَّ منْ أصحابِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم؟!فليسَ إجلالنا لله كإجْلالِ الصَّحابةِ ولا قريبًا منهُ.وليسَ حرصنَا على العلمِ بصفاتِ الله كحرصِ الصَّحابةِ، وهم ما قالوا هذه الاحتمالاتِ أبدًا، قالوا: سمعنا وآمنَّا وقبلنا وصدَّقنا.وأنتمْ أيُّها الخالفونَ المخالفونَ تأتونَ الآنَ وتجادلونَ بالباطلِ وتقولونَ: كيفَ؟! وكيفَ؟!»[2].

    الوجهُ الثاني:
    إنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أعلمُ الخلقِ بالحقِّ، وأنصحُ الخلقِ للخلقِ، وأفصحُ الخلقِ في بيانِ الحقِّ، وأحْرصُ الخلقِ على هدايةِ الخلقِ، فما بيَّنهُ منْ أسماءِ اللهِ وصفاتهِ هو الغايةُ في هذا البابِ «فإذا كانَ كذلكَ كانَ المتَحذْلِقُ والمنكِرُ عَلَيهِ مِنْ أضَلِّ النَّاسِ، وأجهلهمْ وأسوَئهمْ أدبًا، بل يجبُ تأديبهُ وتعزيرهُ، ويجبُ أنْ يصانَ كلامُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الظنونِ الباطلةِ، والاعتقاداتِ الفاسدةِ»[3].
    الوجهُ الثالثُ:
    ليسَ فِي القولِ بلازمِ النزولِ محذورٌ البتَّةَ، وَلاَ يستلزمُ ذلكَ نقصًا وَلاَ سلبَ كمالٍ، بلْ هوَ الكمالُ نفسُهُ.وهذهِ الأفعالُ كمالٌ ومدحٌ، فهي حقٌّ دالٌّ عليهِ النَّقلُ، ولازمُ الحقِّ حقٌّ.
    وقولنا: إنَّه نزولٌ لا محذورَ فيهِ، فإنَّه ليسَ كانتقالِ الأجسامِ منْ مكانٍ إلى مكانٍ كَمَا قلتم: إنَّ سمعَهُ وبصرَهُ وحياتَهُ وقدرتَهُ وإرادتَهُ ليستْ كصفاتِ الأجسامِ، فليسَ كمثلهِ شيءٌ فِي ذاتهِ وَلاَ فِي صفاتهِ وَلاَ فِي أفعالهِ.
    ونحنُ لم نتقدَّم بينَ يديِّ الله ورسولهِ، بلْ أثبتنا لله ما أثبتهُ لنفسهِ وأثبتهُ لهُ رسولُه صلى الله عليه وسلم. فألزمتم أنتم منْ أثبتَ ذلكَ القولَ بالانتقالِ، ومعلومٌ أنَّ هذا الإلزامَ إنَّما هو إلزامٌ لله ورسولهِ، فإنَّا لمْ نتعدَّ ما وصفَ بهِ نفسهُ، فكأنَّكمْ قلتمْ: منْ أثبتَ لهُ نزولًا لزمهُ وصفهُ بالانتقالِ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم هوَ الذي أثبتَ ذلكَ لله فهوَ حقٌّ بلا ريبٍ.
    فكانَ جوابنا: إنَّ الانتقالَ إنْ لزمَ منْ إثباتِ ما أثبتهُ الله تعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم، فلا بدَّ من إثباتهِ ضرورةً، إذْ لازمُ الحقِّ حقٌّ، وإنْ لم يكنْ ذلكَ لازمًا لهُ، فأنتم معترضونَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم كاذبونَ عليهِ، متقدِّمونَ بينَ يديهِ، فبطلَ إلزامكم.

    قال ابنُ رجبٍ رحمه الله: لا نسلِّمُ لزومهُ؛ فإنَّ نزولَهُ ليسَ كنزولِ المخلوقينَ، ولهذا نقلَ عنْ جماعةٍ من الأئمَّةِ: أنَّهُ ينزلُ، ولا يخلو منهُ العرشُ[4].

    وقالَ الحافظُ الذهبيُّ رحمه الله: الصَّوابُ في حديثِ النزولِ ونحوه ما قالهُ مالكٌ وأقرانُه يمرُّ كمَا جاءَ بلا كيفيَّةٍ، ولازمُ الحقِّ حقٌّ، ونفيُ الانتقالِ وإثباتُهُ عبارةٌ محدثةٌ، فإنْ ثبتَتْ في الأثرِ رويناهَا ونطقنا بهَا، وإنْ نفيتْ في الأثرِ نطقنا بالنَّفيِ، وإلَّا لزمنا السُّكوتَ وآمنَّا بما ثبتَ في الكتابِ والسنَّةِ على مقتضاه[5].
    وقالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: والأحسنُ في هذا البابِ مراعاةُ ألفاظِ النُّصوصِ. فالألفاظُ التي جاءَ بها الكتابُ والسنَّةُ في الإثباتِ تثبتُ، والتي جاءتْ بالنَّفيِ تنفى. والألفاظُ المجملةُ كلفظِ «الحركةِ» و«النزولِ» و«الانتقالِ» يجبُ أنْ يقالَ فيهَا: أنَّهُ منزَّهُ عنْ مماثلةِ المخلوقينَ منْ كلِّ وجهٍ، لا يماثلُ المخلوقَ لا في نزولٍ، ولا في حركةٍ، ولا انتقالٍ ولا زوالٍ، ولا غيرِ ذلكَ[6]. وهذه سبيلُ مَنِ اعتصمَ بالعروةِ الوثقى[7].

    الوجهُ الرابعُ:
    يقالُ لهم: ربُّ العالمينَ إمَّا أنْ يقبلَ الاتصافَ بالإتيانِ والمجيءِ والنزولِ وجنسِ الحركةِ، وإمَّا أنْ لا يقبلهُ؛ فإنْ لمْ يقبلْهُ كانتِ الأجسامُ التي تقبلُ الحركةَ ولم تتحرَّكْ أكملَ منهُ؛ وإنْ قبلَ ذلكَ ولمْ يفعلهُ كانَ ما يتحرَّكُ أكملَ منهُ؛ فإنَّ الحركةَ كمالٌ للمتحرِّك، ومعلومٌ أنَّ مَنْ يمكنهُ أنْ يتحرَّكَ بنفسهِ أكملُ ممَّنْ لا يمكنهُ التحرُّكُ، وما يقبلُ الحركةَ أكملُ ممَّنْ لا يقبلهَا[8].
    قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: «ومنْ نزَّههُ عنْ نزولهِ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا، ودنوهِ عشيةَ عرفةَ منْ أهلِ الموقفِ، ومجيئهِ يومَ القيامةِ للقضاءِ بينَ عبادهِ، فرارًا منْ تشبيههِ بالأجسامِ، فقد شبَّههُ بالجمادِ الذي لا يتصرَّفُ ولا يفعلُ ولا يجيءُ ولا يأتي ولا ينزلُ»[9].
    الوجهُ الخامسُ:
    أنْ يقالَ: النزولُ والصُّعودُ والمجيءُ والإتيانُ، ونحو ذلكَ ممَّا هوَ منْ أنواعِ جنسِ الحركةِ لا نسلِّمُ أنَّهُ مخصوصٌ بالجسمِ الصناعيِّ الذي يتكلَّمُ المتكلِّمونَ فِي إثباتهِ ونفيهِ، بلْ يوصفُ بهِ ما هو أعمُّ منْ ذلكَ. ثمَّ هنا طريقانِ:
    (أحدُهما): إنَّ هذه الأمورَ توصفُ بها الأجسامُ والأعراضُ فيقالُ: جاءَ البردُ، وجاءَ الحرُّ، وجاءتِ الحُمَّى، وهيَ أعراضٌ. وبهِ يُعْلمُ أنَّ أنواعَ جنسِ الحركةِ كالنزولِ ونحوه ليسَ منْ خصائصِ الأجسامِ، فيجوزُ أنْ يوصفَ بهَا الله مَعَ أنَّهُ ليسَ بجسمٍ.
    (الطريقُ الثاني): أنْ يقالَ: المجيءُ والإتيانُ والصُّعودُ والنُّزولُ توصفُ بهِ روحُ الإنسانِ التي تفارقهُ بالموتِ، وتسمَّى النَّفسُ، وتوصفُ بهِ الملائكةُ. وليسَ نزولُ الرُّوحِ وصعودهَا منْ جنسِ نزولِ البدنِ وصعودهِ، فإنَّ روحَ المؤمنِ تصعدُ إلى فوقَ السَّماواتِ ثمَّ تهبطُ إلى الأرضِ فيما بينَ قبضهَا ووضعِ الميِّتِ فِي قبرهِ. وهذا زمنٌ يسيرٌ لا يصعدُ البدنُ إلى فوقَ السَّماواتِ ثمَّ ينزلُ إلى الأرضِ فِي مثلِ هذا الزمانِ[10].
    وإذا كانتِ الروحُ تعرجُ مِنَ النَّائمِ إلى السَّمَاءِ مَعَ أنَّهَا فِي البدَنِ كَمَا قَالَ تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر: 42]، عُلِمَ أنَّهُ ليس عروجُهَا منْ جنسِ عروجِ البدنِ الذي يمتنعُ هذا فيهِ.
    وعروجُ الملائكةِ ونزولُهَا منْ جنسِ عروجِ الرُّوحِ ونزولها، لا منْ جنسِ عروجِ البدنِ ونزولهِ.
    و«نزولُ» الرَّبِّ عزَّ وجلَّ فوقَ هذَا كلِّهُ وأجلُّ من هذا كلِّهِ؛ فإنَّهُ تَعَالَى أبعدُ عنْ مماثلةِ كلِّ مخلوقٍ مِنْ مماثلةِ مخلوقٍ بمخلوقٍ.
    وإذا عرفَ هَذَا: فإنَّ للملائكةِ منْ ذلكَ ما يليقُ بهم، وأنَّ ما يوصفُ بهِ الرَّبُّ تبارك وتعالى: هو أكملُ وأعلى وأتمُّ منْ هذا كلِّهِ[11]، وأولى بالإمكانِ، وأبعدُ عنْ مماثلةِ نزولِ الأجسامِ، بلْ نزولهُ لا يماثلُ نزولَ الملائكةِ وأرواحِ بني آدمَ[12].
    ومنْ ظنَّ أنَّ ما يوصفُ بهِ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ لا يكون إلَّا مثلَ ما توصفُ بهِ أبدانُ بني آدم؛ فغلطهُ أعظمُ منْ غلطِ منْ ظنَّ أنَّ ما توصفُ بهِ الرُّوحُ مثل ما توصفُ بهِ الأبدانُ[13].

    الوجه السادس :لفظ التغير لفظ مجمل .فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به ‏الحوادث ,بل إن لفظ التغير في كلام الناس المعروف يتضمن استحالة الشيء.‏
    والناس إنما يقولون تغير ‏‎:‎لمن استحال من صفة إلى صفة‎.‎
    فالإنسان مثلا إذا مرض وتغير في مرضه كأن اصفر لونه أو شحب أو نحل جسمه يقال‎:‎‏ غيره المرض.‏
    وكذا إذا تغير جسمه بجوع أو تعب ,قيل قد تغير.‏
    وكذا إذا غير لون شعر رأسه ولحيته ,قيل قد غير ذلك .‏
    وكذا إذا تغير خلقه ودينه,مثل أن يكون فاجرا فيتوب ويصير برا أو يكون برا فينقلب فاجرا .فهذا يقال ‏عنه‎:‎أنه تغير.‏
    ومن هذا الباب,قول النبي صلى الله عليه وسلم ((غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد))رواه مسلم.‏
    وكذا الشمس إذا اصفرت ,قيل‎:‎تغيرت .ويقال‎:‎وقت العصر مالم يتغير لون الشمس.‏
    والأطعمة إذا استحالت يقال لها تغيرت قال تعالى { فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين } محمد: 15 فتغير ‏الطعم استحالت من الحلاوة إلى الحموضة ونحو ذلك
    ومنه قول الفقهاء إذا وقعت النجاسة في الماء الكثير لم ينجس إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه وقولهم إذا نجس الماء بالتغير زال بزوال التغير ولا يقولون إن ‏الماء إذا جرى مع بقاء صفائه أنه تغير ولا يقال عند الإطلاق للفاكهة والطعام إذا حول من مكان إلى مكان انه تغير ولا يقال للإنسان إذا مشى أو قام أو قعد قد تغير ‏اللهم إلا مع قرينة ولا يقولون للشمس والكواكب إذا كانت ذاهبة من المشرق إلى المغرب إنها متغيرة بل يقولون إذا إصفر لون الشمس إنها تغيرت ويقال وقت ‏العصر ما لم يتغير لون الشمس ويقولون تغير الهواء إذا برد بعد السخونة ولا يكادون يسمون مجرد هبوبه تغيرا وإن سمى بذلك فهم يفرقون بين هذا وهذا لونه ‏لون لباس المسلمين وتقول العرب تغايرت الأشياء إذا اختلفت والغيار البدال
    والناس إذا قيل لهم التغير على الله ممتنع فهموا من ذلك الاستحالة والفساد مثل انقلاب صفات الكمال إلى صفات نقص أو تفرق الذات ونحو ذلك مما يجب تنزيه الله ‏عنه
    وأما كونه سبحانه يتصرف بقدرته فيخلق ويستوي ويفعل ما يشاء بنفسه ويتكلم إذا شاء ونحو هذا لا يسمونه تغيرا
    ولكن حجج النفاة مبناها على ألفاظ مجملة موهمة كما قال الإمام أحمد: يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم حتى يتوهم الجاهل ‏أنهم يعظمون الله وهم إنما يقودون قولهم إلى فرية على الله.

    وخلاصةُ هذهِ الشبهةِ وما تدورُ عليهِ عندَ جميعِ منْ يحتجُّ بها سواءٌ مِنَ الجهميَّةِ أو

    مِنْ غيرهمْ «إنَّ النزولَ نقلةٌ، والنُّقلةُ منْ خصائصِ الأجسامِ فيلزمهَا لوازمٌ تمتنعُ في حقِّ اللهِ تعالى»، وهذهِ اللوازمُ التي يذكرونها تلزمُ فيمنْ ليسَ بإلهٍ، وربٍّ للخلقِ. والله سبحانه وتعالى «منزَّهٌ أنْ تكونَ صفاتهُ مثلَ صفاتِ الخلقِ كما كانَ منزَّهًا أنْ تكونَ ذاتُهُ مثلَ ذواتِ الخلقِ فمجيئهُ وإتيانهُ ونزولهُ على حسبِ ما يليقُ بصفاتهِ منْ غيرِ تشبيهٍ وكيفٍ»[14].

    وما أحسنَ قول الشاعرِ:

    الرَّبُّ ربٌّ وإنْ تنزَّل والعبدُ عبدٌ، وإنْ ترقَّى![15]



    الشبهة الثانية : الليلُ ينتقلُ منْ مكانٍ إلى آخرَ فثلثُ الليلِ مثلًا في الشَّرقِ ينتقلُ حتَّى يكونَ في الغربِ، ويختلفُ الزمنُ فكيفَ نوفِّقُ بينَ هذا وبينَ تقييدِ نزولِ الله عزَّ وجلَّ بثلثِ الليلِ؟



    فقد نقل الجهمي قول شيخه بدر الدين بن جماعة :
    رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة
    (ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل" -----
    الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلا نهارا، من قوم إلى قوم.....)))
    والجواب على هذه الشبهة :

    قال الحافظ "وقد استشكل ذلك (الحديث) وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ‏ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه ‏الصلاة والسلام‏ في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة، وأجيب ‏بأن أمور الآخرة لا تُدرك بالعقل، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة"(2).‏

    فإذا كان العقل لا يدرك كيفية رجوع الروح إلى جسد النبي فمن باب أولى أن لا ‏يدرك كيفية نزول الله. ولكن أهل البدع يتناقضون: فتارة يقدّمون العقل على النقل وتارة ‏يقدمون النقل على العقل وتارة يجوّزون عقلاً ما لا يجوز شرعاً وتارة يجوّزون شرعاً ‏ما لا يجوز عقلاً.‏
    وهذا المثال يظهر به ما تعانيه نفوسهم من مرض التشبيه، وحيازتهم لأدواء ‏فاسدة يسمونها التأويل يظنون أن بها شفاءهم.‏
    والحجة الدامغة في ذلك أن أفاضل هذه الأمة رووا هذا الحديث وكتبوه في كتبهم ‏وسئلوا عن معناه فلم يعارضوه بعقولهم ولم يضربوا له مثل السوء الذي ضربتموه، بل ‏المعروف عنهم عدم التعرض لأحاديث الصفات بما يعرض للعقول من وساوس.‏
    ولهذا أجاب الحافظ ابن رجبعلى من قال "إن ثلث الليل يختلف باختلاف ‏البلدان فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين" فقال رحمه الله "معلوم بالضرورة قبح ‏هذا الاعتراض وأن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ وخلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ‏ناظروه، بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين".‏
    وقد رد على هذه الشبهة السخيفة شيخ الإسلام ابن تيمية فقال ‏‎: ‎‏ ((ومن هنا يظهر عما ذكره ابن حزم ‏وغيره في حديث النزول حيث قال النبي ‎صلى الله عليه وسلم "‎ينزل ربنا‎ ‎كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ‏ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من‎ ‎يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ‏حتى يطلع الفجر‎".
    فقالوا: قد ثبت أن الليل‎ ‎يختلف بالنسبة إلى الناس فيكون أوله ونصفه وثلثه بالمشرق قبل ‏أوله ونصفه وثلثه‎ ‎بالمغرب قالوا فلو كان النزول هو النزول المعروف للزم أن ينزل في جميع ‏أجزاء الليل‎ ‎إذ لا يزال في الأرض ليل قالوا أو لا يزال نازلا وصاعدا وهو جمع بين‎ ‎الضدين‎.
    وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله ما يتخيلونه من نزول أحدهم وهذا عين‎ ‎التمثيل ثم إنهم ‏بعد ذلك جعلوه كالواحد العاجز منهم الذي لا يمكنه أن يجمع من‎ ‎الأفعال ما يعجز غيره ‏عن جمعه وقد جاءت الأحاديث بأنه يحاسب خلقه يومالقيامة كل‎ ‎منهم يراه مخليا به ويناجيه ‏لا يرى أنه متخليا لغيره ولا مخاطب لغيره, وقد قال‎ ‎النبي‎صلى الله عليه وسلم: "‎إذا قال العبد الحمد لله رب ‏العالمين يقول الله حمدني عبدي وإذا قال‎ ‎الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي‎".
    فكل من الناس يناجيه والله تعالى يقول‎ ‎لكل منهم ذلك ولا يشغله شأن عن شأن, وذلك ‏كما قيل لابن عباس كيف يحاسب الله تعالى‎ ‎الخلق في ساعة واحدة فقال: كما يرزقهم في ‏ساعة واحدة‎.
    ومن مثل مفعولاته التي‎ ‎خلقها بمفعولات غيره فقد وقع في تمثيل المجوس القدرية فكيف بمن ‏مثل أفعاله بنفسه أو‎ ‎صفاته بفعل غيره وصفته‎.
    يقال لهؤلاء أنتم تعلمون أن الشمس جسم واحد وهي متحركة‎ ‎حركة واحدة متناسبة لا ‏تختلف ثم إنه بهذه الحركة الواحدة تكون طالعة على قوم‎, ‎وغاربة عن آخرين, وقريبة من ‏قوم وبعيدة من آخرين؛ فيكون عند قوم عنها ليل وعند قوم‎ ‎نهار وعند قوم شتاء وعند قوم ‏صيف وعند قوم حر وعند قوم برد؛ فإذا كانت حركة واحدة‎ ‎يكون عنها ليل ونهار في ‏وقت واحد لطائفتين وشتاء وصيف في وقت واحد لطائفتين فكيف‎ ‎يمتنع على خالق كل ‏شيء الواحد القهار أن يكون نزوله إلى عباده ونداه إياهم في ثلث‎ ‎ليلهم, وإن كان مختلفا ‏بالنسبة إليهم وهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ولا يحتاج أن‎ ‎ينزل عن هؤلاء ثم ينزل ‏على هؤلاء بل في الوقت الواحد الذي يكون ثلثا عند هؤلاء‎ ‎وفجرا عند هؤلاء يكون نزوله ‏إلى سماء هؤلاء الدنيا وصعوده عن سماء هؤلاء الدنيا‎ ‎فسبحان الله الواحد القهار سبحان ‏ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد‎ ‎لله رب العالمين‎".




    وقال العلَّامةُ ابنُ عثيمين رحمه الله: وأوردَ المتأخرونَ الذينَ عرفوا أنَّ الأرضَ كرويةٌ وأنَّ الشمسَ تدورُ عَلَى الأرضِ إشكالًا؛ قالوا: كيفَ ينزلُ فِي ثلثِ الليلِ؟! وثلثُ الليلِ إِذَا انتقلَ عَنِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، ذهبَ إلى أوروبا وما قاربها؟! أفيكونُ نازلًا دائمًا؟![16].
    فنقولُ: إنَّهُ لا إشكالَ في ذلكَ بحمدِ الله تعالى، فإنَّ هذا الحديثَ منْ صفاتِ الله تعالى الفعليةِ، والواجبُ علينا نحوَ صفاتِ الله تعالى سواءٌ كانت ذاتيةً كالوجهِ واليدينِ، أم معنويةً كالحياةِ والعلمِ، أمْ فعليةً كالاستواءِ على العرشِ والنزولِ إلى السَّماء الدُّنيا، فالواجبُ علينا نحوهَا مَا يلي:
    أ - الإيمانُ بهَا على مَا جاءتْ بهِ النُّصوصُ مِنَ المعاني والحقائقِ اللائقةِ بالله تعالى.
    ب - الكفُّ عنْ محاولةِ تكييفها تصوُّرًا في الذهنِ، أو تعبيرًا في النُّطقِ؛ لأنَّ ذلكَ مِنَ القولِ على الله تعالى بلا علمٍ، وقدْ حرَّمهُ الله تعالى في قولهِ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [الأعراف: 33]، وفي قولهِ تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا *} [الإسراء: 36].
    ولأنَّ الله تعالى أعظمُ وأجَلُّ مِنْ أنْ يدركَ المخلوقُ كنهَ صفاتهِ وكيفيتهَا، ولأنَّ الشيءَ لا يمكنُ إدراكهُ إلَّا بمشاهدتهِ أو مشاهدةِ نظيرهِ أو الخبرِ الصَّادقِ عنهُ، وكلُّ ذلكَ منتفٍ بالنِّسبةِ لكيفيةِ صفاتِ الله تعالى.
    ج - الكفُّ عنْ تمثيلها بصفاتِ المخلوقينَ سواءٌ كانَ ذلكَ تصوُّرًا في الذِّهنِ أم تعبيرًا في النُّطقِ، لقولهِ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
    فإذا علمتَ هذا الواجبَ نحوَ صفاتِ الله تعالى، لمْ يبقَ إشكالٌ في حديثِ النزولِ، ولا غيرهِ مِنْ صفاتِ الله تعالى، وذلكَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبرَ أمَّتهُ أنَّ الله تعالى ينزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ، مخاطبًا بذلكَ جميعَ أمَّتهِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربهَا، وخبرهُ هذا منْ علمِ الغيبِ الذي أظهرهُ الله تعالى عليهِ، والذي أظهرهُ عليه - وهو الله تعالى - عالمٌ بتغيُّرِ الزمنِ على الأرضِ، وأنَّ ثلثَ الليلِ عندَ قومٍ يكونُ نصفَ النَّهارِ عندَ آخرينَ مثلًا.
    وإذا كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخاطبُ الأمَّةَ جميعًا بهذا الحديثِ الذي خصَّصَ فيهِ نزولَ الله تباركَ وتعالى بثلثِ الليلِ الآخرِ فإنَّه يكونُ عامًّا لجميعِ الأمَّةِ، فمنْ كانوا في الثلثِ الآخرِ مِنَ الليلِ تحقَّقَ عندهم النزولُ الإلهيُّ، وقلنا لهم: هذا وقتُ نزولِ الله تعالى بالنِّسبةِ إليكم، ومنْ لم يكونوا في الوقتِ فليسَ ثمَّ نزولُ الله تعالى بالنِّسبةِ إليهم، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حدَّدَ نزولَ الله تعالى إلى السَّماء الدُّنيا بوقتٍ خاصٍّ، فمتَّى كانَ ذلكَ الوقتُ كانَ النزولُ ومتى انتهى انتهى النزولُ، وليسَ في ذلكَ أيُّ إشكالٍ، وهذا وإنْ كانَ الذِّهنُ قدْ لا يتصوَّرهُ بالنسبةِ إلى نزولِ المخلوقِ، لكن نزولَ الله تعالى ليسَ كنزولِ خلقهِ حتَّى يقاسُ به ويجعل ما كانَ مستحيلًا بالنِّسبةِ إلى المخلوقِ مستحيلًا بالنِّسبةِ إلى الخالقِ.
    فمثلًا: إذا طلعَ الفجرُ بالنِّسبةِ إلينا وابتدأَ ثلثُ الليلِ بالنِّسبةِ إلى منْ كانوا غربًا قلنا: إنَّ وقتَ النزولِ الإلهيِّ بالنِّسبةِ إلينا قَدِ انتهى، وبالنِّسبةِ إلى أولئكَ قَدِ ابتدأَ، وهذا في غايةِ الإمكانِ بالنِّسبةِ إلى صفاتِ الله تعالى، فإنَّ الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11][17].




    الشبهة الثالثة :

    11- الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي
    قال ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى:
    {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: {وكلم الله موسى تكليما} فخص موسى بوصف كليم الله"
    عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ابن العربي – دار الفكر، بيروت – المجلد الثاني، ص ٢٣٥
    والجواب على هذه الشبهة من أوجه :

    الوجهُ الأوَّلُ:
    هذا الكلامُ يعتبرُ مصادمةٌ صريحةٌ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم واعتراضٌ واضحٌ عليهِ، فإنَّهُ هو الذي قالَ: «ينزلُ ربُّنا - تبارك وتعالى - إلى سماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ ويقولُ: مَنْ يدعُوني فأستجيبَ لهُ، منْ يسألني فأعطيهُ، منْ يستغفرُني فأغفرَ لهُ».
    وكلُّ منْ عارضَ نصوصَ الأنبياءِ بقياسِهِ ورأيِهِ فهوَ منْ خلفاءِ الشَّيطانِ وأتباعِهِ فنعوذُ باللهِ مِنَ الخِذْلانِ، نسألُهُ التَّوفيقَ والعصمةَ منْ هذا البلاءِ الذي ما رُميَ العبدُ بشرٍّ منهُ، وأنْ يَلْقَى الله بذنوبِ الخلائقِ كلِّها ما خلا الإشراكَ بهِ أسلمُ لهُ منْ أنْ يلقى اللهَ وقدْ عَارَضَ نصوصَ أنبيائِهِ برأْيِهِ ورأيِ بني جنسِهِ. وهلْ طردَ الله تعالى إبليسَ ولعنهُ وأحلَّ عليه سخطَهُ وغضبَهُ إلَّا حيثُ عَارضَ النَّصَّ بالرأيِ والقياسِ ثمَّ قدَّمهُ عليهِ؟ واللهُ يعلمُ أن شُبَهَ عدوِّ الله مَعَ كونها داحضةً باطلةً أقوى منْ كثيرٍ منْ شُبَهِ المعارضينَ لنصوصِ الأنبياءِ بآرائهم وعقولِهم، فالعالمُ يَتَدَبَّرُ سِرَّ تكريرِ الله تعالى لهذهِ القصّةِ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، وليحذرْ أنْ يكونَ لهُ نصيبٌ منْ هذا الرأيِ والقياسِ وهوَ لا يشعرُ[18].

    الوجه الثاني :
    إنَّما المقصودُ مِنَ النِّداءِ حكمٌ عظيمةٌ يعلمها اللهُ - جلَّ وعلا - ونحنُ وإنْ لمْ نسمعْ كلامَ الله تعالى هذا بآذاننا، إلَّا أنَّا آمنَّا بذلكَ حتَّى لكأنَّ القائمَ في ذلكَ الوقتِ - الثلثُ الأخيرُ - كأنَّهُ يسمعُ أنَّهُ تعالى ينادي بذلكَ النِّداءِ، وذلكَ لعلمنَا أنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا ينطقُ عَنِ الهوى، إنْ هوَ إلَّا وحيٌ يوحى، وهذا الخبرُ قدْ تواترَ عنهُ صلى الله عليه وسلم، ومِنَ الحكمِ التي نعلمهَا منْ هذا النِّداءِ العظيمِ: هوَ إقبالُ العبدِ بكليَّتهِ على ربِّه في هذا الوقتِ، والإلحاحُ عليهِ في الدعاءِ، والشعورُ بقربهِ وفضلهِ، فيجدُ قائمُ الليلِ مِنْ حلاوةَ المناجاةِ، وطيبِ الذِّكرِ واليقينِ بإجابةِ الدُّعاءِ مَا لا يجدهُ في غيرِ هذا الوقتِ، يعلمُ ذلكَ ضرورةً قُوَّامُ الليلِ، ولذلكَ فإنَّ قُوَّامَ الليلِ يكثرونَ مِنَ الاستغفارِ والذِّكرِ والدُّعاءِ في وقتِ السَّحرِ أشدَّ ممَّا قبلهُ، لعلمهمْ أنَّ وقتَ النزولِ يمتدُّ إلى طلوعِ الفجرِ، ولذلكَ ينتظرُ عبادُ الرحمنِ تلكَ السَّاعاتِ القليلةِ بفارغِ الصبرِ.

    الوجه الثالث :
    أنَّهُ مِنْ عادةِ الملوكِ الكرماءِ، والسَّادةِ الرُّحماءِ، إذا أرادوا أنْ يكرموا أهلَ بلدٍ، أنْ يحلُّوا عليهم قريبًا منْ بلادهمْ، أو في ديارِهِمْ، ليكرموهم بما يريدونَ، ويَسْمَعُوا حاجاتِهم، ويلبُّوا رغباتِهمْ، ولوْ عرضنَا على العقلِ مَلِكَينِ أرادا أنْ يكرما أهلَ بلدٍ، أحَدهمَا جاءَ إلى أهلِ هذا البلدِ بنفسهِ وسمِعَ حاجاتهمْ، وأكرمهمْ في بلادهمْ، ولبَّى طلباتهم، والآخرُ أرسلَ أحدَ وزرائهِ أوْ أرسلَ رسالةً مَعَ أحدِ جنودهِ، بما يريدُ أنْ يكرمهم بهِ، لقطعَ العقلُ بأنَّ الأوَّلَ أكرمُ وأجَلُّ وأعظمُ في الإكرامِ، ومِنَ المعلومِ أنَّ كلَّ كمالٍ في المخلوقِ لا نقصَ فيهِ بوجهٍ مِنَ الوجوهِ فالخالقُ أولى بهِ، وواهبُ الكمالِ أحقُّ بهِ، فالرَّبُّ تعالى، ينزلُ بنفسهِ إلى أدنى سماءٍ وهي السَّماءُ الدُّنيا، وهوَ فوقَ عرشهِ، وهي أقربُ السَّمواتِ إلى قُوَّامِ الليلِ، ويقولُ: «لا أسألُ عنْ عبادي أحدًا غيري»، فهلْ هذا إلَّا عينُ الكمالِ، مع أنَّهُ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
    فمَا أجهلَ الإنسانَ بربِّهِ، وبكرمهِ، وبعظمِ فضلهِ، فللهِ الحمدُ كمَا ينبغي لجلالِ وجههِ وعظيمِ سلطانهِ.
    وبهذا يعلم أنَّ قولَهُ: بلْ كانَ يمكنهُ أنْ ينادينا وهو على عرشهِ، سوءُ أدبٍ مَعَ الله تعالى.

    الوجه الرابع :
    أنَّ هؤلاءِ المعطِّلةِ كلّهم أنكروا أنْ يكونَ لله تعالى كلامٌ بحرفٍ وصوتٍ! فكيفَ يمكنُ لهم أنْ يسمعوا نداءَ الله تعالى؟! وكيفَ يقرعُ صوتَ الله تعالى أسماعهم؟! لأنَّهم قائلونَ ببدعةِ الكلام النفسيِّ الذي ليس بحرفٍ ولا بصوتٍ فهم أبشعُ حالًا وأشنعُ بدعةً في بابِ تعطيلِ صفةِ الكلامِ من الجهمِيَّةِ الأولى؛ لأنَّ الجهميَّةَ الأولى كانوا يقولونَ ببدعةِ خلقِ القرآنِ فقطْ، وأمَّا هؤلاءِ المعطِّلةِ فهمْ يقولونَ مَعَ القولِ ببدعةِ خلقِ القرآنِ، ببدعةِ القولِ بالكلامِ النفسيِّ. فخرقوا بذلكَ إجماعَ أهلِ السنَّةِ، وأتوا بما لا يقرُّه عقلٌ صريحٌ، ولا نقلٌ صحيح، ولا لغةٌ، ولا عرفٌ ولا إجماعٌ.

    الوجه الخامس :
    أنَّ هؤلاءِ المعطِّلة لكثيرٍ مِنَ الصِّفاتِ ولا سيَّما صفةَ النزولِ، قد أوَّلُوا حديثَ النزولِ وحرَّفوه إلى: نزولِ الملكِ، فيقولونَ: إنَّ الله لا ينزلُ بنفسهِ، بلْ ينزلُ ملكٌ مِنَ الملائكةِ بأمرهِ، فينادي هذا الملكُ ويقولُ: «منْ يدعوني..، منْ يسألني...، منْ يستغفرني...».
    أقولُ: إذا كانَ الأمرُ كذلكَ، وأنَّ الملكَ ينزلُ وينادي فهلْ أهلُ التأويلِ سمعوا نداءَ هذا الملكِ؟!
    وهل طرقَ صوتُ هذا الملكِ الذي ينزلُ وينادي أسماعَهم؟!
    وإذا لم يسمعوا نداءَ هذا الملكِ، فأيُّ فائدةٍ منْ نزولِ هذا الملكِ وندائهِ؟!
    ونحنُ نقلبُ كلامهم عليهم ونقولُ لهم: وإذا كانَ نزولُ هذا الملكِ مِنَ السَّماءِ الدنيا ليسمعنَا نداءهُ، فهذا الملكُ لم يسمعنا نداءهُ وصوتهُ، فأيُّ فائدةٍ منْ نزولهِ.
    ولقدْ كانَ يمكنُ هذا الملكُ أنْ ينادينا وهو في السَّماءِ..، وهل هذا إلَّا مثلُ منْ يريدُ - وهو بالمشرقِ - إسماعَ شخصٍ في المغربِ، فتقدَّمَ إلى المغربِ بخطواتٍ معدودةٍ، وأخذَ يناديهِ، وهو يعلمُ أنَّه لا يسمعُ نداءهُ، فيكونُ نقلهُ الأقدامِ عَمَلًا باطلًا، وسَعْيهُ نحوَ المغربِ عبثًا صرفًا، لا فائدةَ فيهِ، وكيفَ يستقِّرُ مثلُ هذا في قلبِ عاقلٍ؟[19].
    وقدْ سدَّ هؤلاءِ المؤوِّلةُ على النَّاسِ طريقَ معرفةِ ربِّهم عزَّ وجلّ، فحرموهمْ منْ خيرٍ عظيمٍ، بلْ منْ أعظمِ عَلَمٍ في الوجودِ، فاللهُ الموعدُ.



    الشبهة الرابعة : تأويلهم لنزول الله تعالى بنزول رحمته أو أمره أو أحد ملائكته
    قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: ........... وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير" انتهى كلام البيهقي.


    6- إمام الحرمين الجويني
    يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : ......والوجه حمل النزول وإنْ كان مضافاً إلى الله تعالى ، على نزول ملائكته المقربين ، وذلك سائغ غير بعيد
    ونظير ذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
    معناه : إنما جزاء الذين يحاربون أولياء الله ، ولا يبعد حذف المضاف وإقامة المضاف إليه تخصيصاً .
    كتاب الإرشاد ص 150 ، 151


    13- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري
    "وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه." ثم قال: "والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه.

    وقال ابن فورك : ضبط لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم بضم الياء من ينزل يعني من الإنزال وذكر أنه ضبط عمن سمع منه من الثقات الضابطين ، وكذا قال القرطبي قد قيده بعض الناس بذلك ، فيكون معدى إلى مفعول محذوف ، أي ينزل الله ملكاً.

    وقال القسطلاني في شرحه على البخاري عند ذكره لهذا الحديث "هو نزول رحمة ومزيد لطفٍ وإجابة دعوة وقبول معذرة، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله فهو نزول معنوي" ثم قال "نعم يجوز حمله على الحسي ويكون راجعا إلى ملَكه الذي ينزل بأمره ونهيه"
    التعليق:

    “اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ أصحابَ الحديثِ المتمسِّكينَ بالكتابِ والسنَّةِ - حفظَ الله أحياءهم ورحمَ أمواتهم - يؤمنونَ بنزولِ الله سبحانه وتعالى إلى السَّماءِ الدنيا، ولا يعتقدونَ تشبيهًا لنزولهِ بنزولِ خلقهِ، ولا يحرِّفونَ الكلامَ عنْ مواضعهِ تحريفَ المعتزلةِ والجهميَّةِ أهلكهمُ الله، ولا يكيِّفونهُ بكيفٍ أو يشبِّهونهُ بنزولِ المخلوقينَ تشبيهَ المشبِّهَةِ خذلهمُ الله، وقدْ أعاذَ اللهُ سبحانه وتعالى أهلَ السُّنةِ مِنَ التحريفِ والتكييفِ والتَّشبيهِ، ومنَّ عليهم بالتَّعريفِ والتَّفهيمِ حتَّى سلكوا سبلَ التَّوحيدِ والتَّنزيهِ، وتركوا القولَ بالتَّعطيل والتَّشبيهِ، واتَّبعوا قولَ الله عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11][20].

    وكذلكَ يقولونَ في جميعِ الصِّفاتِ التي نزلَ بذكرهَا القرآنُ ووردتْ بها الأخبارُ الصِّحاحُ... منْ غيرِ تشبيهٍ لشيءٍ منْ ذلكَ بصفاتِ المربوبينَ المخلوقينَ، بلْ ينتهونَ فيهَا إلى ما قالهُ الله تعالى وقالهُ رسوله صلى الله عليه وسلم منْ غيرِ زيادةٍ عليهٍ، ولا إضافةٍ إليه، ولا تكيِيفٍ لهُ، ولا تشبيهٍ، ولا تحريفٍ، ولا تبديلٍ، ولا تغيِيرٍ، ولا إزالةٍ للفظِ الخبرِ عمَّا تعرفهُ العربُ وتضعهُ عليهِ بتأويلٍ مُنْكَرٍ، ويُجْرُونَهُ على الظَّاهرِ[21].

    ومنْ تأوَّلَ النزولَ عَلَى غيرِ حقيقتهِ فجعلهُ مجازًا، أو تأوَّلهُ بنزولِ مَلَكٍ مِنَ الملائكةِ، أو نزولِ أمرِ الله ورحمتهِ. فإنْ أرادَ أنَّهُ سبحانهُ إِذَا نزلَ وأتىَ حلَّتْ رحمتهُ وأمرهُ فهذا حقٌّ، وإنْ أرادَ أنَّ النُّزولَ للرَّحمة والأمرِ ليسَ إلَّا فهوَ باطلٌ منْ وجوهٍ:

    الوجه الأول‎:‎أن أمره‎ ‎وملائكته ورحمته دائما ‏تنزل أناء الليل وأطراف النهار وفي كل ساعة فلما ‏تخصيص الثلث‎ ‎الأخير من الليل فقط؟‎!
    قال الطبري رحمه الله(((‎ويهبط إلى السماء‎ ‎الدنيا ‏وينزل إليها كل ليلة,ولا نقول:معنى ذلك ينزل ‏أمره,بل نقول:أمره نازل إليها‎ ‎كل لحظة وساعة وإلى ‏غيرها من جميع خلقه الموجودين مادامت ‏موجودة.ولا تخلو ساعة من‎ ‎أمره,فلا وجه لخصوص ‏نزول أمره إليها وقتا دون وقت,مادامت موجودة‎ ‎باقية‎))(‎‏25‏‎).
    قال‎ ‎ابن عبد البر رحمه الله‎ ((‎وقد قال قوم:إنه ينزل ‏أمره وتنزل رحمته‎ ‎ونعمته.وهذا ليس بشيء ,لأن ‏أمره بما شاء من رحمته ونقمه ينزل بالليل والنهار بلا‎ ‎تقويت ثلث الليل ولا غيره‎))(‎‏26‏‎)
    وقال ابن خزيمة‎((‎وأنه تعالى‎ ‎ينزل إلى السماء ‏الدنيا,ومن زعم أن علمه ينزل أو أمره ضل‎)(‎‏27‏‎)
    ‎ وقالَ الإمامُ عبدُ القادر الجيلاني رحمه الله: «وأنَّهُ تعالى ينزلُ في كلِّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا كيفَ شَاءَ وكما شَاءَ، فيغفرُ لمن أذنبَ وأخطأ وأجرمَ وعصى لمنْ يختارُ من عبادهِ ويشاءُ، تباركَ وتعالى العليُّ الأعلى، لا إله إلَّا هو لهُ الأسماءُ الحسنى، لا بمعنى نزولِ الرَّحمةِ وثوابهِ على ما ادَّعتهُ المعتزلةُ والأشعريةُ»[22].

    الوجه الثاني‎:‎كيف نجيب عن قوله‎ "‎من يدعوني ‏‏. . .إلخ" فهل يعقل أن يكون هذا قول الملك؟ فإنه ‏حينئذ يكون ‏كافراً‎. ‎قال تعالى‎ {‎وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ ‏مِّن دُونِهِ‎ ‎فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ‎}.‎‏

    الوجه‎ ‎الثالث‎:‎أن ألفاظ الحديث تبطل التأويل بنزول ‏الملك,ففي بعض الروايات أن‎ ‎الرب تعالى يقول‎(‎أنا ‏الملك,أنا الملك,من يدعوني فأستجيب‎ ‎له‎)(‎‏28‏‎(
    ‎وفي ‏بعضها أن تعالى يقو((‎لا أسأل عن عبادي أحدا‎ ‎غيري‎))(‎‏29‏‎)
    ‎وكلاهما صحيح‎.
    قال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله‎((‎وهذان ‏الحديثان يقطعان تأويل كل متأول ويدحضان حجة كل‎ ‎مبطل))
    ‎ومعلوم أن الكلام المذكور في الحديث هو كلام الله ‏الذي لا‎ ‎يقوله غيره فإن الملك لا يقول‎((‎لا أسأل عن ‏عبادي أحدا‎ ‎غيري‎)) ‎ولا يقول‎((‎من يسألني ‏فاعطينه‎)).‎بل الذي يقول‎ ‎الملك :ما ثبت في الصحيح ‏عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‎(( ‎إن الله تعالى ‏إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال : إني أحب فلانا ‏فأحببه، فيحبه جبريل،‎ ‎ثم ينادي في السماء فيقول : إن ‏الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع‎ ‎له ‏القبول في الأرض‎))‎وذكر البغض مثل ذلك‎.
    فالملك إذا نادى عن الله لا‎ ‎يتكلم بصيغة المخاطب,إنما ‏يقول:إن الله أمر بكذا وكذا وقال بكذا‎ .
    والسلطان إذا‎ ‎أمر خادمه بشيء فإن الخادم لن يقول ‏مباشرة كذا كذا بل يقول:قال لكم السلطان كذا‎ ‎وكذا‎.

    الوجه الرابع‎:‎أنه قال((من ذا‎ ‎يدعوني فأستجيب ‏له؟من ذا الذي يسألني فأعطينه؟من ذا الذي يستغفرني ‏فأغفر له؟حتى‎ ‎يطلع الفجر))ومعلوم أنه لا يجيب ‏الدعاء ولا يغفر الذنوب إلا الله‎ ‎تعالى‎.
    الوجه الخامس‎:‎نزول رحمته وأمره لا يكون إلا منه ‏وهذا‎ ‎يقتضي أن الله في العلو ,وإلا من تنزل ‏الرحمة؟‎!!
    ولهذا قال بعض النفاة لبعض‎ ‎المثبتين:ينزل أمره ‏ورحمته,فقال المثبت:فممن ينزل؟ما عندك فوق العالم ‏شيء ,فممن‎ ‎ينزل الأمر؟من العدم المحض؟؟؟فبهت ‏النافي وكان كبيرا‎ ‎فيهم(31‏‎)
    قال الإمام‎ ‎الدارمي رحمه الله‎(‎ونفس الحديث يبطل هذا ‏التفسير ويكذبه,غير أنه‎ ‎أغيظ حديث للجهمية,وأنقض ‏شيء لدعواهم,لأنهم لا يقرون أن الله فوق عرشه فوق‎ ‎سمواته,ونفس الحديث ناقض لدعواهم وقاطع‎ ‎لحججهم‎)(‎‏32 ‎)

    الوجه السادس‎:‎لو كان‎ ‎النزول هو نزول ‏الملائكة والرحمة والأمر لكان أخبرنا بذلك النبي ‏صلى الله عليه وسلم‏‎ ‎الذي تركنا على المحجة البيضاء ‏لا يزيغ عنها إلا هالك فلا شك أن صرف النصوص ‏المحكمة‎ ‎الصريحة عن ظاهرها يعتبر تحريفا للشرع ‏وتكذيب للإسلام شعروا بذلك أم لم‎ ‎يشعروا‎.
    الوجه السابع‎:‎إن سلف الأمة‎ ‎وأئمتها مجمعون ‏على إثبات صفة النزول لله تعالى من غير تحريف ولا ‏تكييف ولا‎ ‎تمثيل.ولم يثبت عن أي واحد منهم أنه تأول ‏شيئا من الصفات ألبتة‎
    بل الثابت عن‎ ‎السلف والأئمة أنه لما ظهرت الجهمية ‏والزنادقة وأنكروا نزول الله تعالى ردوا عليهم‎ ‎وشنعوا عليهم وبينوا أن الله عز وجل ينزل إلى السماء ‏دنيا نزولا حقيقيا يليق بجلاله‎ ‎وعظمته‎.
    حدث الإمام حماد‎ ‎بن سلمة رحمه الله(167ه) بحديث ‏النزول ثم قال‎((‎من رأيتموه ينكر‎ ‎هذا فاتهموه‎)(‎‏33‏ ‎)
    وقال الإمام نعيم بن حماد رحمه ‏الله((228ه‎)(‎حد يث نزول يرد على الجهمية ‏قولهم‎))(‎‏34‏ ‎)
    وأفرد الإمام أبو داود‎ ‎في (كتاب السنة) بابا في الرد ‏على الجهمية وأورد حديث‎ ‎النزول(11‏‎).

    وقال‎ ‎عباد بن العوام‎((‎قدم علينا شريك بن عبد الله منذ ‏نحو من خمسين سنة‎ ,‎فقلت له:يا أبا عبد الله إن عندنا ‏قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث(أي أحاديث‎ ‎النزول)قال:فحد ني بنحو من عشرة أحاديث في ‏هذا.وقال:أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن‎ ‎التابعين عن ‏أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمن‏‎ ‎أخذوا‎))(‎‏35‏‎)
    وقد‎ ‎وقع بين إسحاق بن راهويه وبين إبراهيم بن ‏صالح المعتزلي ، وبينه وبين منصور بن طلحة‎ ‎أيضاً ‏منهم كلام ، بعضه عند عبد الله بن طاهر بن عبد الله ‏المعتزلي ، وبعضه عند‎ ‎أبيه طاهر بن عبد الله‎ .
    قال إسحاق بن راهويه‎ : ‎جمعني وهذا‎ ‎المبتدع ـ يعني ‏إبراهيم بن صالح ـ مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ، ‏فسألني الأمير عن‎ ‎أخبار النزول فسردتها ، فقال ‏إبراهيم : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء ، ‏فقلت آمنت‎ ‎برب يفعل ما يشاء ، قال فرضي عبد الله ‏كلامي وأنكر على إبراهيم . وقد أخذ إسحاق‎ ‎كلامه ‏هذا عن الفضيل بن عياض رحمه الله فإنه قال : إذا ‏قال الجهمي : أنا أكفر برب‎ ‎ينزل ويصعد ، فقل آمنت ‏برب يفعل ما يشاء ، ذكره أبو الشيخ ابن حبان في ‏كتاب السنة‎ .‎

    وقالَ البربهاريُّ شيخُ الحنابلةِ ببغدادَ (329هـ): «وإذا سمعتَ الرَّجلَ يقولُ: إنَّا نحنُ نعظِّمُ الله - إذا سمعَ آثارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - فاعلمْ أنَّهُ جهميٌّ، يريدُ أنْ يردَّ أثرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويدفعهُ بهذهِ الكلمةِ، وهو يزعمُ أنَّه يعظِّمُ الله وينزِّههُ إذا سمعَ حديثَ الرؤيةِ وحديثَ النزولِ وغيرَهُ، أفليسَ قدْ ردَّ أثرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ قالَ: إنَّا نحنُ نعظِّمُ الله أنْ ينزلَ منْ موضعٍ إلى موضعٍ!! فقدْ زعمَ أنَّه أعلمُ باللهِ منْ غيرهِ»[23].

    وقالَ الإمامُ الآجريُّ رحمه الله (360هـ) في كتابهِ «الشَّريعة»: «بابُ الإيمانِ والتَّصديقِ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى السَّمَاءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ.

    الإيمانُ بهذا واجبٌ، ولا يسعُ المسلمَ العاقلَ أنْ يقولَ: كيفَ ينزلُ؟ ولا يردُّ هذا إلَّا المعتزلةُ؛وأمَّ ا أهلُ الحقِّ فيقولونَ: الإيمانُ بهِ واجبٌ بلا كيفٍ، لأنَّ الأخبارَ قدْ صحَّتْ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى السَّمَاءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ، والذينَ نقلوا إلينا هذهِ الأخبارَ هم الذينَ نقلوا إلينا الأحكامَ مِنَ الحلالِ والحرامِ، وعلمِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحجِّ والجهادِ، فكمَا قبلَ العلماءُ عنهم ذلكَ، كذلكَ قبلوا منهم هذهِ السُّننَ، وقالوا: مَنْ رَدَّها فهو ضَالٌّ خَبِيثٌ، يَحْذَرُونَهُ ويُحَذِّرُونَ منهُ
    »[24].

    وقالَ الإمامُ الدارميُّ رحمه الله - بعدَ أنْ ذكرَ جملةً منْ أحاديثِ النزولِ -: فهذهِ الأحاديثُ قدْ جاءتْ كلُّها وأكثرُ منها في نزولِ الرَّبِّ تبارك وتعالى في هذهِ المواطنِ، وعلى تصديقها والإيمانِ بها أدركنا أهلَ الفقهِ والبصرِ منْ مشايخنا، لا ينكرُهَا منهم أحدٌ، ولا يمتنعُ منْ روايتها، حتَّى ظهرت هذه العصابةُ، فعارضتْ آثارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بردٍّ، وتشمَّروا لدفعها بجدٍّ، فقالوا: كيفَ نزولهُ هذا؟ قلنا: لم نُكَلَّف [معرفةَ] كيفيةِ نزولهِ في ديننا، ولا تعقلهُ قلوبنا، وليسَ كمثلهِ شيءٌ منْ خلقهِ فنشَبِّهُ منهُ فعلًا أو صفةً بفعالهم وصفتهم، ولكنْ ينزلُ بقدرتهِ ولطفِ ربوبيتهِ كيفَ يشاءُ، فالكيفُ منهُ غيرُ معقولٍ، والإيمانُ بقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في نزولهِ واجبٌ، ولا يُسألُ الرَّبُّ عمَّا يفعلُ كيفَ يفعلُ، وهم يسألونَ، لأنَّهُ القادرُ على ما يشاءُ أنْ يفعلَهُ كيفَ يشاءُ، وإنَّما يقالُ لفعلِ المخلوقِ الضعيفِ الذي لا قدرةَ لهُ إلَّا ما أقدرهُ الله تعالى عليهِ: كيف يصنعُ؟! وكيف قدرَ؟!

    ولو قدْ آمنتم باستواءِ الرَّبِّ على عرشهِ وارتفاعهِ فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ بدءًا إذْ خلقها، كإيمانِ المصلِّينَ بهِ، لقلنا لكم: ليسَ نزولهُ منْ سماءٍ إلى سماءٍ بأشدَّ عليهِ ولا بأعجبَ مِنِ استوائهِ عليها إذْ خلقها بدءًا، فكمَا قدرَ على الأولى منهما كيفَ يشاءُ، فكذلكَ يقدرُ على الأخرى كيفَ يشاء
    [25].

    وقالَ الإمامُ ابنُ بطة العكبريُّ رحمه الله - بعدَ أنْ ذكرَ جملةً مِنْ أحاديثِ النزولِ -: «وقد اختصرتُ مِنَ الأحاديثِ المرويةِ في هذا البابِ ما فيهِ كفايةٌ وهدايةٌ للمؤمنِ الموفَّقِ الذي شرحَ الله صدرَهُ للإسلامِ، وأمدَّهُ ببصائرِ الإيمانِ، وأعاذهُ منْ عنادِ الجهميَّةِ، وجحودِ المعتزلةِ؛ فإنَّ الجهميَّةَ تردُّ هذهِ الأحاديثَ وتجحدها، وتكذِّبُ الرواة، وفي تكذيبها لهذه الأحاديثِ ردٌّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومعاندةٌ لهُ؛ ومنْ ردَّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقد ردَّ على الله. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]»[26].

    الوجه الثامن :
    إنَّ القرآنَ يصدِّقُ معنى الحديثِ كما احتجَّ بهِ أئمَّةُ السَّلفِ.
    قال الإمامُ الدارميُّ: «فممَّا يعتبرُ بهِ منْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ في النُّزولِ ويحتجُّ بهِ على منْ أنكرهُ، قولُهُ تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَة ُ} [البقرة: 210]، وقولهُ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22]. وهذا يومَ القيامة إذا نزلَ الله ليحكمَ بينَ العبادِ..، فالذي يقدرُ على النزولِ يومَ القيامةِ مِنَ السَّموات كلِّها ليفصلَ بينَ عبادهِ، قادرٌ أنْ ينزلَ كلَّ ليلةٍ منْ سماءٍ إلى سماءٍ، فإنْ ردُّوا قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في النُّزولِ، فماذا يصنعونَ بقولِ الله عزَّ وجلَّ، تبارك وتعالى»[27].

    وسئلَ الإمامُ إسحاقُ بنُ راهوية في مجلسِ الأميرِ عبدِ الله بنِ طاهرٍ عنْ حديثِ النُّزولِ أصحيحٌ هوَ؟ قالَ: نعم. فقالَ لهُ بعضُ القوادِ كيفَ ينزلُ؟ قالَ: أثبتهُ فوق حتَّى أصفَ لكَ النُّزولَ! فقالَ الرجلُ: أثبتهُ فوق، فقالَ إسحاق: قالَ الله عزَّ وجلَّ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22] فقالَ ابنُ طاهرٍ: هذا يا أبا يعقوب يوم القيامةِ. فقالَ: ومنْ يجيءُ يومَ القيامةِ منْ يمنعهُ اليومَ؟[28].

    وقالَ محمَّدُ بنُ الحسنِ: قالَ حمَّادُ بنُ أبي حنيفة رحمه الله: «قلنا لهؤلاءِ: أرأيتم قولَ الله عزَّ وجلَّ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22] قالوا: أمَّا الملائكةُ فيجيئونَ صفًا صفًا، وأمَّا الرَّبُّ تعالى فإنَّا لا ندري ما عنيَ بذلكَ، ولا ندري كيفَ مجيئهُ. فقلتُ لهم: إنَّا لم نكلِّفكم أنْ تعلموا كيفَ مجيئهُ، ولكنَّا نكلِّفكم أنْ تؤمنوا بمجيئه. أرأيتم مَنْ أنكرَ أنَّ الملكَ يجيء صفًّا صفًّا ما هوَ عندكم؟ قالوا: كافرٌ مكذِّبٌ. قلتُ: فَكَذلِكَ إنْ أَنْكَرَ أنَّ اللهَ سبحانه يَجِيءُ فهو كَافِرٌ مُكَذِّبٌّ»[29].

    قال الرازي في «أساس التقديس» (ص143): «إنَّ الربَّ هو المربي، فلعلَّ ملكًا عظيمًا هو أعظمُ الملائكةِ كان مربيًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ هو المراد من قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22]».

    وقد علق شيخ الاسلام على تأويل الرازي هذا بقوله: «فهل يشك من له أدنى مسكة من عقل وإيمان أنه من المعلوم بالاضطرار في دين الاسلام أنَّ هذا من أعظم الافتراء على الله وعلى رسوله، وعلى كلامه، وأنَّ الله لم يجعل لمحمدٍ قط ربًا غير الله: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]»[30].
    الوجه التاسع :
    يقالُ لهم مَا قالهُ الإمامُ الدارميُّ للجهميَّةِ: [color="blue"]بيننا وبينكم حجَّةٌ واضحةٌ يعقلهَا منْ شاء الله مِنَ النِّساءِ والولدانِ: ألستم تعلمونَ أنَّا قد أتيناكم بهذهِ الرواياتِ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعنْ أصحابه والتابعينَ، منصوصةً صحيحةً عنهم، أنَّ الله تبارك وتعالى ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماء الدنيا، وقد علمتم يقينًا أنَّا لمْ نخترعْ هذه الرواياتِ، ولم نفتعلها، بل رويناها عَنِ الأئمَّةِ الهادينَ الذينَ نقلوا أصولَ الدين وفروعَهُ إلى الأنامِ، وكانتْ مستفيضةً في أيديهم، يتنافسونَ فيها، ويتزينون بروايتها، ويحتجُّونَ بها على منْ خالفها. قدْ علمتم ذلكَ ورويتموهَا كما رويناها إنْ شاء الله، فأتوا ببعضهَا أنَّهُ لا ينزلُ منصوصًا كما روينا عنهم النُّزولَ منصوصًا حتَّى يكونَ بعضُ ما تأتونَ بهِ ضدًّا لبعضِ ما أتيناكم بهِ، وإلَّا لم يدفعْ إجماعُ الأمَّةِ، وما ثبتَ عنهم في النُّزولِ منصوصًا بلا ضدٍّ منصوصٍ منْ قولهم، أو منْ قولِ نظرائهم، ولم يُدْفَعْ شيءٌ بلا شيءٍ لأنَّ أقاويلهم ورواياتهم شيءٌ لازمٌ، وأصلٌ منيعٌ، وأقاويلكم ريحٌ ليستْ بشيءٍ[/color][31].
    يتبع.....

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"



    الشبهة الخامسة ‏: دعواهم في أن نزول الله تعالى يستلزم منه خلو العرش ويستلزم منه أن السماء تقله
    رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة
    (ت ٧٢٧ هـ) في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل"
    الثالث، أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين: إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين." انتهى كلام ابن جماعة.

    إمام الحرمين الجويني
    يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : .... ولا وجه لحمل النزول على التحول ، وتفريغ مكان وشغل غيره فإنّ ذلك من صفات الأجسام ونعوت الأجرام))
    الإمام المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي(ت ٦٧١ هـ)
    قال في تفسيره ما نصه : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان
    - الإمام البيضاوي
    لا فرق بين المجيء والإتيان والنزول إذا أضيف إلى جسم يجوز عليه الحركة والسكون والنقلة التي هي تفريغ مكان وشغل غيره ، فإذا أضيف ذلك إلى من لا يليق به الإنتقال والحركة كان تأويل ذلك على حسب ما يليق بنعته وصفته تعالى .
    التعليق:
    اعلمْ - سلَّمكَ الله مِنَ الشبهاتِ والشهواتِ - بأنَّ «الأوهامَ الباطلةَ والعقولَ الفاسدةَ لمَّا فهمتْ منْ نزولِ الرَّبِّ مَا يُفهمُ منْ نزولِ المخلوقِ - وهو أنْ يفرغَ مكانًا ويشغلَ مكانًا - نفتْ حقيقةَ ذلكَ فوقعتْ فِي محذورينِ: محذورُ التَّشبيهِ ومحذورُ التَّعطيلِ. ولوْ علمتْ هذهِ العقولُ الضعيفةُ أنَّ نزولَهُ سُبْحَانهُ لا يشبهُ نزولَ المخلوقِ كَمَا أنَّ سمعَهُ وبصرَهُ وعلمَهُ وحياتَهُ كذلك. وإذا كانَ نزولًا لَيْسَ كمثلهِ نزولٌ فكيفَ تنفِي حقيقتَهُ»؟![32].

    والكلماتُ المذكورةُ باطلةٌ وعنْ حلى التحقيقِ عاريةٌ.

    وزَعْمُ الأشاعرة المعطلة أَنَّ مَنْ قالَ ينزلُ بذاتهِ يستلزم التجسيم والحلول قولٌ بلا علمٍ وكذبٌ وافتراءٌ: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].

    والجهمية وأمثالهُم لمْ يفهموا منْ نزولِ الخالقِ إلى السَّماءِ الدنيا إلَّا كمَا فهموا منْ نزولِ المخلوقاتِ، «وهذا عينُ التمثيلِ، ثَّم إنَّهم بعدَ ذلكَ جعلوهُ كالواحدِ العاجزِ منهم الذي لا يمكنهُ أنْ يجمعَ منَ الأفعالِ ما يعجزُ غيرهُ عنْ جمعهِ»[33]. وكذبوا في هذا الفهمِ، وضلُّوا في هذا الظنِّ والوهمِ الكاسدِ.
    فإنَّ الله سبحانه وتعالى قالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67].
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «يطوي الله عزَّ وجلَّ السمواتِ يومَ القيامةِ ثمَّ يأخذهنَّ بيدهِ اليمنى، ثمَّ يقول: أنا الملكُ. أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتكبِّرونَ؟ ُثمَّ يطوي الأرضينَ بشمالهِ ثمَّ يقولُ: أنا الملكُ أينَ الجبَّارونَ أينَ المتكبرونَ؟!»[34].
    فمنْ هذهِ عظمتهُ، كيفَ يحصرهُ مخلوقٌ مِنَ المخلوقاتِ. سماءٌ أو غيرُ سماءٍ؟! حتَّى يقال: إنَّهُ إذا نزلَ إلى السماء الدنيا صارَ العرشُ فوقهُ، أو يصيرُ شيءٌ مِنَ المخلوقاتِ يحصرهُ ويحيطُ بهِ سبحانه وتعالى[35].
    واللهُ - ولله المثلُ الأعلى - أعظمُ منْ أنْ يظنَّ ذلكَ بهِ، وإنَّما يظنُّهُ الذينَ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر: 67][36].
    قالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: العليُّ الأعلى العظيمُ، فهو أعلى منْ كلِّ شيءٍ، وأعظمُ منْ كلِّ شيءٍ. فلا يكونُ نزولهُ وإتيانهُ بحيثُ تكونُ المخلوقاتُ تحيطُ بهِ، أو تكونُ أعظمَ منهُ وأكبرَ، وهذا ممتنعٌ[37].
    فالمخلوقُ إذا نزلَ من علوٍّ إلى سفلٍ زالَ وصفهُ بالعلوِّ وتبدَّلَ إلى وصفهِ بالسُّفولِ، وصارَ غيرهُ أعلى منهُ.
    والرَّبُّ تعالى لا يكونُ شيءٌ أعلى منهُ قطُّ، بلْ هوَ العليُّ الأعلى، ولا يزالُ هوَ العليُّ الأعلى مع أنَّهُ يقربُ إلى عبادهِ ويدنو منهم، وينزلُ إلى حيثُ شاءَ، ويأتي كما شاءَ. وهو في ذلكَ العليُّ الأعلى، الكبيرُ المتعال، عليٌّ في دنوِّه، قريبٌ في علوِّهِ.
    فهذا وإنْ لمْ يتَّصفْ بهِ غيرهُ فلعجزِ المخلوقِ أنْ يجمعَ بينَ هذا وهذا. كمَا يعجزُ أنْ يكونَ هو الأولَ والآخرَ والظاهرَ والباطنَ[38].
    وقَالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: ونزولهُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا سلامٌ ممَّا يضادُّ علوَّهُ، وسلامٌ مما يضادُّ غناهُ وكمالهُ، سلامٌ منْ كلِّ ما يتوهَّمُ معطِّلٌ أو مشبِّهٌ، وسلامٌ منْ أنْ يصيرَ تحتَ شيءٍ أو محصورًا في شيءٍ. تعالى الله ربُّنا عن كلِّ ما يضادُّ كمالَهُ[39].

    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : ((‏((علينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه ‏استوى على العرش، فهو‎ ‎ينزل كما يليق به عز وجل ليس كنزولنا، إذا ‏نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا‎ ‎نزل من السيارة خلت منه ‏السيارة فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا‎ ‎يشبه ‏خلقه في شيء من صفاته. كما أننا نقول استوى على العرش على ‏الوجه الذي يليق به‎ ‎سبحانه، ولا نعلم كيفية استوائه، فلا نشبهه ‏بالخلق ولا نمثله، وإنما نقول استوى‎ ‎استواء يليق بجلاله وعظمته، ‏ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك‎ ‎حيرة ‏عظيمة حتى آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية، حتى قالوا: لا داخل ‏العالم‎ ‎ولا خارج العالم، ولا كذا ولا كذا، حتى وصفوه بصفات معناها ‏العدم وإنكار وجوده‎ ‎سبحانه بالكلية، ولهذا ذهب أصحاب رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم وأهل السنة والجماعة‎ ‎تبعاً لهم فأقروا بما جاءت ‏به النصوص من الكتاب والسنة، وقالوا لا يعلم كيفية صفاته‎ ‎إلا هو ‏سبحانه، ومن هذا ما قاله مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف ‏مجهول،‎ ‎والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) يعني عن الكيفية، ‏ومثل ذلك ما يروى عن أم سلمة‎ ‎رضي الله عنها عن ربيعه بن أبي عبد ‏الرحمن شيخ مالك رحمهما الله: (الاستواء غير‎ ‎مجهول، والكيف غير ‏معقول، والإيمان بذلك واجب)، ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات‎ ‎كثيرة ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة، وحسبنا أن نثبت ما ‏جاء في النصوص وأن‎ ‎لا نزيد على ذلك، وهكذا نقول يسمع ويتكلم ‏ويبصر، ويغضب ويرضى على وجه يليق به‎ ‎سبحانه، ولا يعلم كيفية ‏صفاته إلا هو، وهذا هو طريق السلامة وطريق النجاة، وطريق‎ ‎العلم ‏وهو مذهب السلف الصالح، وهو المذهب الأسلم والأعلم والأحكم، ‏وبذلك يسلم‎ ‎المؤمن من شبهات المشبهين، وضلالات المضللين، ‏ويعتصم بالسنة والكتاب المبين، ويرد‎ ‎علم الكيفية إلى ربه سبحانه ‏وتعالى، والله سبحانه ولي‎ ‎التوفيق‎.‎‏)) انتهى كلامه رحمه الله.



    فتبيَّنَ بهذا الكلامِ النفيسِ، بطلانُ ما ذكرهُ بن جماعة ومن قال بقوله؛ وأنَّهُ مبنيٌّ على شفا جرفٍ هارٍ منَ الخيالاتِ والأوهامِ.

    وليتأمَّل الجهمية وأمثالهم منْ أهلِ الكلامِ الأثرَ التالي:

    قالَ محمَّدُ بنُ حاتمٍ المظفريُّ: سمعتُ عمرو بن محمد يقولُ: كانَ أبو معاوية الضريرُ يحدِّثُ هارونَ الرشيد، فحدثَّهُ بحديثِ أبي هريرةَ: «احتجَّ آدمُ وموسى»[40] فقالَ عليُّ بنُ جعفرٍ: كيفَ هذا وبينَ آدمَ وموسى ما بينهما؟! قالَ: فوثبَ بهِ هارونُ وقالَ: يحدِّثكَ عَنِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضهُ بكيفَ؟! فما زالَ يقولُ حتَّى سكتَ عنهُ[41].

    قالَ المحدِّثُ الصابونيُّ معقِّبًا: هكذا ينبغي للمرءِ أنْ يعظِّمَ أخبارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويقابلها بالقبولِ والتسليمِ والتَّصديقِ، وينكرُ أشدَّ الإنكارِ على منْ يسلكُ فيها غيرَ هذا الطريقِ الذي سلكهُ هارونُ الرشيدُ رحمه الله معَ مَنِ اعترضَ على الخبرِ الصَّحيحِ الذي سمعهُ بـ«كيف»؟! على طريقِ الإنكارِ لهُ، والابتعادِ عنهُ، ولمْ يتلقَّهُ بالقبولِ كمَا يجبُ أنْ يتلقَّى جميعُ ما يردُ مِنَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.

    جعلنا الله سبحانهُ مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ ويتَّبعونَ أحسنهُ ويتمسَّكونَ في دنياهم مدَّةَ حياتهم بالكتابِ والسنَّةِ، وجنَّبنا الأهواءَ المضلَّةَ والآراءَ المضمحلةَ والأسواءَ المذلَّةَ، فضلًا منهُ ومنَّةً
    [42].



    الشبهة السادسة : احتجاجهم بما رواه النسائي في(عمل اليوم والليلة‎)(‎أن ‏الله عز وجل يمهل‎ ‎حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر ‏مناديا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له‎ )).‎

    قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد )) أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له
    (( الحديث، وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد ))
    ينادي مناد هل من داع يستجاب له
    (( الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال…

    14- الإمام العيني في شرح صحيح البخاري
    قال أثناء كلامه عن حديث النزول
    : وقال ابن فورك : والدليل على صحة هذا ما رواه النسائي من حديث الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد قال : قال رسول الله : { إنّ الله عز وجل يمهل حتى يأتي شطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً يقول : هل من داع فيستجاب له } ، وصححه عبد الحق ، وحمل صاحب المفهم على النزول المعنوي على رواية مالك عنه عند مسلم ، فإنه قال فيه ، { يتنزل ربنا } ، بزيادة تاء بعد ياء المضارعة ، فقال : كذا صحت الرواية هنا ، وهي ظاهرة في النزول المعنوي ، وإليها يُرد
    والجواب على ذلك:‏

    أولاً: أن هذه الرواية لا ذكر فيها: لا لنزول الله ولا نزول الملك، فمن أين ‏حكمت بأن النزول هو نزول الملك بأمره؟ فالتعويل على هذه الرواية يلغي موضوع ‏النزول برمته.‏
    ثانياً: أنه تفرد بهذه اللفظة حفص بن غياث وهو ‏ممن تغير حفظه قليلا بأخرة,وخالفه غير‎ ‎واحد من ‏الثقات ,مثل:شعبة ومنصور بن المعتمر وفضيل بن ‏غزوان ومعمر بن راشد,فرووه‎ ‎بلفظ((إن‎ ‎الله يمهمل ‏حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ,نزل إلى السماء‎ ‎الدنيا,فيقول:ه من مستغفر‎....)).
    فروايته السابقة شاذة وإن صحت فلها وجه‎ ‎وهو‎:‎
    الثالث ‏‎:‎‏ إن هذا إن كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم فإن الرب يقول ذلك,..ويأمر مناديا‎ ‎فينادي...لا ‏أن المنادي يقول((من يدعوني فاستجيب له)) ومن ‏روى عن النبي صلى الله‎ ‎عليه وسلم أن المنادي يقول ‏ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه‎ ‎وسلم فإنه-مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر ‏الذي نقلته الأمة خلفا عن‎ ‎السلف-فاسد في ‏المعقول,يعلم أنه من كذب بعض المبتدعين,كما روى ‏بعضهم((يُنزِّل ‎)) ‎بالضم وكما قرأ بعضهم(وكلم اللهَ ‏موسى تكليما)) ونحو ذلك من تحريفهم للفظ‎ ‎والمعنى‎ .‎
    الرابع ‏‎:‎‏ أن الرواية على ضعفها خبر آحاد وتمسكك بها أيها الجهمي ينقض ما زعمت ‏التزامه وهو عدم الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد فأنت الذي نقلت قول شيخك الجويني في ذلك :
    يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ، أثناء كلامـه عما روي بشأنْ النزول : وأما الأحاديث التي يتمسكون بها ، فآحاد لا تفضي إلى العلم ، ولو أضربنا عن جميعها لكان سائغاً ، لكنا نوميء إلى تأويل ما دوّن منها في الصحاح ، فمنها حديث النزول ، وهو ما روي عن النبي أنه قال : { ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة جمعة ويقول : هـل من تائب فأتـوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيب له } الحديث
    فلينظر القارئ اللبيب إلى تناقض هذا الجهمي وليحصي عدد تناقضاته وتخبطاته العقدية وليحمد الله تعالى على ما عفاه من عقيدة التعطيل والتحريف الذي لا تثبت على قدم وساق.
    الخامس ‏‎:‎‏ أن تحريفكم هذا يحقق حكم أبي الحسن الأشعري فيكم أنكم من ‏أهل الزيغ والضلالة. فقد روى الحافظ ابن عساكر عن أبي الحسن الأشعري أن الله هو ‏الذي "يقول (هل من سائل هل من مستغفر) خلافاً لما قاله أهل الزيغ والضلالة.
    وقال "ومما يؤكد أن الله عز وجل مستو على عرشه دون الأشياء كلها، ما نقله ‏أهل الرواية عن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ قال: ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا.
    فاعدد: كم من المسائل خالفت بها الأشعري ووافقت بها المعتزلة.‏





    الشبهة السابعة :احتاججهم بالأثر المنسوب للإمام مالك رحمه الله :


    - الإمام مالك بن أنس رضي الله : سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن نزول الرب عزّ وجلّ، فقال (ينزل أمره - تعالى - كل سَحَر، فأما هو عزّ وجلّ فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلى هو) اهـ.
    (التمهيد 7 / 143، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص/136، شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 37، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 82).
    والجواب على هذا من أوجه :

    أولاً: أن هذه الرواية إن صحت (وهي ضعيفة السند) تعارض رواية مالك الصحيحة المشهورة في الاستواء.‏
    والأشاعرة تتناقض موافقهم ففي حديث العلو يحتجون بقول مالك (وكيف عنه مرفوع) وفي حديث النزول يجعلون الكيف معقولاً ومؤولاً بنزول ‏الرحمة.‏
    ففي حين ينهى مالك عن إعطاء كيفية للاستواء يجيز حسب هذه الرواية إعطاء تكييف للنزول بأنه رحمة لا نقلة. وكان بإمكانه أن يقول في الاستواء ‏‏(علو مكانة لا علو جهة وتحيز). فكيف ينهى مالك عن طلب الكيفية في الاستواء ثم يفصل النزول بكيفية نزول؟ هذا تناقض!‏
    ثانياً: أن المعتمد عند الجهمي وعند عامة الأشاعرة والماتريدية أن السلف فوضوا آيات الصفات ولم يتأولوها وإنما كان التأويل بدعة الخلف. فكيف ‏يذهب مالك إلى قول الخلف؟
    ثالثاً: أن الرواية عن مالك لم تصح، فيها حبيب بن أب حبيب قال أحمد "كان يكذب" وقال أبو داود "كان من أكذب الناس" وقال ابن حبان "أحاديثه كلها ‏موضوعة، كان يُدخل على الشيوخ الثقات ما ليس من حديثهم".‏
    وقال الحافظ ابن عبد البر شيخ المالكية في عصره عن رواية حبيب "وأنكره آخرون فقالوا: هذا ليس بشيء لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبداً في ‏الليل والنهار". وشكك الذهبي في صحة الروية عن حبيب.‏
    وفيها محمد بن علي الجبلّي فقيل إنه كان رافضياً شديد الرفض
    وفيها جامع بن سوادة "ضعيف") ومطرف بن عبد الله بن مطرف اليساري أبو مصعب المدني ابن أخت الإمام مالك: كان مضطرب الحديث وكان ‏يحدث عن مالك وغيره بالمناكير فلعل هذا من مناكيره
    فرواية الاستواء قد تلقاها سائر أهل العلم بالقبول وتواترت عندهم. أما رواية النزول فهي واهية معلولة لو صحت لكانت شاذة فكيف وقد ثبت ضعفها!‏
    رابعاً: أن الثابت عن مالك خلاف ذلك، فقد ذكر البيهقي صفات الفوقية والنزول والإتيان، ثم روى بسنده عن الوليد بن مسلم قال: سئل الأوزاعي ومالك ‏والثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا "أمرّوها كما جاءت".
    هكذا أثبته الصابوني عنهم في كتابه عقيدة السلف وأصحاب الحديث، وأثبته ابن عبد البر عن مالك: وهو أعلم بمذهب مالك من غيره.‏
    ولذا حكى الشيخ عبد القادر الجيلاني عقيدة أهل السنة وذكر منها إيمانهم بأنه تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء، ونسب تأويل ‏النزول بنزول الرحمة إلى الأشاعرة والمعتزلة.‏
    خامساً: أن مالكاً لم يتأول صفة الاستواء حين سأله السائل عن كيفية الاستواء، وإنما اكتفى بالقول: الاستواء معلوم والكيف مجهول. ولو كان متأولاً ‏شيئاً من صفات الله لتأول صفة الاستواء من باب أولى. وسئل أبو حنيفة عن النزول فقال "ينزل بلا كيف" فأثبت أبو حنيفة النزول ولم يبطله بنزول ‏الملك بأمره أو نزول رحمته. وليس من العقل الجمع بين النقيضين كأن نقول: ينزل، ولكن ينزل الملك بأمره!‏
    ـ أن تأويل النزول بنزول الرحمة باطل فإن الرحمة لا ينقطع نزولها. وتأويلها بنزول الملائكة أكثر بطلاناً فإن الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار ‏وليس في الثلث الأخير من الليل فقط.‏
    ـ وقولهم ينزل أمره باطل ومتناقض فإنه ليس عندهم في السماء شيء فمن أين ينزل أمره؟ أليس ينزل الأمر ممن هو فوق؟.‏
    ـ ومن المعلوم عند أهل الكلام أن الرحمة صفة، وأن الصفة لا تقوم بنفسها بل لا بد لها من محل، وهي لا تتكلم بنفسها ولا تقول أنا الله، فالقائل هو الله ‏حقيقة والفاعل هو الله حقيقة. ثم إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ولم يتنزل إلينا فأي منفعة لنا في ذلك؟

    سابعاً: أنه إذا ثبت عن مالك وأحمد وغيرهما تأويل شيء في موارد النزاع فهو تنازع يُرَدّ إلى الكتاب والسنة. وهو تنازع مسبوق بتنازع الصحابة في ‏تفسير القرآن وغيره. فقد اختلف ابن عباس وابن مسعود في قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} قال ابن عباس "هو دخان يجيء قبل ‏يوم القيامة، بينما قال ابن مسعود "هو ما أصاب قريشاً من الجوع.‏
    ـ وروى البخاري عن الفضيل بن عياض أنه قال "إذا قال لك الجهمي أننا لا نؤمن بربٍ ينزل عن مكانه فقل له أنت: أنا أؤمن بربٍ كيف يشاء"(57).‏
    وسئل ابن المبارك عن حديث النزول – كيف ينزل؟ فأجابك "ينزل كيف يشاء"(58).‏
    ـ فلماذا الميل إلى تأويل صفة النزول؟ أخوفاً من التشبيه، فإنه لا يعتبر تشبيهاً إلا عند أهل الوسوسة. فكما أنهم يؤمنون بإرادةٍ لله ليست كإرادتنا وبكلام ‏ليس ككلامنا: فما الذي يمنعهم أن يؤمنوا بنزول ليس كنزولنا وباستواء ليس كاستوائنا؟!‏



    الشبهة الثامنة : نسبة التأويل إلى الإمام الأوزاعي

    قال النووي في شرحه على صحيح مسلم :
    والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف." انتهى كلام النووي.
    أقول :
    أولا : لقد تقدم الرد على من تأول النزول بنزول الرحمة والأمر والملائكة كما تقدم الرد على نسب التأويل إلى الإمام مالك رحمه الله فلا فائدة في تكرار هذا.

    ثانيا : أما نسبة‎ ‎التأويل للأوزاعي فلا تصح ونتنقصها الدقة وكل ما في ‏أمر أنهم تمسكوا بقوله وقول السلف في حديث‎ ‎النزول‎(‎يفعل الله ما يشاء‎) ‎فحملها المأولة على غير ‏محملها‎ ‎وقالو:أنه يحدث شيئا منفصلا عنه من دون أن ‏يقوم به هو فعل أصلا!!!ومعلوم أن هذا لم‎ ‎يرد عن ‏السلف ألبتة

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية‎: (‎إن جميع ما في القرآن من‎ ‎آيات الصفات‎ ‎فليس عن الصحابة اختلاف ‏في‎ ‎تأويلها،‎ ‎وقد طالعت التفاسير المنقولة عن ‏الصحابة وما رووه من‎ ‎الحديث ووقفت من ذلك على ما ‏شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة‎ ‎تفسير‎ ‎فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد ‏من الصحابة‎ ‎أنه تأول شيئا من آيات ‏الصفات أو أحاديث الصفات‎ ‎بخلاف ‏مقتضاها‎ ‎المفهوم المعروف


    و لم يرد التأويل في كلام الأوزاعي‎.
    قال الأوزاعي – رحمه الله‏‎ -: (‎كنا – والتابعون ‏متوافرون – نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما‎ ‎وردت به السنة من صفاته‎)‎الأسماء والصفات للبيهقي ‏ص( 408‏‎

    وفي ختامِ الرَّدِّ على الشُّبهاتِ الواردةِ على حديثِ التنزيلِ نقولُ وبالله التَّوفيق: إنَّ «الحقَّ الحقيقَ الذي ينبغي عليهِ التَّعويلُ أنْ نؤمنُ بما وصلَ إلينا عنْ طريقِ محمَّدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنَّ الله ينزلُ إلى السّمَاء الدُنْيَا حينَ يبقى الثلثُ الآخرُ مِنَ الليلِ، ويقولُ: منْ يدعوني فأستجيبَ له؟ منْ يسألني فأعطيهُ؟ منْ يستغفرني فأغفرَ له؟!

    ولا يغترُّ بما فاهَ بهِ: جمعٌ منْ أهلِ الكلامِ، ورهطٌ منْ أصحابِ الأوهامِ؛ النَّاكبونَ عنِ الصِّراطِ السويِّ، والمنهجِ النبويِّ. الجامدونَ على سيرِ المنطقيينَ والمتفلسفينَ، فإنَّهم بمعزلٍ عنْ طريقةِ السَّلفِ الصَّالحينَ، وعلى مراحلَ شاسعةٍ عنْ منهاجِ المتقينَ، الذينَ يؤمنونَ بالغيبِ وممَّا رزقناهم ينفقونَ.

    فدعْ عنكَ نهبًا صيحَ في حجراتهِ وهاتِ حديثًا ما حديثُ الرواحلِ»[43].



    [1] انظر: بدائع الفوائد (1/173)، وجلاء الأفهام (ص82 - 83).

    [2] انظر: شرح العقيدة الواسطية (ص400)، للعلاّمة: ابن عثيمين رحمه الله.

    [3] مجموع الفتاوى (18/129 - 130).

    [4] الذيل على طبقات الحنابلة (4/34).

    [5] المهذّب في اختصار السنن الكبير (2/470).

    [6] مجموع الفتاوى (16/426).

    [7] مجموع الفتاوى (16/432).

    [8] مجموع الفتاوى (8/23).

    [9] طريق الهجرتين (ص295).

    [10] مجموع الفتاوى (5/436 - 437).

    [11] مجموع الفتاوى (5/527).

    [12] مجموع الفتاوى (5/527).

    [13] مجموع الفتاوى (5/458 - 459).

    [14] عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص59)، تحقيق: بدر البدر.

    [15] السراج الوهاج (10/514 - 515).

    [16] شرح العقيدة الواسطية (ص401).

    [17] الجواب المختار لهداية المحتار (ص33 - 35)، للعلاّمة: ابن عثيمين رحمه الله.

    [18] بدائع الفوائد (4/952) [مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة، الطبعة الأولى].

    [19] التنبيهات السنية (ص207 - 208).

    [20] راجع: عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص26 - 27).

    [21] عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص28).

    [22] الغنية (1/57).

    [23] شرح السنّة (ص56).

    [24] الشريعة (ص1124 - 1126).

    [25] الرد على الجهمية (ص79).

    [26] الإبانة (3/239).

    [27] الرد على الجهمية (ص63).

    [28] رواه الذهبي في «العلو» (ص1127)، وصححه الألباني في «مختصر العلو» (ص193).

    [29] رواه أبو عثمان الصابوني في «عقيدة السلف» (ص64)، وإسناده صحيح.

    [30] بيان تلبيس الجهمية (6/306 – 307) طبعة مجمع الملك فهد.

    [31] الرد على الجهمية (ص82).

    [32] مختصر الصواعق (2/228 - 229).

    [33] بيان تلبيس الجهمية (2/228 - 229).

    [34] رواه مسلم (2788).

    [35] مجموع الفتاوى (5/482).

    [36] مجموع الفتاوى (6/582 - 583).

    [37] مجموع الفتاوى (16/422).

    [38] مجموع الفتاوى (16/424).

    [39] بدائع الفوائد (2/136).

    [40] رواه البخاري (3409 و6614 و7515) ومسلم (2652).

    [41] أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/181)، وعنه الخطيب في «تاريخ بغداد» (5/243) من طريق آخر وبألفاظ مختلفة، وإسناده صحيح. انظر: «عقيدة السلف أصحاب الحديث» (ص127)، تحقيق: بدر البدر.

    [42] عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص127 - 128) تحقيق: بدر البدر.

    [43] السراج الوهاج (10/509 - 511)

  11. #31

    افتراضي رد: صد عدوان الجهمي المشين عن موضوعي"دك حصون المفترين"

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال البليدي مشاهدة المشاركة


    وقال حنبل: (سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تُروى أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يُرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث.
    فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.


    .




    -19 الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)



    قال بعد ذكره لجملة من صفات الله تعالى: (فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز جل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه فقال {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11، . ..) إلى أن قال: (فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه فنقول:

    يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرق في أذن، ولا جارحة كجوارح بني آدم. وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم.

    وله يدان ويمين وأصابع، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجه لا كجوارح بني آدم التي من لحم ودم.

    ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. لا تقول: إن ذلك كشر عن أنياب.

    ويهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا.)[36] اهـ.







    اخى الافضل مامعنى قول الامام احمد بلا كيف وبلا معنى وبلا حد وبلا غاية؟؟

    ومامعنى قول الامام الطبرى وليست جارحة مع العلم انكم تنكرون على من نفى الجارحة وقال ان الله منزه عن الاعضاء والجوارح؟؟؟

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •