معالم مضيئة في حياة ابن جبرين
ما أصعب .. وما أشد حينما يتكلم الإنسان عن علم من الأعلام ، وعن حياة بطل من الأبطال فتكمن صعوبة الشئ في أنك إذا تحدثت عنه ربما لا تعطيه حقه ولا تصفه بوصفه ولكن عزائي أنها معالم ومعاني نستنبطها ونستفيد منها .
فحديثي أيها الأحبة :
عن علم من أعلام الأمة الإسلامية هو ليس بحاجة إلى تعريف فهو أشهر من أن نتحدث عن علمه وأثاره ، ولكن هو من باب الإشارة والمشاركة إلا وهو موت شيخ العلامة الدكتور / عبدالله بن جبرين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، ذلك العالم التقي الورع الزاهد عبدالله بن جبرين ولعلي أذكر بعض المأثر والمعالم المضيئة في حياة الشيخ بن جبرين رحمه الله
المعلم الأول : الرسوخ في العلم :
فالشيخ رحمه الله من العلماء الراسخين الأوائل الذي أعطى القبول عند الكثير من الناس ودرس وألف وعلم وأفاد وأجاد فمن يتأمل ذلك يجد الرسوخ الواضح في ما ذكرت وإن دل فإنما يدل على التأصيل العلمي الصحيح منذ أول التلقي فقد سار على خطى صحيحة فكانت النتائج مثمرة ؛ فكم هي الأمة بحاجة إلى ماسة إلى هذا التأصيل الذي أدلهمت وتنوعت فيه الفتن والملمات فربما نرى من يعظ أو يدرس أو يؤلف فإذا تكلم كان بليغاً وإذا كتب كان أديباً ولكن وللأسف عندما تنظر إلى رسوخه في العلم لا ترى له أثر.
لذا كان موت الشيخ رحمه الله جللاً كبيراً وخطباً عظيماً من هذا الأمر.
قال الله عز وجل : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (سورة الرعد:41)
قال ابن عباس : في نقصان الأرض في هذه الآية ذهاب علمائها وفقائها وخيار أهلها (الطبري )
قال الحسن : كانوا يقولون موت العالم ثلمه في الإسلام لا يسدها شئ ما اختلف الليل والنهار ( الدارمي )
المعلم الثاني : الدعوة إلى الله :
فالشيخ رحمه الله كان من العلماء الدعاة ، وحينما نذكر هذا لأن هناك من يفصل وللأسف بين العلم والدعوة ويجعل حاجز بينهما كبير والأمر في ذلك خلافه .فلا دعوة دون علم ولا ثمرة لعلم دون دعوة ، ومن يتأمل حياة الشيخ يجد أنه يقوم بإلقاء الدروس العلمية والمحاضرات المتخصصة والندوات العامة واللقاءات الإعلامية سواء كانت المرئية أو المسموعة أو المكتوبة بل ربما قد يخفى على البعض أن الشيخ سافر إلى جُل مدن وقرى المملكة وهذا من بركة علمه رحمه الله .
المعلم الثالث : الصبر :
وحينما أقول الصبر فإني أرى جميع معاني الصبر قد تحققت فيه .. ولا أزال أتذكر أيام الحج كيف كان رحمه الله ينتقل بين المخيمات في إلقاء الدروس والمحاضرات والفتيا دون ملل أو كلل ربما يعجز عنه الكثير من الناس ، وحينما أسترجع الذاكرة إلى الوراء أجد الدروس التي ألقيها على مدار اليوم ، ومن بعد صلاة الفجر وفي الضحى وبعد الظهر وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ، فوالله أنه رجل لا كل الرجال وهو رجل أمة فقدناه والله المستعان .
وأذكر أننى لقيتهُ في أحدى المرات ونحن نصلى على أحد الإخوة رحمه الله فى الجامع الكبير في الرياض وهو يشيع الجنازة راجلاً وكان الوقت بعد الظهر وكنت قد أرهقت من المشي ولما رأيته في هيئته المهيبة وكبر سنه استحييت من نفسي. ولقد تعلمت منه درساً في الصبر والاحتساب.
المعلم الرابع : كثرة العبادة :
حدثني أحد المشايخ الفضلاء أنه سافر مع الشيخ إلى أحد البلدان وبات معه في الغرفة الخاصة بالشيخ يقول : فكان الشيخ بن جبرين رحمه الله ينام أول الليل ثم يقوم نصفه ويؤلف ويصلي في آخره. ثم يتابع صاحبي بقوله : فكلما تذكرت ذلك أكبرت الشيخ على صنيعه.وأدركت أن هذا النشاط الدءوب والعلم الغزير ما هو إلا نتيجة لهذه العبادة المستمرة والخفية.
- وكان الشيخ بن جبرين رحمه الله حريصاً على أن يختم القرآن كل ثلاث ليال.
المعلم الخامس : حسن الخلق :
كان مما يتميز به الشيخ رحمه الله حسن أخلاقه فالشيخ لم يذكر عنه أنه نهر أحد أو ظلم أحد إنما كان يتبسط بالحديث مع الناس ويستجيب لكثير من الدعوات ، حتى أنه رحمه الله بلغ من تواضعه أنه كان يأبي ويرفض أن يقبل أحد رأسه.
- وكان رحمه الله يعطى المجال لسماع آراء الآخرين ويتقبلها ، واذكر أنه ناقشه أحد طلبة العلم عن مسألة وشدد فيها وخالف الشيخ بن جبرين ؛ فكان الشيخ رحمه الله صامت ولم يتكلم فلما انتهى الأخ ذكر له الشيخ رأيه في المسألة وأعطاه الدليل ولم يعنفه أو يزجره ولم ينتصر لرأيه بل كان أباً كريماً وشيخنا رحيماً .
وفي النهاية : مات الإمام العالم الزاهد العامل العابد الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين وكان نموذجاً لتواضع الكبراء وهمة العلماء جمع بين العلم والعمل وبذل في التعليم والدعوة وارتحل فرحمه الله وجعل سيرته نوراً يضئ في الظلمات وحياة تبعث الأمل والقدوة والعمل
أسأل الله أن يغفر لشيخنا ويرحمه ويسكنه فسيح جناته
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبــه
أخوكم ومحبكم
نواف بن عبيد الرعوجى