7- قالوا : أن الذهبي لم يصرح بهذا الذي صرح به الناس على لسانه نيابة عنه ، ولا رأيناه قال هذا الذي قولوه إياه .
قلنا : هذا الذي في مختصره ما هو في الحقيقة إلا إقرار منه لتصحيح الحاكم ، فإننا وإن لم نقل إن سكوته إقرار – مع أنه في غير المختصر يعد إقرارا صريحا – إلا أننا قلنا إن نقله لتصحيح الحاكم ما هو إلا إقرار وذلك لأمور :
الأول : أنه تعرض للأسانيد التي فيها ضعف من جهة الرواة أو نكارة في المتن أو ما هو من هذا القبيل ، وارتضى العلماء قوله هذا ، ونقلوه عنه ، ونسبوه حكما صريحا له ، ويحتجون بتضعيفه فيه ، فمن باب أولى أن نقله لتصحيح الحاكم يدل على أنه أقره عليه .
الثاني : أن تعقيبه على الأحاديث التي فيها ضعف أو في سندها نكارة موجود من أول الكتاب إلى آخره ، ومنهجه فيها واحد ، يتكلم عما رأى فيه علة ، ويسكت عما رآه وقتئذ صحيح فيكون هذا موافقة منه للحاكم .
الثالث : أنه في تعقيبه يتكلم عن الأحاديث التي سكت عليها الحاكم فيصفها بما يوافقها من حكم وهاكم أمثلة أربعة :
أن أول حديث ذكره الحاكم في المستدرك (1/43) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا .
قال الذهبي قي التلخيص : لم يتكلم عليه المؤلف وهو صحيح .
ومثله حديث (رقم 12) عن أبي هريرة قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفرا غير الصلاة .
قال الذهبي قي التلخيص : لم يتكلم عليه وإسناده صالح .
ومن وسط الكتاب الحديث (4479) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح .
ومن آخر الكتاب حديث رقم (8792) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص : سنده صالح .
فإن كان يحكم على ما سكت الحاكم عليه ..
ويحكم على كثير من أسانيده بالضعف والنكارة ووو ..
ويتوقف أحيانا فيسكت ولا يقول فيه شيئا ..
فما بقي إلا ما قعدتموه أنتم : وهو إقراره لما ينقله من تصحيح ، فما الدليل على هذا الاستثناء ؟
رابعا : أن الاختصار أحيانا يكون في السند والمتن ثم يلخص قول الحاكم على الحديث ، فبالضرورة اطلع على السند والمتن الذين لخصهما ، فمن باب أولى أن نقول أنه لم ير علة أو راويا ضعيفا فيكون اختصاره لحكم الحاكم على الحديث إقرار له ، لا سيما وهو يأتي بزبدة قول الحاكم .
خامسا : أنه قد يخالفه في صيغة التصحيح مما يبين بجلاء أنه وافقه بتصرف مثل أن يقول الحاكم : حديث صحيح على شرطهما فيتعقبه الذهبي فيقول أنه على شرط أحدهما .. أو يقول الحاكم : صحيح على شرط أحدهما فيقول الذهبي أنه على شرطهما أو على شرط الآخر .. وهذا كثير جداً .
أو أن يصحح الحاكم حديثا وهو على شرطهما أو أحدهما مثل حديث رقم (8790) صححه الحاكم فقط فقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي قي التلخيص وقال : على شرط مسلم .
والأحاديث الكثيرة التي ذكرها الحاكم وقال لم يخرجاه ، فيتعقبه الذهبي بأنه عندهما أو عند أحدهما .
سادسا : أن كم الأحاديث التي صححها الحاكم ووافقه عليها الذهبي كثيرة جدا ، وأقصى ما قد يقال في أكثرها أنها حسنة ولا فرق ..
نعم : فيها جملة من الضعيف والشاذ والمنكر وما في سنده كلام ، لكن هذا من جملة ما وافقه الذهبي عليه قليل بالنسبة لما وافقه على تصحيحه .. وقلما نجد فيه حديثا موضوعا إذ إن الذهبي قد أخرجها مفردة وهي قرابة المائة حديث .
وهذا وإن كان في حاجة إلى سرد وتعداد إلى أنه من الغبن أن نهجم هجوم البربر على كل ما صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليه فنهدمه كله بلا مبرر ..
فالدعوة إلى التنقيب عما صححه الحاكم ووافقه الذهبي ودراسة سنده جيدا أمر مطلوب ، ولكن إن لم يكن في الحديث إلا تصحيحهما ولم يضعفه غيرهما فأقل أحواله أن يوصف بالحسن إن خلا إسناده من متهم أو غير ذلك ..
حتى الأحاديث التي لم يتكلم عليها الحاكم قال عنها الذهبي أثناء تعليقه على أول حديث في كتابه مختصر المستدرك : ولذا لم أره يتكلم على أحاديث حجة بعضها جيدة وبعضها واهٍ . اهـ
سابعا : أن اتهامكم للذين شنعتم عليهم وقلتم أنهم بذلك غلطوا الذهبي ووهموه لأنه أقر الحاكم على أحاديث فيها ضعف أو نكارة ، أنتم أولى بهذا الاتهام من غيركم لأنكم بهذا الرأي اتهمتم الإمام الذهبي بخيانته للأمانة العلمية فيرى الباطل والمنكر ويسكت عليه ، مع أنه من أول الكتاب إلى آخره يتعقبه فيما رآه وقتئذ يستحق التعقيب ..
فجنيتم أنتم على الإمام الذهبي من حيث أردتم صيانته وتبرئته والدفاع عنه ..
ولو أنكم سلمتم بأن هذا قبل انتشار كتبه الكثيرة في الرجال وتمرسه في علم الحديث وأن هذا من طبع البشر ، وجوزتم عليه الخطأ والوهم كأي عالم يخطيء ويسهو ويفوته الكثير في بدايات التصنيف لما أوقعتم أنفسكم في هذا الغلو الذي ينأى عنه الإمام الذهبي رحمه الله ..
قال الإمام الذهبي في سير النبلاء (3/321) عند قول أبي هريرة : رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه . يعني : من العلم ..
قلت ( الذهبي ) : هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع ; أو المدح والذم ; أما حديث يتعلق بحل أو حرام ، فلا يحل كتمانه بوجه ; فإنه من البينات والهدى . اهـ
فأنتم على رأيكم تتهمون الذهبي بأنه مر على أحاديث صححها الحاكم وهي عنده ضعيفة واختصر كلام الحاكم ولم يتعقبه ، وهذا في الظاهر حسب رأي جمهور العلماء إقرار منه له ..
فأي اتهام هذا الذي نسبتموه لغيركم ، والذهبي يقول : لا يحل كتمان هذا لأنه من البينات والهدى ؟
ثامنا : أن الأحاديث التي تعقبها الذهبي بالتضعيف وكان قبل وافق الحاكم عليها عددها قليل جدا بالنسبة لحجم كتاب المستدرك وما وافقه الذهبي فيه على التصحيح ..
وقد يكون من المفيد أن يقوم أحد الأخوة محتسبا بعد الأحاديث التي نقدها الذهبي في كتبه المتأخرة وكان من قبل مقر للحاكم فيها ، وفي نظري أنها لا تصل إلى مائة حديث !!
8- وتعلقوا بقول الذهبي في ترجمة الحاكم من السير (19/410) وهو يرد على الماليني قوله :
طالعت كتاب المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه حديثا على شرطهما .
قلت ( الذهبي ) : هذه مكابرة وغلو ، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا ، بل في المستدرك شئ كثير على شرطهما ، وشئ كثير على شرط أحدهما ، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل ، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما ، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة ، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد ، وذلك نحو ربعه ، وباقي الكتاب مناكير وعجائب ، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها ، كنت قد أفردت منها جزءا ، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء ، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ، ويعوز عملا وتحريرا . الخ
هذا نص كلام الذهبي في سير النبلاء ..
ومن المفيد أن أنقل هنا ما ذكره السيوطي في تدريب الراوي (1/106) قال :
قال الذهبي : وهذا إسراف وغلو من الماليني وإلا ففيه جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء أو له علة وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير أو واهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات. الخ
فبين هذين النصين فرق ، وهو أنه على رأي الذهبي في السير فإن حوالي ثلث الكتاب على شرط الشيخين أو أحدهما ، وربعه صحيح حسن جيد وباقيه ضعيف ومنكر ..
وكلام السيوطي أن ربع الكتاب فقط مناكير وواهيات .. ومعلوم أن هناك مائة حديث موضوعة .
فبهذا قد يكون كلام السيوطي صحيح في نسخته من السير والموجود فيه خطأ من النساخ ، ونقل هذا النص كما هو عند السيوطي ، التهانوي في قواعد التحديث (1/218) وقال أنه موجود في طبقات الشافعية لتقي الدين شهبة .
أو يكون السيوطي نقل كلام الذهبي بالمعنى فتغير الكم تبعا لذلك .. وهذا ليس ببعيد ..
لكن ما يلفت النظر :
أن الذين يستشهدون بهذا النص يتغافلون عن شهادة الذهبي بأن في الكتاب صحيح على شرطهما أو على شرط أحدهما وصحيح وحسن وجيد ولا يرون هذا إقرار منه وهو من أوضح ما يكون بيانا !!
نعم : قد يقولون الكم الذي وافق فيه الذهبي للحاكم أكثر مما قاله هنا ..
فيقال حينئذ : هذا كلامه الأخير بعد لمعان ذهبه في هذا العلم وبعد وضع كثير من كتبه ، فلعل الحكم هنا بعد هذه الممارسة ، وهو وصف تقديري على كل حال ، لا يراد منه الدقة في العدد ، والجزم به بدون تحقيق الأرقام صعب جدا ..
لكن نأخذ منه بوضوح هنا أنه أقر على جملة كبيرة من الكتاب صحيحة وحسنة وجيدة ، فليس لأحد أن يقول بعد ذلك أن نقله لكلام الحاكم ليس إقرار منه له .
نص من المعلمي بموافقة الذهبي للحاكم
أشار المعلمي اليماني - رحمه الله - في تعليقه على الفوائد المجموعة للشوكاني (ص464) إلى أن في تخريج بعض الأحاديث كان الذهبي يعلم عليها بالصحة فقال : وقف الذهبي في تلخيصه فلم يتعقبه ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يُقرّ الحاكم على تصحيحه . اهـ
وهذا النص فيه مسألتان :
الأولى : أن ما استشفه وتخيله البعض من احتمال أن تكون هناك نسخة علق الذهبي على بعضها بالصحة وأن المعلمي اطلع عليها !!
وهذا كلام غريب ، وأظنه وهم من صاحبه جزاه الله خيرا ، فإن مسألة كهذه لا يكتمها صاحبها الذهبي أولا ، وكانت تكون مشهورة عند جميع المحدثين من عصر الذهبي إلى عصرنا ، وهذا لم يوجد ، ولم يصرح به أحد ولا المعلمي نفسه ..
والحديث الذي أشار إليه المعلمي رواه الحاكم في المستدرك رقم (8196) في كتاب التعبير وصححه الحاكم على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي ..
فسكوته ها هنا كسكوته على بعض أحاديث المستدرك التي لم يعقب عليها بشيء .
فبان بهذا أن مراد المعلمي بالعلامة المشار إليها هو تلخيص الذهبي وتعقيبه على أحاديث المستدرك كما في بعض النسخ كان يرمز حرف ( خ – م ) أي على شرطهما و ( خ ) لشرط البخاري و ( م ) لشرط مسلم .. وهكذا .
الثانية : في قول المعلمي : وقف الذهبي في تلخيصه ، فلم يتعقبه ، ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يقر الحاكم على تصحيحه . اهـ
فيها تصريح من المعلمي على إقرار الذهبي فيما يكتبه من كلام الحاكم في التصحيح ..
ومن هذا ما قاله المعلمي أيضا في بعض تعليقاته على الفوائد للشوكاني : وقول الذهبي على شرط مسلم أراد على فرض صحته عن أبي نعيم .
أي أن الإشكال في سند الحاكم إلى شيوخ الشيخين كما هو معلوم ، فإن الحاكم عندما يصحح على شرطهما أو على شرط أحدهما فإنما هذا الحكم على غير شيوخه وهذا واضح .
وبان بهذين الأمرين : رد قول من قال أن المعلمي لا يعرف عنه هذه المسألة – وهي إقرار الذهبي للحاكم – إذ إن كلامه الصريح هذا يرد هذا التخيل ويبطله .
خلاصة من الأدلة التي ساقها الأستاذ حسان عبد المنان
وقد حشر الأستاذ حسان عبد المنان في مقدمته لمسند أحمد طبعة عالم الكتب ، وهو يرد على الشيخ شعيب الأرنؤوط ، تحت عنوان : نقل موافقات الذهبي لتصحيحات الحاكم في المستدرك ، ورقم فيها ستة عشر مسألة اعتبرها أدلة على ما ادعاه ، ولا يصفوا منها له إلا قليل :
وأولها : أنه قايس مختصر الذهبي على مستدرك الحاكم بمهذب الذهبي لسنن البيهقي الكبرى !!
وأول شيء يبين أن هذا القياس مردود : أن البيهقي لم يشترط الصحة في كتابه بينما اشترطها وادعاها الحاكم ، فكان تعقبه للحاكم في أحكامه على الكتاب أولى من تعقب البيهقي ..
والذهبي في مقدمة مهذب السنن قال : وقد تكلمت على كثير من الأسانيد حسب جهدي . اهـ
والأمر الثاني في إبطال هذا القياس : أن الذهبي في مهذب السنن يسكت عن أحاديث ويتعقب البيهقي في أخرى ، ونحن لم نحاكم الذهبي في سكوته لا في المهذب ولا في تلخيص المستدرك ، وإنما نتحاكم لنقله كلام الحاكم في التصحيح وإقراره عليه .. وبهذا لا يقاس عمله في التلخيص بالمهذب .
الثاني : في قوله (ص388) فإذا أراد أحد تلخيصه ( المستدرك ) فلابد إذن ( كذا ) من نقل رأي الحاكم في كل حديث فيذكر الحديث ، ثم يذكر كلام الحاكم عليه ، وإلا فقد الكتاب قيمته العلمية ، وما عاد لسرد أحاديثه أي فائدة . اهـ
كذا قال أبي صهيب الكرمي ، وهو يعلم أن الاختصار يفقد قيمته العلمية أكثر إن مر المختصر على الخطأ ولم يعقب عليه ..
وماذا يقول في الأحاديث التي سكت عليها الذهبي ؟ أنتهمه كذلك أنه لم يحسن التلخيص ؟
وماذا يقول في الأحاديث التي أوردها الحاكم ولم يتكلم عليها بشيء فتعقبه الذهبي بتصحيحها أو تضعيفها ؟
الثالث : قال : أن الذهبي لم يقدم للكتاب بمقدمة كي نعرف منهجه في التلخيص .
وهذا لا يدل على شيء أبدا ، وهو محقق كبير في كتب التراث ويعلم هذا جيدا ، فكم من كتاب كبير لعالم جهبذ خلا من المقدمة .. وتعداد ذلك يفوق الحصر ، فأي حجة في هذا ؟
ثم أنه قال أن المقدمة الموضوعة ليست للذهبي ، وقد يكون صحيحا ولا نجاذبه في ذلك ، ولكن لماذا لا نتحاكم إليها ؟ وهذا نصها كما نقلها الفاضل :
" هذا ما لخص محمد بن احمد بن عثمان ابن الذهبي من كتاب المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم رحمه الله فأتى بالمتون وعلق الأسانيد وتكلم عليها " اهـ
فبان من هذه المقدمة ثبوت الاختصار للذهبي وهذا لا يشك عاقل فيه ، ثم بيان طريقته وهي سرد المتون وتعليق الأسانيد والكلام عليها .. وهذا ما يخصنا هنا : وهو الكلام عليها .. ولم يستثن كما استثنى الفاضل وأول هذه الجملة الواضحة على مراده فقال :
أن العبارة الأخيرة ( والكلام عليها ) هي من تتمة الاختصار ، وقد يراد بها أنه علق عليها حسب النشاط والاجتهاد .. كذا قال !! والكتاب كله من أوله إلى آخره عليه تعليق الذهبي سوى ما سكت عنه فمن أين أتى هذا الاستثناء ؟
الرابع : قال أن جملة الذهبي ( وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ويعوز عملا وتحريرا ) يراد بها أنه لم يتعقب الحاكم في كل شيء !!
فكيف يؤخذ من هذه الجملة ما ادعاه وقرره ؟ أليس من الواضح أنه اختصره كله وعقب على ما تراءى له وقتئذ ، ولما فتح الله عليه أشار إلى أنه في حاجة إلى تحرير ، وذلك لتغير اجتهاد الحافظ وإطلاعه على جل تراجم الرواة في موسوعاته التي ألفها بعد اختصار المستدرك .. أيهما أوضح ؟
الخامس : أنه يستدل بكتب بعيدة عما صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليها ، ويريد أن يثبت من عدم ذكرهم لموافقة الذهبي للحاكم حجة لما ادعاه ..
فذكر كتاب ابن الملقن ولم يذكر اسمه حتى لا يهدم استشهاده به ، وكتابه اسمه (النكت اللطاف في بيان أحاديث الضعاف المخرجة في مستدرك الحافظ النيسابوري ) وموضوعه يظهر من عنوانه ، فهو لم يتعرض للصحيح الذي صححه الحاكم ووافقه الذهبي وإنما للضعيف كما هو في العنوان ، ولعلي بعد أن أحصل على نسخة منه أحكم أكثر على مراده .
وممن ذكرهم أيضا : السخاوي في المقاصد الحسنة وابن عراق في تنزيه الشريعة .. وهما كتابان في الموضوعات والأباطيل ، فكيف به يريد منهما نقل تصحيح الذهبي ؟؟ هذا غريب وعجيب .
على أنه ذكر حديث : " الرسول لا يقتل " ونقله السخاوي وأقر الحاكم على تصحيحه على شرط مسلم ، فلماذا لا تكون هذه الثقة مأخوذة من معرفته بإقرار الإمام الذهبي ؟
والحديث رواه الحاكم في المستدرك (3/54 رقم 4377) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : على شرط مسلم .
السادس : قال أن أول من ابتدع ! هذه الفكرة ( وهي موافقات الذهبي للحاكم ) المناوي !!
كذا قال : وقد نقلنا عن الزيلعي تلميذ الذهبي فيما سبق نقله لموافقة الذهبي للحاكم ..
السابع : وهو قوله : " وكثيرا من الأحاديث المضعفة التي لا تخفى عليه ( أي الذهبي ) لو بحثها أو راجعها في كتب الرجال أو كتابه ميزان الاعتدال الذي أرجح انه أُلف بعده " اهـ
فلا أدري معنى " ألف بعده " هل أراد أن مختصر المستدرك ألف بعد ميزان الاعتدال ؟ وما هو دليله على ذلك ؟
وإن أراد أن الميزان ألف بعد المختصر فبطل رأيه حينئذ وعاد عليه ..
هذه باختصار بعض الشبهات التي أوردها أبو صهيب الكرمي ، وبعضها الآخر رددنا عليه ضمن ردنا الأول ..
فخلاصة هذا المقال :
أن العلماء الذين قالوا بإقرار الذهبي للحاكم فيما صححه ونقله الذهبي هو قول صحيح لما قد بيناه أعلاه ..
وأن سكوت الذهبي لا يعد حكما فيتحرز من هذا ، فيقال صححه الحاكم وسكت عنه الذهبي ، وقد يكون سكوته لتكرار الحديث أو لتوقفه في الحكم عليه أو ما هو من هذا القبيل .
ومن الضروري هنا أن نبين ، أنه علينا عدم متابعة الحاكم في التصحيح ولا إقرار الذهبي عليه أيضا ، لما علمنا أن اختصار الذهبي متقدم بزمن عما أخرجه من كتب كثيرة في تراجم الرواة .
وأن الذين قالوا هذا القول الجديد ، ليس معهم دليل قاطع على دعواهم تلك إلا تخمينات وضعوها من باب صيانة الإمام الذهبي من الوهم والتناقض ، ولو وضعوا الأمور في نصابها لأراحونا من هذا الرأي جملة وتفصيلا .
وليتهم اتبعوا نصيحة الإمام الذهبي عندما قال أن المستدرك في حاجة إلى تحرير ومراجعة ..
وأخيراً :
هذا جهد المقل ، أعرضه ولا أقطع به ، وأحيل الأمر إلى علام الغيوب لحين تخرج لنا دراسة موثقة عن هذا الموضوع وخفاياه الشائكة ..
والله أعلى وأعلم .