تحفظات على التكسب من قنوات اليوتيوب
منال محمد أبو العزائم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:أنشئت شركة يوتيوب قبل قرابة عقدين ونصف من الزمان بواسطة ثلاثة موظفين. واشترتها شركة قوقل بعدها بعام ونصف تقريبا. ومن حينها زادت شعبيتها وشهرتها في العالم، ثم في الوطن العربي. وأصبح الناس يفتحون قنوات اليوتيوب للتكسب من دخل الإعلانات المعروضة فيها. ولكن المتفحص لهذه القنوات وللإعلانات المعروضة فيها لا يخفى عليه أنها تحتوي على أشياء تخالف الشرع؛ وقد تجعلها ليست صالحة للتكسب منها إن احتوت عليها.
وأول المشاكل فيها هي صعوبة التحكم في أنواع الاعلانات. حيث يمكن اختيار الفئة العامة التي تنتمي إليها، ولكن لا يمكن التحكم في محتواها أو عمل تحديد أدق لنوعها. وينتج من ذلك أن يتم عرض إعلانات لا تليق أو ربما تكون محرمة حسب محتواها. ورغم أن ذلك يحدث دون اختيار صاحب القناة إلا أن ذلك لا يبرئه؛ حيث هو يعلم مسبقاً أن ذلك سيصير في قناته. فمثلا يمكن اختيار الفئة الدينية للاعلانات من الاعدادات في موقع (adsense) ولكن تلك الفئة تشمل الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها من الديانات. فماذا لو نشر إعلان عن الترويج للمسيحية في قناتك وأنت على تتوقع حدوث ذلك مسبقا لكون فئة الديانات شاملة؟! لابد وإن ذلك سيحيك في صدرك؛ لعلمك أن بإمكانك منع ذلك إما بتعطيل الإعلانات أو تغيير الفئة أو أن تقفل قناتك. وبما أن كل إنسان سيبعث ويُحاسب وحده فليكن كل منا رقيب على نفسه. قال صلى الله عليه وسلم: ( «دَع ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ البرُّ ما اطمأنَّت إليْهِ النَّفسُ واطمأنَّ إليْهِ القلبُ والإثمُ ما حاكَ في القلبِ وتردَّدَ في الصَّدرِ وإن أفتاكَ النَّاسُ وأفتوْكَ» )[1].
ثاني مشكلة هي الاعلانات نفسها ومحتواها، حيث كثير منها يحتوي غالبا على منكرات، مثل ظهور نساء غير متسترات وأحيانا جلوسهم مع رجال بأوضاع غير لائقة وكذا بلباس فاضح وفي غاية التبرج. وأحياناً أخرى ترى إعلانات تروج للحرام كالخمر والتعامل بالربا والميسر وتعليم الناس الغش والنصب وغيرها من المحرمات. ورغم أنه يمكن حجب اعلانات موقع بعينه من لوحة التحكم، إلا أنه يصعب حجب جميع المواقع السيئة واحدا واحدا، حيث لا يستطيع المرء معرفة وتوقع كل المواقع السيئة في الإنترنت. وحتى إن بدا الموقع جيد فأحيانا ينشر إعلانات سيئة. فمثلا أحيانا تظهر إعلانات مخلة بالآداب على موقع ياهو وأمازون وحتى قوقل. فكيف يمكن التحكم في ذلك.
ثالث مشكلة هي تضييع أوقات كبيرة في تحضير المحتوى فلا يبقى لصاحب القناة إلا القليل منه والذي قد لا يكفي لقراءة القرآن وصلاة الجماعة في المسجد ونحوه من العبادات التي تحتاج وقت. وقد تفتن صانع المحتوي فيهمل صلاته ويقدم عمل المحتوى عليها.
رابع مشكلة ان المحتوى نفسه قد يخرج عن الآداب الإسلامية وربما يتعدى حدود الشرع. فتجد قنوات مفتوحة على تصوير الناس وأخرى على المقالب التي تعرض الناس للأذى وأخرى على الإسراف في الأكل أو الاختلاط المحرم دون ضوابط شرعية أو على إشعال الفتن وغيرها من المكروهات أو حتى المحرمات. وقد يخالط المحتوى موسيقى أو غناء ماجن أو رقص أو أفلام أو غيرها من المحرمات.
وأحيانا نجد احتواء بعض القنوات على معلومات مغلوطة مما يتسبب في تضليل الناس. مثل أن تحتوي على بدع وأحاديث موضوعة واسرائيليات لا تصح وغيرها من المعلومات الغير صحيحة.
وأحيانا اخرى نجد النقل المختلس دون توثيق. مما يضر ويجحف بحق الناشر الأصلي. وبعض أصحاب القنوات يقومون بسرقة مقاطع دون العزو لأصحابها.
وقد تتسبب قنوات اليوتيوب في الفتن ونشر الطلاق والمشاكل بين الناس. وقد رأينا مشاهير من أوساط الفن كما يسميهم الناس يتراشقون بالألفاظ النابية والتنابز من وراء هذه القنوات. ومثاله ما حدث مع فنانة مشهورة مع طليقها وابنته من زوجته الأولى. وأحيانا يكون ذلك نتيجة العين والحسد، أو تتدخل المتابعين، أو السمعة والرياء أو الفتنة بالشهرة وغيرها من الأسباب التي تتسبب في خراب البيوت ونشر المشاكل.
وقد تسببت قنوات اليوتيوب أيضا في فتنة من يتابعها؛ حيث يتعلق كثير منهم بأصحاب القنوات ويحبونهم بشدة لدرجة يضر بالمتابع. وقد يصل للمحبة الشركية أو الفتنة القلبية. كما أن بعض أصحاب القنوات يترقبون عدد المتابعين والإعجاب والمشاهدات في معظم الوقت مما يشكل فتنة وهوس كبير لهم بذلك، ويضيعون به الساعات.
وبعض القنوات تحتوي على صور لذوات الأرواح. وأحيانا يضع صاحب القناة صورته كالصورة الرمزية له. وقد أفتى معظم العلماء بتحريمها. وقال ابن العثيمين أن التصوير بالكاميرا محل اجتهاد والأحوط تحريمه. واستثنى بعضهم الفيديو والصور غير الثابتة كما استثنى بن باز ما يحتاجه بالضرورة فيفعله اضطرارا دون الرضى به؛ كصورته في البطاقة او الشهادة او الرخصة ونحوها[2].
المخالفات في اعلانات قنوات اليوتيوب ومحتوياتها:
الموسيقى: كثيرا ما تحتوي الإعلانات في قنوات اليوتيوب على موسيقى، وهي حرام. قال صلى الله عليه وسلم: ( «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف» )[3].
الصور: كثير من اعلانات قنوات اليوتيوب تظهر فيها صور ذوات الأرواح. ولقد حرم العلماء صور ذوات الأرواح الثابتة[4]، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( «إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون» )[5]. وقوله: ( «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم» )[6].
التبرج. كثير من الإعلانات تظهر فيها نساء متبرجات. وقد حرم الله تبرج النساء وإظهارهن لزينتهن. قال تعالى: ( «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَات ِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا» )[7].
الفاحشة. كثيرا من قنوات اليوتيوب والدعايات فيها تروج للفاحشة. قال تعالى: ( «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» )[8].
الغناء الماجن. قال تعالى: ( {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} )[9]. ذكر ابن كثير أن عبد الله ابن مسعود قال في تفسير (لهو الحديث): أي الغناء[10].
الدعوة للمحرمات كالربا وغيرها. قال تعالى: ( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} )[11].
المقالب التي تضر بالناس. قال صلى الله عليه وسلم: ( «لا ضررَ ولا ضِرارَ» )[12].
الترويج للديانات الأخرى. قال تعالى: ( {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} )[13].
الترويج للعقائد الفاسدة. قال صلى الله عليه وسلم: ( «ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» )[14].
الترويج للبدع ومحدثات الأمور في الدين. قال صلى الله عليه وسلم: ( «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، زاد في حديث آخر: وكل ضلالة في النار» )[15].
ذكر أحاديث موضوعة أو ضعيفة. قال صلى الله عليه وسلم: ( «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب عليّ متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار» )[16].
ذكر معلومات خاطئة واضلال الناس بها، والقول على الله بدون علم. قال تعالى: ( {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} )[17].
التوصيات المقترحة:
الأفضل للشباب البحث عن مصدر دخل خير من اليوتيوب. فمعروف أن قنوات اليوتيوب تحتاج سنين ربما ثلاث أو خمس أو أكثر لتبدأ في إنتاج دخل معتبر. وهناك من الوظائف ما يمكن الحصول عليه بطريق أسهل واسرع وأكثر أمانا وبعد عن الفتن والشبهات. وهناك أيضا الأعمال اليدوية والزراعة وتربية الحيوانات وغيرها الكثير من الفرص لكسب المال بالحلال دون الحاجة لليوتيوب. وإن كان لابد من ذلك فيجب التأكد من عدم وجود مخالفات شرعية أو اعلانات تخل بآداب الإسلام وتشريعاته.
يفضل إنشاء القنوات الدعوية وقنوات القرآن والدروس وغيرها من العلوم الشرعية. كما يمكن إنشاء القنوات المفيدة الأخرى كالتي يقوم محتواها على علم دنيوي أو خبرة أو معلومات تنفع الناس أو نحوها. ويفضل عدم تنشيط خاصية الإعلانات في هذه القنوات بعدم إضافة القناة لهذه الخاصية في موقع adsense)) التابع لشركة قوقل. ويمكن الإستفادة من ميزة جمع التبرعات للقناة باستخدام موقع مثل (patreon.com). أو بالتعاقد مع مواقع أو شركات جيدة بعينها لنشر إعلاناتها بنسبة معينة من الربح. وأحيانا دون مقابل كما يحدث عادة في قنوات جمع التبرعات. فمثلا هناك قناة كل إعلاناتها عن جمع تبرعات لبناء مسجد في مدينة معينة. وإن تم تفعيل خاصية الإعلانات فعلى صاحب القناة التأكد من عدم نشر إعلانات تحتوي على مخالفات شرعية كالتي ذكرناها سابقا.
يجب ألا يخالط محتوى القناة منكر أو محرم. فلا توضع صور ذوات أروح، ولا صور نساء متبرجات. أو ترويج لحرام كالربا والخمر والزنا وغيرها. ولا الترويج لديانة غير الإسلام أو لشرك أو لبدعة محدثة أو لعقائد فاسدة كعقائد الفرق الضالة، او لجهل وقول على الله بغير علم.
على صاحب القناة ألا يجعل القناة تلهيه عن طاعته وصلاته. وألا يصرف جل وقته فيها.
على أصحاب القنوات نشر ما ينفع الناس ويستفيدون منه دون إضاعة لوقتهم ووقت المتابعين.
يفضل للمسلمين لاسيما طلبة العلم مساعدة المشايخ وعلماء الأمة بفتح قنوات تعليمية تنفع الناس في علوم الآخرة.
يفضل للمسلمين العمل على حجب القنوات البدعية والشركية وقنوات اليهود وعبدة الشيطان والقنوات الملحدة ونحوها. كما عليهم حجب قنوات التي تدعو للفحشاء والزنا وتروج للمثلية والشذوذ الجنسي ونحوه.
يفضل للنساء ألا يظهرن في هذه القنوات ويكن مصدر فتنة للناس ولأنفسهن. وإن اضطرت المرأة للظهور لتقديم محتوى مفيد فالأفضل لها تغطية وجهها وستر نفسها والبعد عن التبرج والسفور. كما ينبغي ألا تخضع بالقول أو تظهر بمنظر أو في وضع غير لائق.
هذا والله تعالى أعلم. واسأله سبحانه أن يفتح أبوب الرزق الحلال لكل شباب المسلمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
القرآن الكريم.
الدرر السنية لتخريج الأحاديث.
فتاوى بن باز.
فتاوى ابن العثيمين.
فتاوى الشبكة الإسلامية.
[1] صححه الهيتمي المكي الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/232).
[2] انظر فتاوى بن باز في حكم الصور.
[3] البخاري 5590.
[4] الإسلام سؤال وجواب، حكم التصوير بالفيديو والهاتف ونقل ذلك إلى الحاسب، سؤال رقم (101257).
[5] مسلم 2109.
[6] البخاري 7558، ومسلم (2108) بإختلاف يسير.
[7] النور 31.
[8] النور 19.
[9] لقمان 6.
[10] تفسير ابن كثير، لقمان 6.
[11] آل عمران 130.
[12] حسنه النووي في بستان العارفين (35).
[13] آل عمران 85.
[14] صححه ابن عثيمين بكثرة طرقه في فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين (1/34).
[15] صححه الألباني في صلاة التراويح (86).
[16] البخاري 1291.
[17] الأعراف ٣٣.