تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    ابو ظبي
    المشاركات
    172

    افتراضي سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    سأقدم لكم إن شاء الله سلسلة حديث القرآن عن القرآن لفضيلة الشيخ / د . محمد الراوي

    إن شاء الله نستفيد منها ...تابعوني


    حديث القرآن عن القرآن (1)


    فضيلة الشيخ / د. محمد الراوي

    الأول

    إن حديث القرآن عن القرآن فيه بيان لهدايته ومقاصده ، ودعوة إلى حسن تدبره والعمل به ، وهو حق يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
    ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى من سورة البقرة .
    ﴿
    الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة:1،2] وفي البدء بهـذه الأحرف " الم " إعلام للمخاطبين بأن هذا القرآن الكريم منتظم من جنس ما تنظمون منه كلامكم من الحروف المعهودة للناطقين بهذه اللغة لم يخرج عنها أو يزد عليها . ومن غير المستطاع لإنسٍ أو جنٍّ أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .
    وفي ذلك ما فيه من توجيه القلوب إليه وهي تري تَفَرُّدَهُ ، مع أن الحروف التي انتظم منها هى الأحرف التي يعرفها الناس وينطقون بها .
    ولكن رفعة شأنه وبعد مكانته لا تجعل للخلق مطمعاً في الإتيان بمثله أو بسورة من مثله . ولذا جاءت الإشارة إليه بقوله ﴿
    ذلك الكتاب ﴾ للدلالة على بعد المشار إليه . فإن ما في الإشارة من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو مكانته وكونه في الغاية القاصية من الفضل والشرف .
    وكذلك القرآن المجيد بعيد في شرفه وعلو مكانته قريب في تبصرته وهدايته .
    ﴿
    ذلك الكتاب ﴾ إشارة دالة على التعظيم .
    والكتاب في الأصل مصدر . وقد يراد به المكتوب .
    وأصل هذه المادة الدلالة على الجمع ومنه كتيبة الجيش . والكتاب عُرفاً ضم بعض حروف الهجاء إلى بعض . وتسمية القرآن بالكتاب هكذا بالتعريف فيه أيضاً تنويه بمكانته، وأنه الجدير بأن يُخَصَّ بإطلاق هذا الاسم عليه من بين الكتب المنزلة ؛ لأنه المهيمن الحافظ لمقاصدها وهدايتها، الشاهدُ المؤتمن على ما جاء فيها ، وبه ينقطع كل ادّعاءٍ على الكتب المنزلة قبـله، ويبطل كل باطل ينسـب زوراً إليها ﴿
    وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ
    ( سورة المائدة : 48 )
    فلا سبيل مع هذا الكتاب لتَقَوُّل على الله أو ادعاء على رسله . ونور الحق الذي جاء به ساطعٌ يبطل كل باطل ﴿
    وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ ( سورة فصلت : 41 ، 42 ) وقد حفظه الله وأبقاه .
    وفي حفظ الله له مخاطبة للخلق بكلمة الحق التي بعث بها الأنبياء جميعاً وجاء خاتَمُهم صلى الله عليه وسلم ليبلغها للناس أجمعين ﴿
    قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ ( سورة الأعراف : 158 )
    فقد نُزِّل الكتاب المحفوظ بحفظ الله على النبي الأمي خاتم النبيين بلاغاً للعالمين فليس بعد هذا الكتاب كتاب ولا بعد الرسول المنزل عليه رسول . ﴿
    تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ ( سورة الفرقان : 1 )
    ﴿
    ذلك الكتاب لا ريب فيه
    فإن قيل قد وجد الريب من كثير من الناس في القرآن ، وقوله ﴿
    لا ريب فيه ﴾ ينفي ذلك .
    فالجواب أن المنفي كونه متعلَّقاً للريب ومَحلاًّ له . بمعنى أن معه من الأدلة ما لو تأمله المنصف المحق لم يَرْتَب فيه ، ولا اعتبار بريب يكون من مرتاب لم ينظر حق النظر ومعرض لم يرد أن يتدبر .
    ﴿
    هدي للمتقين ﴾ أي رشاد وبيان . وتخصيص الهدى بالمتقين يدعونا إلى وقفة متأنية نرى فيها لماذا خصهم مع أن هداية القرآن عامة شاملة وقد جاءت الهداية مطلقة في قوله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: الآية185] فلماذا خَصَّ وعَمَّ وأطلق وقيد ؟ لماذا خَصَّ في موضع وعَمَّ في آخر ؟
    إن القرآن من حيث هو نور وهدى للناس أجمعين . ومن حيث الانتفاع به والفوز بهدايته لا يكون إلا لمن اتبعه وأخضع هواه لما جاء به ﴿
    فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [ طه 123 – 127 ]
    فتخصيص الهدى بالمتقين لما أنهم المقتبسون من أنواره المنتفعون بهدايته ، وإن كانت هدايته شاملة لكل ناظر من مؤمن أو كافر ولكن لا يظفر بنتائجه إلا من اتبعه واهتدى بهداه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .
    والآثار التي تترتب على التقوى في حياة الناس لا تخفى .
    فإن من اتقى كف شرّه عن غيره وقدَّم خيره . وردّته تقواه عن ظلمه لنفسه في الإعراض عن الذكر أو الإساءة لغيره .
    وأما في الآخرة فالدار دارهم ونعم دار المتقين ﴿
    وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾ ( سورة النحل : 30 ، 31 )
    ومن رحمة الله بالخلق أن جعل للتقوى شرعة ومنهاجا .
    ومنهاج المتقين قرآن وسنة . وأهل التقوى في جميع أحوالهم متبعون لا مبتدعون ، يخضعون أنفسهم للحق ولا يتبعون الأهواء . فإن اتباع الهوى جهل وضلال واتباع الهدى هدى ونور ﴿
    ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ ( سورة الجاثية : 18 ـ 20 )
    إن موقف الناس من الحق الذي أنزل هو الذي يحدد مصائرهم .
    والقرآن الكريم يبين الجزاء ويذكر النتائج ﴿ ل
    ِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ (لأنفال: الآية42) فلا يدع الناس يتيهون دون تحديد للمعالم والصفات ، بل يبين صفات الناجين المفلحين ليتبع الناس سبيلهم، ويذكر صفات الهالكين الخاسرين ليجتنب الناس سبلهم ، ويفيض في ذلك إفاضة بالغة حتى لا تبقى لأحد من الناس حجة أو معذرة .
    القرآن هدى للمتقين لأنهم المنتفعون بنوره . فمن هم المتقون الذين خصهم القرآن بهدايته وشملهم الرحمن برحمته ؟
    نقرأ في القرآن المجيد تحديداً لصفاتهم وبيانا لأعمالهم .
    وإذا تدبرنا آثار هذه الأعمال وتلك الصفات رأيناها أمنا لدنيا الناس وسلاما لحياتهم وتراحما فيما بينهم والراحمون يرحمهم الرحمن ، ومن لا يرحم لا يرحم .
    ﴿
    ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) )الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) ﴾ ( سورة البقرة : 2 ـ4 )
    هؤلاء هم الذين انتفعوا بهداية القرآن فعَلموا وعمِلوا وبَّروا وصدقوا وآمنوا برسل الله جميعا ولم يفرقوا وأيقنوا بلقاء الله فسارعوا إلى الخيرات وكفوا عن السيئات . أرأيت أخي المسلم أن هداية القرآن رحمة للناس في دنياهم وأخراهم .
    فمن اهتدى بالقرآن استقام وأصلح وأفلح ، ومن أعرض عنه ضل وشقي وأفسد وندم على التفريط فيه يوم لا ينفع الندم . وفي القرآن إنذار لهؤلاء وبشرى لأولئك ﴿
    إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [ سورة الإسراء : 9 ، 10 ]


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    ابو ظبي
    المشاركات
    172

    افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

    حديث القرآن عن القرآن (2)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي الثاني
    ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى من سورة البقرة ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(2 4) ﴾ [ سورة البقرة : 23 ، 24 ]
    ولعلنا نستحضر ما ذكرناه من قبل من حديث القرآن عن القرآن في قوله تعالى : ﴿
    الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة:1،2] وقلنا إن المنفي في قوله ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ كون القرآن متعلقاً للريب ومَحلاّ له . فالريب يتعلق بالنفوس لعللٍ فيها أو بشيء ما لأنه محل للشك والريب .
    والقرآن الكريم ـ وقد نفي الريب عنه ـ ليس محلا للشك لأنه الحق . وللحق حجته وسلطانه، وللريب علله وأوهامه وظنونه، وهو مُدْحَضٌ بالحق زاهقٌ ذاهب . والكتاب الذي يخاطب العالمين بأنه إنذار من رب العالمين يضيف إلى إعجازه في ذاته إعجازاً في مخاطبة الجاحدين المعاندين ـ في كل زمان ومكان ـ أن يأتوا بسورة من مثله مع حرصهم على إزهاقه وإطفاء نوره بل وتدمير أهله .
    وتراهم في كل زمان ـ مع بغيهم وتسلطهم على أهله ـ عاجزين صاغرين أمام بلاغته وعزته وسلطانه .
    وتراه ينتصر على النفوس الباغية، وأهله مستضعفون .
    وكثيراً ما رأينا القرآن في عزته يُخضِع الأعداء فيؤمنون به، وينفذون أمره ويقومون بحقه .
    ومن تدبر تاريخ أمتنا الإسلامية عرف ما للقرآن من أثر وتأثير، وما له من حجة وهدى وسلطان . إن تاريخ هذه الأمة ـ بين مَدٍّ وجَزْرِ ـ يتصل به ولا ينفك عنه .
    فهى في مدٍّ حين تقبل عليه وتستنير به وتعتصم به ولا تتفرق .
    وهى في جَزْرٍ حين تُشْغَل عنه وتعرض عن ذكره . وهو في منعته وعزته يظل يذكر وينذر ويبشر ويهدي في كل شأن للتي هى أقوم . يظل يوجه نداءه إلى القلوب لتخشى وتخشع، وإلى من شُغِل عنه أن يئوب إليه وأن يتبع هداه حتى لا تتفرق بهم السبل أو ينتهي بهم الإعراض والبعد إلى الضلال وسوء المصير . وهذا التذكير من جانب القرآن يخاطب به من نزل فيهم . وتخاطب به الأجيال من بعدُ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , وكأنه نزل لساعته ، وحمله جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم لوقته لا يختلف مع اختلاف الزمان ولا يتباين مع تباين الأجيال . ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً .
    ﴿
    وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ ﴾ . يخاطب به كل معاند مكابر في أي زمان كما خوطب به الأولون من المكذبين الجاحدين، وهم جميعاً في العجز سواء، وهم جميعا مَدْعُوّون لاتباعه والاهتداء بهداه . ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ﴾ واتقاء النار يكون بالاعتصام به، والاحتراز من جحوده والإعراض عنه . كأنه قيل: فإذا عجزتم عن الإتيان بمثله ـ كما هو واقع ومقرر ـ فاحترزوا من إنكار كونه منزلا من عند الله سبحانه فإن ذلك يدفعكم إلى الإعراض عنه والصد عن سبيله . ومن أعرض عنه أو كذب بآياته فالنار موعده .
    والخطاب على هذا النحو خطاب عزيز واثق لا يهين، ولا يضعف، ولا يأتيه أو يقترب من ساحته باطل .
    ﴿
    وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) ﴾ [ سورة يونس : 37 ، 38 ]
    ذاك حديث القرآن عن القرآن في بيان إعجازه، وتحدى المعاندين الجاحدين في كل زمان أو مكان أن يأتوا بسورة مثله . تراه في بيانه يصدع بالحق، وينطق بالصدق، ويعلن في عزة وثقة أنه تنزيل رب العالمين؛ ليعتصم الناس جميعاً به، ويهتدوا بهداه، ويجدوا أنفسهم في ساحته في أمن وتراحم وتعاون وتآزر وبر وسلام ﴿
    فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) ﴾ ( سورة الواقعة : 75 ـ 80 )



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    ابو ظبي
    المشاركات
    172

    افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

    حديث القرآن عن القرآن (3) فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي
    الثالث

    ومن حديث القـرآن عن القـرآن ما تضمنه قولـه تعالى في سـورة البقرة ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)
    [ سورة البقرة : 38 ـ 39 ]
    والقرآن الكريم قد أنزله الله هدى للناس . وهو بهذا ليس بمعزل عن قوة تحقق وعده ووعيده . إنه الحق من ربك، وللحق نور ونار فمن أبى النور فالنار موعده. وذاك بيان وبلاغ من الله بذكر النتائج والعواقب لمن تبع هدى الله ومن جحد وأعرض ﴿
    فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)
    إن في اتباع هدى الله أمن وأمان . أمن لا خوف معه ولا حزن ﴿
    فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ والخوف غم يلحق بالإنسان من توقع أمر في المستقبل . والحزن غم يلحقه من فوات أمر في الماضي . والمتبعون هدى الله مبشرون بذلك عندما يفزع الناس و يخافون . وذاك وعد الله لهم ـ ولن يخلف الله وعده ـ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) ) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) ﴾ [سورة فصلت : 30 ـ 32 ]
    ذاك ما يكون لمن اتبع آيات الله فآمن واستقام، وأما من أعرض وكذب وكفر وأصر على كفره وجحوده ـ من بعد ما تبين له الهدى ـ فتلك عاقبته وذاك مصيره ﴿
    وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ﴾.
    وفي إسناد الآيات إلى نون العظمة في قوله ﴿
    وكذبوا بآياتنا ﴾ دلالة لا تغيب على أن هدى الله ليس بمعزل عن قوة تحقق الوعد والوعيد، وأن المعرضين عن هدى الله مؤاخذون، وترى نون العظمة هذه في تنزيل الذكر وحفظه ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ سورة الحجر : 9 ] وفي مؤاخذة المكذبين بآياته المعرضين عن ذكره ﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِي نَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) ﴾ [ سورة المزمل : 11 ـ13 ]
    ومن عرف أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب أيقن أن حديث القرآن عن وعد الله ووعيده لمن اتبع هدى الله ولمن كذب بآياته سيأتي تأويله وعندئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .﴿
    وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) ﴾ [ سورة الأعراف : 52 ، 53 ]


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    ابو ظبي
    المشاركات
    172

    افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

    حديث القرآن عن القرآن (4)

    فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي الرابع


    ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في مواجهة بني إسرائيل أولئك الذين واجهوا الدعوة الإسلامية في المدينة مواجهة نكرة وقاوموها مقاومة خفية وظاهرة ـ ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) ﴾ [ سورة البقرة : 41 ]
    لقد كان المنتظر أن يكون اليهود في المدينة هم أول من يؤمن بالرسالة، ويؤمن للرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن يصدق ما جاء في التوراة ، وهم يتوقعون رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندهم أوصافه في البشارات التي تتضمنها التوراة . وهم كانوا يستفتحون على العرب المشركين ﴿
    فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)
    إن الله يأمرهم أن يؤمنوا بما أنزل من القرآن لأن الإيمان به إيمان بما معهم والكفر به كفر بما معهم من التوراة، بل بالكتب والرسل جميعا، وهم دعاة إلى دين واحد . وقد أخذ الله عليهم الميثاق أن يؤمن بعضهم ببعض، وأن ينصر بعضهم بعضا، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :« لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي »
    ﴿
    وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ
    إن من الواجب أن يكونوا أول من آمن به لا أول من كفر .
    لأنهم أهل النظر في معجزاته، والعلم بشأنه، وقد كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا ويبشرون ﴿
    وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ أي لا تستبدلوا بآياتي التي في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ثمنا قليلا والدنيا كلـها ثمن قليل .
    لقد كان كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود وعلماؤهم يصيبون المآكل من سفلتهم وجهالتهم، وكانوا يأخذون منهم في كل سنة شيئا معلوما من زرعهم وثمارهم ونقودهم ، فخافوا أنهم إن بينوا صفة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتبعوه تفوتهم تلك الفوائد ، فغيروا نعته بالكتابة فكتبوا في التوراة بدل أوصافه أضدادها . وكانوا إذا سئلوا عن أوصافه كتموها ولم يذكروها . وقد أشار القرآن الكريم إلى التعبير بالكتابة بقوله ﴿
    وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ وقوله ﴿ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾ وأشار إلى الكتمان بقوله ﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ . وقد جمعوا بين الفعلين التغيير والكتمان . وهم يعلمون أنهم ينكرون الحق ويؤثرون الباطل . وقد فصّل القرآن ذلك في مواطن كثيرة .
    هذا ما كان من رؤساء اليهود وعلمائهم و « لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود* » كما جاء فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    ونحن حين نقرأ حديث القرآن عنهم، ونتدبر ما جاء في شأنهم نعرف حقيقتهم، وما يريدون، فما كان اليهود يجهلون بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أو يمتارون في معرفته ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة .
    لقد تواترت الأخبار باقتراب زمانه ، وغدا الناس يرقبون مبعثه ، كما يرقب من أظلم عليه الطريق مطلع الفجر وانطواء الليل ليمضي إلى قصده ويصل إلى مأمنه على نور وبصيرة، ولا يلتبس الفجر على من كان ذا بصر و بصيرة ، ولا يختلط إشراق الشمس بظلام الليل، ولا يستوي الهدى والضلال ، كما لا تستوي الظلمات والنور .
    إن القوم قد عرفوا ولكنهم جحدوا ، وهدوا ولكنهم استحبوا العمى على الهدى ، وجاءتهم الآيات البينات فضلوا وأضلوا من بعد ما جاءهم البينات .
    ولكن لا يخلو زمان من أهل إنصاف و عدل ، فمن اليهود ناس عرفوا فلزموا وهدوا فأسلموا ، وحفظوا ما في التوراة فشهدوا بما علموا ، ووجدوا في الرسول صـلى الله عليه وسلم مصداق ما حفظـوا ﴿
    أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [ القصص : 54 ] .
    ولقد تناقل الربانيون والأحبار والقسيسون والرهبان ما وجدوه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، وبُلِّغوه من أنبيائهم وكانوا عليه شهداء .
    وظلت البشرى بمبعثه صلى الله عليه وسلم تنتقل من جيل إلى جيل ومن قبيل إلى قبيل، والنبأ العظيم يتردد بين الناس، والزمن يقترب حتى رأينا شابَّاً كسلمان الفارسي يدع ما هو فيه من رغد العيش، ويتنقل من دار إلى دار ، ومن حال إلى حال ، ويلاقي ما يلاقي طلبا للحق الذي دخل زمانه واقترب فجره، وهو يحفظ من الرهبان الذين انتقل بينهم، وعاش معهم، وكان في خدمتهم ، ويحفظ عنهم موطن هجرته صلى الله عليه وسلم وصفات خَلْقِه وخُلُقه، ويحدث حين أسلم بكل ما جرى معه .
    فالأمر لم يكن خافيا ، وأكثر الناس عِلماً به هم علماء أهل الكتاب من الربانيين والأحبار والقسيسين والرهبان الذين كانوا يبشرون باقتراب زمانه ويستفتحون . فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب أنكر علماؤهم ما عرفوا، وكتموا ما أنزل الله من البينات والهدى ﴿
    فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
    ذاك حديث القرآن عنهم، وفيه عبر وعظات لمن اتعظ واعتبر.
    وسيظل حديث القرآن عن القرآن، وبيان موقف الناس منه حجة على من كذب وأعرض، وهداية لمن اهتدى وصدّق . مخاطبا بذلك الأجيال كلها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ﴿
    لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة ﴾ .


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    ابو ظبي
    المشاركات
    172

    افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

    حديث القرآن عن القرآن (5)
    الخامس
    ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى ـ بياناً لمن عاداه وكتم ما جاء من عند الله ـ ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [ سورة البقرة : 89 ]
    ﴿
    وَلَمَّا جَاءَهُمْ ﴾ أي جاء اليهودَ المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب من عند الله تعالى هو القرآن ﴿ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ﴾ كذبوا وكانوا من قبل مجيئه يستفتحون بمن أنزل عليه ذلك الكتاب، فلما جاءهم ذلكم النبي الذي عرفوه ويجدونه مكتوباً عندهم في التوراة كفروا به وصدوا عنه . يستفتحون به قبل مجيئه وعند مجيئه يكفرون .
    وذلك أنهم كانوا إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو يقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون . وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عادٍ وإرم .
    فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم تنكروا لما علموا، ونبذ فريق منهم كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ﴿
    وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ
    ( 101)
    ﴾ [ سورة البقرة : 101]
    نبذوا كتابهم الذي كانوا قد قبلوه من قبل، وزعموا تمسكهم به ، نبذوا التوراة لموافقة القرآن لها كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله، ولا يداخلهم فيها شك فيما جاء فيه . ولكنه العناد والكفر والحسد من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق .
    وهم بما علموا كانوا أولى الناس بالإيمان به، والدعوة إلى اتباعه ﴿
    وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ سورة المائدة : 41 ]
    ومنكر الحق في حاضر كمنكره في ماض لأن الحق من عند الله واحد لا اختلاف فيه، وبه أرسل الله المرسلين، وأمرهم أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه .
    فمن كذب واحداً منهم فقد كذب جميع الرسل، وحق عليه ما حقّ على المكذبين الضالين . إنهم جميعا دعاة إلى دين واحد أقاموه كما أمرهم الله ولم يتفرقوا فيه .
    والفرقة بين الخلق في أمر الدين حملتها الأهواء، ولم تكن في رسالة الأنبياء .
    وقد يعرف إنسان الحق ولا يستجيب له فحسب . وقد يعلم آخر أنه الحق ثم لا يكتفي بالإعراض عنه بل يعمل على تشكيك الناس فيه، وصدهم عنه، وحملهم على محاربته والكيد له . وعمل اليهود من هذا اللون المفرط المغالي في الكيد والصد والعداوة والإفساد وقد قال الله فيهم : ﴿
    وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْرا ﴾ [ سورة المائدة : 64 ] وقال مخاطبا أهل الكتاب من النصارى محذرا لهم من اتباع أهوائهم ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(77)
    [ سورة المائدة : 77 ]
    إن وصف الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من عند الله، وأنه مصدق لما معهم فيه ما فيه من إدانة للقوم، وتسجيل لمواقفهم، ودعوة للأجيال من بعد أن تثوب، وأن تزن الأمور بميزان الحق لا بموازين الأهواء . وأن تعلم علم اليقين أن كل إنسان مؤاخذ عند الله بعمله . وأن الحق الذي أنزله الله وحفظه هداية للخلق وحجة عليهم . ولا أضر من إعراضٍ عن الحق من بعد علم به، واتباع للهوى من بعد ما تبين الهدى، وكتمان للحق من بعد عهد وميثاق .
    إن الحق الذي جاء به موسى من عبادة الله وعدم الإشراك به هو الذي جاء به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم وهو الحق من ربهم . فمن كفر بهذا كفر بذاك . ولا بقاء لادّعاء أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم لأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق مصدقا لما معهم . فالكفر بما جاء به كفر بما معهم وهم يعرفون ذلك ﴿
    فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
    وسيظل نداء القرآن الكريم يبصر كل جيل، ويحذر من سوء العاقبة والمصير . والكل عائد إلى الله ومحاسب بين يديه، ومن رغب عن الحق حوسب عليه . ولا حجة بعد بيان ولا عذر بعد إعذار وإنذار ﴿
    يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) ﴾ [ سورة المائدة : 15 ، 16 ]

    يتبــــــــــع إن شاء الله


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •