تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 89

الموضوع: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

  1. #61

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو إبراهيم الحربي مشاهدة المشاركة
    كلام الأخ الواحدي إنشائي وليس فيه رد علمي وإنما سخرية واستهزاء
    وأقول للأخ أبي قصي واصل بارك الله فيك، ولا يشغلنك المهرجون


    وفيك بارك الله .

    وأنا مواصل إن شاء الله ما ابتدأتُ ، آخذًا بقول أبي محمد ابن حزم رحمه الله : ( ولا تلتفت إلى أهل الشَّغْب ؛ فإن مثل هؤلاء إنما يجرون مجرى المضحكين لسخفاء الملوك ، والملهين بضعفاء المطاعين ، وليسوا من أهل الحقائق أصلاً ؛ فلا تعبأ بهم شيئًا ) .
    وقوله :
    ( واحذر كلّ من لا ينصف ، وكل من لا يفهم ، ولا تكلّم إلا من ترجو إنصافه ، وفهمه ) .

    ولولا أنَّ هذا الذي أنا فيه شيءٌ اضطرِرت إليه ، لرجعتُ عنه ؛ فقد ظهرَ لي ما يوجِب الحذرَ الذي أمرَ به ابن حزمٍ !

    أما الثانية ، فهذه :

    قوله: "غير مستقصٍ، ولا مستوعب": إخبار. وهو يحتمل الصدق والكذب. وما كان كذلك، لا يبنى عليه في ذاته، بل يبنى على دلالته.
    صورة مع التحية إلى أهل البلاغة ، والمنطق ، والأصول ، وكلِّ عاقل !


    وأما الأولى ، فهذه :
    ولأن أكون مخطئًا في تجهيله، أحبُّ إليَّ من تجهيلهم هم بالباطل

    صورة مع التحية إلى كل منصف .

    حكي أن أبا علي الفارسي دخل على واحد من المتسمين بالعلم ، فإذا بين يديه جزء مكتوب فيه : " قايل " منقوط بنقطتين من تحت ، فقال له أبو علي : هذا خط من ؟ قال : خطي . فالتفت إلى أصحابه كالمغضب ، وقال : قد أضعنا خطواتنا في زيارة مثله ، وخرج من ساعته .

    ورحمَ الله أهلَ العِلْم ، وخاصَّةً أبا حنيفةَ !


    ويقول الأخ :
    فلْنتركْ له المنطق المدَّعى ...
    ولْنحاول فهْم عبارته كما يفهمها أيُّ عربي سليم الذوق والذهن
    وأقول :
    وأنا أترك له فهمَ العجائزِ الذي أسلمَه إلى الكلامِ السابقِ !
    وأنا لا أحبُّ أن أضيِّق على الأخ ، وأضطرَّه إلى ما يكره ؛ فأكلِّفَه من أمرِه عسرًا ، وأحملَه على أن يفهمَ ما لا يستطيعُ فهمه ، ويحاوِر في ما لا يحسِنُه !
    فهو وما أرادَ .


    وإذن ، ننتقل إلى المسألة الثانية .
    ( الردود من الآنَ ستكون موجَّهةً للقراء الكرام )

  2. #62

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    المسألة الثانية :
    ( بالمتنزَّل ) هل فتح الزاي فيها من عمَل المحقِّق ؟

    قال السيد صقر يردُّ على الشيخ أحمد شاكر :
    ( قال امرؤ القيس يصِف فرسًا :
    كميت يزِل اللِّبدُ عن حال متنِه *** كما زلَّتِ الصفواءُ بالمتنزَّلِ
    والصواب : ( بالمتنزِّل ) كما جاء في شرح المعلقات للتبريزي ص 41 ، والديوان 133 ) ا . هـ .
    فقلتُ في أصل الموضوعِ :

    ( هذه الرِّواية التي خطَّأها روايةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ رواها ابنُ قتيبةَ ( ت 276 هـ ) نفسُه في « كتاب المعاني الكبير 1 / 146 » ، ورواها أيضًا شيخُه أبو حاتمٍ السجستانيُّ ( ت 255 هـ ) في « المذكر والمؤنث 161 » ، وأبو منصور الأزهريُّ ( ت 370 هـ ) في « تهذيب اللغة 12 / 249 » . ويبعُد أن تكونَ مصحَّفةً في جميعِ هذه الكتبِ .
    فهذا ما بلغَنا من الرِّوايةِ في ضبط هذه الكلمة . وهي صحيحةٌ في اللغةِ ؛ فقد وردَ في المعاجمِ أن ( تنزَّلَه ) مثلُ ( نزَّله ) ؛ فـ ( المتنزَّل ) إذن بمعنى ( المنزَّل ) ؛ وهو المطرُ ) .

    فقال الأخ الكريم :

    ( إحالتك على المصادر التي ذكرتَها لا تستقيم إلا إذا كان فيها ما يشير تلميحًا أو تصريحًا إلى ضبط "المتنزّل" بفتح الزاي. وفرقٌ بين الاستناد إلى المصدر، والاستناد إلى ضبط محقِّقه ) .


    # والردُّ عليه :

    -كانت حُجَّتي في إثباتِ صِحَّة ( المتنزَّل ) بالفتح هي ورودَها في بعضِ كتبِ أهلِ العِلْم المتقدِّمين مضبوطةً هذا الضبطَ . ومنها :

    1-« المذكَّر والمؤنَّث 161 » لأبي حاتم السجستانيِّ ( ت 255 هـ ) ، تح حاتم الضامن .
    2-« المعاني الكبير 1 / 146 » لابن قتيبةَ ( ت 276 هـ ) ، تص عبد الرحمن اليماني .
    3-« تهذيب اللغة 12 / 249 » لأبي منصور الأزهريِّ ( ت 370 هـ ) ، تح أحمد البردوني ، ومراجعة علي البجاوي .
    وزدْ عليها من كتبِ مَن بعدَهم :
    4-« مجمل اللغة 1 / 535 » لابن فارس ( ت 395 هـ ) ، تح زهير سلطان .
    5-« رسالة الغفران 540 » لأبي العلاء المعرِّي ( ت 449 هـ ) ، تح عائشة بنت عبد الرحمن " بنت الشاطئ " .
    6-« لسان العرب » لابن منظور ( ت 711 هـ ) ، مادة ( ص ف ا ) ، ط بولاق التي اعتمدَ فيها على نسخة بخطِّ ابن منظور نفسِه ، وط صادر ، وذكرَ في الهامش : ( وفي رواية أخرى : " والمتنزِّل " بدلَ " والمتنزَّل " ) .
    7-« تاج العروس » للزَّبيديِّ ( ت 1205 هـ ) ، مادة ( ص ف و ) ، تح عبد الصبور شاهين ، ومراجعة محمد حماسة عبد اللطيف .
    وغيرَها .
    -وكانت حجَّة الأخ الكريم أنَّ الاعتماد على الضبط لا يستقيمُ ، ما لم يكن في هذه الكتب تصريحٌ ، أو تلميحٌ .
    والعلَّة التي منعَ بها ذلك هي أنَّ هذا الضبطَ من عمَل المحقِّقِ .
    هكذا قالَ الأخ .
    * وهذا قولٌ مردودٌ من خمسة وجوهٍ :
    1-أنَّه يَلزَمُ من ذلك إبطالُ الاحتجاجِ بأكثر معجماتِ العربيَّة ، ودواوينِها ، وسائرِ كتبِها ؛ إذْ ليس فيها تصريحٌ ، أو تلميحٌ بالضبطِ . وفي هذا من الفسادِ ما لا يخفَى على عاقلٍ .
    2-أنَّه يبطُلُ أوَّلَ ما يبطلُ الاحتجاجُ بـ ( المتنزِّل ) بالكسرِ ، لأنَّ المؤلِّفَ أيضًا لم يصرِّح بكسرِها ، ولم يُلمِّح .
    3-أنَّ هذا مخالِفٌ للمنطقِ القاضي بأنَّ المحقِّقين يختلفونَ جودةً ، ورداءةً ، وبأنَّ مواضعَ الضبطِ تختلِفُ أيضًا قوَّةً ، وضعفًا .
    4-أنَّ هناكَ ما يدُلُّ على أنَّ ضبطَها بالفتحِ في « الشعر والشعراء » ليس من صنعِ الشيخ أحمد شاكر ؛ وإنما اعتمدَ فيه على النُّسَخِ المخطوطة ، أو نُسخةٍ منها . وذلكَ أنَّه لم يأخذ بإنكارِ السيد صقرٍ للفتحِ في الطبعة الثانية . ولو كان هذا من اجتهادِه ، أو كانَ خطأ مطبعيًّا ، لرجعَ عنه ؛ ولا سيَّما بعدَ أن ذكرَ له السيد صقر ما هو مُثبَتٌ في « الديوانِ » ، و « شرح المعلقات العشرِ » ؛ وهو لا شَكَّ الأعرفُ .
    5-أنَّ روايةَ الكسرِ أشهرُ من روايةِ الفتحِ ، وهي المثبتةُ في « شرح القصائد السبع » ، و « شرح المعلقات العشر » ، و « الديوان » ؛ فكيفَ يتفقُ طائفةٌ من المحقِّقين على ضَبطِ هذا الحرفِ بالفتحِ معَ أن الكسرَ أشهرُ ؟

    فمقتضَى هذا :


    أن يكونَ المتأخِّر منهم يأخذ ضبطَه لهذا الحرف عن المتقدِّم . وهذا بعيدٌ جدًّا ، لأنَّ الكتبَ التي وردت فيها هذه الكلمةُ بالفتحِ ليست أصولاً يُرجَع إليها في روايةِ معلَّقة امرئ القيس ؛ وإنما العادةُ أن يرجِعَ المحقِّق في ضبطِ أبياتِها إلى شروح المعلقاتِ ، أو الديوان .



    خلاصة المسألة :


    خطَّأ السيِّد صقرٌ رِوايةَ ( المتنزَّل ) بالفتحِ ، فرددتُّ عليه تخطئتَه ، وذكرتُ عدةَ مصادرَ ضُبِطت فيها الكلمةُ بالفتحِ ، فاعترضَ الأخ على هذا بأنَّه استنادٌ إلى ضبطِ المحقِّقِ ، وليس ثَمَّ تصريحٌ ، أو تلميحٌ من المؤلِّفِ بالفتحِ ، فرددتُّ عليه مبيِّنًا فسادَ هذا القولِ ، ومستدِلاًّ على أنَّ الشيخَ شاكرًا ، وغيرَه لم يضبطوها هذا الضبطَ إلا اعتمادًا على النسخِ الخطيَّة التي عندَهم .



    =وإذن ، تبطلُ هذه الضلالاتُ التي تَردَّى فيها الأخُ ، ويثبتُ أنَّ السيِّد صقرًا أخطأ في هذا كما يخطئ من هو أعلمُ منه ؛ فالدفاعُ عنه بعد هذا مغالطةٌ ، وخيانةٌ للعِلْمِ .




    * وسيُلحَق بهذه المسألة مزيدُ تفصيلٍ إن شاء الله .


    ملحوظة :

    لن أردَّ بعد هذا إلا على الكلام العلمي المؤصَّل ، معرِضًا عن كلِّ ما سوى ذلك من اللَّغوِ .

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    هذا جيِّد منك، أبا قصي!
    وهذا هو الذي كان ينبغي أن تشرع فيه منذ المشاركة رقم 5 من موضوعنا هذا.
    وأعني بالجودة المنهجَ لا المضمون، بما أنّنا قد نختلف في الثاني...
    فأنت الآن تفسِّر وتبرِّر تعقيباتك؛ وهذا هو المطلوب.
    أتركك إذن تتولّى تحرير ما كان ينبغي تحريره منذ البداية. ثم إذا اتستوفيت كافّة تعقيباتك، عقَّبتُ عليها بإذن الله.
    والله ولِيُّ التوفيق.

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    62

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    =وإذن ، تبطلُ هذه الضلالاتُ التي تَردَّى فيها الأخُ ، ويثبتُ أنَّ السيِّد صقرًا أخطأ في هذا كما يخطئ من هو أعلمُ منه ؛ فالدفاعُ عنه بعد هذا مغالطةٌ ، وخيانةٌ للعِلْمِ .
    ......................
    أبا قصي
    ليهنأك هذا الكلام العلمي المؤصَّل، المار باللغو مر الكرام...

  5. #65

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    عودٌ إلى مسألة « المتنزل »


    لم أكد أفرُغ من القول في المسألة السابقة ، حتى تأوَّبني رَسٌّ كرسِّ أخي الحُمَّى ، وظَِلتُ في رِيبةٍ لا تنقضي ، وحَيرةٍ لا ترِيمُ ؛ فقد رأيتُ أني لم أعطِ المسألة حقَّها من البحث ، والنظر ، وتبيَّن لي أنَّ الأمرَ أعظمُ مما كنتُ أظنُّ ؛ فأزمعتُ أن أرجعَ إليها بنظرٍ آخَرَ غيرَ مبالٍ أيَّ سبيلٍ سلكَني ، ولا إلى أيِّ غايةٍ أسلَمَني ؛ فالعلماء الذين علَّمونا أن ننقدَ من نشاء ، وعلَّمونا أن نقسوَ أحيانًا ، هم الذين علَّمونا ألا يكونَ لنا مطلبٌ دونَ الحقِّ ، وهم الذين أدَّبونا بأدبِ العَدْلِ ، والإنصافِ .
    فطفِقتُ أراجعُ العشراتِ من كتبِ العربيَّة ، بل المئاتِ ، حتى خُيِّلَ إليَّ أني أحطتُّ بجميعِ المواضع التي وردتْ فيها هذه الرِّوايةُ ؛ ولكن لم يشفِ غُلَّتي هذا الضبطُ ؛ إذ لم ينصَّ عليه أحدٌ من العلماء ، معَ حرصِهم على إثباتِ الفروقِ ، وفكِّ المشكلاتِ ؛ فهذا أبو أحمدَ العسكريُّ – وهو الذي لم يكد يفِيت شيئًا من معلَّقة امرئ القيسِ مما يجوزُ عليه التصحيف - عرَض لأبياتٍ من المعلَّقة يخطِئ فيها الناسُ في كتابه « شرح ما يقع فيه التصحيف » فبيَّن الصوابَ فيها ، كتنبيهه على همزِ ( مأسلِ ) ، وتخفيفِ ( نضت ) ، وفتح الصاد ، وكسرها في ( صَِراية ) ، وفتح الباء في ( بعد ) ، وضمها ، ولم يعُج على ( المتنزل ) .
    وهذا أبو سعيدٍ السكَّريُّ ، وأبو بكرٍ الأنباريُّ ، وأبو جعفرٍ النحاسُ ، وهم القامةُ على معلقة امرئ القيس ، المهَرة بها ، ومنهم – وهو أبو سعيدٍ – من سمِعَها من تلاميذِ الأصمعيِّ ، كأبي حاتمٍ ، وأبي إسحاقَ الزيِّاديِّ ، لم يعرِضوا للفتحِ البتةَ .
    وهذا أبو عليٍّ القالي – وهو تلميذُ ابن دريد ، وأبي بكرٍ الأنباريِّ ، وغيرِهما – أوردَ هذا البيتَ مرَّتينِ في كتابه « المقصور والممدود » ، ولم يُشِر إلى ما يَدُلّ على الفتحِ .
    وهذا أبو محمد بن بري – وهو المحقِّق ، الناقد – مرَّ بهذه الرِّواية في حاشيته على « الصحاح » ، وحاشيته على « درة الغواص » كمرِّ الرائح المتحلّب ؛ لم يُعقِّب عليها بشيءٍ .
    وهذا عبد القادرِ البغداديُّ – وهو مَن هو سعةَ اطِّلاعٍ ، ومعرِفةٍ – أوردَ البيتَ الذي فيه ذِكْرُ ( المتنزل ) في « خزانة الأدب » ، ثم نصَّ على أنَّها اسمُ فاعلٍ ، ولم يذكر روايةَ الفتح ، ولو مخطِّئًا .
    وفزِعتُ إلى أسفار أهلِ العلْمِ دقيقِها ، وجليلِها ، أفتِّشُ فيها ، وأستنطقُها ؛ عسى أن أظفرَ منها بنصٍّ صريحٍ ، أو يُشبِه الصريحَ ، أجلو به هذه الحَيرةَ التي تكنفتني ، والغموضَ الذي تلبَّسَ هذه الرِّوايةَ ؛ ولكنْ لم أظفر بشيءٍ .
    ونعم ! هذه حججٌ ظنِّيَّة لا تقضي بإبطالِ الرِّوايةِ ، أو ما يُحتمَل أن يكون روايةً ؛ ولكنَّها لا تزال تُلِحّ على ذهن الباحث ، وتُدخِل عليه الارتيابَ ، والشكَّ في ما انتهَى إليه ، حتى يعاوِد النظرَ فيه .
    + ثم قلتُ :
    وما تُنكِر أن تكونَ هذه رِوايةً غير مشهورةٍ مرَّت من طريقٍ غيرِ طريقِ رُواةِ المعلَّقاتِ ، وصُنَّاع الدواوينِ ؟
    أفيجِبُ أن يَّعلمَ هؤلاءِ بكلِّ روايةٍِ سمِعَها الرَّعيلُ الأوَّلُ من العلماء عن العربِ ؟
    + ثم رمَيتُ ببصري إلى الجانب المناوِحِ ، فوجدتُّ رِوايةَ الفتحِ ثابتةً في جملةٍ من مصادرِ العربيَّة تباعِدُ بادئَ الرأيِ مظِنَّة تصرُّف المحقِّقين .
    فهي ثابتةٌ من كتب اللغة في « المذكر والمؤنث » ، وفي « تهذيب اللغة » ، وفي « مجمل اللغة » ، وفي « حاشية ابن بري على درة الغواص » ، وفي « لسان العرب » ، وفي « تاج العروس » ، ومن كتب الأدبِ في « المعاني الكبير » ، وفي « الشعر والشعراء » ، وفي « رسالة الغفران » ، وفي « جواب اعتراضات ابن العربي » لابن السِّيد البطليوسي .
    = وقد يكونُ وجودُها في هذه الكتب ، وأزيدَ منها ، غيرَ ذي بالٍ ، لولا أنَّها جاءت منتظمةً على وجهٍ يُوهِم أنَّها رِوايةُ الأصمعيِّ ؛ فالفتحُ الذي في « التهذيب » إنما جاء في سياقِ كلامٍ نقلَه عن أبي عبيدٍ ؛ وأبو عبيدٍ إنما ذكرَه في « الغريب المصنَّف » عنِ الأصمعيِّ ؛ فإذا راجعنا « الغريب المصنَّف » الذي حقَّقه العبيديُّ ، وجدنا الرِّوايةَ فيه بالكسر ، لا بالفتحِ ؛ ولكنْ يَردُّنا إلى الحَيرةِ الأولَى أنَّ كلامَ الأصمعيِّ هذا نقلَه ابنُ فارسٍ في « المجمَل » ، وضبطَ المحقِّقُ الراء بالفتحِ ، وأحالَ في الحاشية على « الغريب المصنف » ؛ فإذا نظرنا في ثبَت المراجعِ ، وجدناه رجعَ إلى مخطوطةِ المتحفِ العراقيِّ ؛ وهي مخطوطةٌ لم يعتمد عليها العبيديُّ في طبعتِه للكتابِ .
    فهل كانت الراءُ مضبوطةً بالفتح في تلكَ المخطوطة ، وعليها اعتمدَ المحقِّق ، وأبو منصورٍ أيضًا ، أم اعتمدَ المُحقِّق في الضبطِ على مخطوطاتِ « المجمَل » نفسِها ؟ أم كانت الراءُ في مخطوطة « الغريب » ، و « المجمل » غيرَ مضبوطة ؛ فضبطَها استنادًا إلى « اللسان » ؟
    لا ندري .
    وإذن ، نقف هنا ، حتى نراجعَ هذه القضيةَ عمَّا قليلٍ .
    = وأمرٌ آخَرُ يوهِمُنا أنها رِواية الأصمعيِّ ؛ وهو ورودُها بالفتحِ في « المذكر والمؤنث » لأبي حاتمٍ ؛ وأبو حاتمٍ من كبار تلاميذ الأصمعيِّ ، وكثيرٌ من علمِه مأخوذٌ عنه .
    = وزادَ هذه القضيةَ تعقيدًا أنَّها وردت أيضًا في كتابين لتلميذ أبي حاتمٍ ؛ وهو ابنُ قتيبةَ ؛ وذلكَ في « الشعر والشعراء » ، و « المعاني الكبير » .
    فهل نعُدُّ هذا دَليلاً على صِحَّة الفتح ، وأنَّه تلقَّاها عن الأصمعيِّ أبو عبيدٍ ، وأبو حاتمٍ ، ثم تلقَّاها عن أبي عبيدٍ نقلاً من كتابِه أبو منصورٍ الأزهريّ ، وابن فارسٍ ، وتلقَّاها عن أبي حاتمٍ سماعًا تلميذُه ابنُ قتيبةَ ، أم نعدُّه من المصادفاتِ النادرة التي أوقعَنا فيها خطأ النُسَّاخِ ، أو المحقِّقين ؟
    = ولكن إذا رجعنا إلى كتاب « المذكر والمؤنث » بتحقيقِ عزة حسن ، وجدناه ضبطَ الراءَ بالكسرِ ، لا بالفتحِ ، خلافًا لحاتم الضامن في تحقيقه . وليس هذا العجبَ ؛ وإنما العجَب أنهما اعتمدا على نسخةٍ واحدةٍ .
    = وممَّا يزيدُني حَيرةً أنَّ الضامنَ أحالَ عند ورود البيت إلى « ديوان امرئ القيس » الذي حقَّقه محمد أبو الفضل إبراهيم ؛ وهو مضبوطٌ فيهِ بالكسرِ ، لا بالفتحِ !
    فما الذي حملَه على أن يصِرَّ على الفتحِ معَ علمِه أنها بالديوانِ مضبوطةٌ بالكسرِ ؟
    أفكانت مضبوطةً في المخطوطةِ بالفتحِ ؟
    فإن كانَ هذا ، فلِمَ اختارَ عزة حسن الكسرَ ؟
    أكان هذا مخالفةً منه لما في النسخةِ ؟ أم كانت الراء غيرَ مضبوطةٍ في النسخةِ ؛ فاجتهدَ كلٌّ منهما ؛ فاختارَ ما يراهُ صوابًا .
    فإن كان هذا ، فلِمَ تركَ الضامن رِوايةَ الديوانِ ؟
    لا ندري .
    وإذن ، نقف هنا كما وقفنا آنفًا ، حتى نراجعَ هذه القضيةَ عما قليلٍ .
    = وإذا رجعنا إلى « الشعر والشعراء » ، وجدنا الشيخَ شاكرًا ضبطَها بالفتحِ . وقد ذكرت في الردِّ السابقِ أنَّه رجعَ إلى نُسخٍ خطيَّة . وهو خطأ ؛ وإنما اعتمدَ على طبعة ( ليدن ) . وقد رجعتُ إلى طبعة ( ليدن ) ، فألفيتها مضبوطةً بالفتحِ . وقد أحالَ الشيخ عند ورود البيت في الحاشية على « اللسان » . وظاهرٌ جدًّا أنَّه اعتمدَ في هذا الضبط عليهما ، أو على أحدِهما ، أعني « اللسان » ، وطبعة ليدن . فلا يبقَى في هذا مستمسَك .
    ولكن على أيِّ شيءٍ اعتمدَ دي غوية ؟
    أكان اعتمدَ على نسخةٍِ خطَّيَّة ؟ أم اعتمد على « اللسان » .
    لا ندري .
    وإذن ، نقف هنا كما وقفنا آنفًا ، حتى نراجعَ هذه القضيةَ عما قليلٍ .
    = وإذا رجعنا إلى « المعاني الكبير » ، رأينا مصحِّحه اعتمد على نسخةٍ كُتبت في زمنٍ متأخِّرٍ . وهي نُسخة مشحونةٌ بالأغلاطِ ، والتصحيفاتِ ، يَظهر أنها غيرُ مضبوطةٍ ؛ فلعلَّ فتحَ الراء فيها من عملِ المستشرق كرنكو ، أو اليماني ؛ تلقيَاه عن « اللسان » .
    + وأما سائِر الكتب التي وردَ فيها الفتحُ ، فليست ممَّا يُحتجّ به ، لأنَّ أصحابَها لم يكونوا من أهلِ الرِّوايةِ ، ولا شافهوا العربَ . وأنا أذكرُها معَ ذلك مبيِّنًا ما فيها .
    = فأما « تاج العروس » ، فالضبطُ فيه بلا شكٍّ من عمَل المحقِّقِ ، اعتمدَ فيه على « اللِّسان » . وذلك أنَّ الكتابَ أصلاً لم يضبِطه مؤلِّفه الزَّبيديُّ بالشكل عندما ألَّفَه . وفي آخرِ الكلامِ الذي نقلَه تصحيفٌ ؛ إذ ذكرَ ( عن أبي عبيدة ) . والصواب ( عن أبي عبيد ) .
    = وأما « لسان العرب » ، فلا ندري أكانت الراء مضبوطةً بالفتح في النسخة التي اعتمدَ عليها مصحِّح طبعة بولاق ؟ أم اعتمدَ في ضبطِها على « تهذيب اللغة » ؟ لأنَّ الذي في « اللسان » منقولٌ عن « التهذيب » بنصِّه .
    وهذا نصُّ « اللسان » :
    ( الأصمعيُّ : الصَّفواء ، والصفوان ، والصفا ، مقصور ، كلُّه واحدٌ . وأنشد لامرئ القيس :
    كميتٌ يزِلّ اللِّبدُ عن حالِ متنِه *** كما زلَّت الصفواء بالمتنزَّلِ ) .
    ثم ذكرَ بعقِبه :
    ( ابن السكيت : الصفا : العريض من الحِجارة الأملس ) .
    وهذا نصُّ « التهذيب » :
    ( أبو عبيدٍ عن الأصمعي : الصفواء ، والصفوان ، والصفا ، مقصور ، كلُّه واحد . وأنشدَ :
    *** كما زلَّت الصفواءُ بالمتنزَّلِ ***
    الحراني عن ابن السكيت قال : الصفا : العريض من الحجارة الأملس ... ) .
    فقد رأيتَ أن ابنَ منظور نقلَ كلامَ أبي منصورٍ بنصِّه ، لم يزِد فيه إلا نسبة البيت لامرئ القيس ، وذكْرَ صدرِه ، وحذْفَ اسم أبي عَبيدٍ .
    وأيُّ ذلك كان ، فهو يعيدُنا ولا بُدَّ إلى « التهذيبِ » . وهي مضبوطةٌ فيه في النسخة المحقَّقةِ بالفتحِ !
    فهل كانَ ضبطُها بالفتحِ من فِعل أبي منصورٍ ، أم كان من فعلِ المحقِّق ، أخذَه من « اللسان » .
    فإن كان من فِعْل المحقِّق ، فعلى أيِّ شيءٍ اعتمدَ مصحِّح بولاق في الضبطِ بالفتح ؟
    وسواءٌ كان هذا ، أم ذاك ، فهو يردُّنا إلى « الغريب المصنف » كما تقدَّمَ .
    = وأما « جواب اعتراضات ابن العربي » لابن السِّيد البطليوسيِّ ، فقد ضبطَها المحقِّق بالفتحِ !
    ولكنَّ هذه الرسالةَ التي حقَّقها خرجت من قبل باسم « الانتصار ممن عدل عن الاستبصار » ؛ أخرجَها محقِّق آخرُ ؛ فلم يضبطها بشيءٍ مع اعتمادِه على أكثر من نسخةٍ .
    = وأما « رسالة الغفران » ، فقد اعتمدت المحقِّقة فيها على عِدَّة نسَخٍ ؛ ولكنا لا ندري ، أكانَ اعتمادُها في الفتح عليها ، أم على مصدرٍ آخَرَ .
    = ومثلُ ذلك « حاشية ابن بري على درة الغواص » .
    وحتى لو كانت الراءُ مضبوطةً في النسخ الخطيَّة لهذا الكتابِ ، والكتابين اللذين قبلَه بالفتحِ ، فلا حُجَّة فيها ، لتأخُّرِها .


    + وقد انتهينا من هذا كلِّه إلى أن نحصرَ احتمالاتِ ثبوتِ الضبطِ بالفتحِ في أربعةِ كتبٍ من كتبِ المتقدِّمين التي يصِحّ الاحتجاجُ برواياتِها ، داخلَنا فيها الشَكُّ ، لوجود سبِبه ؛ فلم نرَد بدًّا من الرجوعِ إلى مخطوطاتِها ؛ وهي :
    1-مخطوطة « الغريب المصنف » المحفوظة في مكتبة المتحف العراقي برقم 1628 .
    2- مخطوطة « المذكر والمؤنث » لأبي حاتم السجستاني . وهي نسخةٌ قديمةٌ ، كُتبت بخطٍّ واضحٍ ، مضبوطٍ بالشكل ، مقابلةٌ على الأصل عام 386 هـ . وهي محفوظة في مكتبة يوسف آغا بقونية في تركيا ، ضمن مجموع رقمه 295 .
    3-مخطوطة « الشعر والشعراء » . ولها عدَّةُ نسخٍ موجودة في مصر ، وسوريةَ ، والهند ، وغيرها .

    - فإن ثبتَ الفتحُ في مخطوطتين صحيحتيِ الضبط ، لكتابين مختلفين ، فأكثرَ ، كان هذا كافيًا في إثبات صحَّتِه .
    - وإن ثبت في مخطوطة واحدة ، فالحُكْم أنه من خطأ النسَّاخِ ، لمخالفتِه الأدلَّةَ الظنيَّةَ الكثيرةَ .
    - وإن لم يثبت في شيءٍ من ذلك ، فلا ريبَ في بطلانِه ، وأنَّه جميعَه راجعٌ إلى خطأ وقعَ فيه مصحِّح طبعة بولاقٍ تلقَّفَه عنه غيرُه ، ربَّما ابتدأه من لدنه ، وربَّما استندَ فيه إلى « التهذيب » إن كانت الراءُ مضبوطةً في إحدى مخطوطاته بالفتحِ ، ويكونُ الخطأ راجعًا إلى نُسخة « التهذيب » . ويُنظر في هذا نسخة « اللسان » المحفوظة في دار الكتب المصرية برقم ( 46 لغة ) . ولا أدري أهي النسخة الثانية التي اعتمد عليها مصحِّح بولاق ، أم نسخةٌ أخرى . كما يُنظر في مخطوطات « التهذيب » المفرَّقة في العالم ( راجع : مقدمة « تهذيب اللغة » ) .

    + وهذا لا يعني تركَ الاحتجاج بضبط المحقِّق مطلقًا ؛ وإنما الأصل أن يُحتجَّ به إذا كان ثِقةً ، عالمًا ، حتى يقعَ الشكّ فيه ، أو يقومَ الدليلُ على خلافِه .

    + وأرجو ممَّن يستطيع من القرَّاء الكرامِ الاطِّلاعَ على بعضِ هذه المخطوطاتِ ، وتصويرَ موضعِ الخلافِ منها ، ألا يبخَل علينا بذلك ، وله منا الشكرُ واصِبًا .


    هذا ، والله تعالَى أعلمُ .

  6. #66

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    تصحيح :
    احتمالاتِ ثبوتِ الضبطِ بالفتحِ في أربعةِ كتبٍ من كتبِ المتقدِّمين
    لوجود سبِبه
    الصواب :
    ... ثلاثة كتب ...
    لوجود سببِه

  7. #67

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    زادك الله علمًا وأدبًا وإنصافًا ، جزاكم الله خيرًا ، ونفع الله بكم وبعلمكم

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    هذه توضيحات تتعلَّق بالاختلاف الواقع في ضبط "بالمُتَنَزِّ ِ" من بيت امرئ القيس:

    ** أوّلاً: يتجلّى أنّ "السيد صقر"، رحمه الله، بريء من تهمة "نفي الروايات". وإذا أردنا تمحيص ضبط بيت من أبيات المعلَّقات أو فهمه، فإننا نرجع –أوّلَ ما نرجع- إلى شرَّاحها، لأنَّهم الأدق ضبطًا لرواياتها والأكثر فهمًا لها، بحكم اعتنائهم بها. وهذا ما فعله السيِّد.

    ** ثانيًا: شرَّاح المعلّقة وديوان امرئ القيس مجمعون على ضبط الزاي بالكسر، وهذا الضبط لم نستخلصه من ضبط المحقِّقين، بل من شرح الشارحين، وهو أقوى دلالة.

    ** ثالِثًا: في "طبقات فحول الشعراء" (ج1، ص84-85) ضبط العلاَّمة محمود شاكر الكلمةَ بكسر الزاي. وهو محقِّق، ولُغويّ، وشاعر، وناقد. وفي الهامش قال: "والمتنزل: الذي ينزل عليها متجشما حذرا". ثم: "كالنازل على الصخرة الملساء، ينزلق مرَّةً هنا ومرة هنا ويتماسك". وأخوه أبو الأشبال ضبط نفس الكلمة بفتح الزاي استنادًا إلى "اللسان". وملازمة أبي فهر للسان العرب مشهورة الخبر.. لكن ترجَّح لديه أنَّ الكسر هو الذي به يتوجَّه معنى به البيت، لا الفتح.
    وفي تحقيقهما لتفسير الطبري، تجدهما ضبطا "بالمتنزّل" بكسر الزاي. وفي الهامش تقرأ: "والمتنزّل الذي ينزل عليها فيزلق عنها".

    ** رابعًا: يبدو أنَّ معظم المحقِّقين الذين ضبطوا "بالمتنزّل" بفتح الزَّاي اعتمدوا على ضبط "اللسان". وضبْطُ "اللسان" كضبط اليَدِ... يقع له أن يزلّ كما زلّت الصفواء بالمتنزِّل. ومن حقَّق "التهذيب" اعتمد أيضًا على ضبط محقِّقي "اللسان"، لأنهم اعتمدوه مرجعًا للتصويب في عدَّة مواضع. ولهذا تجد بعضهم يضبط الكلمة بفتح الزاي، انضباطًا بما ضبطه محقِّقوه؛ ثم إذا راح يشرح البيت، شرحه بما يفيد كسر الزاي!

    (يتبع...)

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    (... تابع)

    ** خامسًا: حكاية المخطوطات المضبوطة بالشَّكْل: لا دليل عليها. ولو كانت كذلك، لأشار إليها المحققون في مقدماتهم. بل حتى لو كانت كذلك، لظلّ الشك حولها قائمًا إلى أن يتمّ إثبات صحة إسناد ضبطها إلى المؤلِّف. بل لو ثبت ذلك، لظل خطأ النُّسَّاخ واردًا. وهذه بعض الأمثلة المتعلِّقة بموضوعنا ومصادره:
    1_ في "التهذيب" (ج12، ص252)، أي بعد صفحتين من الموضع الذي ضبط فيه المحقق "بالمتنزّل" بفتح الزاي! نقرأ هذا البيت:
    "كأنَّهُمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ --- صَواعِقُها لَـطَيْرِهِنَّ ذَبِيبُ"
    وفي الهامش المتعلّق بهذا البيت: "وفي "اللسان": دبيب، بالدال المهملة." ولم يقل: "هو تحريف" كما هو دأبه في تصويب الأخطاء البيِّنة!
    فهل نعتبر ضبطه لـ "لطيرهن" بفتح اللام روايةً؟ مع أنَّها خطأ مطبعي واضح! وما الذي يجعلنا نجزم بأنّ فتح الزاي من "بالمتنزّل" في اللسان ليس خطأ مطبعيًّا؟
    وهل نتخذ من "ذبيب" رواية تعتمد؟ ونخترع لفظًا جديدًا لا وجود له، لأنَّ أحد النُّسَّاخ لم يجفِّف قلمه جيِّدًا، أو لأنَّ المحقِّق وهم في ضبط الكلمة!
    والبيت في "المفضّليّات"، وتفسير الطبري (قوله تعالى: "أو كَصَيِّبٍ من السَّماء")، و"البحر المحيط" (قوله تعالى: "وبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ")، وفيها جميعًا "دبيب" بالدال المهملة.
    2 _ في التهذيب أيضًا (التهذيب، ج12، ص257)، أي: بعد 8 صفحات من الموضع الذي ضبط فيه المحقق "بالمتنزّل" بفتح الزاي! نقرأ:
    "يقال: صَبَأْتُ على القَوْم صَبْـأٌ وصَبَعْتُ"
    فهل هذا خطأ مطبعي؟ أم سنعتبره ضبطًا من المحقق ونؤسِّس عليه وجهًا من وجوه الفهم؟ أو نسلِّم أنَّ المخطوط جاء مضبوطًا بهذا الشكل، فنتخذه قاعدة؟!
    3_ في "التهذيب" دائمًا (ج12، ص258)، أي: بعد 8 صفحات من الموضع الذي ضبط فيه المحقق "بالمتنزّل" بفتح الزاي! نقرأ هذا البيت:
    "فلا تعجْل علَيَّ ولا تَبُصني --- ودالِكْني فإنِّي ذو دلالِ"
    ثم نقرأ في الهامش: "في د، م: "ذو دلاك"، والتصويب عن اللسان مادتي بوص ودلك"!!
    لكن!
    لكن، في ج10، ص118 من الكتاب نفسه (مادة دلك) نجد:
    "فلا تَعْجَلْ علَيَّ ولا تَبُصني --- ودالِكْني فإنِّي ذو دِلاكِ"!!
    وفي الهامش نقرأ: "البيت في: ل/دلك، بوص بدون نسبة، وفيه: دلال بلام أخيرة مع فتح الدال"!!
    والجزء العاشر حقَّقه: علي حسن هلالي، والثاني عشر حقَّقه: أحمد البردوني. وهذا الوهم يتقاسمان مسؤوليته، لأنّه كان يُفترَض أن يطّلع كُلٌّ منهما على عمل الآخر. لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المشرف على المراجعة: محمد علي النجار، وكذا مَن وضع فهارس الكتاب...
    والدلال لا دخل له في هذا البيت؛ بل هو الدلاك. دالَكْتُ الرَّجُلَ مُدالَكَةً ودِلاكًا: ماطَلْتُه دَيْنَه. والمدالَكة تعني أيضًا: الإلحاح في التقاضي. فيكون معنى عجز البيت: وألِحَّ علَيَّ في تقاضي دَينك، فإنِّي معروف بالمماطلة...
    وهذا الملحظ يصيب "اللسان" و"التهذيب" معًا...
    4_ في "اللسان" (مادة: خشم): "والخَشَمُ: سُقُوطُ الخياشيم وانسدادُ الـمُتَنَفِّس" بكسر الفاء، في طبعة صادر.
    وفي طبعة المعارف: "وانسداد الـمُتَنَقَّس" بالقاف! والصواب الظاهر: المتنَفَّس.. والمتنفّس على وزان المتنزّل، ولهذا أوردتُ هذا المثال...
    والأمثلة في هذا الباب كثيرة، وهي لا تعني التشكيك في هذه المصادر أو أمثالها، بل هي دعوة للتمحيص وعدم اتخاذها إمامًا معصومًا... والتمحيص يجب أن يكون مستوعبًا، وأن يأخذ الوقت الذي يستحقُّه...
    (يتبع...)

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    (... تابع)

    ** سادسًا: في "اللسان" (بولاق وصادر): "بالمُتَنَزَّلِ" . لكن في طبعة المعارف: "بِالـمُتَنَزِّ ِ". ومن محاسن طبعة المعارف أنَّها استدركت الأخطاء التي اعتورت سابقتَيها... فالإحالة إلى "اللسان" ساقطة من هذا الباب.
    والغريب أنّك في مادة "صفا"، المادة نفسها التي ذُكر فيها بيت امرئ القيس، تقرأ قول أوس ابن حجر:
    عَلَى ظَهْرِ صَفْوَانٍ كأَنَّ مُتُونَه --- عُلِلْنَ بِدهْنٍ يُزْلِقُ الْمُتَنَزِّلاَ !!!
    وقال امرؤ القيس بن جبلة السكوني:
    وبَاتَ يَرَى الأَرْضَ الفَضاءَ كَأنَّها --- مَراقِبُ يَخْشَى هَوْلَهَا الْمُتَنَزِّلُ
    وهذا شاهد قويّ...

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    (... تابع)

    ** سابعًا: لكن، هل ضبط "بالمتنزّل" بفتح الزاي خطأ؟ وما الذي جعل عددًا من الأعلام يأخذون به، مع علمهم بما ورد في شروح المعلَّقة؟
    هذا هو السؤال...
    وللجواب عنه، لا بد من محاولة إدراك المعنى الذين فهمه القائلون بفتح الزاي.
    أمّا الاكتفاء بتوضيح أنّ "المتَنَزَّل" اسم مفعول، ثم تقرير أنّ المراد به المطر، فهذا لا يكفي...
    والراجح أنَّهم فهموه حسب ظاهر تركيبه، أي: أنّ الباء من "بالمتنزّل" تفيد الظرفية؛ فليست الصفواء هي التي تُزِلُّ المتنزّل، بل الصفواء هي التي تزِلُّ بالمتنزَّل. فيكون "المُتَنَزَّل" هنا، بهذا المعنى: اسم مكان، أي موضع النزول، بمعنى: الـمَهْوى أو المنحدَر. فعدم التفاتهم إلى المعنى الآخر، أي: كما أزَّلت الصفواءُ المتنزّلا، هو الذي جعلهم يقولون بفتح الزاي.
    ويشهد للمتنزَّل بمعنى الموضع المنحدر قول عمرو بن شأس:
    وَحُجْرًا قَتَلْنَا عُنْوَةً فَكَنَّمَا --- هَوى مِنْ حَفافَيْ صَعْبَةِ المُتَنَزَّلِ
    أي: صعبةَ النزول.
    وقال الخطيم المحرزي:
    ألا أيُّها الغادِي لِغَيْر طريقِهِ --- تَمَهَّلْ تَنَاهَ ولَمَّا تَعْيَ بِالمُتَنَزَّلِ
    ولعلّهم التفتوا إلى قول امرئ القيس:
    --- كجلمود صحْرٍ حَطّه السَّيْلُ مِنْ عَلِ
    فعَلِق بأذهانهم عند قراءة البيت الذي يعنينا...
    والمستنَد الآخر، الأقوى في نظري، هو ابن قتيبة. نعم، ابن قتيبة!
    إذ يقول في "المعاني"، بعد ذكر بيت امرئ القيس:
    "حال متنه: موضع اللبد. قال الأصمعي: لم أسمع به إلا في هذا البيت. وشبَّه زليلَ اللّبْدِ عنه بصخرة تَزِلُّ في هبوط."
    فالذي يَزِلّ عند ابن قتيبة ليس النازل، سواء كان مطرًا أو طائرًا أو إنسانًا، بل الصفواء. ومن هنا، لا يصحّ ضبط "بالمتنزّل" في كتاب المعاني إلاَّ بفتح الزاي، لتنسجم مع شرح المؤلِّف. ثم يشار في الهامش إلى الوجه الآخر الذي ذكره شرَّاح المعلَّقات، وكذا الوجه الذي يراه المحقِّق راجحًا.
    هذا الذي أراه تفسيرًا وتوجيها لرأي من يضبط "المتنزّل" بفتح الزاي. وإن كان الشيخ أحمد شاكر رحمه الله استند في ضبطه إلى "اللسان" لا إلى "كتاب المعاني".
    وشرح ابن قتيبة لبيت امرئ القيس على النحو الذي ذكرتُ يبدو فيه متجاهِلاً لمعنى "الصفواء" واختصاصها بالملاسة، ذلك لأنّ "الصفواء" عنده هي: الحجارة (الجراثيم: ج2، ص41، حيث لم يقيِّدها بصفة الملاسة أو الصلادة).
    والمعنى الذي ذهب إليه شرَّاح المعلَّقات وغيرهم أكثر انسجامًا مع صدر البيت وأقوى تعبيرًا وتصويرًا. ويعكِّر على المعنى الذي ذهب إليه ابن قتيبة أنَّ الصخر النازل قد يعترضه شجر أو صخر آخر أكبر منه، فيحبسه أو يعطِّل سرعة هبوطه. والأمر ليس كذلك إذا أخذنا بقول شرَّاح المعلَّقات، حيث الزلل واقع وسريع إذا اعتبرنا المتنزِّل هو المطر؛ وحيث المتنزِّل إذا اعتبرناه طائرًا أو إنسانًا يجتهد في النزول بحذر، ومع ذلك يسقط في النهاية، وهذا أبْلَغ تصويرًا وتشبيهًا. والسر كل السر هو: ملاسة متن الفرس، لأنَّ هذا هو الذي قصده امرؤ القيس؛ وهذا المعنى وهل عنه ابن قتيبة.
    والله أعلم.
    ولهذا، لمّا أشرتُ في إحدى حلقات "ففهّمناها" إلى أنَّ السيِّد أصاب من وجه، وأنّ أبا الأشبال أصاب من وجه آخر، لم يكن ذلك من باب المهاترة، أو السفسطة، أو على مذهب المصوِّبة؛ بل بالنظر إلى مثل هذه الدقائق. ولو جمعنا مذهب السيّد ومذهب أبي الأشبال في هامش واحدٍ تعليقًا على بيت امرئ القيس، على النحو الذي ذكرتُه؛ لما بدا التعليق متناقضًا، بل لكان متكاملا شاملا مفيدًا.
    ومن هنا وجب التريُّث في إطلاق الأحكام، وإعطاء هذه المسائل ونظائرها كل الوقت اللازم، واستفراغ الجهد بحثًا ودراسةً وتمحيصًا...
    ومع هذا، ينبغي دومًا أن يتوقَّع الإنسان من نفسه الخطأ، ويجتهد في معرفة أعذار من خطّأهم...
    ثم بعد هذا كلِّه، يختم كلامه قائلاً: "والله أعلم"؛ إقرارًا بالقصور الملازم للبشر، وتفويضًا للعلم الحقيقي التام الكامل في الأمور كلِّها لله تعالى.
    والله أعلم.

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    ** تصويبان:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواحدي مشاهدة المشاركة
    (... تابع)

    قول عمرو بن شأس:
    وَحُجْرًا قَتَلْنَا عُنْوَةً فَكَنَّمَا --- هَوى مِنْ حَفافَيْ صَعْبَةِ المُتَنَزَّلِ
    ...
    ألا أيُّها الغادِي لِغَيْر طريقِهِ --- تَمَهَّلْ تَنَاهَ ولَمَّا تَعْيَ بِالمُتَنَزَّلِ
    فَكَنَّمَا= فكَأنَّمَا
    تَمَهَّلْ = زائدة، تحذف.

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    لم يرق لي أسلوب الأستاذ الواحدي في نقده اللاذع وسخريته الفظة واستصغاره أخاه -كقوله "يا بنيّ"-!
    (ورحمة الله على الشيخ ابن جبرين فقد كان يخاطب من هم في أسنان أحفاده بلفظ الأخوة)
    بما يظهر تعصبه البالغ للسيد صقر(وهو ما أدى -في نظري- لتداعي صورة محمود شاكر ولويس عوض في مخيّلة الأستاذ أبي قصيّ)
    فإنه حتى لو كان أبو قصيّ جانب الصواب في كل ما قال
    فما هكذا تورد الإبل في تقويم الخلل لا من حيث الشرع ولا الأدب
    ومهما يكن من أمر فما انتقده المنصور على السيد صقر ليس كفراً ولا هو من الموبقات
    بل يقبل النظر والبحث..
    غير أني ألقي على أبي قصي باللائمة في دعائه على أحد إخوانه بقطع الأنامل وإن كان قيّد دعوته بما لو كان كاذباً

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواحدي مشاهدة المشاركة
    (... تابع)

    أي: كما أزَّلت الصفواءُ المتنزّلا، هو الذي جعلهم يقولون بفتح الزاي.

    ** تصويب:
    المتنزّلا= المُتَنَزِّلَ

    الأخ الكريم "معارج":
    بارك الله فيك لاهتمامك ومتابعتك للموضوع.
    عندما قلتُ "يا بني"، لم أقصد أبا قصي.
    وهذا أسلوب في الكلام، هو يعرفه ويدركه؛ ولهذا لم يعترض عليه.
    والمسألة بعيدة كل البعد عن التعصب، بل فيها تذكير بأسس النقد، ومراعاة مقامات الناس...
    أمَّا "الأدب" و"الشرع"، فأرجو أن تقرأ الموضوع منذ أوَّل حرف فيه...
    جزاك الله خيرًا على الصدق في النصيحة.

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    شكرالله لك تقبلك الجزئي لنقدي
    وليس المقصود كلمة "بني" على أي حال
    أما استعمالها فمعروف المعنى مشهورٌ بين المتناطحين
    وفقكم الله للصدق في الأقوال والعدل في الأحكام

  16. #76

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    الحمد لله !
    الحمد لله الذي هدانا لهذا !

    فقد وافق كلامُ ابن قتيبة في « المعاني الكبير » ما اعتلجَ في نفسي منذ البدء ، وصحَّح ما ذهبت إليه ، وبيَّن خطأ السيد صقر .

    وهذا النصُّ دالّ على أن رأي ابن قتيبة هو فتح الراء . و « الشعر والشعراء » الذي حقَّقَه أحمد شاكر كتاب لابن قتيبة ، لا لغيره ؛ فالواجب أن يُضبط الضبطَ الذي اختارَه هو .

    وبعد ،
    س / فهل أخطأ السيد صقر ؟
    ج / نعم .
    س / كيف ؟
    ج / من وجهين إن سلمنا ببراءته من أحدهما ، لم نسلم ببراءته من الآخر :
    الأول : تخطئته رواية صحيحة رواها ابن قتيبة .
    الثاني : عدولُه عن الضبط الذي اختاره ابن قتيبة في بعض مصنفاته .
    س / هل يَنقص هذا من قدر السيد صقر ؟
    ج / لا ، لأن هذه مسألة دقيقة جدًّا قد تخفَى على من هو أعلمُ منه . ولولا أني نبَّهت عليها ، لما وجدتّ لها ذاكرًا إلا أن يَّشاء الله .
    س / وماذا بقِيَ في المسألة ؟
    ج / بقي التأكُّد من مخطوطة « الغريب المصنف » ، و « المذكر والمؤنث » لننظرَ ، أهي رواية الأصمعي ، وأبي حاتم أيضًا ؟ أم لا ؟


    تنبيهات :
    1-كل كلام في ترجيح " المتنزِّل " بالكسر إنما هو عبث ، وتضييع الوقت بلا طائل ؛ ذلك أنه كلام خارج موضع النزاع أصلاً .
    2-هناك كلامٌ طويلٌ هو من تحصيل الحاصل ، كالاحتجاج لكون " المتنزل " اسم مكان ؛ فإن العارف بالتصريف يعلمُ أنَّ هذا قياس مطرِد لا يحتاج إلى طلب السماع له طلبًا يُسقِط صاحبَه في التناقضات ؛ انظر هنا :
    ( ويشهد للمتنزَّل بمعنى الموضع المنحدر قول عمرو بن شأس :
    وَحُجْرًا قَتَلْنَا عُنْوَةً فَكَأنَّمَا --- هَوى مِنْ حَفافَيْ صَعْبَةِ المُتَنَزَّلِ
    أي: صعبةَ النزول ) .
    فهل كان هذا الكلام ملفَّقًا من كتابين ؟
    وكبيان كثرة وقوع التصحيف في معجمات العربية ؛ فإن هذا ممَّا لا يخفى ، وهو أيضًا ممَّا لا يفيد شيئًا في تحقيق المسألة هذه ، ولا يضيفُ إليها زيادةً ؛ فلمَ تُسوَّد الصفحات بكلام مكرور لا فائدة فيه ؟
    3-إنما خرَّجتُ " المتنزل " على المفعولية ، وفسرتُها بالمطر ، لأنَّ هذا الوجه أقوَى من الوجه الآخَر ، ولم يكن ذلك الوجه الآخر خافيًا عليَّ ؛ ولكنه تركتُه لضعفِه البيِّن . وذلك أن تشبيه زليل اللبد عن متن الفرس بالصخرة وهي تزِلّ ، وتتدحرج في المنحدَر تشبيه مختلّ لثلاثة أمور :
    1-تخالف طريقة الحدَث ؛ فالصخرة تزِل ؛ ولكنَّها إذا زلَّت ، فإنما تهوِي هوِيًّا ، وتنحطّ انحطاطًا ، وتحطِم ما يصادفُها . وهذا لا يشبه صورةَ اللِّبد وهو ينزلِق من على صهوة الفرس ؛ إذِ انزلاقه ذلك خفيف ، غير عنيف .
    2-تخالف موضع الحدَث ؛ فاللِّبد إنما يِزلّ عن متن الفرس الأملس ، والصخرة إنما تزِل في المنحدَر ؛ وهو عارٍ من هذه الصفة . ولكلّ تشبيه غرضٌ ، إذا بطلَ ، بطلَ معه التشبيه ؛ والغرض هنا بيان أن متن الفرس أملسُ ؛ فلذلك شبَهه امرؤ القيس بالصفواء ؛ وهي الصخرة الملساء ؛ فإذا جعلتَها هي الزالّة ، انتقضَ الغرض من التشبيه ، وصارَ تشبيهًا ناقص الصورة لا يليق بنمط شعر امرئ القيس .
    3-أنَّ هذا المعنى كالتَّكرار للبيت الذي قبله :
    *** كجلمود صخر حطَّه السيل من علِ ***
    والأصل اختلاف الصوَر ، وتعدُّدها .

    ولي كلام مبتدَع في الباء في " زلت بالمتنزل " أدعه إلى مكان آخرَ غير هذا المكان إن شاء الله تعالَى .

    = وهذه هي المسألة الأولى من التعقيبات على السيد صقر ، وقد تبيَّن فيها أنه جانب الصوابَ .


    وننتقل إلى ما بعدَها .

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    سبحان الله العظيم!
    لا أنفكّ أعجب ممّا استبدّ بعقل أخينا!
    منذ أكثر من شهر، ذكر الضبطَ المثبت في "كتاب المعاني". والبارحة جاء ليقرِّر أنّ طبعة هذا الكتاب مشحونة بالأغلاط والتصحيفات...
    ثم لمّا ذكرتُ أنَّ ضبطَ الكلمة عند ابن قتيبة لا يحتاج إلى المحقق ولا الناسخ، بل يُرجع فيه إلى المعنى الذي وضعه ابن قتيبة نفسه للبيت؛ أطلَّ علينا أخونا بلهجة المنتصر، كاشفًا الغطاء عن أنَّ هذا الأمر "اختلج في صدره منذ البدء"!!
    والأغرب من ذلك أنّه اتخذ ما قرَّرتُه سُلَّمًا للإمعان في تخطئة السيد صقر!
    ثم عاد إلى آفته المتكرِّرة، وهي اعتبار كلِّ كلام في كتاب قديم روايةً!
    أين هي الرواية في كلام ابن قتيبة؟ فهو ذكر بيت امرئ القيس، ثم شرحه كما تبيَّن له هو، وشرحه هذا يقتضي فتحَ الزاي من "المتنزّل". وهذا كلُّه متعلِّق بكتاب "المعاني الكبير".
    أمّا الرواية، فهي إلى جانب شرَّاح المعلَّقات وشرَّاح الديوان. وهذا الأمر لا يمكن إنكاره...
    ثم أين هو الضبط الذي اختاره ابن قتيبة؟ ابن قتيبة لم يضبط الكلمة، بل استنتجتُ ذلك الضبطَ من شرحه للبيت. هذا الشرح الذي ظل أمام عيني أخينا لمدة تتجاوز الشهرَ، لكنه لم يلتفت إلى فحواه.
    وبعد ذلك يأتي ويقول: "لولا أنِّي نبَّهت عليها لَما وجدتَ لها ذاكرًا إلا أن يشاء الله"!
    سبحان الله!
    كم هو غريب أمر هذه النفس!
    وما زال يكرِّر الحديث عن العودة إلى المخطوطات! وحديثه عن المخطوطات عجيب غريب... حيث صار يزنها ويكيلها ويخضعها للعدَّاد.. ويقرِّر أنه إذا ثبت ذلك في مخطوطتين صحّ الضبط، وإن ثبت في واحد فهو من خطأ النسّاخ! ما هذا اللغو؟ وكأنّنا نسمع مقوّم الناقة!
    وما اعتبره من التناقضات هو ربّما ممّا يتجاوز فهمه، فلا داعي للتوقف عنده...
    وإنَّما ذكرتُ وقوع التصحيفات والأخطاء المطبعية في "التهذيب" و"اللسان حصرًا لإثبات أنّ الضبط في الكتب المطبوعة لا يُعتمد عليه في كل الحالات، اللهمّ إلا إذا كان الكتاب من ضبط المؤلِّف وصرَّح المحقِّق أنه اعتمد ضبطه من نسخة صحيحة. وأخونا منذ عشرة أيّام، زكّى كل المصادر التي ذكرت "بالمتنزّل" بفتح الزاي، وزكَّى محقِّقيها.. ثم أعاد النظر في كلامه البارحة.. ثم ها هو يعود ويزكِّي طبعة "المعاني الكبير"، مع أنَّ بيت امرئ القيس في هذه الطبعة مليء بأخطاء الضبط، ويستحيل أن تُنسَب إلى ابن قتيبة! وإنّما أثبتُّ ترجيحَ فتح الزاي في الكتاب استنادًا إلى شرح المؤلِّف لا إلى ضبط المحقِّق...
    والأدهى من ذلك كلِّه أنَّه أطال النَّفَس في رد الشرح الذي وضعه ابن قتيبة للبيت! وكنت أشرتُ إلى ذلك بشكل مختصر، فجاء ومطّطه وولَّد منه ما ليس المقام مقام ذكره... وإنّما نحوتُ منحى الإيجاز، لأنّ الذي يعنينا ليس ترجيح المعنى الصحيح للبيت، بل توجيه معناه على رأي من يقول بفتح الزَّاي.
    وأعود وأكرِّر: لا وجود لمصدر معتبَر ذُكِرَ فيه تصريحًا أنّ قول امرئ القيس "بالمتنزّل" هو بفتح الزاي. وإذا وجده الأخ، الذي أصبح ماهرًا في ألعاب الخفّة والسطو على جهود الآخرين، فلْيأْتنا به...
    ونحن في انتظاره، ولو "بعد شهر، أو شهرين، أو سنة"...
    ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلِيِّ العظيم!

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    8

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    أخي الحبيب الأستاذ الكريم الواحدي – حفظه الله –
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
    فأرجو أن تكونَ بخير وعافية.

    أخي الكريم ، لعلك تسمح لي بكليمات معدودات نابعات من قلبٍ مُحبٍّ مُشْفِقٍ على إخوانه ، يتعصَّب للعربية وأهلها!
    أخي الأستاذ الواحدي ، ليس بخافٍ عند الفضلاء من أمثالكم أنَّ الاختلاف في الرأي والمغايرة في العَرْضِ وطرائق المعالجة أمْرٌ سائغٌ مقبولٌ ، ولا يكونُ ذلك إلا إذا قام الحوار على عِلْمٍ ، وأدب ، وتَلَطُّفٍ ، ورويَّة في إطلاق الأحكام وتَجَرُّد وإنصاف.
    أخي الكريم ، لقد قَلَّبْتُ النَّظَر في تعقيبات الأخ الحبيب الأستاذ الفاضل أبي قصي فلم أجدْ حَرَجًا في ما ساق سوى بضع كليماتٍ كنتُ أحِبُّ له أن يجنح إلى غيرها ، والكرماء مِنْ أمثاله ينتقون أطايب الكلام كما يُنْتَقَى أطايب الثَّمَر ، ولعلَّ لأبي قصي عذرا ونحن نلوم!
    وأحسبُ أنَّ أبا قصي من الذين يتكلمون بِعِلْمٍ ، وهو مُجتهِد يخطئ ويصيب ، فإن يكن قد ساءك ما وجدتَ من شِدَّةٍ في أحكام أبي قصي...فلتنصح له برفق من غير تجريح ولا تسفيه ، ولتبين له خطأه بكلامٍ عِلميٍّ مؤصَّلٍ ، وما يضيرك بعدُ إنْ قَبِل أو لم يقبل! وما أخالُ أبا قصي إلا باحثا عن الحق مجتهدا في الوصول إليه وَقَّافا رَجَّاعا.
    أخوي الكريمين ، إني والله مُعْجَبٌ بما أوتيتما من جمال البيان وحُسْنِ الإفهام...مُتَلَ ِّذٌ بحديثكما سوى ما كان من مناوشاتٍ كاد بعضها يُذْهِب حلاوة قولكما! لكنَّ الله سَلَّمَ وحفظكما لنا مِنْ نَزْغِ الشيطان وجنده. فسيرا على بركة الله ، واستعيذا بالله من الشيطان الرجيم ، واسقياني من كؤوسكما عسلا مصفى.

    أخوكم/ عمار الخطيب

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    97

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمار الخطيب مشاهدة المشاركة

    لقد قَلَّبْتُ النَّظَر في تعقيبات الأخ الحبيب الأستاذ الفاضل أبي قصي فلم أجدْ حَرَجًا في ما ساق سوى بضع كليماتٍ كنتُ أحِبُّ له أن يجنح إلى غيرها ، والكرماء مِنْ أمثاله ينتقون أطايب الكلام كما يُنْتَقَى أطايب الثَّمَر ، ولعلَّ لأبي قصي عذرا ونحن نلوم! وأحسبُ أنَّ أبا قصي من الذين يتكلمون بِعِلْمٍ ، وهو مُجتهِد يخطئ ويصيب ... وما أخالُ أبا قصي إلا باحثا عن الحق مجتهدا في الوصول إليه وَقَّافا رَجَّاعا.

    حضرة الأستاذ عمار : هل أنت متأكد من الكلام أعلاه ؟؟؟؟؟!!!!! نرجو ذلك

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    8

    افتراضي رد: تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب ( الشعر والشعراء )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب الأدب مشاهدة المشاركة
    حضرة الأستاذ عمار : هل أنت متأكد من الكلام أعلاه ؟؟؟؟؟!!!!! نرجو ذلك
    أخي الكريم / محب الأدب - وفقه الله -
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    كنتُ قد قلتُ في مكانٍ آخر: " السيد صقر وهارون - رحمهما الله - من العلماء المحققين الكبار ، ولذا فإني أحبُّ لإخوتي كما أحبُّ لنفسي أن نتلطف في مخاطبة الكبار ونتخير أجمل العبارات وأحسنها ، وأن نكثر من الثناء عليهم ، والدعاء لهم...فهذا من برهم. ونحن لا ندعي العصمة لأحد ، ولا ننكر أنَّ هؤلاء بشر يعتريهم ما يعتري البشر من الخطأ والوهم والنسيان...وإنما أردتُ أنْ أذكِّرَ بحقهم لعلَّ الذكرى تنفع المؤمنين. " اهـ
    أرجو أن تجد في هذا الكلام ما يكشفُ عن مرادي حين قلتُ: " فلم أجد في ما ساق سوى بضع كليماتٍ كنتُ أحِبُّ له أن يجنح إلى غيرها...".
    فإن كنتَ ترى غير ما رأيتُ ، فإني أسأل الله تعالى أن يغفر لي ولك ولأبي قصي. وربنا يعلم الخفيات ، وما تنطوي عليه النيات.

    والسلام عليكم
    عمار محمد الخطيب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •