المسألة الأولى :
الاستقصاء ، والاستيعاب (*)
قلتُ في أصلِ الموضوعِ :
فذكرتُ منها [ أي : الروايات التي أنكرَها السيد صقر ] بعضَ ما صادفتُ غيرَ مستقصٍ ، ولا مستوعبٍ
فردَّ الأخ الكريم :
ومن حق أي قارئ لكلامه أن يقول: "هذه دعوى عريضة!" لأنّها توحي بكثرة ما يقتضي الرد على "السيد" أو يحتمله؛ وهذا يحتاج إلى استقراء يسنده، وبراهين تؤيِّده
# والردُّ عليه :
قولي : ( غيرَ مستقصٍ ، ولا مستوعبٍ )
-إما أن نأخذ بظاهرِه ( بدلالة المطابقة )
-وإما أن نأخذَ بلازمِه ( بالدلالة الخارجية )
= فأما الأخذ باللازمِ ، فلا يصِحُّ من وجهينِ :
1-إمكانُ الحملِ على الظاهرِ . وإذا أمكنَ الحملُ على الظاهرِ ، لم يجُزِ الخروجُ عنه .
2-أنَّ اللازمَ هنا جزئيٌّ ، لا كُليٌّ ؛ إذ قد تُكتشَفُ بعضُ الأخطاء بعدَ الاستقراء ، والاستيعاب ، وقد لا تُكتشَف .
= فإذا صِرنا إلى الظاهر ، كانَ معنَى الكلامِ : الإخبارَ المجرَّدَ عن عدمِ استقصاء نقداتِ السيد صقر ، واستيعابها . وليس فيه دَليلٌ قاطِعٌ على إثباتِ أنَّ هناكَ أخطاءً أخرَى .
* وإذن ، فقولُ الأخ : ( إن هذا يَحتاج إلى براهينَ تؤيِّدُه ) مخالِفٌ لبدهياتِ المنطقِ ، لأنَّه عدمٌ ؛ والعَدمُ لا يُستدَلُّ عليهِ ؛ إذ هو الأصلُ .
= ولو طردنا ذلك ، لكان لك :
1-أن تلقَى رجلاً في الشارع يمشي ، فتقبضَ عليه ، وتقولَ له : لقد سرقتَ منِّي خمسةَ آلاف ريال . فإذا قالَ لك : لم أسرِق . قلتَ له : ( إن هذا يَحتاجُ إلى براهين تؤيِّدُه ) ؛ فإذا لم يأتِ بالبراهينِ ، شكوتَه إلى المحكمةِ ، لتقيمَ عليه الحدَّ .
2-أن تصادفَ رجلاً في نهارِ رمضانَ ، فتقِفَه ، وتسألَه : هل أكلتَ شيئًا ؟ فإذا قال لك : لا ، لم آكلْ ، قلتَ له : ( إن هذا يَحتاجُ إلى براهين تؤيِّدُه ) ، فإذا لم يأتِ بها ، أشَعْتَ في الناسِ أنَّ هذا الرجلَ ممَّن يفطر في نهار رمضانَ ، لأنه لما طولبَ بالدليل على عدمِ أكلِه ، عجَز أن يأتيَ به .
و ( لم أسرق ) ، و ( لم آكل ) هي تمامًا نفسُ ( لم أستقصِ ) ، و ( لم أستوعب ) .
= الخلاصةُ في أخطاء الأخ :
-إن كانَ يقصِدُ الظاهرَ ، فقد أخطأ خطأ منطقيًّا ؛ وذلك حينَ طلبَ الدليلَ على العدمِ .
-وإن كان يقصد اللازمَ ، فقد أخطأ خطأين منطقيينِ :
الأول : أنه خرجَ عما تقتضيه دلالةُ الكلامِ الظاهرةُ لغيرِ مُخرِج .
الثاني : أنَّه جعلَ اللازمَ الجزئيَّ كليًّا ، ثم جعلَه مقدِّمةً كبرَى ، ورتَّب عليها النتيجةَ .
- والذي أوقعَ الأخَ في هذه الأخطاء العجيبة أنه أرادَ أن يقلِّدَ الشيخَ أحمد شاكر عندما ردَّ على قول السيد صقر : ( والقسم الثاني من أقسام الملاحظات يتعلق بالتحريف، وهو كثير جدا في ثنايا الكتاب ) ، بقوله : ( هذه دعوى عريضة ) .
فأصابَ الشيخُ رحمه الله المنطِقَ الصحيحَ ، لأنَّه أنكرَ دعوى إثباتٍ ، ولم يصِب الأخُ ، لأنَّه قلَّد من دونِ نظَرٍ ، ولا بصَرٍ .
وإذن ، فليس من حقِّ أيِّ قارئ لكلامي أن يقولَ هذا القولَ المخالفَ لبدهياتِ المنطقِ .
+ ملحوظة :
هذا الردُّ مبنيٌّ على منطِقٍ دقيقٍِ يحتاجُ إلى تأمُّلٍ .
_________________
(*) : جعلتُ العناوينَ واضحةً ، حتى لا يكونَ فيها تلبيسٌ على القارئ .