الإسلاموفوبيا والرئيس الفرنسي.. مرة أخرى!
مصطفى فرحات

خطيئة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأخيرة حول موقفه من ارتداء المرأة للبرقع والنقاب، واعتبارهما رمزا للخضوع المرفوض في نظر "الجمهورية الفرنسية" والسعي نحو حظرهما في بلد الحريات، تكشف مرة أخرى عن الخلل الرهيب في مفاهيم العلمانية وموقفها من مظاهر التديّن أو عادات المجتمعات، سلبا وإيجابا، ويفتح الباب لأكثر من تساؤل حول الهدف من استهداف كل ما له علاقة بالإسلام أو عادات المسلمين، وإن لم تكن أشياء يفرضها الإسلام أو يُلزم معتنقيه على فعلها.
فرنسا تواجه أزمات كبيرة وخطيرة في نفس الوقت، على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية: فالأزمة المالية العالمية رفعت نسب البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وفتحت الباب أمام موجات الاحتجاج الجماهيري الغاضب بسبب عجز الدولة عن حماية عمّالها من الكوارث الاقتصادية وجعلهم في خط الدفاع الأول الذي تطاله مخلّفات الكارثة، وللإشارة فإن لساركوزي وسياسته المالية دورا كبيرا فيما يحدث، لأن أحد أبرز رؤاه الاقتصادية كانت ترتكز على دفع المواطنين للاقتراض أكثر فأكثر، وكان يقول: "مشكلة فرنسا هي أن الدولة لديها ديون، على عكس المواطنين"، وحض الناس على الاقتراض من أجل الرفاهية، قبل أن تتحول أحلام الرفاهية إلى كوابيس.
وعلى المستوى الاجتماعي، لا تزال فرنسا تشهد تداعيات الإخفاق في إدماج الجيل الثالث من المهاجرين، بعدما فشلت في إدماج الجيلين الأول والثاني، خاصة ذوي الأصول المغاربية والإفريقية، فتحولت الضواحي إلى "محتشدات" تجمع "الحثالة" ـ حسب تعبير الرئيس الحالي ووزير الداخلية الأسبق ـ وأصبحت تهدد أمن المجتمع إما بالإرهاب والإرهاب المُفتعل، أو الإجرام والإجرام المُفتعل، مما جعلها تخضع لتمييز عنصري لم تُفلح القوانين ولا الجمعيات في القضاء عليه.
لقد فقد مجتمع الحريات المثالية وفلاسفة عصر الأنوار كثيرا من بريقه، وأصبحت العلمانية في تطورها الأخير تُضاهي الوجه الكالح للكنيسة التي نصبت محاكم التفتيش واحتكرت ممالك الأرض وملكوت السماء، ولم يبق من معالم ديدرو وفولتير وهوغو سوى أطلال عصفت بها "الإسلاموفوبي "، التي التبست بمقاومة الإرهاب ومحاربة طالبان ونظام الراحل صدّام.
فرنسا تُخفق إذًا مرة أخرى، عندما تتحول لديها مفاهيم العلمانية التي ترفض كل شكل من أشكال الهيمنة إلى أداة تفرض على الناس نمط تفكيرهم وشكل لباسهم، وربما قد تفرض عليهم لاحقا طريقة مشيهم وأكلهم وحديثهم، وتُخفق عندما تصرف نظرها عن مشاكلها الحقيقية التي تهدد مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتترصد المسلمين، عربا وغيرهم، وتُحارب بقية ثقافاتهم وعاداتهم.. وهي تُثبتُ مرة أخرى أنها الوريث الشرعي لنابليون بونابارت، وليس لرونيه ديكارت.
المصدر: مجلة العصر