تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: ابن عثيمين كما عرفته

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    13

    Lightbulb ابن عثيمين كما عرفته

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

    ابن عثيمين كما عرفته!!

    أكيد لست أنا الذي حصلت على هذا الشرف

    ولكنها محاضرة للشيخ د.خالد المصلح وهذا تفريغها ووددت التنويه أني كتبتها هنا

    وليست في مجلس السير لأني اردت النظر اليها نظرة طالب العلم ليعرف خط سيره

    اليكم المحاضرة
    ----------------------------------------



    بسم الله الرحمن الرحيم

    إِنَّالْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره،وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرور أنُفْسِنَا وسَيئاتِ أعْمَالِنَا، مَنْيَهْدِهِاللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
    وَأَشْهَدُأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدَُأَنَّمُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فإنّ سير العلماء والنبلاء والصالحين وأخبارهم من أعظم ما تحيا به القلوب، ومن أعظم ما تحيا به الأرواح، وقصصهم وخبرهم يدخل في قول الله تعالىٰ:﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ﴾(
    [1]). فالنظر في هـٰذه السير والسماع في أخبار من غبر من سلف الأمة من أئمة الدنيا وأعلامها خير دواء للقلوب وخير جِلاء للألباب.
    أيها الإخوة الكرام: إن سير السلف تفيد الناظر فيها فائدة عظيمة، فالنظر في سير العلماء والنبلاء والتعرف على مآثرهم وأخبارهم من أعظم ما يبعث في النفوس الاقتداء بهم والاهتداء بهم، فإن ذلك يمثل ترجمة عملية لما يحملونه من الحق والهدى.
    قال أبو حنيفة رحمه الله: الحكايات عن العلماء أحب إليّ من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم، ولذلك لما قص الله تعالىٰ على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصص جملة من الأنبياء قال بعد ذلك: ﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾(
    [2]).

    إن التشبه بالكرام فلاح



    فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم



    أيها الإخوة الكرام: إن من أعظم ما يجريه الإنسان بنظره في سير العلماء وأخبار والصالحين أن يقيس ما معه من الصلاح والإيمان، فسير هٰؤلاء معيار يزن به الإنسان ما معه من الصلاح، يقيس به ما معه من الاستقامة، يقيس به ما معه من العمل بالكتاب والسنة.
    ولذلك قال حمدون النيسابوري رحمه الله: من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال.
    أيها الإخوة: إن تاريخ الأعلام والترجمة للأئمة لا ينحصر في التأريخ لمولد أحدهم ولموته، وأعظم ما كان من حوادث زمانه، فإن هـٰذا أمر يشترك فيه جماعة كثيرة من الناس، وليس هـٰذا مما تجنى منه العبر، ولا مما تحصل منه الفوائد؛ فإنه أمر يلجه كل إنسان ويرد على كل واحد منا؛ لكن المهم في هـٰذه السير هو إبراز جوانب القدوة التي نراها في أشخاص هٰؤلاء، وفي سيرهم وأخبارهم.
    إلا أنه من الضروري أن يقدم المرء بمقدمة يكون فيها شيء من البيان والتوضيح لبعض أخبار هٰؤلاء مما يتعلق بمولدهم وموتهم.
    أيها الإخوة الكرام: بين يدي حديثي عن شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، أذكر أنه ولد رحمه الله ليلة سبع وعشرين من رمضان عام 1347 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وقد توفي رحمه الله في آخر يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال عام 1421هـ في مدينة جدة، وصلي عليه رحمه الله في عصر يوم الخميس التالي، ووُوري جثمانه الثرى في مقبرة العدل رحمه الله رحمة واسعة، ونسأل الله جل وعلا أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يخلف على الأمة خيراً في فقدها هـٰذا العَلَم وهذا الإمام الكبير.
    أيها الإخوة الكرام: إن جوانب القدوة في حياة العلماء، إن جوانب الأسوة في حياة الأئمة لا تنحصر في ناحية من نواحي حياتهم؛ بل ما أشبه الواحد منهم بما قاله الشاعر:

    فلجَّته المعروف والجود ساحله



    هو البحر من أي النواحي أتيته



    شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله واحد من أولئك الأعلام النبلاء ومن العلماء الفضلاء، كان رحمه الله كالغيث يستبشر به الناس إذا أقبل عليهم، وينتفعون به إذا حل عندهم وتبقى آثاره فيهم إذا رحل عنهم:


    هو الغيث يعطي كل غادٍ ورائحٍ عطاءً جزيلاً لا بكيئاً ولا نشفا

    أيها الأحبة الكرام: لما كانت جوانب القدوة في حياة شيخنا رحمه الله كثيرة متنوعة، فهو رحمه الله نموذج لعالم عامل بعلمه في دقيق الأمر وجليله، صدق فيه قول الشافعي رحمه الله:

    ليس الفقيه بنطقه ومقاله



    إن الفقيه هو الفقيه بفعله




    لما كانت حال شيخنا رحمه الله على هـٰذه الحال من أن سيرته متعددة الجوانب، وأن جوانب القدوة والأسوة فيها ليست منحصرة في صورة من الصور، فإنني انتخبت من تلك الجوانب ما أرى أن من المهم على طالب العلم وعلى المسلم سواء كان طالب علم أو غيره أن يتنبه إليه وأن يستفيد منه.
    شيخنا رحمه الله له شأن عظيم مع كتاب الله تعالىٰ.
    شيخنا صاحب تلاوة لكتاب الله تعالىٰ، كان رحمه الله حريصاً على تعاهد القرآن، عملاً بوصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها))(
    [3]). فكان رحمه الله عاملاً بهذه الوصية.
    كان يختم القرآن في الشهر مرتين في غير رمضان، أما في رمضان فكان يختمه كل ثلاثة أيام، ثم لما كثرت أشغاله كان يختمه رحمه الله في كل عشرة أيام.
    ومما حفظته من وصاياه رحمه الله في هـٰذا أنه من كان له حزب فليبادر به أول النهار، وهذه وصية نافعة لمن جربها، وهي وصية عالم مجرب، من كان له حزب من القرآن يقرؤه في كل يوم فليحرص على أن يكون ذلك في أول اليوم، فإنه أعون له في إدراك حزبه، وقد كان رحمه الله يقرأ حزبه في طريقه إلىٰ المسجد غدوةً وعشيّاً، وكان رحمه الله يقرأ ما بقي من حزبه في أول نهاره في أول ضحاه.
    أيها الإخوة الكرام: إن العلماء في قراءتهم للقرآن ليسوا كغيرهم، لم يكونوا في قراءتهم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب.
    شيخنا من هـٰذا الصنف الذي كانت قراءته تدبراً وتفسيراً لكتاب الله تعالىٰ، فمما كان يتميز به رحمه الله في قراءته للقرآن أن قراءته كانت قراءة مفسرة للقرآن؛ فيقف حيث يكون الموقف اللائق، وكان يؤكد على ذلك في توجيهاته وفي وصاياه ونصائحه.
    وآخر ما حفظته عنه ما ذكره في تفسير سورة الأنعام حيث قال رحمه الله: تجد كثيراً من الناس يقرأ القرآن قراءة مرسلة ولا ينتبه للمواقف. يقول رحمه الله: ونحن تعلمنا هذا -أي تعلمنا الوقوف عند المواقف والقراءة المتدبرة- من شيخنا عبد الرحمـٰن بن ناصر السعدي رحمه الله، كان يقوم بنا في رمضان في التراويح والقيام ويقف المواقف اللائقة، فنتعجب كيف هـٰذا -أي نتعجب من مواقفه يعني كيف يقف هـٰذا-، يقول: وكنا نقرؤه قراءة مرسلة.
    وإن المدرك لشيخنا رحمه الله وكيف كانت قراءته في صلاته، لا سيما في صلاة التراويح، يرى ترجمة هـٰذا في واقعه، فإن الشيخ رحمه الله على شدة حرصه على ختم القرآن في صلاة التراويح والقيام؛ إلا أن ذلك لم يكن حاملاً له على إهمال هـٰذه الوصية والنصيحة.
    فكان رحمه الله يقف عند المواقف اللائقة يذكر بها معاني هـٰذا الكتاب، وأن المقصود من كلام الله عز وجل ليس الهذ وليس القراءة المرسلة التي لا تدبر فيها ولا اتعاظ.
    إنه رحمه الله كان يفسر القرآن بقراءته، وكان يعجبه القارئ الذي يقوم بها، فكان تعجبه قراءة عبد الرحمن السديس على سبيل المثال لكونه يفسر القرآن بقراءته فيقف عند المواقف اللائقة.
    أيها الإخوة الكرام: إن شيخنا رحمه الله من جوانب حياته مع القرآن، أن القرآن استوعب حياته، فسلوكه ترجمة للقرآن، عمله وأخلاقه ترجمة لما في كتاب الله تعالىٰ من الوصايا والنصائح.
    وإنني كثيراً ما كنت أذكر قول عائشة لسعد بن هشام بن عامر لما سألها: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت له معلمة مؤدبة: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان القرآن(
    [4]).
    عندما أرى شيخنا رحمه الله يترجم ذلك سرعان ما يتبادر إلي هـٰذا الحديث وهذا الجواب من عائشة رضي الله عنها، فإن شيخنا رحمه الله كان يترجم القرآن ويفسره في قوله، في عمله، في حاله، في معاملته.
    وشواهد هـٰذا الجانب المشرق من حياة شيخنا رحمه الله كثيرة لا أكاد أحصيها، إلا أنني أذكر شواهد ما زالت عالقة بذهني مما يتكلفه بعض الناس، وكان شيخنا رحمه الله يجري منه هـٰذا التفسير سجية دون تكلف:
    ذهبت معه مرة إلىٰ المعهد العلمي في محاضرة من المحاضرات التي ألقاها في المعهد رحمه الله، ولما خرجنا من المعهد كان حارس المعهد فرحاً بمجيء الشيخ وحريصاً على توديعه، فكان واقفاً عند الباب على هيئة المبتهج المسرور يودع الشيخ، فكان يودعه بصوته وفعله حتى إنه كان يقول للشيخ هكذا يرفع يديه على هيئة المودع للشيخ، وكان الشيخ بجانبي فالتفت فإذا هو يبادل الرجل نفس الإشارة التي فعلها الرجل، ثم التفت إلي رحمه الله فقال: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا(
    [5]). إن هـٰذا المعنى الذي يترجمه عالم في حياته ومعاملته أمر يغيب عن كثير من الناس.

    ([1]) سورة : يوسف (111).

    ([2]) سورة : الأنعام (90).

    ([3]) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، حديث رقم: 5033.
    مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضائل القرآن وباب الأمر بتعهد القرآن، حديث رقم: 791.

    ([4]) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، حديث رقم: 746.

    ([5]) سورة : النساء (86).

    وإنني أذكر أننا دخلنا مجلساً من المجالس وفيه أحد الإخوان، فسلّم الشيخ رحمه الله على هـٰذا الأخ بصوت جليّ علي واضح -كعادته رحمه الله في إفشاء السلام وإظهاره والاحتفاء به- أظهره واضحاً مسموعاً، فرد الأخ الذي كان في المجلس ردّاً خافتاً فيه نوع موت، ولعل ذلك راجع إلىٰ أن الأخ وفقه الله كان فيه حياء يستحيي من رفع صوته، فقال له الشيخ موجهاً: ارفع صوتك! قال الله تعالىٰ: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا(
    [1]).
    أيها الإخوة الكرام: في إحدى المرات في هـٰذا السياق- وهو بيان الترجمة العملية للقرآن في واقع شيخنا رحمه الله- جاء شيخنا رحمه الله إلىٰ بلد كنت فيها، وجرت عادته رحمه الله أنه إذا ذهب إلىٰ بلد فيها أحد معارفه أو أقاربه أن يتصل به ويخبره بمجيئه حتى يقوم ذلك بحقه، وحتى يكون فيه جبر لخاطره وبيان للعناية به، فجاء في مرة من المرات إلىٰ بلد كنت فيها ولم يكن قد أخبرني رحمه الله، فلما وصل اتصل وأخبر بحضوره إلىٰ تلك البلدة، فقلت له: سلمك الله يا شيخ لِم لَم تخبرنا؟ وكأنه فهم رحمه الله أنها صيغة معاتب أو أنها عبارة عتاب. فقال رحمه الله ببديهته وجوابه الحاضر: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ(
    [2]). وفي هـٰذا أيها الإخوة إشارة إلىٰ معنى مهم وأدب رفيع يستريح به الإنسان ويريح في معاملة الناس، وهو أمر كان الشيخ رحمه الله يركز عليه ويؤكده، وكان يمتثله واقعاً في حياته: أنه لا يكلف الناس أكثر مما جادت به قرائحهم.
    فمن أخذ بهذا وعمل به وقبل من الناس ما سمحت به أنفسهم وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق دون أن يكلفهم ما لا يتيسر كان ذلك سعادة له وسعادة لمن يعامله.
    أيها الإخوة: إني أذكر أن شيخنا رحمه الله في إحدى المرات التي كنّا قد رجعنا فيها من زيارة أحد الإخوان، بحثنا في كلام ليس له صلة لا بالتفسير ولا بالعلم، إنما كلام مرسل، وجاء في أثناء هذا الكلام أن قلت لشيخنا رحمه الله قبل نزوله: ﴿وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾(
    [3]). فالتفت إلي قبل أن يفتح باب السيارة فقال لي: انتبه! قال الله تعالىٰ: ﴿وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا. جاء بها القرآن على صيغة الجملة الاسمية لبيان دوام علو كلمة الله على كل كلمة.
    هل يا إخواني نحن ممن يتذوق هـٰذه المعاني في أثناء قراءته؟ في أثناء سماعه لقرآن رب العالمين وكلامه جل وعلا؟ إن هـٰذا في حياة كثير من طلاب العلم- فضلاً عن غيرهم من عامة الناس- قليل نادر.
    أيها الإخوة: إن من النواحي التي لا بد من التنبيه إليها وهي مما يتعلق بحياة شيخنا مع القرآن أن الشيخ رحمه الله امتثل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))(
    [4]). فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الفضيلة والسبق في تعلم القرآن وتعليمه والبذل فيه.
    وكان شيخنا رحمه الله له في هـٰذا الجانب ما ليس لغيره، فقد باشر التعليم للقرآن في دروسه التي في جامعه؛ بل كان حريصاً على التعليق على كتاب الله تعالىٰ وعلى الآيات الحكيمة في دروسه التي في الحرمين، وكان كثيراً ما ينبه طلبة العلم إلىٰ وجوب الاعتناء بالتفسير والإقبال عليه؛ لما في ذلك من الفائدة الكبرى التي يغفل عنها أكثر طلبة العلم ويهتمون بأنواع من العلم وفروع من الفنون، وهم في الحقيقة يغفلون عن مصدر العلوم ومنبعها، كما قال تعالىٰ: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾(
    [5]). أيها الإخوة إن شيخنا رحمه الله باشر ذلك بنفسه.
    كما أنه أولى جمعيات تحفيظ القرآن عناية خاصة ليس في هـٰذه البلدة فحسب؛ بل عنايته طالت جميع ما يصله علمه من جمعيات، سواءٌ بالتأييد والمشاركة في حفلاتهم أو بالدعم المادي.
    أما جمعية التحفيظ في هـٰذه البلدة المباركة في عنيزة فقد كان لها من اهتمام شيخنا رحمه الله النصيب الأكبر؛ فإن الشيخ رحمه الله أسس هـٰذه الجمعية ودعمها بأنواع من الدعم المادي والمعنوي، وسعى في تثمير إيراداتها وتكثير مصادر دخلها، وذلك حفاظاً على هـٰذه الجمعية، ولم يكن ذلك الاهتمام على وجه الرئاسة والتوجيه الإداري فحسب؛ بل كان يهتم بالجمعية من جهة مشاركة الحلقات وطلابها في حفلاتهم المصغرة فضلاً عن الاحتفال العام الذي يجري فيه تخريج من يخرج من الطلبة، إنما كان يذهب إلىٰ الحِلق، وكثيراً ما كنا نسمع مآذن المساجد تصدح بصوته ومشاركته لطلابه وأبنائه الذين يحتفلون بختم جزء أو ختم شيء من كتاب الله تعالىٰ.
    أيها الإخوة الكرام: إن حديثنا عن شيخنا رحمه الله والقرآن طويل إلا أنني أقتصر على ما تقدم.
    وأنتقل إلىٰ نقطة ثانية وهي: شيخنا وسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    إن من السمات البارزة التي تتجلى في شخصية شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعظيمه للسنة النبوية.
    ويشهد الله أنني لم أر رجلاً كشيخنا رحمه الله في حرصه على العمل بالسنة في دقيق الأمر وجليله، فإنه رحمه الله قد فاق كثيراً من الناس -من العلماء فضلاً عن غيرهم- في حرصه على السنة، فشيخنا كان عظيم التحري لسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في مأكله، في مشربه، في قيامه، في قعوده، في يقظته، في نومه، في هيئته، في لباسه، في معاملته، في سائر شأنه رحمه الله، كان شيخنا رحمه الله حريصاً على اتباع سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دقيق الأمر وجليله، وإنني انتخبت مظاهر تنبئ عن هـٰذا وإن كان الخبر أكبر من هـٰذه القصص؛ لكنها نماذج تبين شيئاً مما كان عليه شيخنا رحمه الله في إيثاره السنة والعمل بها.
    أيها الإخوة الكرام: كان شيخنا رحمه الله يؤثر في لباسه لبس البياض صيفاً وشتاءً عملاً بما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم))(
    [6]).وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال عنه الترمذي: حديث صحيح.
    كان شيخنا رحمه الله كثيراً ما يعتذر عن ترك بعض السنن الظاهرة بسبب انشغاله، ومن ذلك تركه رحمه الله لسنة الخضاب، فإن الشيخ رحمه الله ترك ذلك لانشغاله، وكان إذا سئل: لماذا لا تخضب والسنة واضحة في الأمر بالخضاب؟ قال رحمه الله: إن لذلك مؤونة، وإن لذلك كلفة. وذلك يشغله عن ما هو أهم من الواجبات والسنن.
    وكان يستأنس بقول الإمام أحمد لما سئل عن اتخاذ الشعر: هل هو سنة؟ فأجاب الإمام أحمد رحمه الله: سنة حسنة -أي اتخاذ الشعر سنة حسنة- ولو أمكننا اتخذناه، فاعتذر الإمام أحمد رحمه الله عن اتخاذ الشعر بأنه لا يمكنه فعله، وفي رواية أخرى قال رحمه الله: لو كنا نقوى عليه -أي على اتخاذ الشعر- لاتخذناه؛ ولكن له كلفة ومؤونة.
    أيها الإخوة: لم أر شيخنا رحمه الله يأوي إلىٰ فراشه في يوم من الأيام إلا ويعمل بما أوصى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا أوى أحدكم إلىٰ فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه))(
    [7]) أي ما طرأ على فراشه بعد مفارقته.
    وكان شيخنا رحمه الله يحرص على فعل هـٰذا بطرف ثوبه أو بغُترته يمسح الفراش الذي ينام عليه عملاً بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    أيها الإخوة: إن من الجوانب التي لا تكاد تخطئفيها هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنوار السنة النبوية، ما كان عليه شيخنا رحمه الله في عبادته، لا سيما في صلاته التي يدركها كل من صلى معه، فصلاة شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله نموذج حيّ للعمل بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري في حديث مالك بن الحويرث قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))(
    [8]). فشيخنا رحمه الله تبصر السنة في قيامه، تبصر السنة في قعوده، في ركوعه وسجوده، في قراءته وأذكاره، وليس هـٰذا في صلاته إماماً بالناس فحسب؛ بل إنه رحمه الله كان على هـٰذه السجية وعلى هـٰذه الحال في مسجده وفي صلاته منفرداً في بيته.

    ([1]) سورة : النساء (86).

    ([2]) سورة : الأعراف (199).

    ([3]) سورة : التوبة (40).

    ([4]) البخاري: كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، حديث رقم 5027.

    ([5]) سورة : العنكبوت (49).

    ([6]) أبو داود: كتاب الطب، باب في الأمر بالكحل، حديث رقم: 3878.
    الترمذي: كتاب الجنائز، باب ما يستحب من الأكفان، حديث رقم: 994. واللفظ له.
    ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يستحب من الكفن، حديث رقم: 1476.
    قال الشيخ الألباني: صحيح.

    ([7]) البخاري: كتاب الدعوات، باب اسم الباب؟، حديث رقم: 6320.
    مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، حديث رقم: 2714.

    ([8]) البخاري: كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، حديث رقم: 631.

    يتبع.....
    لا تجعلي الله اهون الناظريين اليكي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    2,172

    افتراضي رد: ابن عثيمين كما عرفته

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أحسن الله إليك أختي الكريمة
    وليس بغريب ما ذكر الشيخ خالد المصلح جزاه الله خيرا عن ذلك العلامة الراحل
    نقل رائع موفق بإذن الله.

  3. افتراضي رد: ابن عثيمين كما عرفته

    بوركتــــــي غاليتي ..وبأنتظار المزيد
    ]قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"

    قلبي مملكه وربي يملكه>>سابقا

  4. #4
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: ابن عثيمين كما عرفته

    جزاك الله خيرا على النقل الثمين

    ورحم الله العلامة ابن العثيمين
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •