بدأت ردك بادعائك بأن النفس الشيعي ظاهر في كتابتي،بل كدت تدعي أني شيعي،ولهذا كان لا بد لي أن ألفت نظرك إلى أني أقدم منك في هذا المنتدى،وكثير من رواده يعرفونني عن قرب،ويعرفون سنيتي وسلفيتي،يكفيك من ذلك تخرجي من الجامعة الإسلامية بطيبة الطيبة،فلا تحاول المزايدة ،وهات ما في جعبتك من كتاب أو سنة.
فضلا على أني لا أدري ما تقصده بالتشيع،فإن كنت تريد زيادة محبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب-عليه وعلى آل البيت السلام-،ولآله وذريته،اتباعا لوصية رسول الله فيهم،مع معرفة حق الصحب الكرام،وذكر سبقهم وفضلهم وبذلهم،خاصة صديق الأمة أبو بكر،وفاروقها عمر،وشهيدها عثمان،وحبيبة رسول الله الصديقة عائشة،فأنعم به وأكرم،وهات من كتاب الله أو سنة رسول الله ما يمنعه أو يدفعه.
أما ما ادعيته من حنقي على بني العباس،فعلم الله تعالى محبتنا لآل العباس ،فهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم،فإن زادوا في الطاعة والصلاح زادت المحبة،وإن انحرفوا عن ذلك نقص من حبنا لهم مقدار ما كان من انحرافهم،مع حفظ حق الانتساب،هذا منهجنا في الحكم عليهم جميعا حكاما ومحكومين،وليس بيني وبينهم أي ضغائن أو أحقاد أو سوابق،فلا تهوش بارك الله فيك.
أما ما نقلته من كلام الإمام المبجل أحمد بن حنبل نور الله ضريحه،وكثله عن الدارمي ثم شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن كثير،فأقوال الرجال يحتج لها ولا يحتج بها،وأحكام الرجال على الناس خاصة الحكام لا بد من توخي الحذر فيها،لما يعتريها من الملابسات والظروف وتقديرات المصالح والمفاسد التي لا تجعلنا نطمئن لهذه الأحكام،والمخرج من هذا كله عرض الحاكم وأفعاله على الكتاب والسنة،والحكم عليها بميزان العدل والقسط،وقد عرضنا المتوكل على هذا الميزان السماوي ،فلقيناه ناصبيا خبيثا منحرفا عن السنة،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أما دعواك بأن أهل السنة لا يتتبعون زلاته ،إذ لا أحد معصوم من الزلل،فأعجب من الصيام في رجب،فلم لم تستر عورة المأمون ولا المعتصم ولا الواثق،أم أن القول بخلق القرآن بدعة غليظة منكرة لا يسكت عليها،والنصب خطأ وديع رقيق حري بنا أن نستره ونكتمه،تالله كيف تزنون وتكيلون؟،بل إن بدعة النصب أشنع وأقبح من بدعة الخلق،فهذه لأصحابها تأويلات ومتمسكات،قربت أم بعدت،أما النصب فلا متمسك سوى الحقد على أمير المؤمنين علي وأبنائه.
والأعجب من هذا كله،أنك لم ترحم الناصر المسكين ،واستثنيته مع أنه لا ذنب له سوى تفضيل علي على سائر الصحابة،-وهو مذهب جمع من الصحابة كما قرر الحافظ ابن عبد البر النمري-،ولم تستر له عورته هذه حسب مفهومك ومنظورك الضيق ،بل العجب أن تكون هاشميا وتشحذ كل سنانك للدفاع عن النواصب.
أما محاولاتك اليائسة لتبرئة المتوكل من النصب ،فهو أغرب أوابدك،وأنكر مذاهبك،ولعل بحثك هذا يرفع همتي لأسود بحثا مثله في تبرئة المأمون والمعتصم من القول بخلق القرآن،وتبرئة الحجاج من دماء الصالحين،وتبرئة بعض بني أمية من سب علي وذريته.
فالحق أحق أن يتبع أيها الشريف،وهؤلاء مؤرخو الأمة ،وجهابذة السير،وصيارفة الأسانيد،حكوا هذا وأثبتوه واستشهدوا له،بل إن بعضهم قد رمي بالنصب،ومع ذلك لا يتوانى في الحكم على جدك المتوكل بالنصب والانحراف عن السنة.
أما ما فعله جدك من هدم لقبر الإمام الحسين ،فلبئس ما جاء به جدك وما جئت به،فهل إهانة القبر الشريف،والعبث بجثمان ابن رسول الله ،وابن سيدة نساء العالمين،وسيد شباب أهل الجنة،منقبة تعتز بها وتفخر؟.
إنني طبعا لا أذب عن القبورية ولا القبوريين،ولا الشرك ولا المشركين،وأعوذ بالله أن أكون داعية أو مبررا لمواسم النذر والذبح والدعاء لغير الله تعالى،لكن محاربة الشرك لا تكون بهدم القبر الشريف،وإهانته وجعله مرعى يروى ويسقى ويحرث،ولو فعل ذلك بأبيك أو جدك لما رضيت،بل قل لي بالله عليك،لماذا لم يهدم شيوخ الدعوة الوهابية وعلماؤها مشهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم،ولا زال الناس يقفون عنده داعين مستغيثين ناذرين راجين خائفين،وهذه القبة الخضراء وهي رمز المشاهد وعلامته لا زالت ماثلة للعيان،فلماذا لا تطالب أيها الشريف حكام آل سعود بهدم القبة أو حتى هدم القبر-قطعت يد من سولت له نفسه ذلك-؟
فحتى لو كان المتوكل مخلصا في هدمه،-رغم أن قرائن الحال لا تساعد على ذلك-،فما هكذا تورد الإبل.
وليس ما ادعيته من إجماع كاذب،وراجع (جلاء الأفهام)لابن القيم تجد الخلاف محررا- هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس،إضافة للزوجات الطاهرات المرضيات،لكن آل علي هم خصوص آل البيت،وأقربهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وأعظمهم منزلة عنده،وهذا ليس من جيبي ولا من جيب مشايخ قم ولا مشايخ صعدة،بل هو ما رواه أئمتنا أئمة السنة والحديث،فحديث الكساء الذي جلل فيه المصطفى عليا وفاطمة والحسن والحسين،ولم يجلل سواهم من الآل،رواه سادتنا مسلم وأحمد والترمذي،وحديث المباهلة حين أراد سيد الخلق مباهلة أهل نجران فجاء بهؤلاء الأربعة الكرام،ولم يأت بالعباس ولا بغيره من الآل،لم يروه الكليني ولا ابن بابويه ،وإنما رواه سيدنا مسلم في صحيحه،فلذا نحن نفضل آل علي على سائر الآل،لتفضيل رسول الله لهم،وتقديمه لهم على غيرهم.
ونختم بما أتيت به من شنائع في حق الإمام محمد النفس الزكية،تعصبا لأجدادك،فادعيت أنه شق عصا المسلمين،ولا أجد لك شبيها إلا من ادعى أن الإمام الحسين شق عصا أمير المؤمنين التقي النقي العادل يزيد بن معاوية،فاستحق ما لقيه يوم الطف،أو ببعض النواصب الذين زعموا أن الحسين قتل بسيف جده،كبرت كلمة خرجت منهم ومنك ،ولو طالعت التاريخ متجردا من عصبيتك،لعلمت أن أجدادك قد بايعوا أبناء عمومتهم بالأبواء ،وجعلوا الأمر لهم،فلما تم لهم الحكم،وأغراهم بفتنته،نكصوا على أعقابهم،وقابلوا بني عمهم أحفاد الحسن والحسين بما لا يقابل به أعداء الأمة من يهود ونصارى ووثنيين،فذبحوهم وقتلوهم وسجنوهم وشردوهم،فقام الإمام النفس الزكية –عليه السلام- مع أخيه إبراهيم،غاضبين لله،ثائرين لحرماته،على مذهبهم ومذهب آل البيت في الخروج على الظلمة والفجرة،فأيدهما في خروجهما كبار أئمة الإسلام،-كبار أئمة الإسلام يا من تعد خروجهما شقا لعصا المسلمين-،كمالك وابن أبي ذئب من أهل المدينة،والأعمش وأبي حنيفة ويزيد بن هارون وعيسى بن يونس وشعبة بن الحجاج وعباد بن العوام وهشيم بن بشير من أهل العراق،قال ابن الأثير(وجماعةكث رة من الفقهاء وأهل العلم)،وهذا الأعمش يقول: (ما يُقْعِدُكم عنه، (إبراهيم)أما إني لو كنت بصيراً لخرجت)،وهذا أبو إسحاق الفزاري يحكي: جئت إلى أبي حنيفة فقلت له: ما اتقيت اللّه حيث أفتيت أخي في الخروج مع إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن حتى قتل! فقال لي: قَتْلُ أخيك حيث قُتِل يعادل قَتْلَه لو قتل يوم بدر، وشهادته مع إبراهيم خير له من الحياة!! قلت: فما منعك أنت من ذاك؟ قال: ودائع كانت للناس عندي).،وهذا شعبة أمير المؤمنين في الحديث يقول:باخمرا (معركة إبراهيم مع جنود المنصور) بدر الصغرى،فهؤلاء أئمة الفقه والحديث شبهوا ما عددته أنت شقا لعصا المسلمين بما كان يوم بدر،فمن أصدق؟أأصدقك أنت المبتلى بعصبية نتنة،أم أئمة الإسلام من فقهاء ومحدثين؟.
أما أنا فليس لي عصبية ولله الحمد إلا لكتاب الله،وسنة رسول الله،ولآل بيته بالعموم والإجمال،ثم لخاصة آل بيته أهل الكساء،حتى لو تعرض لهم بنو عمومتهم،فهم عندنا أولى وأحرى،لأن أجدادهم كانوا عند رسول الله أولى وأحرى،ولأن أحفاد رسول الله وأسباطه،عانوا الويلات على يد أجدادك في سجون أبي جفر وهارون،ولا أحسبك يخفى عليك ما كانوا يذوقونه في سجن المطبق اللعين،الذي لو قورن بغوانتنامو بوش لكان غوانتامو جنة ورياضا،فمن حق أحفاد رسول الله علينا أن نبغض مبغضهم،ونعادي عدوهم.
وفي الأخير ملحوظة وفائدة،أما الملحوظة فما ادعيته من بتر فليس بترا،وإن كنت أصوب كلامك وأصحح ما كان مني،لكن علم الله أن ذلك لم يكن قصدا ولا عمدا،ولست بحاجة لذلك،ففي النقل الصحيح غنية وكفاية.
فائدة مهمة:الدفاع عن المبتدعة النواصب مثل يزيد بن معاوية والمتوكل وأمثالهما ليس أول النصب،بل هو النصب بعينه،عافاني الله وإياك.