تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: شرح إحكام الأحكام لابن دقيق العيد ونكات ملحقة.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي شرح إحكام الأحكام لابن دقيق العيد ونكات ملحقة.

    الحمد لله الذي لا يؤدى شكرُ نعمة من نعمه إلا بنعمة منه , توجِبُ على مؤدِّى ماضي نعمه بأدائها :نعمةً حادثة يجب عليه شكره بها..ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته الذي هو كما وصف نفسه وفوق ما يصفه به خلقه..*

    أما بعد فهذه شذرات أتناول فيها أحاديث عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي طيب الله ثراه..بتعليق موجز مشوب بالتعريج على عبارات للإمام ابن دقيق العيد في إحكامه ..
    وفك ما يتصور استغلاقه من عباراته..كل ذلك على سبيل الوجازة ..

    ولا أعد بالوفاء حتى نهاية الكتاب ..ولكن حسبي أني فتحت الباب ولعله أن يتعاقب عليه بالتعليق من بعدي إذا اخترمتني المنية..أو طرأ على عليّ طاريء..
    ولا أزعم خلوص النية في ذلك..حيث لم أقصد الإفادة ابتداء..
    بل قصدت التعلّم بالتعليم وترسيخ الفهم بالتفهيم..وأرحب بالاعتراضات من أي جهة جاءت..
    أما الإفادات المكمّلة فأنعم بها وأكرم..

    والله المستعان وعليه التكلان
    --------
    *من مقدمة الإمام الشافعي في "الرسالة"..وهي عبارة بليغة فيها إدهاش
    تدل على رشاقة قلم الإمام وتضلعه من اللغة كما تدل على زكاة نفسه
    وعلو كعبه في الرقاق والزهد
    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: عمدة الأحكام..وإحكام الأحكام..ونكت ملحقة

    الحديث الأول:-
    عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.


    يتميز شرح ابن دقيق العيد في كلامه عن فقه الحديث بأنه يقحم الأصول مع شيء من الكلام على الإسناد ويتعرض للخلاف..وهكذا ينبغي أن يكون العلماء لأن الشريعة كل متكامل لا ينبغي فصله إلى تخصصات متباينة غريب بعضها عن بعض ..

    مسألة عن مكانة الحديث :-
    هذا الحديث لا يكاد يوجد كتاب من كتب السنة إلا وهو مروي فيه
    وهو لم يصح إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد روي عن أبي سعيد الخدري من طريق نوح بن حبيب عن عبد المجيد بن أبي رواد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء عنه به..قال ابن أبي حاتم :باطل لا أصل له إنما هو عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
    ومنشأ الغلط من ابن أبي رواد..
    وكذلك روي عن أبي هريرة وأنس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم
    ولا يصح منها شيء..
    وقد اتفق المحدثون على صحة الحديث وجلالة قدره مع كونه من الغرائب..
    فربما جاء من لا يفهم في الحديث شيئا فاعترض فقال :محمد بن إبراهيم التيمي قال فيه أحمد يروي مناكير..ثم قال :هل يعقل أن يكون حديث بهذه المثابة وقد قاله الرسول على المنبر..ثم لايرويه إلا عمر؟!..فهذا تسمعه وأشباهه ممن لا خلاق له في العلم..

    -كلام بعض أهل العلم في أهميته:-
    قال عبد الرحمان بن مهدي :لو صنفت الأبواب لجعلت حديث عمر في الأعمال بالنية في كل باب..وقال :ينبغي لمن أراد أراد أن يصنف كتابا أن يبدأ بحديث "الأعمال بالنيات"..وهو من شيوخ البخاري فكذلك صنع وافتتح به كتابه أشبه بالخطبة له
    وقال الإمام الشافعي فيما أخرجه البيهقي :هذا الحديث ثلث العلم و يدخل في سبعين بابا في الفقه
    (قلت) : إما أن يكون قصد بالسبعين التكثير نظير قوله تعالى"إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"..وإما أنه قصد العدد وإذا كان الثاني فلابد أن يكون المقصود أبوابا كلية
    وقال الإمام أحمد:أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث :حديث عمر"الأعمال بالنيات" وحديث عائشة"من أحدث في أمرنا.." وحديث النعمان بن بشير "الحلال بين والحرام بين"..وفي تفسير كون حديث عمر ثلث الإسلام وجهان :-
    الأول –أن يقال لا يخلو أن تكون الأعمال :اعتقادا أو قولا أو عملاظاهرا
    وحديث عمر يتعلق بالنية ومحلها القلب فهذا جانب الاعتقاد
    الثاني-أن الإسلام عبارة عن فعل مأمورات وترك محظورات واتقاء شبهات..ولابد في تحقيق ذلك من أمرين:-
    1-موفقة السنة..وهذا مستفاد من حديث عائشة رضي الله عنها
    2-أن يقصد به وجه الله تعالى وهذا مدلول حديث عمر
    وقد ورد شبه ذلك من الكلام على أصول الإسلام مختزلة في بضعة أحاديث على لسان غير واحد من الأكابر..وثم تغاير بينهم فثم من يجعلها أربعة..ويختلفون في تحديد الأصول الكلية التي تختصر الإسلام..لكنهم اتفقوا على إدخال حديث "إنما الأعمال بالنيات"
    قال المعافري الأندلسي:
    عمدة الدين عندنا كلماتٌ...أربعٌ من كلام خير البريّة
    اتق الشبهات وازهد ودع..ما ليس يعنيك واعملنّ بنيّة
    قوله :اتق الشبهات كناية عن حديث النعمان بن بشير "الحلال بين والحرام بين"
    وقوله "ازهد"..يقصد به حديث "ازهد ما في أيدي الناس"
    ودع ماليس يعنيك يعني حديث "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"..وهذا مرسل
    واعملنّ بنية..واضح

    فائدة:قال الشيخ البسام في تعليقه على الحديث:من قصد في جهاده الغنيمة وحدها لم يأثم ولكن لا يعطى أجر المجاهد..
    وفيه نظر لأن الجهاد عبادة محضة فيجب أن تكون لله أصالة..ثم إذا صاحبه نوايا أخرى لا بأس ولكن ينقص ذلك من أجره بحسبه..أشبه مالو حج المرء لا يبتغي بذلك إلا التجارة يكون آثما مفرطا محروما

    -يقول العلامة ابن دقيق العيد رحمه الله: (كلمة "إنما " للحصر على ما تقرر في الأصول فإن ابن عباس رضي الله عنهمت فهم الحصر من قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الربا في النسيئة" وعورض بدليل آخر يقتضي تحريم ربا الفضل ولم يعارض في فهمه للحصر )

    التعليق:كان ابن عباس يذهب إلى أن الربا المحرم هو النسيئة وحده وأما ربا الفضل فلا
    فيجوز عنده أن تبيع مُدَّ تمرٍ بمدّين من تمر وحجته في ذلك ما أخرجه مسلم من طريق سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس(وأخرجه مسلم وغيره من طرق أخرى أيضا)
    أن أسامة بن زيد حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما الربا في النسيئة"..فهذا معنى كلام ابن دقيق العيد في كون ابن عباس فهم الحصر من هذه الكلمة "إنما" بأمارة أنه كان لا يرى الربا في غير النسيئة
    ثم يقول إن الصحابة لم يعارضوه في الفهم =أي لم يقولوا له :من أين لك أن هذا اللفظ يدل على اختصاص ربا النسيئة بالتحريم؟..ولكن عارضوه بأدلة خارجية..ويعني بذلك حديث عبادة بن الصامت (وهو من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عنه به) وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم :الذهب بالذهب والفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (وفي الباب عن أبي سعيد الخدري )

    فائدة:قد يروي ابن عباس وغيره من الصحابة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعها منه وإنما سمعها من صحابي آخر..وهذا لا يضر باتفاق المحدثين لاتفاقهم على عدالة الصحابة

    يتبع إن شاء الله تعالى
    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: عمدة الأحكام..وإحكام الأحكام..ونكت ملحقة

    جزاك الله خيرًا يا أخ أبا القاسم ، وإن شاء الله يكون موضوعًا نافعًا، وكنت أتمنى لو بدأت بالتعريف بكتاب ((عمدة الأحكام)) وبيان أهم طبعاته وأفضلها ، وكذلك أشهر شروحه وأوعبها وأفضل طبعات الشرح ، حتى يتمكن الإخوة من متابعة الموضوع معك والنظر في تلك الكتب.

    وكنت أتوقع أن تبدأ بمقدمة تبين فيها الحاجة لهذا الشرح وما هي الثمرة المرجوة منه مع وجود كل هذا الكم الهائل من الشروح لهذا الكتاب الماتع في الشبكة وفي غيرها، بارك الله فيك.
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: عمدة الأحكام..وإحكام الأحكام..ونكت ملحقة

    وإياكم يا شيخ علي..لكن قل لي بارك الله فيك :يا أخي أبا القاسم..ولا تحذف الياء..ليكون الخطاب أرق بين المتحابين فيه
    وبخصوص ملاحظتك الكريمة..فإني قصدت شرح بعض عبارات ابن دقيق العيد لأهمية كتابه :إحكام الأحكام
    الذي أملاه على العماد بن الأثير مع كون حجمه معقولا(نحو مجلدين أو مجلد من ثمانمئة صفحة) ..ولم أقصد أن أشرح عمدة الأحكام على غرار ما فعل الشراح..فالشروح السهلة جدا موفورة..كشرح الشيخ البسام
    والشروح المطولة أيضا موجودة كشرح العلامة السفاريني الذي طبع بأخرة..وشرح ابن المقن
    ذلك أن كلام ابن دقيق العيد فيه صعوبة ويتضمن الاختصار بالإشارة إلى الشيء دون الاستفاضة فيه
    والله يرعاك ..واعلم أني شرفت بتعقيبك

    وأما الطبعات فحسب علمي القاصر أن أفضل طبعة لكتاب الإحكام طبعة العلامة أحمد شاكر..وإن لم تكن الأفضل
    فهي بلاشك طبعة جيدة لجلالة قدر صاحبها وكونه من المحققين المعروفين بالدقة والرصانة وسعة العلم
    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: عمدة الأحكام..وإحكام الأحكام..ونكت ملحقة

    أخي الفاضل / أبا القاسم
    يعلم الله أني أحبكم فيه ، استمر أعانك الله وبارك فيك.
    ورزقنا وإياك العلم النافع.
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: عمدة الأحكام..وإحكام الأحكام..ونكت ملحقة

    أحبك الله تعالى الذي أحببتني من أجله..شيخنا الفاضل..

    قال الحافظ ابن دقيق العيد بعد ما سبق "ومعنى الحصر فيها إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه , وهل نفيه عما عداه بمقتضى موضوع اللفظ أو هو من طريق المفهوم؟ فيه بحث"
    ولم يناقش هذا البحث إنما أشار إليه كما ترى..
    فهو يقول معنى الحصر المستفاد من كلمة "إنما" :إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه..وذلك
    كقول الله تعالى "إنما إلهكم الله " ففيه إثبات استحقاق العبودية لله..ونفي ذلك عما عداه
    ثم قال :وهل هذا النفي بمقتضى موضوع اللفظ؟ أم هو من طريق المفهوم..
    أي هل استفدنا النفي الذي في معنى الحصر في كلمة إنما..من دلالة اللفظ نفسه وهو النطق
    أم من المفهوم والفحوى ؟ وبيان الفرق بين المفهوم واللفظ يتضح بالمثال
    لو قال قائل :لا تذهب إلى السوق..فالسامع استفاد النهي من اللفظ وهو ما تدل عليه: لا, الموضوعة للنهي
    بخلاف ما لو قال:ذهابك للسوق يغضبني..فمفهوم الخطاب هنا أنه يدعوه لعدم الذهاب..
    وبمثال أقرب لموضوع البحث..
    لو قلت :لا إله إلا الله..هذا أسلوب حصر بالاتفاق ..وهو مستفاد من اللفظ..
    لأنه نفى جنس الآلهة كلها..ثم أثبت إلهاً واحداً وهو الله تعالى..
    فحاصل سؤاله:هل "إنما" تدل على هذا الحصر بدلالة منطوقها..كما في جملة الاستثناء المنفية السابقة
    أم هي دالة على الحصر من طريق آخر وهو ما يفهم من فحوى الجملة حين تصدر بها "إنما"؟
    سيأتي الجواب بإذن الله تعالى


    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: عمدة الأحكام..وإحكام الأحكام..ونكت ملحقة

    إذا تقرر محل النزاع الذي قال فيه ابن دقيق العيد :فيه بحث
    فهذا أوان تجلية الأمر باختصار:
    أصل الخلاف :
    -هل (إنما) عبارة عن تركيب من "إنّ" المثبتة, و(ما) النافية؟ أعني هل "ما" في قوله "إنما" نافية في الأصل؟..هذا قول الرازي وجماعة..وهو ضعيف..فكيف يجتمع الإثبات والنفي في صدر معا؟
    -أم أنها -أعني "إنما"- كلمة واحدة بسيطة لا مركبة..خصصت بهذا المعنى الذي هو الإثبات والنفي في أصل الوضع؟..وهو أيضا ضعيف
    -أم أن "ما" زائدة كافّة؟..وعليه فهي لا تفيد الحصر ؟
    -أم هي دالة على معنى "ما وإلا" بالمفهوم؟
    فعلى القول الأول تدل على الحصر بالمنطوق..وكذلك القول الثاني
    ودلالة المنطوق هي ما تؤخذ من اللفظ سواء بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام..كما في قول الله تعالى "ولا تقل لهما أفّ"..
    منطوق اللفظ يدل على تحريم التأفف..ولكن بالمفهوم :يحرم التعرض لهما بالضرب من باب أولى..
    فإذا أخذت بدلالة المطابقة والتضمن..كان المنطوق صريحاً..وإذا أخذت بدلالة اللزوم..كان المنطوق غير صريحاً..
    والفرق بين المنطوق غير الصريح , والمفهوم..أن الأول يؤخذ بشيء متعلق بنفس اللفظ..لا من قرائن خارجية


    وعلى الثالث:كيف استفدنا الحصر منها والحال أن "ما" زائدة كافة..وعليه جماهير النحاة
    وجه الإشكال :أن كون "ما" زائدة فهي لا تفيد شيئا مؤسسًا..كـ"ما" النافية مثلا..أو الاستفهامية..أو غير ذلك
    ولهذا ذهب كثير من النحويين -خلافا للأصوليين-إلى أنها لا تفيد الحصر..وأن الحصر إنما يستفاد بالقرائن التي تحف الجملة
    وهؤلاء قالوا إنها تفيد زيادة التوكيد في إثبات الشيء المثبت ..على اعتبار أن ما زائدة..وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى
    قال أبو حيان الأندلسي:لا تدل على الحصر بالوضع كما أن الحصر لا يفهما من أخواتها -يعني لعلما وكأنما..ونحو ذلك-ثم قال :وإنما يفهم الحصر من سياق الكلام لا أن (إنما) دلت عليه..

    وقد اعترض الزركشي على استدلال ابن دقيق العيد المذكور في فهم دلالة الحصر من "إنما" بحديث ابن عباس وفهمه وعدم معارضة الصحابة له في فهمه , لأن الحديث روي أيضا بلفظ :لا الربا إلا في النسيئة..(وهذه مخرجة في البخاري)
    ولكن الحافظ ابن حجر رد عليه استدراكه فقال ما معناه:بل هذه الرواية تقوي ما ذهب إليه ابن دقيق العيد..ويدل على أن مفاد الصيغتين (وهما :"النفي المستثنى منه" وصيغة "إنما")..
    قلت:قد ورد في كتاب الله استعمال الصيغتين في نفس المعنى كما في قوله تعالى "إنما على رسولنا البلاغ المبين"..وفي آية أخرى"وما على الرسول إلا البلاغ المبين"..فورود الروايتين نظير هاتين الآيتين..
    فالصحيح أنها تفيد الحصر وإن كانت مركبة من "إن" وما الكافة الزائدة..لأنها تدل على معنى على الحصر لكونها بمعنى ما وإلا..ومن الأدلة القوية على ذلك:صحة مجيء الضمير المنفصل (مثل هو ,أنا..)منفصلا عنها , كما في قولك:
    إنما يجاهد في سبيل الله هو..سواء بسواء كقولك:ما يجاهد في سبيل الله إلا هو..وهذا يدل على كون (إنما) تتضمن معنى (ما وإلا)..ومنه قول الفرزدق:
    أنا الذائد الحامي الذمار وإنما...يدافع عن أحسابهم أنا أومثلي
    وكذلك يدل على كونها للحصر اتفاق المفسرين على هذا في المواضع التي فيها "إنما"

    وهل الحصر بالمفهوم أم مستفاد من منطوق إنما؟
    هذا ما أثاره ابن دقيق العيد وقال :فيه بحث..
    والصواب أن دلالة الحصر هنا منطوق غير صريح..
    على اعتبار أنه ثبت جواز مجيء إنما بمعنى ما وإلا كما تقدم..
    وتقدم الفرق بين المفهوم والمنطوق غير الصريح..فالأول لايكون مستمدا من لفظ الجملة ..
    بمعنى أنه لا ذكر له مباشرا ولا غير مباشر..(اذكر مثال الضرب والتأفيف) بخلاف الثاني فيكون في الجملة شيء له تعلق باللفظ
    لكنه لا يكون ذكرا مباشرا(لأنه منطوق غير صريح)
    وبكلمة موجزة:دلالة المنطوق (بنوعيه) ما دل عليه اللفظ إما بالمطابقة وإما بالتضمن وإما باللزوم
    ودلالة المفهوم :مادل عليه اللفظ لكن ليس عن طريق هذه الدلالات الثلاث

    بقي أن يقال إن بعض أهل العلم أشار إلى أن الحصر مستفاد من تعريف الجزئين..في قوله:الأعمال..با نيات
    وليس من إنما..وتعريف الجزئين مقتض للحصر كما هو معلوم..كما في قولك :الرجل أنت..أي ليس الرجل إلا أنت..
    وهذا وإن كان صحيحا لكنه لا ينفي دلالة إنما على الحصر..وقد يقال في تأويل كونها للحصر :أن "إن" المثبتة تفيد التوكيد..فإذا اتصلت بها "ما" الزائد..زاد معنى التوكيد زيادة..اجتمع به مؤكدان..فأفاد ذلكم الحصر

    والله أعلم
    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: عمدة الأحكام..وإحكام الأحكام..ونكت ملحقة

    ثم يقول ابن دقيق العيد :
    إذا ثبت أنها للحصر فتارة تقتضي الحصر المطلق وتارة تقتضي حصرا مخصوصا ويفهم ذلك بالقرائن والسياق
    إلى أن يقول:فإذا وردت لفظة إنما فاعتبرها فإن دل السياق والمقصود من الكلام على حصر مخصوص :فقل به وإن لم يدل على الحصر في شيء مخصوص فاحمل الحصر على الإطلاق
    -------------
    قسم المملي رحمه الله الحصر إلى حقيقي أو مطلق..وإلى حصر نسبي أو مخصوص
    واستدل للثاني بآيتين وحديث..أما الآية فقول الله تعالى"إنما أنت منذر" قال معقبا:ولا ينحصر في ذلك بل له أوصاف كثير جميلة..ولكن مفهوم الكلام حصره في النذارة لمن لا يؤمن..والآية الأخرى قوله تعالى :"إنما الحياة الدنيا لعب ولهو" فهو لهو بالنسبة لمن آثرها لكنها مزرعة للآخرة لمن أحسن الحراثة فيها بما يرضي الله عز وجل..
    واستدل لهذا النوع بحديث "إنما أنا بشر"..وهذا الحديث أخرجه البخاري وعامة أهل السنن من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ البخاري:إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار..وهذا حديث جليل القدر كما ترى وفيه فوائد عالية وموطن الشاهد فيه"إنما أنا بشر" ومعلوم أن للنبي وغير النبي صفات كثيرة غير البشرية فهذا حصر إضافي مخصوص بحسب السياق الذي قيل فيه
    وهذا واضح..
    وقد أخطا الزركشي في فهم كلام ابن دقيق العيد خطأ غريبا..و نسب إليه أنه لا يقول بإفادة "إنما" الحصر..وإنما بالسياق والقرائن..بمعنى أنه جعل إفادة الحصر مجازية , مع أن* ابن دقيق العيد صدر كلامه بقول صريح:إنما للحصر على ما تقرر في الأصول..ومنشأ خطأ الزركشي أنه لم يراع السياق الذي قال فيه ابن دقيق العيد ما سبق..لأن كلامه هنا مصدر بقوله:إذا ثبت أنها للحصر..إلخ..فهو انتهى من تقرير أنها للحصر ثم شرع يبين نوعي الحصر:-
    فبين أن الحصر تارة يكون حصرا مطلقا..وهو الأصل حتى تأتي قرينة تدل على أنه مخصوص..
    (وقد يكون ما يعد أصلا أندر وجودا من الاستثناء!)
    ثم مثل ابن دقيق العيد للحصر المطلق بحديث الباب "إنما الأعمال بالنيات"..
    وقد نازع في هذا المتأخرون على اعتبار أن المقصود بالأعمال :ما كان في العبادات..
    أما العادات فأخرجوها من هذا..وعامة كلام السلف يدل على خلافه..
    قال حنبل بن إسحاق فيما يرويه عن الإمام أحمد:أحب لكل من عمل عملا من صلاة أو صيام أو صدقة أو نوع من أنواع البر أن تكون النية متقدمة
    وأما ما يقال من أن عادات أهل الإيمان عبادات وعبادات أهل الغفلة عادات..ففيه نظر
    لأن العبادة هي ما أمر الشارع به..وماكان مباحا من جنس العادات لا يتحول اسمه إلى عبادة..ولكن يؤجر صاحبه على نيته الحسنة..والله أعلم
    -----
    *"مع أن" ..هكذا لم أجد أحدا في عصر الاستشهاد بكلام العرب استعملها..
    ففي جوازها في كلام العرب محل نظر وإن كان يستعملها عامة المتأخرين كلهم..
    نحويين وغيرهم..أكابر وأصاغر..
    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •