"نقد المتديّنين".. هل أصبح موضة؟!
منذ سنين بدأت المواجهات بين التيار الإسلامي وتيارات أخرى تتلبس تارة بالحداثة وتارة بالليبرالية وتارة بالديمقراطية، والأيام حُبلى بمزيد أسماء تهدف في نهاية الأمر إلى نزع الهوية الإسلامية السلفية من المسلمين وإبدالهم بـ "إسلام أمريكاني" أو "إسلام عصراني" ، وللأسف فإن هذه المحاولات ولو لم تستطع أن تسيطر وتحقق أهدافها مع الجماهير عموماً في ظل هذه المسميات؛ فالجماهير تحب الإسلام باسمه وبعقيدته وشريعته، إلا أنه كان لتلك "الموضات" أثر بيّن في صفوف (المتثيقفين) و(المتعالمين) و (المتشددين) فخرجت لنا نتائج، من ضمنها: "التنويرون" كما يحبون أن يتسموا، و "العصرانوين" وغيرهم.. (لسنا هنا بصدد هذا الموضوع ولكن لا بد من هذه المقدمة).
لا شك أن الحرب ضروس بين هذين التيارين (التيار الإسلامي والتيار الآخر أيا كان) وكلٌ يحاول أن يبيّن عوار الآخر وأن يبين أنه لا يفقه وأنه جاهل وربما نجح الإسلاميون في هذا ولكن لا أظن أن التيار المقابل سينجح؛ لأن الله يقول عن هذا التيار وعن هذا المنهج: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
فحين يسمع بعض السذج النقد اللاذع الموجّه للإسلاميين عبر الجرائد اليومية باسم "الوطنية" وتأتي بعض القنوات الأمريكية الناطقة بالعربية لتسب "الإسلاميين" باسم "الإسلاميين الجدد" وتبيّن أن هؤلاء متشددين ولا يمثلون الإسلام بأي شكل من الأشكال، لا عقيدة ولا شريعة ولا مظهر ولا لغة خطاب، حينها ماذا نتوقع تكون النتائج؟!
النتائج واضحة، فأصبح يُتطاول على المدارس السلفية وجُنّد لذلك المدرسة العقلانية –مع تحفظي على هذه التسمية ولكنها بهذا عرفت-، وأصبح يُتطاول على عقيدة السلف وعلى عقيدة أهل السنة والجماعة وجُنّد لذلك دعاة التسامح والإنبطاحية، وأصبحنا نرى مِن مَن هم محسوبين على الدعاة يهاجمون بعض مظاهر التدين وبعض الشعائر تحت ذريعة (فقه الواقع) و (مراعاة أحوال المخاطبين) و(المقاصد الشرعية) وهذه كلها يجب أن تكون في الحسبان ولكن ليس على حساب أصول الدين!
الأمر تجاوز إلى مرحلة أشد خطورة ألا وهي: أن "الجميع" أصبح يتكلم وينقد، فتارة تلاك أعراض خطباء الجمعة وتارة ينتهك عرض رجال الحسبة وأخرى يعرّج على هيئة كبار العلماء وهلم جراً.. ،وإذا جاء من ينصح ويذكر كان الجواب: (داءٌ قد استشرى!)، وأصبح كل من يريد أن يُظهر أنه ذو عَقل وثقافة جاء ليتسلق على أكتاف العظماء والكبار ممن هم قدواتنا ، وبهذا نرى قوله صلى الله عليه وسلم قد تحقق (سيأتى على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، و يكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)
إنني هنا لا أحرّم النقد الذي سماه الشرع بـ"النصيحة"، بل هو دين ندين الله به: (الدين النصيحة..) ولم يكن العلاج بالنصيحة يوماً باستخدام أذرب الألفاظ وأشدها في مواجهة مشاكل فردية تظهر من ذي لحية وتعميم هذا الفعل على منهج كامل، ولم تكن النصيحة بالانسياق خلف الصحافة وتأجير عقولنا لهم ليلقوا فيها ما شاءوا من قمامة تحت اسم (الحرية) ثم نأتي نحن ونكون سفراء لهم في مجالسنا ومنتدياتنا نخدمهم ونخدم أسيادهم الذين قد أشبعوا أرصدتهم البنكية بأصفار عن يمين أرصدتهم الأصلية ليتكلموا باسم الدين بأفكار تناقض الدين ويخدعوا بذلك العامة؛ لأنهم يملكون أدواة قمع لا يملكها الإسلاميون!
أرجو أن أكون قد وُفقت في إيصال رسالتي، سأورد كلاما يذكر بعض آداب النصيحة ثم سأختم:
يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه الأخلاق والسير في مداواة النفوس ص153-158: (إذا نصحت فانصح سرا لا جهرا وبتعريض لا بتصريح إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلا بد من التصريح...وإذا نصحت ففي الخلاء وبكلام لين..)
حين ينوي أحدنا النصيحة أو ما يسمى بـ (النقد) فليلاحظ أنه عبد مسلم مسيّر وفق ما أرد الله لا بما يريده هواه، وليتذكر أن أعراض الناس محفوظة مصانة فكيف بذوي العلم والديانة، وليتذكر دوما أن في السكوت السلامة!
وكتبه
عبدالرحمن بن صالح المسكين
عفا الله عنه