تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قياس الغائب على الشاهد بين أهل السنة والأشاعرة

  1. #1

    افتراضي قياس الغائب على الشاهد بين أهل السنة والأشاعرة

    قياس الغائب على الشاهد بين أهل السنة والأشاعرة
    إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

    هل اعتمد الأشاعرة على قياس الغائب على الشاهد ؟
    قال سعيد فودة في كاشفه (44) :"اعلم أن قياس الغائب على الشاهد هو أصل أصيل عند ابن تيمية , وقاعدة أكيدة لا يستطيع أن يستغني عنها الإنسان لا في مجال المخلوقات , ولا في مجال الخالق , ومذهبه في العقائد وهو مذهب التجسيم قائم على هذه القاعدة.... .انتهى
    وهذا الذي اتهم به سعيد فودة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؛ قد اعتمد عليه الأشاعرة في إثبات الصفات ونفيها مع تناقض واختلاف بينهم .
    فأولا: " لا يخفى أن أقوى الأدلة التي استدلت بها الأشعرية على وجود الله وإثبات صفاته هو قياس الغائب على الشاهد يقول الإيحي: (احتج الأشاعرة بوجوه، الأول: ما اعتمد عليه القدماء، وهو قياس الغائب على الشاهد، فإن العلة والحد والشرط لا يختلف غائبًا وشاهدًا).
    " عقيدة العادة عند الأشاعرة (18) للشيخ جابر السميري
    وثانيا: أن السبب في نفي صفات الله الخبرية أو الاستواء والنزول أو غيرها من الصفات هو الفرار مما يتوهمه العقل من مشابهة المخلوقات وهذا عند التحقيق هو قياس الغائب على الشاهد .

    قال حسن الشافعي في كتابه " الآمدي وآراؤه الكلامية " في مبحث قياس الغائب على الشاهد , وبيان شيوعه لدى المتكلمين .
    : " ولكن القياس الفقهي مشروع ومبرر تماما مادام الأصل والفرع مشتركين في الوصف المؤثر في استحقاق الحكم , ولدينا الوسائل المختلفة لاختبار تحقق هذا الوصف فيهما , فيما يعرف ( بمسالك العلة ) أما بالنسبة للمسائل الإلهية فكيف يمكن التحقق من اشتراك الغائب والشاهد في وصف يعمهما أو في حكم يترتب على ذلك ؟ وهل يجوز للعقل أن يطبق المقولات الإنسانية في ذات الله تعالى وما يتصل بها من صفات وأفعال؟ تلك هي أزمة هذا القياس الكلامي ومع ذلك فقد استخدمه المتكلمون بعد أن استعاروه من (أصول الفقه) ...
    يقول الجرجاني : وإنما يسلكونه إذا حاولوا إثبات حكم لله تعالى فيقيسونه على الممكنات قياسا فقهيا ويطلقون اسم الغائب عليه تعالى . وقد شاع استخدامه لدى مختلف المدارس الكلامية : فالحشوية القائلون بأن الله جسم يعتمدون على أن كل موجود في الشاهد فهو كذلك .
    والمعتزلة – المشهورون بالتنزيه - أخذوا به فيما يتعلق بأفعال الله تعالى فحكموا بحدوثها وأوجبوا عليه بعض الأمور طبقا لقواعد التحسين والتقبيح الإنسانية ... .
    ومع ذلك فهم لا يسرفون في استخدامه في مجال الصفات إسراف الأشاعرة الذين يعترف بعضهم بذلك , والآمدي يحكي " اتفاق الأصحاب على إلحاق الغائب بالشاهد " . ولكنهم بدورهم يقللون من استخدامه بالنسبة لأفعال الله تعالى بعكس المعتزلة ... .
    لكن الأشاعرة ومن وافقهم من المتكلمين حين قاسوا الغائب على الشاهد حاولوا أن يلتمسوا لذلك جامعا فقالوا : إن الحقائق أو التعريفات والأدلة والشروط والعلل يجب أن تطرد شاهدا وغائبا وأن توجب في الغائب ما توجبه في الشاهد من الأحكام والآمدي يحكي اتفاقهم على ذلك ويضرب له أمثلة توضيحية ويشير إلى ما ذهب إليه الإسفراييني من أن كل أمرين ثبت تلازمهما في الشاهد لزم أن يتلازما غائبا ولم يعتبر في ذلك جامعا -ثم نقل نقد الآمدي لذلك- .
    وخلاف الأشاعرة في هذه المسألة .
    " الآمدي وآراؤه الكلامية " (142)
    وقال السنوسي : اعلم أن المعتزلة لما ساعدت على أن العالم القادر الحي المريد في الشاهد عالم بعلم وقادر بقدرة ومريد بإرادة وحي بحياة ألزمهم أهل السنة اعتبار الغائب بالشاهد .
    قالوا : والجمع بين الغائب والشاهد يفتقر إلى جامع وإلا جر إلى التعطيل والتشبيه وعنوا بالشاهد الحادث وبالغائب القديم ...
    قالوا : والجوامع أربعة :
    1- جمع بالحقيقة كقولهم العالم شاهدا من له العلم أو ذوي العلم والباري عالم فلع علم وهذه عمدة من ينفي الأحوال .
    2- والجمع بالدليل كقولهم الأحكام شاهدا دليل في العقل على أن لفاعله علما به والباري تعالى محكم متقن لأفعاله فدل أن له علما .
    3- والجمع بالشرط كقولهم الباري مريد وكل مريد قاصد لفعله والقصد مشروط بالعلم والباري له علم وإلا لثبت المشروط بدون الشرط .
    4- والجمع بالعلة وهو عمدة من يثبت الأحوال كقولهم العلم واتلعالمية متلازمان والعالمية مترتبة على العلم .. .
    " شرح العقيدة الكبرى " (175) للسنوسي

    عندما يقارن طالب العلم بين كلام أهل السنة والجماعة وبين كلام غيرهم من أهل الكلام والفلسفة يجد الثبات والوضوح في منهج أهل السنة والجماعة , ويجد الاختلاف والتناقض في كلام أولئك الذين خالفوا منهج أهل السنة والجماعة , وخذ مثالا على ذلك هذه المسألة , وهي مسألة قياس الغائب على الشاهد عند الأشاعرة ؛ فمن مثبت لها إلى ناف لها إلى متناقض في مطالبها .
    فالآمدي يحكي اتفاق الأشاعرة على هذه المسألة وينقل قول الإسفراييني من أن كل أمرين ثبت تلازمهما في الشاهد لزم أن يتلازما غائبا ولم يعتبر في ذلك جامعا, والجرجاني يعتمده طريقا لإثبات الصفات , ومن قبله شيخ المذهب الأشعري يعتمده في اللمع , والباقلاني يعتمده وخصوصا في جامع العلة والدليل , والجويني والغزالي والرازي ينقدون هذه المسألة ولا يعتمدونها .
    وانظر لذلك " الآمدي وآراؤه الكلامية " في مبحث قياس الغائب على الشاهد .

    ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إذا تبين ذلك فنقول المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالاتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطر بين كل منهم يستعمله فيما يثبته , ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك , وإن كان قد استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه وسبب ذلك أنهم لم يمشوا على صراط مستقيم بل صار قبوله ورده هو بحسب القول لا بحسب ما يستحقه القياس العقلي .
    بيان تلبيس الجهمية (1|310)

    ضابط أهل السنة في مسألة قياس الغائب على الشاهد
    1- قياس الغائب على الشاهد منه الحق ومنه الباطل
    قال شيخ الإسلام : وإذا استدلوا بالنظر والقياس والمعقول والبراهين التي يحتج بنظيرها مخالفوهم بل بالبراهين التي هي أصح من ذلك وهي حق في أنفسها قرروا ذلك من وجوه :
    أحدها: وفيه قاعدة جليلة جامعة وهو أن يقال لا ريب أن قياس الغائب على الشاهد يكون تارة حقا وتارة باطلا , وهو متفق عليه بين العقلاء ؛ فإنهم متفقون على أن الإنسان ليس له أن يجعل كلما لم يحسه مماثلا لما أحسه ؛ إذ من الموجودات أمور كثيرة لم يحسها ولم يحس ما يماثلها من كل وجه ؛ بل من الأمور الغائبة عن حسه مالا يعلمه أو ما يعلمه بالخبر بحسب ما يمكن تعريفه به كما أن منها ما يعلمه بالقياس والاعتبار على ما شاهده , وهذا هو المعقول كما أن الأول هو المسموع والمحسوس ابتداء هو ما يحسه بظاهره أو باطنه , وهذا بين .
    بيان تلبيس الجهمية (1|303)

    2- لا يلزم من الاشتراك اللفظي التشابه في الحقائق
    قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه للطحاوية (105)
    " وأما ما يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمور الغائبة فقد يكون مما أدركوا نظيره بحسهم وعقلهم كإخبارهم بأن الريح قد أهلكت عاداً ؛ فإن عاداً من جنسهم , والريح من جنس ريحهم , وإن كانت أشد.
    وكذلك غرق فرعون في البحر , وكذا بعينه الإخبار عن الأمم الماضية , ولهذا كان الإخبار بذلك فيه عبرة لنا كما قال تعالى:{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} .
    وقد يكون الذي يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يدركوا مثله الموافق له في الحقيقة من كل وجه لكن في مفرداته ما يشبه مفرداتهم من بعض الوجوه كما إذا أخبرهم عن الأمور الغيبية المتعلقة بالله واليوم الآخر فلا بد أن يعلموا معنى مشتركاً وشبهاً بين مفردات تلك الألفاظ , وبين مفردات ما علموه في الدنيا بحسهم وعقلهم .
    فإذا كان ذلك المعنى الذي في الدنيا لم يشهدوه بعد , ويريد أن يجعلهم يشهدونه مشاهدة كاملة ليفهموا به القدر المشترك بينه وبين المعنى الغائب أشهدهم إياه , وأشار لهم إليه وفعل قولا يكون حكاية له وشبها به يعلم المستمعون أن معرفتهم بالحقائق المشهودة هي الطريق التي يعرفون بها الأمور الغائبة فينبغي أن يعرف هذه الدرجات :
    أولها: إدراك الإنسان المعاني الحسية المشاهدة
    وثانيها : عقله لمعانيها الكلية .
    وثالثها : تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية والعقلية
    فهذه المراتب الثلاث لا بد منها في كل خطاب .
    فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة فلا بد من تعريفنا المعاني المشتركة بينها وبين الحقائق المشهودة والاشتباه الذي بينهما , وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة ثم إن كانت مثلها لم يحتج إلى ذكر الفارق كما تقدم في قصص الأمم , وإن لم يكن مثلها بين ذلك بذكر الفارق بأن يقال ليس ذلك مثل هذا ونحو ذلك .
    وإذا تقرر انتفاء المماثلة كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق وانتفاء التساوي لا يمنع وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك , وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة , ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط. انتهى

    وقال رحمه الله : ويقال لهم : هذا كاشتراك الموجود الواجب والموجود الممكن في مسمى الوجود مع امتياز هذا بما يخصه وهذا بما يخصه ؛فإن الوجوب المشترك الكلي ليس هو ثابتا في الخارج بل للواجب وجود يخصه وللممكن وجود يخصه كما أن لهذا حقيقة تخصه ولهذا حقيقة تخصه .
    وكذلك إذا قيل لهذا ماهية تخصه ولهذا ماهية تخصه فإنهما يشتركان في مسمى الماهية ويمتاز أحدهما عن الآخر بما يختص به وإنما اشتركا في المسمى المطلق الكلي وامتاز كل منهما عن الآخر بالوجود الذي في الخارج .
    درء التعارض (2|391)

    وقال أيضا : وبين فيها أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معينا مقيدا وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر هو تشابهها من ذلك الوجه وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا لأن الموجودات في الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله .
    ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس متناقضا في هذا المقام فتارة يظن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من ملزومات التشبيه وتارة يتفطن أنه لا بد من إثبات هذا على تقدير فيجب به فيما يثبته من الصفات لمن احتج به من النفاة .
    مجموع الفتاوى (3|76)

    3- لا يستعمل في حقه تعالى قياس الشمول وقياس التمثيل بل يستعمل في حقه قياس الأولى .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : والأقيسة العقلية وهي الأمثال المضروبة كالتي تسمى أقيسة منطقية وبراهين عقلية , ونحو ذلك استعمل سلف الأمة وأئمتها منها في حق الله سبحانه وتعالى ما هو الواجب وهو ما يتضمن نفياً وإثباتاً بطريق الأولى لأن الله تعالى وغيره لا يكونان متماثلين في شيء من الأشياء لا في نفي ولا في إثبات بل ما كان من الإثبات الذي ثبت لله تعالى ولغيره؛ فإنه لا يكون إلا حقا متضمنا مدحا وثناء وكمالا , والله أحق به ليس هو فيه مماثلاً لغيره ,وما كان من النفي الذي ينفي عن الله وعن غيره ؛ فإنه لا يكون إلا نفي عيب ونقص , والله سبحانه أحق بنفي العيوب والنقائص عنه من المخلوق فهذه الأقيسة العادلة والطريقة العقلية السلفية الشرعية الكاملة , فأما ما يفعله طوائف من أهل الكلام من إدخال الخالق والمخلوقات تحت قياس أو تمثيل يتساويان فيه ؛ فهذا من الشرك والعدل بالله , وهو من الظلم , وهو ضرب الأمثال لله , وهو من القياس والكلام الذي ذمه السلف وعابوه , ولهذا ظن طوائف من عامة أهل الحديث والفقه والتصوف أنه لا يتكلم في أصول الدين , ولا يتكلم في باب الصفات بالقياس العقلي ,وأن ذلك بدعة , وهو من الكلام الذي ذمه السلف , وكان هذا مما أطمع الأولين فيهم لما رأوهم ممسكين عن هذا كله إما عجزاً أو جهلاً .
    وإما لاعتقاد أن ذلك بدعة وليس من الدين وقال لهم الأولون : ردكم أيضاً علينا بدعة ؛ فإن السلف والأئمة لم يردوا مثل ما رددتم , وصار أولئك يقولون عن هؤلاء إنهم ينكرون العقليات , وأنهم لا يقولون بالمعقول , واتفق أولئك المتكلمون مع طوائف من المشركين والصابئين والمجوس وغيرهم من الفلاسفة الروم والهند والفرس وغيرهم على ما جعلوه معقولاً يقيسون فيه الحق تارة والباطل أخرى , وحصل من هؤلاء تفريط وعدوان , ومن هؤلاء تفريط وعدوان أوجب تفرقاً واختلافاً بين الأمة ليس هذا موضعه .
    ودين الإسلام هو الوسط وهو الحق والعدل وهو متضمن لما يستحق أن يكون معقولاً ولما ينبغي عقله وعلمه ومنزه عن الجهل والضلال والعجز وغير ذلك مما دخل فيه أهل الانحراف فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلك الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى , وذلك أن النجاسات مما أمر الشارع باجتنابها والتنزه عنها , وتوعد على ذلك بالعقاب كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه .
    وهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام, وهي مما فطرت القلوب على كراهتها والنفور عنها واستحسان مجانبتها لكونها خبيثة ؛ فإذا كان العبد المخلوق الموصوف بما شاء الله من النقص والعيب الذي يجب تنزيه الرب عنه لا يجوز أن يكون حيث تكون النجاسات , ولا أن يباشرها ويلاصقها لغير حاجة , وإذا كان لحاجة يجب تطهيرها ثم إنه في حال صلاته لربه يجب عليه التطهير ؛ فإذا أوجب الرب على عبده في حال مناجاته أن يتطهر له وينزه عن النجاسة كان تنزيه الرب وتقديسه عن النجاسة أعظم وأكثر للعلم بأن الرب أحق بالتنزيه عن كل ما ينزه عن غيره .
    "بيان تلبيس الجهمية " (2|536)
    وقال شيخ الإسلام : " والله تعالى له المثل الأعلى فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع , ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه ؛ فإن الله سبحانه ليس مثلاً لغيره ولا مساوياً له أصلاً بل مثل هذا القياس هو ضرب الأمثال لله وهو من الشرك ,والعدل بالله , وجعل الند بالله , وجعل غيره له كفوا وسميا , وهم مع هذا كثير والبراءة من التشبيه والذم له وهم في مثل هذه المقاييس داخلون في حقيقة التمثيل والتشبيه والعدل بالله , وجعل غيره له كفواً ونداً وسمياً كما فعلوا في مسائل الصفات والقدر وغير ذلك .
    ولهذا ذكر الوزير أبو المظفر ابن هبيرة في كتاب" الإيضاح في شرح الصحاح" أن أهل السنة يحكون أن النطق بإثبات الصفات وأحاديثها يشتمل على كلمات متداولات بين الخالق وخلقه , وتحرجوا من أن يقولوا مشتركة لأن الله تعالى لا شريك له بل لله المثل الأعلى , وذلك هو قياس الأولى والأحرى فكلما ثبت للمخلوق من صفات ؛ فالخالق أحق به وأولى وأحرى به منه لأنه أكمل منه , ولأنه هو الذي أعطاه ذلك الكمال فالمعطي الكمال لغيره أولى وأحرى أن يكون هو موصوفا به إذ ليس أعطى , وأنه سلب نفسه ما يستحقه وجعله لغيره ؛ فإن ذلك لا يمكن بل وهب له من إحسانه وعطائه ما وهبه من ذلك كالحياة والعلم والقدرة , وكذلك ما كان منتفياً عن المخلوق لكونه نقصاً وعيباً , فالخالق هو أحق بأن ينزه عن ذلك وقد بسطت هذه القاعدة في غير هذا الموضع .
    وعلى هذا فجميع الأمور الوجودية المحضة يكون الرب أحق بها لأن وجوده أكمل , ولأنه هو الواهب لها فهو أحق باتصافه بها , وجميع الأمور العدمية المحضة يكون الرب أحق بالتنزيه عنها لأنه عن العدم أبعد من سائر الموجودات .
    ولأن العدم ممتنع لذاته على ذاته , وذاته بذاته تنافي العدم , وما كان فيه وجود وعدم كان أحق بما فيه من الوجود وأبعد عما فيه من العدم فهذا أصل ينبغي معرفته ؛ فإذا أثبت له صفات الكمال من الحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر وغير ذلك بهذه الطريق القياسية العقلية التي لله فيها المثل الأعلى كان ذلك اعتباراً صحيحاً , وكذلك إذا نفي عنه الشريك والولد والعجز والجهل ونحو ذلك بمثل هذه الطريق , ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يستعملون مثل هذه الطريق في الأقيسة العقلية التي ناظروا بها الجهمية .
    "بيان تلبيس الجهمية "(1|327)
    وقال ابن أبي العز الحنفي: ومما يوضح هذا أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع , ولا بقاس شمولي يستوي أفراده ؛ فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء فلا يجوز أن يمثل بغيره , ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها, ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية لم يصلوا بها إلى اليقين بل تناقضت أدلتهم وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافيها ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى سواء كان تمثيلاً أو شمولاً كما قال تعالى {ولله المثل الأعلى } مثل أن يعلم أن كل كمال للممكن أو للمحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه , وهو ما كان كمالاً للوجود غير مستلزم للعدم بوجه ؛ فالواجب القديم أولى به ,وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق والمربوب المدبر ؛ فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره , وهو أحق به منه وأن كل نقص وعيب في نفسه , وهو ما تضمن سلب هذا الكمال إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات ؛ فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الأولى .
    "شرح الطحاوية" (119)
    وقال شيخ الإسلام : والثالثة طريق قياس الأولى وهي الترجيح والتفصيل , وهو أن الكمال إذا ثبت للمحدث الممكن المخلوق فهو للواجب القديم الخالق أولى , والقرآن يستدل بهذه وهذه .
    ثم قال : وأما الاستدلال بطريق الأولى فقوله {ولله المثل الأعلى} ومثل قوله { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم }.
    وأمثال ذلك مما يدل على أن كل كمال لا نقص فيه يثبت للمحدث المخلوق الممكن فهو للقديم الواجب الخالق أولى من جهة أنه أحق بالكمال لأنه أفضل.
    "مجموع الفتاوى"( 16/357)

    والله أعلم .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    175

    افتراضي رد: قياس الغائب على الشاهد بين أهل السنة والأشاعرة

    بــارك الله فيك شيخنا عبدالباسط
    وأريدك منك طلب وهو :
    أن تضرب لمثال لكل من قياس التمثيل والشمول ى بما يجلي للقارئ الحد الذي ذكر لهما :
    قياس التمثيل : قياس يستوي فيه الأصل والفرع
    مثاله : ؟
    قياس الشمول : قياس تستوي أفراده في حكمه
    مثاله : ؟

    نفع الله بـــكم
    في انتظار اجابتكم

    وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •