منذ تسع سنين نشر تحذير سياسي من خطر ارتفاع حرارة الأرض على مستقبل البشرية بسبب زيادة استهلاك الوقود في المصانع والمدافئ ووسائل النقل، ونفث الغازات المستهلكة في الفضاء. وتنبأ (جورج متشل) في كتابه (العالم يحترق) بأن ذلك سيحدث فوضى كونية وأعاصير عارمة تهدد ملايين البشر بالموت، وتسوق قارتي الهند وأفريقيا إلى المجاعة العامة.
ولكن (دنس آفري) قد يوافق على المقدمة، ويخالف النتيجة المتشائمة، فارتفاع درجة الحرارة في الأرض – كما يقول – إن حدثت، فلن تكون بالضرورة ضارة، بل ستكون خيرًا يعم سكان الأرض، وهذا موجز أدلته:
1- عندما نشر متشل تحذيره كانت أجهزة الكمبيوتر البدائية للتنبؤات الجوية تتوقع أضعاف ما تتوقعه الأجهزة الحديثة لارتفاع درجة الحرارة، أما اليوم فإن الأبحاث المتخصصة لا تتوقع زيادة أكثر من درجتين أو ثلاث خلال القرن القادم.
2- وهذا القدر من ارتفاع الحرارة حدث من قبل في القرون الوسطى، كما يقول المختصون في ( معهد أوريكن للعلم والطب)، فكانت النتائج من خير ما سجله تاريخ البشر لازدهار الزراعة والتجارة والفن؛ فقد تضاعف إنتاج الغذاء بسبب دفء الشتاء وطول المواسم الزراعية، وزاد المطر، وقلت الفيضانات بزيادة نسبة التبخر، ونقص معدل الوفيات بسبب تحسن التغذية من جانب، ولقلة حاجة الناس للاجتماع في البيت حول نار التدفئة وما يسببه دخانها والرطوبة من الأمراض المعدية.
3- وكانت نتيجة تحسن أحوال المعيشة: التفرغ للإبداع في الهندسة والفن والاختراع الفني، فبنى الأوروبيون الكاثدرائيات التي لا تزال تدهش السائحين بجمالها وتفوقها الهندسي، وفي جنوب شرقي آسيا شيد (الخمر) ـ قبل أن يحمروا ويدمروا ـ معبد (أنكروات)، وبنى (البورميون) الآف المعابد في عاصمة بلادهم (باكان). ودخلت طاحونة الهواء وآلة النسيج الحياة العامة، ويسر سبك الحديد الحصول على أدوات أدق وأجود. وازدهرت التجارة لأسباب منها قلة العواصف في البحار، وامتدت الزراعة إلى اليابان في الشرق، وإنكلترا وإسكندنافيا وروسيا في أوروبا.
4- كانت كمية الأمطار التي هطلت على جنوب أمريكا الشمالية أكثر منها الآن، وحضارة (الأناسازي) تميزت بالازدهار الزراعي، ثم زالت بعد تغير درجة الحرارة في القرون الوسطى بالنقص، وقد اكتشفت دلائل على أن الصحراء في شمال أفريقيا انكمشت بسبب زيادة المطر مع زيادة الحرارة في القرون الوسطى.
5- الدفء المتوقع سيرفع درجة الحرارة في الشتاء وفي الليل، ولن يرفع درجة الحرارة القصوى في الصيف وفي النهار، وبالتالي فلن يضر النبات والأشجار ولا البشر.
6- والزيادة المتوقعة في نفث غازات (ديوكسايد كاربن 2) الناتجة عن حرق وقود الفحم والزيت ستخصب النبات لأن (د. ك 2) في الواقع سماد صناعي، وقد ظهر من أكثر من ألف تجربة في تسعة وعشرين بلدًا أن مضاعفة الـ (د. ك 2) يزيد المحصول من الحبوب بنسبة النصف، ويزيد في نمو الغابات، وبالتالي يتوفر الغذاء للطيور والحيوانات البرية.
7- ليس لما أعلنته الصحف في الثمانينيات نصيب من الصحة حول التنبؤ بغرق مدن كبيرة بسبب ذوبان الجليد القطبي بسبب زيادة الحرارة؛ بل يرى المختصون أن ارتفاع الحرارة قليلًا في المناطق الباردة الجافة من القطب يزيد الجليد القطبي ولا ينقصه، فنتيجتها زيادة الرطوبة في الجو التي تزيد من نزول الثلج، وبالتالي: زيادة الجليد.
8- ولا صحة لتنبؤ المتشائمين بأن زيادة الدفء سيزيد من الأعاصير والعواصف؛ يقول (إس فرد سكنر) الأستاذ ـ بروفسور ـ لعلوم البيئة في جامعة (فرجينيا): (بل يتوقع أن يقل حدوث ذلك بسبب نقص الفرق بين القطب وخط الاستواء في درجة الحرارة). وبلفظ آخر: كلما نقص الاختلاف بينهما في درجة الحرارة حدث اعتدال في المناخ، لأن ارتفاع درجة الحرارة ـ إن حدث ـ سيكون حول القطب أكثر منه حول خط الاستواء.
إذن، فلا خوف من نعيق غراب التشاؤم، بل نتذكر ما ورد عمن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: "لاتقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا"، ونتذكر واجب شكر الله؛ بأن نستعين بنعمته على فعل ما يرضيه لا ما يغضبه؛ من الإسراف في الاستهلاك بل وفي تشييد المساجد، فضلًا عن معابد الوثنية سواء نسبت إلى البوذية أو النصرانية أو الإسلام، بل وفي زخرفة المصاحف.