وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قال الشيخ محمد العثيمين_رحمه الله تعالى : («وسراية الجناية مضمونة في النفس فما دونها» ، «سراية» : مضاف، و «الجناية» : مضاف إليه، وهي من باب إضافة الشيء إلى سببه، أي: السراية التي سببها الجناية مضمونة، والسراية: هي أن ينتقل الشيء من مكان إلى آخر، فيسري الجرح من المكان الأول إلى مكان آخر ويتسع، وكذلك الأعضاء، كما لو قطع أصبعاً فتآكلت الكف كلها، أو قطع أنملة فتآكل الأصبع كله، أو جرح موضحة بقدر الظفر ثم اتسعت حتى صارت بقدر الكف.
يقول المؤلف: إذا كانت السراية من جناية فإنها مضمونة في النفس فما دونها، في النفس مثل لو قطع أصبع إنسانٍ عمداً فنزف الدم حتى مات، فهنا نقتل الجاني، فإذا قال الجاني: أنا لم أقطع إلاَّ الأصبع، فنقول له: لكن هذه الجناية سرت إلى النفس، وأنت السبب، وربما أنك لم تقصد أن تقتل هذا الشخص، لكنه مات بسببك فتكون ضامناً.
وهذا الضابط مبني على قاعدة معروفة عند أهل العلم، وهي: «ما ترتب على غير المأذون فهو مضمون» فكل شيء ترتب على شيء لم يؤذن فيه، لا شرعاً ولا عرفاً، فإنه يكون مضموناً على صاحبه، ولها أمثلة كثيرة، ويستثنى من سراية الجناية ما سيأتي وهو ما إذا اقتص المجني عليه قبل البرء فهنا لا تضمن السراية، مثاله: قطع إصبع رجلٍ عمداً، فطلب المقطوع إصبعُه أن تقطع أصبع الجاني وأصر وألح، فإنها إذا قطعت في هذه الحال ثم سرت الجناية فإنها تكون هدراً، كما ستأتي المسألة قريباً إن شاء الله.
قوله: «وسراية القود مهدورة» ، القود أي: القصاص، فلو اقتصصنا من الجاني ثم سرت الجناية فإنها هدر، أي: لا شيء فيها؛ لأننا نقول: أنت المعتدي، فلا شيء لك.
وهذا الضابط مبني على قاعدة عند أهل العلم وهي «ما ترتب على المأذون فليس بمضمون»، وهنا القود مأذون فيه، فإذا استقدنا من هذا الرجل، وقطعنا يده ثم سرى القود، فقد ترتب هذا على شيء مأذون فلا يكون مضموناً، ويستثنى من هذا الضابط ما إذا اقتص منه في حالٍ يخشى فيه من السراية، مثل أن يكون في شدة حر، أو في شدة برد، أو إنسان فيه داء السكري، فإن هذا في الغالب لا يبرأ، ويخشى فيه السراية، فإذا كان كذلك، قال أهل العلم: إن السراية في هذه الحال تكون مضمونة؛ لأنها مترتبة على شيء غير مأذون فيه، فإن قلت: هو مأذون فيه في الأصل؟ فالجواب: لكنه في هذه الحال ليس مأذوناً فيه، فيكون عليه الضمان.)
والله أعلم.
محبك محب الإمام ابن تيمية.