بسم الله الرحمن الرحيم
فإني احمد إليكم الله الذي لا إله الا هو فهو للحمد اهل وهو على كل شيء قدير .
قال صلى الله عليه وسلم :
( ألا ان من قبلكم من اهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وان هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة )
قال الامام ابي عبد الرحمن في السلسلة الصحيحة ج1 ص407: ( فقد تبين بوضوح ان الحديث ثابت لا شك فيه , ولذلك تتابع العلماء خلفا وسلفا على الاحتجاج به حتى قال الحاكم في اول كتابه " المستدرك" :
انه حديث كبير في الاصول )
ثم نقل كلام للعلامة صالح المقبلي عن هذا الحديث لما فيه من الفوائد ( قال رحمه الله في " العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ " ص414 :
( حديث افتراق الامة الى ثلاث وسبعين فرقة رواياته كثيرة يشد بعضها بعضا بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها ... )
( ومن المعلوم ان ليس المراد من الفرقة الناجية ان لا يقع منها ادنى اختلاف فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة . وانما الكلام في مخالفة تصير صاحبها فرقة مستقلة ابتدعها واذا حققت ذلك فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل وفيما يترتب عليه عظائم المفاسد لا تكاد تنحصر ولكنها لم تخص معينا من هذه الفرق التي قد تحزبت والتأم بعضهم الى قوم وخالف آخرون بحسب مسائل عديدة )
ثم قال ( ان الناس عامة وخاصة فالعامة آخرهم كأولهم كالنساء والعبيد والفلاحين والسوقة ونحوهم ممن ليس من امر الخاصة في شيء فلا شك في براءة آخرهم من الابتداع كأولهم .
واما الخاصة فمنهم مبتدع اخترع البدعة وجعلها نصب عينية وبلغ في تقويتها كل مبلغ وجعلها اصلا يرد اليها صرائح القرآن والسنة ثم تبعه اقوام من نمطه في الفقه والتعصب وربما جددوا بدعته وفرعوا عليها وحملوه ما لم يحتمله ولكنه امامهم المقدم وهؤلاء هم المبتدعة حقا وهو شيء كبير تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا كنفي حكمة الله تعالى ونفي اقداره المكلف وككونه يكلف ما لا يطاق ويفعل سائر القبائح ولا تقبح منه اخواتهن ومنها ما هو دون ذلك وحقائقها جميعا عند الله تعالى ولا ندري بأيها يصير صاحبها من احدى الثلاث وسبعين فرقة .
ومن الناس من تبع هؤلاء وناصرهم وقوى سوادهم بالتدريس والتصنيف ولكنه عند نفسه راجع الى الحق وقد دس في تلك الابحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه خفي ولعله تخيل مصلحة دنيئة او اعظم عليه انحطاط نفسه وايذاؤهم له في عرضه وربما بلغت الاذية الى نفسه وعلى الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل وتخبط في تصرفاته وحسابه على الله سبحانه اما ان يحشره الله مع من احب بظاهر حاله او يقبل عذره وما تكاد تجد احدا من هؤلاء النظار الا قد فعل ذلك لكن شرهم والله كثير فلربما لم يقع خبرهم بمكان وذلك لانه لا يفطن لتلك اللمحة الخفية التي دسوها الا الاذكياء المحيطون بالبحث وقد اغناهم الله بعلمهم عن تلك اللمحة وليس بكبير فائدة ان يعلموا ان الرجل كان يعلم الحق ويخفيه والله المستعان .
ومن الناس من ليس من اهل التحقيق ولا هيئ للهجوم على الحقائق وقد تدرب في كلام الناس وعرف اوائل الابحاث وحفظ كثيرا من غثاء ما حصلوه ولكن ارواح الابحاث بينه وبينها حائل وقد يكون ذلك لقصور الهمة والاكتفاء والرضى عن السلف لوقعهم في النفوس وهؤلاء هم الاكثرون عددا والارذلون قدرا فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة ولا ادركوا سلامة العامة فالقسم الاول من الخاصة مبتدعا قطعا والثاني ظاره الابتداع والثالث له حكم الابتداع .
ومن الخاصة قسم رابع ثلة من الاولين وقليل من الآخرين اقبلوا على الكتاب والسنة وساروا بسيرها وسكتوا عما سكتا عنه واقدموا واحجموا بهما وتركوا تكلف ما لا يعنيهم وكان تهمهم السلامة وحياة السنة آثر عندهم من حياة نفوسهم وقرة عين احدهم ثلاوة كتاب الله تعالى وفهم معانيه على السليقة العربية والتفسيرات المروية ومعرفة ثبوت حديث نبوي لفظا وحكما فهؤلاء هم السنة حقا وهم الفرقة الناجية واليهم العامة بأسرهم ومن شاء ربك من اقسام الخاصة الثلاثة المذكورين بحسب علمه بقدر بدعتهم ونياتهم .
اذا حققت جميع ما ذكرنا لك لم يلزمك السؤال المحذور وهو الهلاك على معظم الامة لأن الاكثر عددا هم العامة قديما وحديثا وكذلك الخاصة في الاعصار المتقدمة ولعل القسمين الاوسطين وكذا من خفت بدعته من الاول تنقذهم رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الاخروية ورحمة ربك اوسع لكل مسلم لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث ومصداقه وان افراد الفرق المبتدعة وان كثرة الفرق فلعله لا يكون مجموع افرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الامة المرحومة ) . انتهى .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الامين .