بسم الله الرحمان الرحيم
تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين بروبي
الحلقة الثامنة
الأسباب الخفية لدفاع الشيخ شمس الدين على الجعد بن درهم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، وبعد
قال الشيخ شمس الدين في مقال نشر على جريدة الخبر الأسبوعي العدد529 من 15 ـــ21/4/2009 تحت عنوان:"الافتخار بذبح المخالف"ما مفاده[1]: أن السلفيين يحمدون خالد بن عبد الله القسري لأنه ذبح الجعد بن درهم ، مع ما عرف عنه من فسق، و ما اتهم به في كتب التاريخ،فكل من خالفهم يستحق الذبح، ولو كان في المساجد،و طبقا للقاعدة البربهارية التي ذكرها فإنهم يفضلون الفسقة الفجار على المتدينين ".
وحتى نكشف مغالطته نبدأ في شرح القاعدة البربهارية، و التدليل على صحتها، و توضيح المبهم منها، ثم نعرج على قضية الجعد بن درهم سلف الشيخ شمس الدين، الذي يتألم على موته لسبب معروف،فنقول:
كلام البربهاري الذي نقله الشيخ شمس الدين لا يحث على مصاحبة الفسقة و الفجار، و إنما جاء في سياق المقارنة بينهم و بين المبتدعة، فالمعصية لا تضر إلا صاحبها، بينما البدعة تضر الكافة ومن هنا كان أهون على المسلم، و اسلم لدينه أن يصاحب فاجرا على أن يصاحب مبتدعا يضله،
قال أئمة الإسلام كسفيان الثوري وغيره:" إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها ،والمعصية يتاب منها"
قال ابن تيمية : ومعنى قولهم: إن البدعة لا يتاب منها : أن المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ولا رسوله، قد زين له سوء عمله فرآه حسنا، فهو لا يتوب ما دام يراه حسنا، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه ، أو بأنه ترك حسنا مأمورا به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله ، فما دام يرى فعله حسنا ،وهو سيئ في نفس الأمر فإنه لا يتوب .
ولكن التوبة من المبتدع من بدعته ممكنة وواقعة ،بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين، وطوائف من أهل البدع والضلال، وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه، فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ،كما قال تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } وقال تعالى : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } { وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما }، { ولهديناهم صراطا مستقيما}."
لكن حتى نكون منصفين يجب التفريق بين البدع الغليظة التي تقتضي التضليل ،و بين البدع الإضافية أو النسبية التي تكون في الأعمال التي أصلها مشروع ، فيزيد فيها الناس أو ينقصون،فهذه ليس لها حكم الأولى، و قلما ينجو منها الإنسان، إن لم تكن له معرفة بالسنة النبوية الصحيحة.
ومجالسة من هذه حاله يبتدع في شيء يسير خير من مجالسة فاجر ، فيجب فهم البربهاري و انه كان يقصد المبتدعة في العقائد كما هو سياق كلامه في " شرح السنة".
ولعل الشيخ شمس الدين إن خير بين مجالسة الخوارج بكل أصنافهم، الذين يذبحون كل من ليس منهم، كما هو معروف عنهم ،وبين فاجر فاسق فسيختار هذا الثاني حتما،فعادت الحجة عليه.
ثم لنسأل الشيخ شمس الدين ماذا يفضل مجالسة سلفي "متمسلف في قاموسه" أم مجالسة الفجار و الفسقة؟!
أما خالد القسري فلم يمدحه المسلمون على سبه ولعنه عليا رضي الله عنه،و السلفيون يتحدون الشيخ شمس الدين أن ينقل كلمة واحدة عن أئمة السنة، و حتى عن السلفيين في هذا العصر يمدحون بها خالدا القسري على سب علي و لعنه ،فإن لم يقدر فما حكم الشيخ شمس الدين في نقل الأخبار و تفسيرها،صادق أم .....؟
وما يكون من ينشر له مثل هذه الأساطير الإغريقية دون تثبت ، فهل كذاب ربيعة أفضل من صادق مضر؟!
وكذلك يتحدونه في مسألة تسليم خالد القسري لسعيد بن جبير للحجاج بن يوسف الثقفي ليقتله بسبب خروجه على حاكم المسلمين آنذاك،إن كانوا مدحوه عليها أو ذموه.
وهنا يجب أن نقف لنسأل الشيخ شمس الدين عن موقفه هو ،فمعلوم أن خالدا القسري كان آنذاك أميرا على مكة التي كان سعيد بن جبير يختفي فيها بعد خروجه في فتنة ابن الأشعث، فقام خالد بدوره بحكم وظيفته كحاكم ، إذ دور الحكام والولاة تسليم المجرمين في نظرهم إلى السلطات.
و خالد القسري كان عثمانيا ناصبيا يوالي الأمويين فلا يستغرب منه هذا العمل، و إن أنكره العلماء و الصالحون على الحجاج بن يوسف فهو من قتل سعيدا بن جبير ، لأنه قتل عالما صالحا يندر مثله.
وهنا يستلزم أن الشيخ شمس الدين من المروجين للخروج على الحكام ، و إن كان يظهر انتقاد من يخرج عليهم في هذا العصر ، فلست أدري آ لأنه سلفي ، ولو كان خلفيا لقام معه الشيخ شمس الدين؟!
فلحد الآن لم افهم مذهبه، و أظنه مذهب: لا ترحم خصمك، ولا تعترف له بحسنة، و حط عليه بما تملك وبما لا تملك.
وعليه، فإنما حمد المسلمون خالدا القسري على تخليصهم ممن مدح موته أئمة الإسلام ، حتى الذين يحبهم الشيخ شمس الدين، وهذه ترجمة موجزة، لقصة الجعد بن درهم و الجهم بن صفوان.
2 ـ قال ابن حجر "فتح الباري" الرد على الجهمية:" وقال البخاري في " كتاب خلق أفعال العباد " بلغني أن جهما كان يأخذ عن الجعد بن درهم ، وكان خالد القسري وهو أمير العراق خطب فقال : إني مضح بالجعد بن درهم ؛ لأنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما . قلت : وكان ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك".
3 ـ وكون الجعد بن درهم كان ملحدا في أسماء الله و صفاته أمر ثابت عنه، فصحة مقالته المنسوبة إليه ،قال الحافظ ابن عساكر - رحمه الله -: "وكان الجعد يسأل وهباً عن صفات الله - عز وجل -، فقال له وهب يوماً: ويلك يا جعد، أقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، وأن له سمعاً ما قلنا ذلك"[2].
قال ابن حجر في "لسان الميزان"{248/1}:الجعد بن درهم: عداده في التابعين مبتدع ضال زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر والقصة مشهورة انتهى. وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة منها: أنه جعل في قارورة تراباً وماء فاستحال دوداً وهوام فقال: أنا خلقت هذا لأني كنت سبب كونه فبلغ ذلك جعفر بن محمد فقال: ليقل كم هو وكم الذكران منه والإناث إن كان خلقه؟ وليأمر الذي يسعى إلى هذا أن يرجع إلى غيره فبلغه ذلك فرجع.
قال العصامي"العوالي في أنباء الأوائل"{167/2}ناقلا عن ابن خلدون و السيوطي:"قال ابن خلدون في ترجمة عبد الله بن مروان ، كان حاكمَاً سائساً لقب بالجعدي، قال العلامة السيوطي في تاريخه: نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم؛ لتمسكه بمذهبه، كان يقول بخلق القرآن، ويتزندق، أمر هشام بن عبد الملك خالداً القسري بقتله لذلك فقتله."
لا أظن أن الحافظ ابن حجر و السيوطي من المتمسلفة عند الشيخ شمس الدين!
قال الصفدي "الوافي بالوافيات{13/4}:"يروى أن خالد بن عبد الله القسري خطب الناس يوم الأضحى بواسطة وقال أيها الناس ضحوا تقبل الله منكم ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً ثم نزل وذبحه وهي قصة مشهورة رواها قتيبة بن سعيد والحسن بن الصباح وذلك في حدود سنة عشرين ومائة."
"الجعد بن درهم مؤدب مروان الحمار ،هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله.
قال المدائني: كان زنديقا.
وقد قال له وهب: إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله أن له يدا، وأن له عينا ما قلنا ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن صلب.
وتأويلها المفضي إلى تعطيله عنه مقالة التعطيل في الإسلام وهو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت إليه".
قلت: قد بينا في هذا الفصل من هم الأئمة الذين اتهموا الجعد بن درهم بالزندقة و الإلحاد وهم كثير كما مر عليك ومن أساطين العلم.
فهذا حال الجعد بن درهم.
و السلفيون ترجموا خالدا القسري في كتب الجرح و التعديل بما هو مطابق، ولم يمدحوه إلا على قتله الجعد بن درهم ،كما نمدح الكفار اليوم على أفعالهم الحسنة و نذمهم على أفعالهم السيئة، والقول عليهم بغير ذلك إفك مبين.
وقد قال أئمة الإسلام بقتل الزنديق، فإن أراد الشيخ شمس الدين أن يلوم أحدا على قتل الزنديق، فليلم مالكا و الشافعي وكل أئمة السنة فإنهم نصّوا على ذلك بل اختلفوا في قبول توبته،قال ابن حجر في " فتح الباري":"وقد نص الشافعي كما تقدم على القبول مطلقا وقال يستتاب الزنديق كما يستتاب المرتد ، وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان إحداهما لا يستتاب والأخرى إن تكرر منه لم تقبل توبته ، وهو قول الليث وإسحاق ، وحكي عن أبي إسحاق المروزي من أئمة الشافعية ولا يثبت عنه بل قيل إنه تحريف من إسحاق بن راهويه والأول هو المشهور عند المالكية ، وحكى عن مالك إن جاء تائبا يقبل منه وإلا فلا ، وبه قال أبو يوسف ، واختاره الأستاذان أبو إسحاق الإسفرايني وأبو منصور البغدادي . وعن بقية الشافعية أوجه كالمذاهب المذكورة ، وخامس يفصل بين الداعية فلا يقبل منه وتقبل توبة غير الداعية ، وأفتى ابن الصلاح بأن الزنديق إذا تاب تقبل توبته ويعزر فإن عاد بادرناه بضرب عنقه ولم يمهل".
و السلفيون عندما يوردون هذه القصة لا يوردونهم شماتة في الجعد بن درهم، ولا حبا في خالد القسري ، و إنما ليبينوا للناس أن العقيدة التي يدافع عنها الشيخ شمس الدين وهي التعطيل جاء بها الجعد بن درهم وليس السلف الصالح ،و ليبينوا كيف كان ينظر إليها المسلمون و أئمة الإسلام يوم أظهرها الجعد بن درهم في ذاك الزمان، و أنها إن لم تكن مقبولة في ذاك الزمان ،فلن تكون مقبولة في هذا الزمان .
و إن كان عند الشيخ شمس الدين نقل أو شبه نقل أو بعض نقل أو ظل نقل فيه أن السلفيين يطالبون بقتل المخالف فليتحفنا به، فهذا ابن تيمية سجنه سلف شمس الدين، و بيتوا اله لقتله، و كذبوا عليه، و اتهموه زورا، فلما تغير السلطان وجاء الناصر قلاوون، و أراد أن ينصفه من خصومه الذين اختفوا في بيوتهم ،قال:"كل من آذني فهو في حل".
وكل سلفي يظلم على دينه في حال ضعفه لا يعفو في حال قوته ،فما اقتدى بالسلف الصالح أولهم الإمام مالك الذي ضرب و أركب على حمار و طيف به في المدينة المنورة، ولم ينتقم لنفسه، ثم الإمام أحمد الذي تعاقب عليه ثلاثة خلفاء يسجنونه ليلا و يجلدونه نهارا، وما انتقم لنفسه،وكان يدعو لهم بالمغفرة، هذه هي أخلاق السلفيين، و رأفتهم بالأمة، و عذرهم للناس بالجهل .
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين .
أرزيو/ الجزائر في 2009-04-25
مختار الأخضر طيباوي

[1] ـ هذا ملخص كلامه الكثير، و المقصود من تطويله الكلام ،لا يستحق الوقوف عنده طويلا .

[2] ـ قال الذهبي في"سير أعلام النبلاء"{547/4}:"قال عبد الصمد بن معقل،"ابن أخ وهب بن منبه قال الجعد بن درهم: ما كلمت عالما قط إلا غضب، وحل حبوته غير وهب" وعن عبد الصمد بن معقل عرفنا مناقشته لوهب في الصفات.