قال ابن عباس يوما لبعض جلسائه :
لا تكلمن فيما لا يعنيك حتى تجد له له موضعا ، ولا تمار سفيها ولا حليما ، فإن الحليم يغلبك ، والسفيه يزدريك، ولاتذكرن أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالإحسان ، مأخوذ بالإجرام .
فقال رجل عنده يابن عباس : هذا خير من عشرة الآف ، قال : كلمة منه خير من عشرة الآف .!
وقفات ..
الأولى :
1- لا تكلمن فيما لا يعنيك : كم من المشكلات والفتن أفسدت وأحرقت بسبب المتجرئ بالقول فيما لا يحسنه بل ويجهل كثيرا من واقعه فكانت العدواة والوشاية بل وقطع الأرحام والتفجير والتسرع في التكفير وفي الحديث " من حسن إسلام المرء ترك مالا يعنيه " اي الذي لا يتقنه وليس من اختصاصه .
2- حتى تجد له موضعا : أي يناسبه وما يناسب الكبير لا يناسب الصغير وما تستوعبه الخاصة لا تستوعبه العامة ، وليست العقول واحدة فرب كلمة قيلت في مجلس مُدح صاحبها ، ثم أعيدت في مجلس آخر كادت أن تذهب بقائلها .
3- ولا تمار سفيها : وأصل المماراة ( الكذب ) والسفاهة ( سلاطة اللسان وسرعة الإنفعال والإعتداد بالرأي في حال الخطأ) فكيف ظنك بمن هذه صفاته أيَحترم من أمامه ! ولذا قال " فإن السفيه يزدريك" أي يحتقرك ولو كان أمامه عالما أو حاكما وفي الحديث المرفوع " أنا ضامن بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا" .
4- والحليم يغلبك : وهو واسع الصدر ولا يبادر بالإساءة ولا يسارع في العقوبة ، وغلبته بالعزة التي وُعد بها في الحديث المرفوع : "ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". [رواه مسلم] ، وتكاثر أخطاء الخصم تسقطه وتحرجه وتذله .
5- ولا تذكرن أخاك إذا توارى عنك : فمن ضعف النفس وقلة الحياء والمروءة أن تلق أخاك مبتسما ثم ، إذا توارى عنك ذممته وشوهت سمعته ( وهذه آفة منتشرة ) .
6- إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه : فالجزاء من جنس العمل ، وهذا باب جمع بين حرمة الغيبة ، وضرورة حفظ الجميل فإنها من حسن العشرة وعظيم الأخلاق ، وسمو النفس ، حتى لو كان خلاف بين الأصحاب على اختلاف درجاته .
7- واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالإحسان : لأنه سيزداد بهذ العلم قربة إلى الله .
8- مأخوذ بالإجرام : وعلمه بعقوبة الدارين كافية لحجزه عن الظلم وإذا غابت العقوبة الآخروية تولدت الجرأة على انتهاك محارم الله .
والحمدلله رب العالمين
كتبه : محمد الحجي