تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: إذا اختلفت مذاهب الصحابة والتابعين .......

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    19

    افتراضي إذا اختلفت مذاهب الصحابة والتابعين .......

    حملة العلم بعد التابعين :
    اعلم أن اللّه تعالى أنشأ بعد عصر التابعين نشئا من حملة العلم إنجازا لما وعده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حيث قال : « يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له » ، فأخذوا عمن اجتمعوا معه منهم صفة الوضوء والغسل والصلاة والحج والنكاح والبيوع وسائر ما يكثر وقوعه ، ورووا حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وسمعوا قضايا قضاة البلدان وفتاوى مفتيها ، وسألوا عن المسائل ، واجتهدوا في ذلك كله ، ثم صاروا كبراء قوم ، ووسد إليهم الأمر ، فنسجوا على منوال شيوخهم ، ولم يألوا في تتبع الإيماءات والاقتضاءات ، فقضوا ، وأفتوا ، ورووا ، وعلموا . وكان صنيع العلماء في هذه الطبقة متشابهاً .
    طريقة اجتهاد هؤلاء العلماء :
    وحاصل صنيعهم أن يتمسك بالمسند من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمرسل جميعاً ، ويستدل بأقوال الصحابة والتابعين علماً منهم أنها إما أحاديث منقولة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم احتقروها ، فجعلوها موقوفة كما قال إبراهيم ، وقد روى حديث نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنةفقيل له : أما تحفظ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثاً غير هذا ؟ قال : بلى ولكن أقول قال عبد اللّه قال علقمة : أحب إلي .
    وكما قال الشعبي - وقد سئل عن حديث - وفيل : إنه يرفع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : لا بأعلى من دون النبي صلى اللّه عليه وسلم أحب إلينا ، فإن كان فيه زيادة ونقصان كان علي من دون النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أو يكون استنباطا منهم من المنصوص أو اجتهادا منهم بآرائهم وهم أحسن صنيعا في كل ذلك ممن يجيء بعدهم وأكثر إصابة وأقدم زماناً وأوعى علماً ، فتعين العمل بها إلا إذا اختلفوا .
    قول الصحابة أرجح من الحديث المختلف :
    وكان حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخالف قولهم مخالفة ظاهرة وأنه إذا اختلفت أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسألة رجعوا إلى أقوال الصحابة ، فإن قالوا بنسخ بعضها أو بصرفه عن ظاهره ، أو لم يصرحوا بذلك ، ولكن اتفقوا على تركه وعدم القول بموجبه فإنه كإبداء علة فيه أو الحكم بنسخه أو تأويله - اتبعوهم في كل ذلك ، وهو قول مالك في حديث ولغ الكلب جاء هذا الحديث ولكن لا أدري ما حقيقته يعني حكاه ابن الحاجب في مختصر الأصول لم أر الفقهاء يعملون به .
    إذا اختلفت مذاهب الصحابة والتابعين :
    وأنه إذا اختلفت مذاهب الصحابة والتابعين في مسألة فالمختار عند كل عالم مذهب أهل بلده وشيوخه لأنه أعرف بصحيح أقاويلهم من المقيم وأوعى للأصول المناسبة لها ، وقلبه أميل إلى فضلهم وتبحرهم .


    فمذهب عمر وعثمان وابن عمر وعائشة وابن عباس وزيد بن ثابت ، وأصحابهم مثل سعيد بن المسيب فإنه كان أحفظهم لقضايا عمر ، وحديث أبي هريرة ، ومثل عروة وسالم وعطاء بن يسار وقاسم وعبيد اللّه بن عبد اللّه والزهري ويحيى بن سعيد وزيد بن أسلم وربيعة - أحق بالأخذ من غيره عند أهل المدينة لما بينه النبي صلى اللّه عليه وسلم في فضائل المدينة ، ولأنها مأوى الفقهاء ومجمع العلماء في كل عصر .
    مذهب مالك وأهل المدينة :
    ولذلك ترى مالكا يلازم محجتهم ، ومذهب عبد اللّه بن مسعود وأصحابه ، وقضايا علي وشريح والشعبي وفتاوى إبراهيم - أحق بالأخذ عند أهل الكوفة من غيره وهو قول علقمة حين مال مسروق إلى قول زيد بن ثابت في التشريك قال : هل أحد منكم أثبت من عبد اللّه ؟ فقال لا ولكن رأيت زيد بن ثابت وأهل المدينة يشركون ، فإن اتفق أهل البلد على شيء أخذوا بنواجذه ، وهو الذي يقول في مثله مالك : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا كذا وكذا ، وإن اختلفوا أخذوا بأقواها وأرجحها إما بكثرة القائلين به أو لموافقته لقياس قوي ، أو تخريج من الكتاب والسنة ، وهو الذي يقول في مثله مالك : هذا أحسن ما سمعت ، فإذا لم يجدوا فيما حفظوا منهم جواب المسألة خرجوا من كلامهم وتتبعوا الإيماء والاقتضاء ، وألهموا في هذه الطبقة التدوين .


    تدوين الفقهاء :
    فدون مالك ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب بالمدينة ، وابن جريج وابن عيينة بمكة ، والثوري بالكوفة ، وربيع بن الصبيح بالبصرة . وكلهم مشوا على هذا المنهج الذي ذكرته .
    ولما حج المنصور قال لمالك : قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي صنفتها ، فتنسخ ، ثم أبعث في كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة ، وآمرهم بأن يعملوا بما فيها ، ولا يتعدوه إلى غيره ، فقال : يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث ، ورووا روايات ، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ، وأتوا به من اختلاف الناس ، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم ، ويحكى نسبة هذه القصة إلى لهارون الرشيد ، وأنه شاور مالكا في أن يعلق الموطأ في الكعبة ، ويحمل الناس على ما فيه ، فقال : لا تفعل فإن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اختلفوا في الفروع ، وتفرقوا في البلدان ، وكل سنة مضت قال : وفقك اللّه يا أبا عبد اللّه . حكاه السيوطي .
    ميزة الإمام مالك :
    وكان مالك من أثبتهم في حديث المدنيين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأوثقهم إسنادا وأعلمهم بقضايا عمر وأقاويل عبد اللّه بن عمر وعائشة وأصحابهم من الفقهاء السبعة ، وبه وبأمثاله قام علم الرواية والفتوى ، فلما وسد إليه الأمر حدث ، وأفتى ، وأفاد ، وأجاد ، وعليه انطبق قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم ، فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة » ، على ما قاله ابن عيينة وعبد الرزاق - وناهيك بهما - فجمع أصحابه رواياته ومختاراته ولخصوها ، وحرروها ، وشرحوها ، وخرجوا عليها ، وتكلموا في أصولها ودلائلها ، وتفرقوا إلى المغرب ونواحي الأرض ، فنفع اللّه بهم كثيراً من خلقه .
    وإن شئت أن تعرف حقيقة ما قلناه من أصل مذهبه فانظر في كتاب « الموطأ » تجده كما ذكرنا .
    مذهب أبي حنيفة ومأخذه :
    وكان أبو حنيفة رضي اللّه عنه ألزمهم بمذهب إبراهيم وأقرانه لا يجاوزه إلا ما شاء اللّه ، وكان عظيم الشأن في التخريج على مذهبه دقيق النظر في وجوه التخريجات مقبلا على الفروع أتم إقبال ، وإن شئت أن تعلم حقيقة ما قلنا فلخص أقوال إبراهيم وأقرانه من كتاب « الآثار » لمحمد رحمه اللّه و « جامع عبد الرزاق » و « مصنف أبي بكر بن أبي شيبة » ، ثم قايسه بمذهبه تجده لا يفارق تلك المحجة إلا في مواضع يسيرة وهو في تلك اليسيرة أيضاً لا يخرج عما ذهب إليه فقهاء الكوفة .
    أشهر أصحاب أبي حنيفة :
    وكان أشهر أصحابه ذكرا أبو يوسف رحمه اللّه ، فولي قضاء القضاة أيام لهارون الرشيد ، فكان سبباً لظهور مذهبه والقضاء به في أقطار العراق وخراسان وما وراء النهر .


    وكان أحسنهم تصنيفاً وألزمهم درساً محمد بن الحسن ، وكان من خبره أنه تفقه على أبي يوسف ، ثم خرج إلى المدينة ، فقرأ الموطأ على مالك ، ثم رجع إلى نفسه ، فطبق مذهب أصحابه على الموطأ مسألة مسألة فإن وافق فيها وإلا فإن رأى طائفة من الصحابة والتابعين ذاهبين إلى مذهب أصحابه فكذلك ، وإن وجد قياسا ضعيفاً أو تخريجاً لينا يخالفه حديث صحيح فيما عمل به الفقهاء أو يخالفه عمل أكثر العلماء - تركه إلى مذهب من مذاهب السلف مما يراه أرجح ما هناك ، وهذان لا يزالان على محجة إبراهيم وأقرانه ما أمكن لهما كما كان أبو حنيفة رضي اللّه عنه يفعل ذلك .
    اختلاف أصحاب أبي حنيفة :
    وإنما كان اختلافهم في أحد شيئين : إما أن يكون لشيخهما تخريج على مذهب إبراهيم يزاحمانه فيه ، أو يكون هناك لإبراهيم ونظرائه أقوال مختلفة يخالفان شيخهما في ترجيح بعضها على بعض ، فصنف محمد رحمه اللّه وجمع رأي هؤلاء الثلاثة ، ونفع كثيراً من الناس ، فتوجه أصحاب أبي حنيفة رضي اللّه عنه إلى تلك التصانيف تلخيصاً وتقريباً أو شرحاً أو تخريجاً أو تأسيساً أو استدلالاً ، ثم تفرقوا إلى خراسان وما وراء النهر ، فيسمي ذلك مذهب أبي حنيفة .
    مذهب الشافعي :
    ونشأ الشافعي في أوائل ظهور المذهبين وترتيب أصولهما وفروعهما ، فنظر في صنيع الأوائل ، فوجد فيه أموراً كبحت عنانه عن الجريان في طريقهم ، وقد ذكرها في أوائل كتاب « الأم » .
    لم يأخذ الشافعي بالحديث المرسل :
    منها : أنه وجدهم يأخذون بالمرسل والمنقطع ، فيدخل فيهما الخلل ، فإنه إذا جمع طرق الحديث يظهر أنه كم من مرسل لا أصل له ، وكم من مرسل يخالف مسندا ، فقرر ألا يأخذ بالمرسل إلا عند وجود شروط ، وهي مذكورة في كتب الأصول .
    دون الشافعي أصول الفقه :
    ومنها : أنه لم تكن قواعد الجمع بين المختلفات مضبوطة عندهم ، فكان يتطرق بذلك خلل في مجتهداتهم ، فوضع لها أصولاً ، ودونها في كتاب ، وهذا أول تدوين كان في أصول الفقه . مثاله : ما بلغنا أنه دخل على محمد بن الحسن وهو يطعن على أهل المدينة في قضائهم بالشاهد الواحد مع اليمين ، ويقول : هذا زيادة على كتاب اللّه ، فقال الشافعي : أثبت عندك أنه لا تجوز الزيادة على كتاب اللّه بخبر الواحد ؟ قال : نعم قال : فلم قلت إن الوصية للوارث لا تجوز لقوله صلى اللّه عليه وسلم : « ألا لا وصية لوارث » ، وقد قاله اللّه تعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } ، الآية ؟ وأورد عليه أشياء من هذا القبيل ، فانقطع كلام محمد ابن الحسن .
    بعض الأحاديث الصحيحة لم تبلغ التابعين أخذ بها الشافعي :
    ومنها : أن بعض الأحاديث الصحيحة لم يبلغ علماء التابعين ممن وسد إليهم الفتوى ، فاجتهدوا بآرائهم ، أو اتبعوا العمومات ، أو اقتدوا بمن مضى من الصحابة ، فأفتوا حسب ذلك . ثم ظهرت بعد ذلك في الطبقة الثالثة فلم يعملوا بها ظنا منهم أنها تخالف عمل أهل مدينتهم وسنتهم التي لا اختلاف لهم فيها ، وذلك قادح في الحديث وعلة مسقطة له ، أو لم تظهر في الثالثة ، وإنما ظهرت بعد ذلك عندما أمعن أهل الحديث في جمع طرق الحديث ، ورحلوا إلى أقطار الأرض ، وبحثوا عن حملة العلم ، فكثر من الأحاديث ما لا يرويه من الصحابة إلا رجل أو رجلان ، ولا يرويه عنه أو عنهما إلا رجل أو رجلان ، وعلم جرا ، فخفي على أهل الفقه .
    وظهر في عصر الحفاظ الجامعين لطرق الحديث كثير من الأحاديث ، رواه أهل البصرة مثلاً وسائر الأقطار في غفلة منه ، فبين الشافعي أن العلماء من الصحابة والتابعين لم يزل شأنهم أنهم يطلبون الحديث في المسألة ، فإذا لم يجدوا تمسكوا بنوع آخر من الاستدلال ، ثم إذا ظهر عليهم الحديث بعد رجعوا من اجتهادهم إلى الحديث فإذا كان الأمر على ذلك لا يكون عدم تمسكهم بالحديث قدحا فيه ، اللّهم إلا إذا بينوا العلة القادحة .
    مثال ع الأحاديث الصحيحة التي أخذها الشافعي :
    مثاله : حديث القلتين فإنه حديث صحيح روي بطرق كثيرة معظمها ترجع إلى أبي الوليد بن كثير . عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد اللّه - أو محمد بن عباد بن جعفر - عن عبيد اللّه بن عبد اللّه كلاهما عن ابن عمر ، ثم تشعبت الطرق بعد ذلك ؛ وهذان وإن كانا من الثقات لكنهما ليسا ممن وسد إليهما الفتوى ، وعول الناس عليهما ، فلم يظهر الحديث في عصر سعيد بن المسيب ولا في عصر الزهري ، ولم يمش عليه المالكية ولا الحنفية ، فلم يعملوا به ، وعمل به الشافعي ، وكحديث - خيار المجلس - فإنه حديث صحيح روي بطرق كثيرة ، وعمل به ابن عمر وأبو هريرة من الصحابة ، ولم يظهر على الفقهاء السبعة ومعاصريهم ، فلم يكونوا يقولون به ، فرأى مالك وأبو حنيفة هذه علة قادحة في الحديث ، وعمل به الشافعي .
    ترك الشافعي أقوال الصحابة عند ثبوت الأحاديث :
    ومنها : أن أقوال الصحابة جمعت في عصر الشافعي ، فتكثرت ، واختلفت وتشعبت ، ورأى كثيراً منها يخالف الحديث الصحيح حيث لم يبلغهم ، ورأى السلف لم يزالوا يرجعون في مثل ذلك إلى الحديث ، فترك التمسك بأقوالهم ما لم يتفقوا ، وقال : هم رجال ونحن رجال .
    ميز الشافعي بين الرأي والقياس وقبل الثاني :
    ومنها أنه رأى قوما من الفقهاء يخلطون الرأي الذي لم يسوغه الشرع بالقياس الذي أثبته ، فلا يميزون واحداً منهما من الأخر ، ويسمونه تارة بالاستحسان - وأعني بالرأي أن ينصب مظنة حرج أو مصلحة علة لحكم ، وإنما القياس أن تخرج العلة من الحكم المنصوص ، ويدار عليها الحكم - فأبطل هذا النوع أتم إبطال .
    وقال من استحسن : فإنه أراد أن يكون شارعاً ، حكاه ابن الحاجب في - مختصر الأصول - مثاله رشد اليتيم أمر خفي ، فأقاموا مظنة الرشد وهو بلوغ خمس وعشرين سنة مقامه ، وقالوا : إذا بلغ اليتيم هذا العمر سلم إليه ماله ، قالوا : هذا استحسان ، والقياس ألا يسلم إليه . وبالجملة لما رأى في صنيع الأوائل مثل هذه الأمور ، أخذ الفقه من الرأس ، فأسس الأصول ، وفرع الفروع ، وصنف الكتب فأجاد ، وأفاد ، واجتمع عليه الفقهاء ، وتصرفوا اختصارا وشرحاً واستدلالاً وتخريجاً ، ثم تفرقوا في البلدان ، فكان هذا مذهبا للشافعي واللّه أعلم .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,592

    افتراضي رد: إذا اختلفت مذاهب الصحابة والتابعين .......

    المصدر : الانصاف في بيان أسباب الاختلاف لولي الله الدهلوي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •