الأخ رئيس تحرير صحيفة الناس حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد :-
نشكر لكم ما بذلتموه في تجلية الحق وفضح الباطل أثناء أحداث صعدة وما قبلها وما بعدها ، ونشكر لكم نشر المقالات الهادفة والردود المحكمة ، وإسهاما مني في هذا السبيل فقد قرأت تلك المقابلة التي أجريت مع السيد محمد يحي عبد المعطي الجنيد في العدد رقم (213) الصادر بتاريخ 28/7/1425هـ ، فرأيت فيها من الطعن والغمز واللمز لأهل السنة ، ولكتب السنة ، ورأيته يمجد طريقته الصوفية ويذم غيرها ، ويتهم الصحابة بالكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام فأحببت أن أجلي الحقيقة في بعض الأمور وابتدأها بالحديث حول حديث (الأئمة من قريش ) الذي ادعى أنه تشريع سياسي . فأقول: ( لقد ذهب إلى اشتراط القرشية في الحاكم أهل العلم ممن يعتد بخلافهم من أهل السنة والجماعة بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك . وذهبت الشيعة إلى اشتراط هذا الشرط ضمنا حيث يرون أن الخلافة لا تكون إلا في أولاد علي بن أبي طالب على خلاف بينهم في التفصيل ، هذا وقد استدل القائلون باشتراط القرشية على صحة ما ذهبوا إليه بالسنة الصحيحة والصريحة و بإلاجماع . أما السنة : فقد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تفيد أن قريشا هم ولاة هذا الأمر (أي الخلافة ) :-
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم ، و كافر هم تبع لكافر هم ، تجدون من خير الناس أشد كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه ) وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه :- (( الناس تبع لقريش في هذا الأمر )) رواه البخاري في كتاب الأحكام ، باب ما يكره من الحرص على الإمارة الحديث رقم (7148) ورواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1818) .
2- عن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن هذا ألأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ، ما أقاموا الدين )) رواه البخاري في كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش حديث رقم ( 7139) وفي كتاب المناقب رقم (3500)
3- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان )) وفي رواية (ما بقي منهم اثنان) رواه البخاري في كتاب الأحكام رقم (7140) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1820 )
4- عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :- (( الأئمة من قريش ولي عليكم حق عظيم ولهم مثله ،ما فعلوا ثلاثا : إذا استرحموا فرحموا ، وحكموا فعدلوا ، وعاهدوا فوفوا ، فمن لم يفعل منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده رقم (2133) وهو صحيح على شرط الستة (أي البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ) وقد ورد هذا الحديث من حديث مجموعة من الصحابة منهم أنس وعلي وأبو برزة الأسلمي وغيرهم . وقد نص البعض على تواتر هذه الرواية . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله جمعت طرقه على نحو أربعين صحابيا ونص الحافظ (ابن حجر ) على تواتره وكذلك الكتاني في (نظم المتناثر في الحديث المتواتر) .
5- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا معشر قريش فإنكم ولاة هذا ألأمر ما لم تعصوا الله فإن عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحا القضيب ، لقضيب في يده )رواه الإمام أحمد في مسنده ، وأبو يعلى الموصلي والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ( انظر مجمع الزوائد ج5ص192)
6- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة ... كلهم من قريش ) رواه مسلم بعدة روايات في كتاب الإمارة انظر رقم (1821) هذه بعض الأحاديث الواردة في هذا الشأن وتركت الكثير منها خشية الإطالة وهذه الأحاديث نصوص صريحة تفيد اختصاص قريش بولاية أمر المسلمين أي الخلافة وقد عبر عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الأمر والشأن بل إنه صرح بأن الأئمة من قريش وأن الدين لا يزال عزيزا حتى يلي أمر الناس اثنى عشر خليفة كلهم من قريش . وهذا ما فهمه جماهير علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ولم يشذ عنهم سوى من لا عبرة بخلافه من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة و الروافض . وواضح من نصوص هذه الأحاديث أن اختصاص قريش بالخلافة منوط بأمرين :
الأول : بقاء قريش وهذا واضح من نص (ما بقي منهم اثنين ) وقد جاء في الحديث أن قريشا أسرع الناس موتا . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( أسرع قبائل الناس فناء قريش ) رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/30 ) ، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لها :( قومك أسرع أمتي لحوقا بي ) رواه أحمد و البزار ورجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/31) وهنا قد يبرز سؤال وهو : هل يجوز خلو قريش ممن يصلح للإمامة ؟ ذهب بعض العلماء إلى عدم جواز خلو قريش ممن يصلح للإمامة قالوا : وإلا لكانت هذه الأحاديث لغوا ليس لها قيمة وذهب آخرون إلى جواز ذلك وهذا القول محفوظ عن بعض المعتزلة كالجبائي ، وفي هذه الحالة ينصب من غيرهم ممن يصلح للخلافة وجعلوا هذا الشرط شرط تقديم فما الذي يمنع من العدول عن القرشي إلى غيره إذا لم يصلح ، وقالوا إن المراد بحديث (الأئمة من قريش ) إنما هو ضرب من التكليف لأنه لا يجوز أن يريد عليه الصلاة والسلام أن الأئمة منهم من غير اختيار وعقد وإنما يعني وجوب الاختيار والبيعة .
الثاني : قيامها بحق الله عليها وهذا كما في حديث معاوية الذي رواه البخاري ( ما أقاموا الدين ) وحديث ابن مسعود (ما لم تعصوا الله ) وحديث أنس (إذا استرحموا فرحموا ، وحكموا فعدلوا ، وعاهدوا فوفوا) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : ( وقد جاءت الأحاديث التي أشرت إليها على ثلاثة أنحاء : الأول : وعيد هم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به كما في حديث أنس ، وليس في هذا ما يشعر بخروج الأمر عنهم . الثاني: وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم – كما في حديث ابن مسعود - وليس في هذا أيضا تصريح بخروج الأمر عنهم وإن كان فيه إشعار به . الثالث :-الإذن في القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم ) فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/125) باختصار . وحديث القحطاني الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ) انظره برقم (7117) هذا الحديث شاهد على خروج الأمر عنهم وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية ( ما أقاموا الدين ) أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم .
ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ، ثم التهديد بتسليط عليهم من يؤذيهم ووجد ذلك من غلبة مواليهم بحيث صاروا كالصبي عليه يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره ثم اشتد الخطب عليهم فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبقى للخليفة إلا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الإسم في بعض الأمصار (فتح الباري 13/125) هذا وقد تولى الخلافة بعد ذلك سلاطين العثمانيين وهم ليسوا بقرشين وواضح أن الذين اشترطوا القرشية قد اختلفوا حول قيمة هذا الشرط فذهب البعض إلى أنه شرط صحة فلا تكون ثمة خلافة مالم يكن الخليفة قريشاً وذهب أخرون إلى أنه شرط كمال أو تفضيل بحيث لو اجتمع قرشي وغير قرشي متساويان في استكمال الشروط المطلوبة فيقدم القرشي ، إما إذا كان غير القرشي أكفأ من القرشي فيقدم غير القرشي لأن العبرة بالكفاءة لا بالنسب والقرشية إحدى مقومات الكفاءة .
والقول بأن اشتراط القرشية شرط كمال هو القول الأقوى . يدل على ذلك حديث (اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي ...) الحديث وكذلك خروج أمر الخلافة من أيدي القرشيين أيام الخلافة العثمانية وما بعدها من دون نكير أهل العلم المعتبرين .
بل كان الجميع يدينون للحاكم بالسمع والطاعة هذا وقد استدل الجمهور على اشتراط القرشية بالإجماع , قال النووي -رحمه الله – وعلى هذا انعقد الاجماع في زمن الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة (شرح النووي على مسلم 12/199) وقال القاضي عياض : (اشترط كونه قرشياً هو مذهب العلماء كافة وقد اجتح به أبو بكر وعمر رضي عنهما على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد وقد عدها العلماء في مسائل الاجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرناه وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار ) (انظر شرح مسلم للنووي الموضع السابق) ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج وبعض المعتزلة ، ولا يعتبر علماء أهل السنة قول هؤلاء قادحاً في صحة الإجماع ، ولا اعتداد بقول النظام ومن من الخوارج أهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش ولا سخافة ضرار بن عمرو في قوله (إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إن عرض منه أمر وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ماهو عليه من مخالفة إجماع المسلمين والله أعلم )(انظر شرح النووي على مسلم 12/199) ولا أعلم أحد من المتقدمين من أهل السنة قد خالف في هذا الفهم إلا مايروى عم إمام الحرمين الجويني قوله (وهذا مسلك لا أوتره فإن نقله هذا الحديث معدودون لا يبلغون مبلغ التواتر والذي يوضح الحق في ذلك أنا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور واليقين بصدد هذا من فلق في رسول الله صلى الله عليه وآله سلم كما لانجد ذلك في سائر أخبار الآحاد فإذا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة ، وقال في معرض آخر ، وهذا مما يخالف فيه بعض العلماء وللاحتمال منه عندي مجال والله أعلم بالصواب (انظر غياث الأمم ص 163 ، والإرشاد ص 427 ) قلت قد نقلنا فيما مر أن الحديث قد بلغ إلى حد التواتر ولا عبرة بكلام من نفى ذلك ولعل العذر لمن نفى التواتر أنه لم يقف أو لم يتتبع طرق الحديث ثم إن الأحاديث ظاهرها اشتراط (القرشية ) والقول بخلافها قول مخالف للنص وأما قولهم إنه خبر آحاد وخبر الآحاد لا يفيد العلم .... إلخ
فهذه مسألة خلافية الراجح أن خبر الآحاد يجب العمل بمقتضاه والقول به وإلا تعطلت الشريعة إذ أن أكثر الأخبار الواردة من هذا النوع .
ثم إن الإجماع قد حكى قبل هؤلاء النفاة فلا عبرة بقول من أراد أن ينقض الإجماع ، والله أعلم هذا وإن كان الحافظ ابن حجر قد قال كما في (فتح الباري 13/119) : ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر ) إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل ) والمعروف أن معاذ بن جبل أنصاري لا نسب له من قريش . ثم قال : فيحتمل أن يقال لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشياً أو تغير اجتهاد عمر في ذلك والله أعلم .
قلت أثر عمر هذا الذي ذكره رواه أحمد بن حنبل في مسنده وقد ضعفه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه على المسند (1/201) رقم (108) وذلك بسبب انقطاع سنده لأن شريح بن عبيد لم يدرك عمر وكذلك راشد بن سعد الحمصي لم يدرك عمر فعلى هذا لا تشويش على مسالة نقل الإجماع والله الموفق .
المذهب الثاني:ـ عدم اشتراط القرشية في المرشح للخلافة وقد ذهب إلى ذلك من المتقدمين الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو فقد ذهب هذا الأخير إلى تقديم النبطي على القرشي إذا اجتمعا وذلك لهوان خلعه إذا خالف الشريعة بينما ذهب الكعبي إلى أن القرشي أولى بها من الذي يصلح لها من غير قريش فإن خافوا الفتنة جاز عقدها لغيره .
ومن الأشاعرة الباقلاني والجويني وذهب جمهور الباحثين في نظام الحكم الإسلامي إلى نفي اشتراط القرشية في المرشح للخلافة وأصحاب هذا المذهب يجدون صعوبة شديدة في تقرير ذلك لكثرة الأحاديث التي تفيد اختصاص قريش بالخلافة وحكاية الإجماع الذي حكاه غير واحد من العلماء ولكنهم في النهاية لا يعدمون رأياً ويذهبون في الاستدلال لرأيهم مذاهب شتى. فمنهم من يطعن في صحة هذه الأحاديث ويرميها بالوضع على اعتبار أنها وضعت لخدمة مذاهب سياسية أو تزلفاً للحكام .
وهذا مسلك كثير من الكتاب في هذا العصر منهم (محمد بن يحي الجنيد) فهو يعرض الحديث على عقله وهواه فما وافقه قبله وإن خالفه رده ، وقد رد هو وغيره كثيراً من الأحاديث الصحيحة المعتبرة كبعض أحاديث البخاري ومسلك يتنافى مع الدقة في منهج البحث عند هؤلاء المتأخرين أصحاب العقول المريضة .
بل هذا مسلك من لا بضاعة له في علم الحديث ولا غيره ولا يقول به إلا من جهل هذا العلم أو تعامي عن قبول الأخبار الصحيحة لهوى النفس وهو مسلك خاطئ فهو يؤدي في النهاية إلى رد الاستدلال بالسنة بالكلية .
ومنهم من يرفض الاستدلال بهذه الأحاديث لكونها أخبار أحاد لا تفيد العلم ولا يستدل بها في مباحث العقيدة وهذا مسلك المتكلمين وهذا المسلك من علماء الكلام مرود عند جمهور أهل السنة . ومنهم من يعارض أحاديث اختصاص قريش بالخلافة بأحاديث أخرى صحيحة كقول النبي صلى الله عليه وسلم :( ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا).
وقد تأول أهل السنة هذه الأحاديث وبينوا الجمع بينها و هو ما قد قدمنا ه من أنه إذا اجتمع اثنان للخلافة وتوفرت فيهم الشروط وكان أحدهما قرشي قدم القرشي أما إذا تغلب غير القرشي فلا يجوز الخروج عليه ، ومنهم من ذهب إلى أن أحاديث اختصاص قريش بالخلافة إنما هي مجر أخبار وليست أوامر تفيد حكماً شرعياً .
ويرد أهل السنة على هذا بأن ما جاء من هذه الأحاديث أوامر في صيغة الخبر وأن غيرها من الأحاديث قد وردت بصيغة الأمر الصريح كقول النبي صلى الله عليه وسلم : (قدموا قريش ولا تقدَّموها)(رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (2/637)وصححه الألباني ).
كما أنها لو كانت مجرد أخبار من النبي صلى الله عليه وسلم لتحققت لأن خبر المعصوم الصادق لا بد أن يتحقق ولما ولي الخلافة إلا قرشي إلى يوم القيامة ، والواقع يشهد أنه قد تولاها غيرهم فصح أنها ليست بأخبار وإنما هي أوامر .
قال الإمام ابن حزم رحمه الله كما في المحلى (9/360)المسالة(1769) : (هذان الخبران وإن كانا بلفظ الخبر فهما أمر صريح مؤكد إذ لو جاز أن يوجد الأمر في غير قريش لكان تكذيباَ لخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر ممن أجازه). ومنهم من ذهب إلى تعليل هذه النصوص وأن العلة من اختصاص قريش بالخلافة أنهم أهل الشوكة والمنعة وأن عصبتهم كافية لسوق الناس بعصا الغلب إلى ما يراد منهم وأنه حيث كانت العصبية كانت الخلافة ، واليوم وقد زالت عصبية قريش بل إن العصبية لم يعد لها مكان في حكم الشعوب وحل محلها رضاء الشعوب عن الحكام وتأييدهم لهم وشرعية السلطة فلا مكان لهذا الشرط ، وهذا ما ذهب إليه ابن خلدون كما في مقدمته ومشى عليه كثير من الكتاب المعاصرين .
وتعليل النصوص بالعصبية أمر غير مسلم أصلاً وذلك لأن الأنصار كانوا أولى قوة وشوكة وكانوا أصحاب الدار (المدينة النبوية) التي يدين لها المسلمون بالولاء وبسيوفهم دخل الناس في دين الله أفواجا بين راغب وراهب فلم يمنعهم عن الخلافة إلا وجود النص على قريش ولذلك رجعوا عن قولهم (منا أمير ومنكم أمير) لقول أبي بكر (الأئمة من قريش) .
كما أن الخلافة لم تذهب لأقوى بطون قريش وأقربهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم بنو هاشم أو بنو أمية بل ذهبت إلى بني تميم وليسوا بأعز بطون قريش .
كما أن عصبية قريش لم تمنع العرب من الارتداد عن دين الله بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ولم تعدهم العصبية إلى حظيرة الدين والدولة بل إن العصبية هي التي أدت إلى ردة معظمهم ولم يعودا إلى حظيرة الدين والدولة إلا بقوة إيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومنهم من ذهب إلى أن هذه الأحاديث تخالف المبادئ الإسلامية العامة كمبدأ المساواة بين المسلمين ولأن الإسلام قد نهى عن العصبية .
ومن هؤلاء (محمد يحي الجنيد) كما قال في مقابلته مع صحيفة الناس العدد (213) الصادر في 28 /7/1425هـ الموافق 13/9/2004م حيث قال عن هذه الأحاديث بأنها(تشريع سياسي معروف وكنا قد فندنا قبل سنين وقلنا إن ذلك إدعاء يتنافى مع جوهر الشرع الحكيم ومن أخبارهم السياسية قولهم (الأئمة من قريش )وكان ذلك انقلاب واضح على الأنصار على الأنصار ).
كذا قال العلامة الجنيد كما يصفه الصحفيون (وكان انقلاب واضح … ) والصحيح أن يقول العلامة الجنيد (انقلاباً واضحاً) . أقول لا أدري ماهو المنهج العلمي الذي يتبعه الجنيد في الحكم على الأحاديث هل هي قواعد المحدثين في الحكم على الأسانيد التي بها وصل إلينا القرآن ووصلت سنة النبي عليه الصلاة و السلام أم غير ذلك .
الذي أعرفه أن الجنيد لا يفقه شيئاً في علم الحديث وإنما يعرف ويتقن الضرب بالدف والموالد والحضرات والنحبة ) بل ليس له صلة بالعلوم الشرعية لأن الصوفية المعاصرة بضاعتها في العلم مزجاة ولمشكك أن يشكك الأمة بالقرآن كما هو مذهبه المبطن ومذهب الشيعة و الروافض الذين يقولون بتحريف القرآن لأنه حينئذ لا ينضبط الأمر .
لأن الجنيد وأمثاله يحكمون عقولهم المريضة وأهواءهم المضطربة وهذا أيضاً من مذ هب الشيعة فهم يقدمون العقل على النص .
ثم إذا لم يمش الناس وفق قواعد الحديث ومصطلحه تسقط السنة بأكملها بل الأدهى من ذلك أن مذهب الجنيد الآخر (مذهب التصوف ) لا يُعمل قواعد الحديث بل هم يسقطون جميع الأسانيد ويدعون أنهم يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أحاديثه مباشرة إما عبر المنامات أو أنه عليه الصلاة والسلام يمر عليهم يقضه ومنهم من يقول في أهل السنة (إن علمكم ميت عن ميت أما علمنا فحي عن حي (حدثني قلبي عن ربي ).
إن هذه التشكيكات الشيطانية التي يطرحها الجنيد في كتب السنة ومنها صحيح البخاري ومسلم الذين تلقتهما الأمة بالقبول وهي أصح الكتب بعد كتاب الله .
لم يطعن فيها إلا الروافض ثم هذا يتصادم مع ما وعد الله به (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ومعلوم أن حفظ القرآن حفظ السنة لأنها هي الشارحة والمبينة للقرآن قال تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم ) وقال تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي) .
ثم هذا يوصلنا في الأخر إلى التشكيك حتى في نسب الجنيد وأنه من أهل البيت كيف يستطيع أن يثبت لنا هذا هل هو عن طريق السند أم بالهوى أما عن طريق السند فلمشكك وطاعن أن يطعن في نسبه ويضعف أسانيده وإن كنا لا نطعن في نسب أحد لأن ذلك من أمور الجاهلية كما صح في الحديث لكن سيقول هذا الطاعن والمشكك كيف تتجرأ على سنة النبي صلي الله عليه وسلم ولا يتجرأ أحد على اسناد نسبك فنسلك معك نفس مذهبك وإما إذا كان بالهوى فلكل أحد أن يدعي أنه من أهل البيت ثم من هم العلماء الذين سبقوك إلى الطعن في الصحيحين وفي حديث (الأئمة من قريش ) وحيث وقد ادعى الجنيد التحرر (يعني الاجتهاد ) فنحن نسأله متى يبلغ الإنسان مرتبة الاجتهاد وهل ذلك بالهوى أم لابد أن يسلك سلماً تعليمياً فإن قلت بالهوى ولا أظن أنك تقول ذلك فلا يبقى إلا سبيل العلم فالسؤال ما هي العلوم التي أتقنتها ؟ وهل تعاملك مع حديث (الأئمة من قريش ) سائر وفق المناهج العلمية ؟
و فرق واضح بين ما عرضناه سابقاً في مناهج العلماء ومنهجك ثم قال الجنيد في نفس المقابلة مع الصحيفة (ومن أخبارهم السياسية قولهم (الأئمة من قريش ) وكان ذلك انقلاب واضح على الأنصار ). ياترى أليس هذا طعناً واحتقاراً لأهل السنة حين قال ومن أخبارهم ثم نسب هذا الخبر إلى السياسة ولم ينسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقد قدمنا كلام العلماء حول الحديث بل نقل بعضهم أنه متواتر فكلام من يقدم كلام العلماء أم كلام الجنيد ثم أليس هذا طعناً في أبي بكر رضي الله عنه وكأنه يقول هذا خبر كذبه أبوبكر ليضلل على الأنصار ولينتزع منهم الخلافة .
وهل بعد هذا الطعن من طعن إنه يظهر مكنون حقده على صحابه رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي لقاء اسبق معه في جريدة الثقافية قال (أما معاوية فلم يقاتل معه سوى الطلقاء الذين أطلقهم الرسول يوم الفتح وأكثرهم جلابيب غلاظ القلوب وهم أصحاب الدنيا) فالجنيد صاحب فكر مهجن (صوفي + شيعي ) والمعلوم عند الجميع أن الصوفية في اليمن لم تكن على هذا المنهج بل هي شافعية ولعل الجنيد لم يقرآها على الوجه الصحيح فظنها شيعية ) ثم نقول أخيراً على دعوى مخالفة هذه الأحاديث للمبادئ الإسلامية فيه كمبدأ المساواة ) نقول إن التفضيل لا يعني إقرار العصبية لأن الإمام ليس له في نظر الإسلام ميزة عما سواه فهو مثلهم إلا أنه أكثرهم حملاً واختصاص البعض بحكم شرعي لا يعني الخروج على المساواة وإقرار مبدأ التعصب المذموم وقد خص الشارع قريشاً بأن الإمامة فيهم وخص بني هاشم بتحريم الصدقة عليهم واستحقاقهم الخمس من الغنائم .
والمعروف عن الجنيد أنه يفخر بأنه (سيد) فهل عمله هذا موافق للمبادئ الإسلامية وهل يجيز لنفسه أن يأكل من (الصدقات) أوساخ أموال الناس .
هذا ما نريده أن يبينه لأنه ذكر أن بعض الناس يعطيه أموالاً هل هذه صدقات أم هبات وهدايا فإن كان سيقول (نحن تحرم علينا الصدقات ) قلنا هذا تفضيل لأهل البيت وفارق من الفوارق وإن كان يأكلها فلنا كلام آخر معه !! .
وإما إجابته عن سؤال (أنتم لا تجوزون المسح على القدم في الوضوء لكنكم تجوزون تقبيله من قبل المريدين) استدل على الجواز بحديث ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) فقاس قدمه على قدم الأم بجامع خفض الجناح والترفق بها والاعتراف بالجميل ، وهذا من أفسد أنواع القياس لم يقل به أحد من العلماء المعتبرين ونحن نطالب الجنيد بأن يذكر لنا سلفه من العلماء الذين قالوا بقوله .
ثم بالله عليكم من أزكى عند الله وأحب محمد يحي الجنيد أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ لا شك أنه رسول الله ومع هذا ما قبل أحد من الصحابة قدمه الشريفة عليه الصلاة والسلام أتراهم كانوا لا يحبونه وهم الذين فدوه بآبائهم وأمهاتهم بل بأرواحهم وقد صح في الحديث كما في مسند الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب الناس إلى الصحابة ومع هذا كانوا إذا رأوه لم يقوموا له ) ثم الجنيد لما بين له الصحفي فساد قياسه وأن الواقع أن الناس يقبلون قدميه حاول الجنيد التهرب وقال إن هذا لا يخالف الشرع . والصحيح أن هذا يخالف الشرع بدليل أن هذا لم يفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقاعدة التي يذكرها العلماء معروفة (كل أمر وجد مقتضاه في زمن رسول الله ولم يفعل ففعله بعده بدعة ) وتقبيل قدميه عليه الصلاة والسلام وجد مقتضاه في حياته عليه الصلاة والسلام ولم يفعل مع شدة محبتهم له عليه الصلاة والسلام فتبين أن فعله غير جائز .
ومعلوم أن هناك فوارق بين محبة الصحابة للرسول عليه الصلاة السلام ومحبة مريدي الجنيد للجنيد فالصحابة محبتهم خالصة والمريدين محبتهم مرهونة بالمصالح الدنيوية ولو لم يعطهم الجنيد من لعاعة الدنيا لا نفضوا من حوله وهم على مراتب وفي الختام يجب أن أنوه إلى أن الجنيد يستعمل (التقية) التي هي من عقيدة الروافض حتى لا بنسب للحوثي ولا يحسب عليه ومن قرأ تصريحاته ومقالاته قبل الأحداث في (الثقافية ) و(الأمة) عرف منهجه ، وفي أيام الفتنة لم بنبس ببنت شفة وما تكلم إلا وقد أطفاء الله نار الحرب ، وهو يطعن في الصحابة وفي الصحيحين وغيرها ، فهذا التراجع منه ليس تغييراً للمنهج إنما هو من باب استخدام (تقية الروافض) ونحن من باب النصح لولاة الأمر بعامة ولقيادة محافظة تعز بخاصة نحذر من أفكار هذا الرجل فلا تغرنكم ( نحباته ولا مايقوم به من موالد ولا تظنوه دوريشاً من جملة الدارويش )..
والله من وراء القصد
وكتب /عقيل المقطري