قال الشيخ في جراب السائح(5/66):
علوم الحديث يتعلق بعضها ببعض, ولها حلاوة لمن تغلغل فيها وعرف فوائدها. ولكن الفقهاء يجهلونها, والإنسان عدو ما يجهل, ويسمونها علم الكسالى, ولا سيما الأحناف قديما وحديثا, فقد قال الشيخ ناصر الدين الألباني بأن والده, (الشيخ نوح), وهو من فقهاء الحنفية, كان ينهاه عن الاشتغال به , ويسميه علم المفاليس, فيخالفه الألباني, وهذا منشأ ما يردده أعداؤه كالشيخ عبد الله بن الصديق الغماري من أنه كان عاقا لوالده, والحق أنه كان في غاية البرور إلا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد اتسعت الفجوة بين المحدثين والفقهاء من قديم, فأصبح المحدثون غير فقهاء, والفقهاء غير محدثين
وهذه خسارة عظيمة. والمقصود الاشتغال بالمهم من كل علم. وعدم التفريط, ولا سيما في الفقه الذي هو مضمون الحديث والمقصود به,(ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). وإذا حصل تفريط في جهة على حساب الأخرى ظهر الخلل.
فهذا الإمام يحيى بن معين رحمه الله, تشاغل في معظم عمره بنقد الرجال وجمع الطرق والأسانيد, وقصر في التفقه تقصيرا معيبا حتى نقل عنه أنه سئل عن الحائض , هل يجوز لها أن تغسل الموتى؟ فلم يعرف , وتوقف,حتى جاء أبو ثور فقال للسائل : يجوز,لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أُرَجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا حائض).
وقد قال أبو زرعة : كتب إلي أبو ثور عن حديث بأنه رواه ثمانية وتسعون رجلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وما صح منها إلا يسير.
فالتشاغل بما لم يصح يمنع عن التشاغل بما هو أهم.
ولو تمادى العمر بالإنسان حتى يستوفي جميع الطرق والوجوه لكان هذا منتهى العلم.ولكن العلم قصير.
أرأيت فلانا وفلانا , جمع الأول في طرق حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) مجلدين ضخمين.والثاني في طرق حديث (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) , وقد بلغت مائة طريق في مجلد, وهكذا وقع من كثير من المحدثين المختصين. هذا الزمان الذي أمضاه في تتبع طرق وأسانيد حديث واحد لو صرفه في تفهم الحديث واستنباط الفوائد والنكت منه لكان أولى, ولاكتفى من الحديث ببضعة طرق يحصل بها اليقين بصحته
والهدف الأكيد من النقد والتتبع الوصول إلى الصحة.ثم لا جدوى منها إلا بالعمل ولاغ عمل إلا بفقه.وقد أطلعني مرة شيخي أبو البيض على كتابه ( وشي الإهاب بالمستخرج على مسند الشهاب) في ثلاث مجلدات , فرددت النظر فإذا هو أسانيد نازلة فقط
المصدر : موقع الشيخ بوخبزة الرسمي :http://www.bou-khobza.com/makalat-3ilmiya6.htm