الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أحمعبن ،، وبعد :
القبة التي على قبر النبي ، ليس لها أصل . إنما وضعت في القرن التاسع ، أو العاشر . وضعها أحد الأمراء الأتراك جهلاً منه . وكرهه أهل العلم إزالتها حتى لا يظن الظان أن في ذلك استهانة بالرسول صلى الله عليه وسلم . سمعت هذا من شيخنا عبد العزيز بن باز .
ثم رأيت كلاماً للإمام المحدث الشهير محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة 1182هـ رحمه الله في رسالة له " تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد " ص (56) حول هذا القبة ما نصه : " فإن هذه القبة ليس بناؤها منه صلى الله عليه وسلم ولا من أصحابه ولا من تابعيهم ولا تابع التابعين ، ولا من علماء أمته وأئمة ملته ، بل هذه القبة المعمولة على قبره صلى الله عليه وسلم من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين ، وهو قلاوون الصالحي ، المعروف بالملك المنصور في سنة ثمان وسبعين وستمائة ( 678 ) ، ذكره في " تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة " فهذه أمور دولية لا دليلية ، يتبع فيها الآخر الأول " انتهى .
قال العلامة الشيخ سيد محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ في كتابه " الوهابيون والحجاز " ( ص 69 ، 70 ، 71 ) مع اختصار وزيادة وتصرف :
" ولعل السبب في ترك هذه القبة على ما هي عليه بعد بنائها إلى زماننا الحاضر ولم تهدم ، درء المفسدة ، حيث أن بعض المنكرات قد تعلقت بها قلوب الكثير من الجهالة في العالم الإسلامي ، لأن مثل هذه المظاهر الفخمة ، والزخارف الجميلة تعد في عرف جميع العوم وكثير ممن يسمون الخواص من قبيل شعائر الإسلام ، والمشعر الحرام ، بل هي عندهم أفضل من الركن والمقام وأهم من الصلاة والصيام ، ومنهم من يذهب إلى الحجاز لأجل الزيارة ، ولا يخشع إلا لرؤية هذه المباني الفخمة ، فكيف والحال فيما يتعلق بالقبة التي على حجرة عائشة رضي الله عنها والتي فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما . فإذا كان في إزالة شيء منها مصلحة من بعض الوجوه كالرجوع في الأمور الدينية وما يتعلق بها إلى مثل ما كانت عليه في عصر السلف ، والتمييز بين ما هو مطلوب شرعاً ، وما هو محذور أو غير مطلوب ، فإن فيه مفسدة أكبر، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح بشرطه المعروف عند العلماء .
وقد ترك المسؤولون والمصلحون والقائمون على شؤون الحرم المدني في هذه الدولة المباركة ـ حرسها الله ـ الحال على ما هو عليه في شأن القبة درءاً للمفسدة ـ كما تقدم ـ واتقاء لتنفير الكثيرين عن الإصلاح المقصود من رفع الظلم عن الناس ودعوتهم إلى توحيد الله تعالى وحده لا شريك له ، ونبذ الشرك به سبحانه . فعملهم هذا موافقاً للشرع .
ومن الدلائل السنة على هذه المراعاة بهذا القصد ما ثبت في صحيح البخاري ( 3 / 429 ) ، ( 6 / 407 ) ، 0 8 / 170 ) . ومسلم ( 2 / 969 ) . وأحمد ( 6 / 113 و 177 و 247 ) . وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كارهاً لما عليه بناء قريش للكعبة مقتصرة من جهة الشمال عن قواعد جده إبراهيم ( عليهما وآلهما الصلاة والسلام ) من جعل بابها مرتفعاً ليدخلوا من شاؤا ، ويمنعوا من شاؤا ، وأنه صلى الله عليه وسلم يود لو نقضها فأعاد بناءها على أساس إبراهيم ، وجعل لها بابين لاصقين بالأرض ليدخل كل من أراد من باب ، ويخرج من الآخر ، وما منعه من ذلك إلا حداثة عهدهم بالكفر والجاهلية كما صرح به لعائشة ، فإذا كان المعصوم صلى الله عليه وسلم خاف أن تنكر قلوب حديثي العهد بالشرك من المؤمنين هدمه للكعبة ، وبناءها على أتم وأفضل مما بناها عليه المشركون ، فمراعاة أهل الأمر من القائمين على المسجد النبوي مثل ذلك عملاً شرعياً " .