بسم الله الرحمن الرحيم
كنت على متن الطائرة بإتجاه مدينة جدة وفاتتنا صلاة العصر وبعد وصولنا لمطار جدة ركضت أبحث عن المصلى لكي لا يخرج وقت الصلاة وبرفقتي مقيم عربي تعرفت عليه بالطائرة وكانت معه زوجته المحجبة بإحترام وإحتشام , واستمرت علاقتنا إتجاهاً إلى مكة بنفس السيارة حيث دعوتهم لمرافقتي لأنني سأستأجر سيارة صغيرة واقضي عمرتي وأعود للمطار للعودة للرياض وتسليم السيارة بينما هو يبحث عن تاكسي لمكة عرضت عليه مرافقتي , , فعرضت عليه مرافقتي لتوصيله إلى مكة حيث سيقيم بمكة يومين لأداء العمرة وتركته هناك وعدت للرياض , واثناء الرحلة تجاذبنا الحديث وساقتنا الأحاديث الجانبية للكثير من المواضيع (ذات الإهتمام المشترك ) وتطابقنا في الكثير من الرؤى .. ومن ضمن الأحاديث أجبرني على سماع قصته مع الهداية والتوبة فقال لي: حضرت للسعودية قبل خمسة عشر سنة من بلدي عام 1993 , وكنت شاباً زائغاً محباً للأغاني والسهرات والغفلة ولم أكن أعرف الصلاة إلا يوم الجمعة ,,, وتعاملت مع شباب وعوائل من نفس جنسيتي عبر الشركة التي أعمل بها في البداية ثم تعرفت على آخرين في قطاعات أخرى بالرياض ليسوا من نفس شركتي ... وحضرت سهراتهم وغفلتهم
وعشت على ذلك أربع سنوات بين عمل في النهار في الشركة ثم سكر وفساد بين أبناء جنسيتي في الليل , وكنت أكره السعوديين وبالذات المتدينين منهم وأتعامل معهم بحذر بناء على نصائح بني جنسيتي خوفاً على راتبي ووظيفتي ,,, وفي السنة الخامسة تزوجت وأحضرت زوجتي وصرنا نحضر تلك السهرات المشبوهة أنا وهي حتى كادت تضيع أعراضنا وشرفنا ...وشعرت بكراهية تلك الحياة القبيحة التي لا تقيم للدين والأخلاق أي وزن .وكانت زوجتي بالبداية تكره ذلك وتحاول نصحي ولكنني نهرتها وأجبرتها فخضعت لي خائفة من الغربة والطلاق والتشتت والسمعة .....
أستمرينا حتى جاءت ليلة من ليالي صيف 1997 الموافق 1417 هجرية تقريباً حينما داهمت الهيئة مكان السهرات , وقبضوا علي وبقيت في قسم الهيئة تسع ساعات بين تحقيق ونصائح وكنت كل ساعة أسألهم عن زوجتي فقالوا لي هي بخير ( علمت فيما بعد أنهم قاموا بتوصيلها للمنزل وتركوها في المنزل ووعدوها بالستر ) , أما أنا فقد أسأت بهم الظن وتوقعت السجن وتراءت لي القضبان والكلبشات في يدي وتدمير مستقبلي ووظيفتي ثم تسفيري وترحيلي لبلدي بعد إنقضاء السجن ؟ وسمعتي وسمعة زوجتي العفيفة ؟ وماذا سأقول لأهلي وأهل زوجتي العفيفة والذين هم من أحسن الناس أخلاقاً في بلدي ولو علموا بما كنت أفعله بالسعودية لما زوجوني إياها .............. واستمر أحدهم في نصحي وتذكيري بالله والخوف من العقوبة الربانية .... ثم جاء أذان الفجر وصلينا جماعة ( ولأول مرة أصلي الفجر وكنت متردد وخجلان ) وفي الصباح بدأوا بإرسال بعض المقبوض عليهم للشرطة في سيارات مختلفة حسب تصنيف الحالة وهل هو متورط بإدارة شبكة الدعارة والخمور أو زبون فقط مثلي ,
تعبت نفسياً وقلت لهم إفعلوا بي ما تشاءون ولكن لا تسلموني للشرطة لأن وصولي للشرطة سيجعل الأمر رسمي وخطابات وفصل من العمل ووووو .. وأعدكم بالتفكير جدياً بما كنت أفعله ,,,
وفجأة نادوا على اسمي في السابعة والنصف أو الثامنة صباحاً وركبت سيارة أحدهم وهي سيارة كورسيدا صغيرة بيضاء اللون وانطلق بي من مقر الهيئة وأنا اكاد أجن من الخوف والتفكير بمصيري , وبعد دقائق قال لي : ما رأيك لو أعدتك لبيتك وزوجتك هل ستتوب ولا تعود مرة أخرى ؟؟ فقلت له إي والله سأتوب ووالله لن أدخل مع أولئك الناس مرة أخرى , فقال لي : أين منزلك ؟؟ ففرحت ورحت أوصف له منزلي وأنا غير مصدق !! وسألته عن زوجتي قال لا أعلم ولكن بعض النساء اللاتي كن معكم بالسهرة تم تحويلهن للشرطة وبعضهن كتب عليهن تعّهد وعدن لمنزلهن ... فتمنيت أن تكون زوجتي ممن أعيدت للمنزل وعندما وصلت للعمارة التي اسكن فيها ترددت بالدخول لأنني أذكر انني تركت مفتاح الشقة في حقيبة يد زوجتي اثناء السهرة وودعني وقال : أنظر أوراقك معي يعني لو أعدتها ثانية فستكون قضيتين !!
ثم ودعته ووجدت بعض جيراني بالشقق المجاورة يخرجون للعمل وانا أنظر إليهم واتخيل أنهم يعلمون بما فعلت ؟؟ ولكن لم اتحدث إلى أحد ولم يتحدث إلى أحد ثم طرقت الباب وفتحت الباب ودخلت الشقة وتفاجأت بزوجتي تنّقض علي وتعانقني خائفة وتعانقنا واقفلنا الباب ثم جلسنا واخبرتني عن حسن اخلاقهم وتعاملهم بإحترام ونصح وإشفاق وأخبرتها أنا بنفس التعامل وجلينا نلوم بعضنا البعض لفترة ونتعاهد أن لا نعود ثانية لذلك الفساد وسجدنا لله شكراً على أن مرت هذه الحادثة على خير , وصرت قلقاً طوال ذلك اليوم : هل يعلم مديري ؟ شركتي ؟ أين شركائي ؟ من منهم سيخبر زملاء العمل ؟ هل سيمر كل شيء بخير أو اننا بحلم ,
وفي صباح الغد ( السبت ) ذهبت للشركة ودخلت وانا متردد ومتوقع الشماته والفضيحة ولكن لم يحصل شيء وتفاجأت أن كل شيء طبيعي ولم يفضحني احد , ودارت الأيام وإنقطعت عن أولئك الصحبة وقمت بتغيير سكني , وعلمت ان بعضهم تم ترحيله وبعضهم افرج عنه بنفس الطريقة وبعضهم سافر ... الخ ,,, المهم انني إستيقضت من تلك الغفلة ورحت اتعرف على نفسي وعلى اخلاقي وأخلاق زوجتي ,,,,وعرفنا ديننا وأخلاق ولذائذ دين الإسلام الحقيقة التي كنا نجهلها
وعلمنا أن دين الله والصلاة هي السعادة وهي الراحة النفسية , وإزداد إيماننا وزادت سعادتنا وصرنا إلى الله أقرب وذقنا السعادة الحقيقة بالصلاة والقرآن وحب الخير , ورحنا نتعرف على اهل الخير والصالحين من بني جنسيتنا والآخرين بعيداً عن أهل الفساد . ووالله إنني اشعر الآن بمشاعر ولذة إيمانية لا يمكن قياسها وأشعر أنني أسعد إنسان على وجه الارض ولدينا بيت وأطفال ووظيفة مرموقة وتتردد زوجتي على مدرسة قرآن بالحي ونتزود من الإيمان عبر اهل الخير , والحمد لله على تلك الليلة التي أوقفت فيها الهيئة شياطين قلبي وكبلتهم وأيقضتني من غفلتي وجهلي وفساد تلك الأيام التي لم اذق فيها أي طعم للسعادة سوى الصداع والقلق .
ثم إكتشفت أهمية الهيئة ودورها العظيم الذي يقف بين الإنسان والشيطان ويمنع الشياطين من إستدراج الإنسان وكيف أن الهيئة وقفت بيني وبين الإنجراف وراء الفساد الأخلاقي والإستمرار بالمعصية ,, لله درهم , شكراً لهم من اعماق قلبي , شكراً لأنهم اوقفوا شياطيني وأصلحو حالي , وأعانوني على النقاء والإيمان
والله إن أحلى وألذ اللحظات في حياتي هي حينما ادخل المسجد باكراً واصلي ركعتين لله بصفاء ونقاء ومناجاة لله , ثم أتذوق بعدها لذة صلاة الجماعة مع المسلمين .

منقول