تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الإدغام في قراءة الكسائي(علي بن حمزة)

  1. #1

    افتراضي الإدغام في قراءة الكسائي(علي بن حمزة)

    الإدغام في قراءة الكسائي
    تعـريف القـراءات القرآنية
    القراءات في اللغة جمع ، مفردها : قراءة ومادة " قرأ " تدور حول الجمع والاجتماع وكل شئ جمعته فقد قرأته، ومعنى قراءة القرآن على هذا : لفظتَ به مجموعاً. (1)
    والقراءات اصطـلاحـاً هي علم بكيفية أداء كلمات القرآن، واختلافها منسوبة لقائلها (2).
    شـروط القـراءة الصحيحـة :-
    1-موافقة اللغة العربية، ولو بوجه فلا بد أن توافق القراءة وجهاً مشهوراً ومعتداً به عند النحاة، سواء أكان أفصح أم فصيحاً، مجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لايضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقته الأئمة بالإسناد الصحيح ، وذلك لأن القراءة سنة متبعة. (3)
    2-موافقة رسم أحد المصاحف العثمانية، ولو احتمالاً:- ما كان ثابتاً في بعضها دون بعض.
    3-صحة السند بنقلها عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .والقراءات التي صحت أسانيدها ويقرأها اليوم، وقد وصلتنا متواترة محصورة في عدة كتب هي (4)
    1.كتاب السبعة في القراءات ، لابن مجاهد.
    2.منظومة حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع المعروفة بالشاطبية للإمام القاسم بن فيره الشاطبي.
    3.منظومة الدرة المُضيّة في القراءات الثلاث المَرضيّة للإمام بن الجزري.
    4.كتاب (النشر في القراءات العشر) للإمام بن الجزري.
    نشـأة القـراءات القـرآنيـة :-
    بُدئ نزول القرآن العظيم بقول الله تبارك وتعالى :اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(1)
    وقد أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ بالبلاغ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(2)
    وكان القرآن العظيم أعظم ما أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ بتبليغه، قال تعالى : وقرءانا فرقنـه لتقرأه على الناس على مكث ونزلنـه تنزيلا (3)
    فأقرأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الوجه الذي أقرأه به جبريل ـ عليه السلام ـ كل عام في رمضان.
    عن فاطمة بنت الرسول _صلى الله عليه وسلم لـ قالت: " أسر إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي. (4)
    وأشفق الرسول _صلى الله عليه وسلم_ على أمته أن تقرأ القرآن العظيم على حرف واحد فيشق عليه، فسأل الله أن يخفف عنها فأنزل الله تبارك وتعالى القرآن على سبعة أحرف (كلها شافٍ كافٍ) فقرأ رسول الله القرآن على أصحابه، وحذق فيه جماعة منهم كانوا يتدارسونه، فأرسلهم المصطفى ليعلموه للناس، فكان يُقال لهم القرّاء.
    وقد حفظ القرآن في زمن رسول الله جَمعٌ من الصحابة، اتصلت أسانيد القراءات ببعضهم، منهم: عثمان بن عفان وأبي كعب وعبد الله ابن مسعود وزيد بن ثابت ، فقرأ أصحاب رسول الله القرآن العظيم وأقرؤوه، وحفظه جملة منهم، وهذا الحفظ من خصائص هذا الكتاب دون سائر الكتب السماوية(5).
    وتفرق الصحابة، رضوان الله عليهم، في الأمصار إبّان الفتوحات الإسلامية واختلفت أوجه القراءات، وكثر الاختلاف حتى أحس الغير من الصحابة أن هذا الاختلاف يحتاج إلى ضبط، فرفعوا الأمر للخليفة عثمان رضي الله عنه فكتب مصاحفه التي وزعت على الأمصار، وأجمع الصحابة على عدم الاعتداد بما سواها(6).
    ــــــــــــ
    (1) العلق1 : 1 ـ 5
    (2) المدثر : 1 ـ 5
    (3) الإسراء : 106
    (4) صحيح البخاري، محمد إسماعيل البخاري، راجعه جمال عبيدة (د.ط) بيروت، 1991، 3/1327، كتاب المناقب، باب علامة النبوة. وينظر القراءات وأثرها في تفسيرا لأحكام، د. محمد بن عمر بازمول، دار الهجرة، 1417هـ ، 1/79
    (5). النشر في القراءات العشر، لابن الجزري ، 1 /6
    (6) في علوم القراءات ، د. رزق الطويل ، مكتبة الفيصيلية ، مكة المكرمة ، ص 31
    (1)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    أهمية القراءات :-
    للقراءات القرآنية أهمية كبيرة وقيمة لغوية خاصة، وتتمثل أهميتها في :
    1ـ التسهيل والتخفيف على الأمة ورفع الحرج عنهم ، وهذه من أجل الحكم في إنزال القرآن الكريم على سبعة أحرف ، ولعلها هي علة ذلك ظاهر بجلاء من خوف رسول الله _صلى الله عليه وسلم ـ المشقة على أمته ، وشفقته عليهم.
    2 ـ إنها من أكبر الدلائل على صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تبليغه القرآن الكريم كما أنزل إليه، إذ إنها مع كثرة الاختلافات بينها لم تتضاد ولم تتناقض ولم تتعارض، بل بعضها يُصدق بعضاً، ويوضح مشكل بعض، وهذا أمر لايقدر عليه بشر، قال تعالى : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً(1)
    3ـ إن في تعددها كمال الإعجاز مع غاية الاختصار وجمال الإيجاز، إذ كل قراءة بالنسبة إلى الأخرى بمنزلة آية مستقلة، ولا يخفى أن تنوع المعاني تابع لتنوع الألفاظ.
    إن القراءات القرآنية كانت سبباً كبيراً ـ ولازالت ـ لإعظام أجور هذه الأمة من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع معاني ذلك واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ (2)
    4 ـ إن في القراءات القرآنية وتعددها وتنوعها علامة بارزة على فضل هذه الأمة وتقدمها على سائر الأمم، يتجلى ذلك من خلال عنايتهم الفائقة بهذا الكتاب العظيم والتنقيب عنه لفظةً لفظة وحركة حركة، ونقلهم ذلك مسنداً عن الثقات إلى رسول الله، فحموا كتاب الله من أي خلل أو تحريف أو تغيير أو تبديل.
    5ـ إنها حفظت كثيراً من لغات العرب ولهجاتهم من الضياع والاندثار لأنها استعملت أفصح ماعندهم، وبذلك خلدت لغتهم وذكرهم.
    إن تنوعها يفيد أهل العلم أثناء تفسيرهم لكتاب الله تعالى ومحاولة الفهم عن الله عز وجل(3).
    ــــــــــــ
    (1) النساء : 82
    (2) ينظر النشر في القراءات العشر، لابن الجزري 1/ 52ـ 53، وينظر القراءات وأثرها في علوم العربية محمد سالم محيسن، مكتبة الكليات الأزهرية، ط 1406 هـ ، 1986 م، 1 / 37ـ 39 ، وينظر مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني ، دار احياء الثراث، بيروت، لبنان 1، ص 139،142 .
    (3) النشر ، 1/ 53
    (2)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    تعـريف الإدغـام لغـة واصطلاحــاً الإدغام لغة هو من دَغَمَ : دغم الغيث الأرض يدغمها وأدغمها إذا غشيها وقهرها والدَّغْمُ: كَسْرُ الأنف إلى باطنه هَشْماً .
    والدُّغْمةُ والدُّغمُ : من ألوان الخيل أن يضرب وجهه وجَحافله إلى السواد مخالفاً للون سائر جسده ، ويكون وجهه ما يلي جحافله أشد سواداً من سائر جسده ، ويقال فرس أَدغم ، والأنثى دغماءُ بينة الدَّغم وهو الذي يسميه الأعاجم (دِيزَجْ) .
    والأدْغَمُ : الأسود الأنف وجمعه الدُّغمان.
    والدَّغْمانُ : بالضم الأسود مع عِظَم ورجل داغمُ داغم: إتباع وقد أرغمه الله وأدغمه وقيل أرغمه الله أسخطه وأدغمه : سود وجهه. ، ودُغْمان ودُغَيمٌ اسمان(1).
    والإدغام في الاصطلاح هو: " أن يلتقي حرفان من جنس واحد فتسكن الأول منهما وتدغمه في الثاني أي تدخله فيه فيصير حرفاً واحداً مشدداً ينبو اللسان عنه نبوة واحدة " (2).
    أو يلتقي حرفان متقاربان في المخرج فتبدل الأول من جنس الثاني وتدغمه فيه وإنما تفعل ذلك تخفيفاً والذي يتضح من هذا أن الإدغام هو:
    1 ـ إدخال صوت في آخر.
    2 ـ الإدغام: أن يكون بين متجانسين أو متقاربين وهناك أمر ثالث لم يذكر هنا وهو وقوعه بين متماثلين.
    3ـ الناتج من الإدخال هو حرف واحد مشدد بدل الحرفين والغرض من هذا الإدخال هو التخفيف أي تيسير صعوبة نطق صوتين متماثلين أو متقاربين ومنهم من عبر عنه " تقريب صوت من صوت (3).
    وظاهرة الإدغام قديمة لحظها علماء العربية منذ وقت مبكر فقد أشار إليها الخليل بن أحمد بقوله "أعلم أن الراء في اقشعر واسبكر راءان أدغمت واحدة في الأخرى والتشديد علامة الإدغام (4).
    وجاء بعده تلميذه سيبوية وكان الرائد إلى تخصيص مبحث مستقل كبير للإدغام تناول فيه كل مناحي هذه الظاهرة وقسمها على أقسام هي : (5)
    1 ـ الإدغام في الحرفين اللذين تضع لسانك لهما موضعاً واحداً وهو إدغام المثلين.
    2 ـ الإدغام في الحروف المتقاربة التي هي من مخرج واحد.
    ــــــــــــ
    (1) لسان العرب ، ابن منظور ، 4 / 366.
    (2) الجمل، الزجاجي، تحقيق ابن أبي شنب ، باريس، 1957 م ، ص 378
    (3) الخصائص، ابن جني، تح محمد علي النجار، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1952 م، 2/139
    وينظر ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان الأندلسي، تحقيق د.رجب عثمان محمد و د. رمضان
    عبد التواب، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1998، 4/1698
    (4) العين، الخليل الفراهيدي، تحقيق د.إبراهيم السامرائي و د.مهدي المخزومي، بغداد، 1980 1/49
    (5) الكتاب، سيبوية، ط/1 ، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق 1316هـ ، مطبعة الهيئة العامة، تح عبد السلام
    هارون 1979م ، 2/400-430.
    (3)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    3 ـ الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا.
    4 ـ الإدغام في بعض الحروف المتقاربة في المخرج وأخرى غير متقاربة.
    5 ـ الإدغام في بعض الألفاظ الشاذة.
    وهي في عمومها تدور حول قطب واحد هو التخلص من ثقل النطق الذي يحدث نتيجة حركات اللسان حركات متماثلة في نطق أصوات متماثلة أو متقاربة إذ يقول " لأنهم إن بينوا ثقل عليهم لقرب المخرجين(1).
    ــــــــــــ
    (1) الكتاب ، سيبوية ، 2 / 430
    (4)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    الكسائي : اسمه ولقبه
    هو أبو الحسن علي بن حمزة عبد الله بهمن بن فيروز الأسدي بالولاء ، الكوفي المعروف بالكسائي ، أحد القراء السبعة ، وهو فارسي الأصل لقب بالكسائي ، وهذا اللقب فيه عدة روايات منها(1)
    1 ـ إنه جاء إلى حمزة الزيات ملتفاً بكساء. فقال حمزة من يقرأ. فقيل له صاحب الكساء فسماه بذلك.
    2 ـ إنه سئل عن سبب هذه التسمية فقال: (إنني أحرمت في الكساء).
    3 ـ إنه كان يحضر بكساء متميز عن الناس.
    4 ــ إنه من قرية (باكسايا) بضم الكاف وهي : بين بغداد وواسط من الوسط الشرقي في أقصى النهروان(2).
    ومن خلال دراستنا لهذه الألقاب نجد أن تسميته بالكسائي نسبة إلى قرية باكسيا ولو أنه من باكتسايا لنسب إليها (بالباكسائي) ، وليس بالكسائي ، وتذكر بعض المصادر أنه من قرية (باخمشا) (3).
    وهناك من القراء من لقب بالباكسائي وليس الكسائي واحداً من هؤلاء أما نسبته إلى حرفته صناعة الكسائي فقد جاءت به مصادر جديدة ولم تذكره المصادر القديمة وكان الكسائي يرتدي زياً متميزاً عن أهل الكوفة، وكان يحضر به مجلس معاذ الهراء ولما أعجب به الخليل، قال له: من أين أخذت علمك هذا؟ قال له: من بوادي الحجاز(4).
    وكان يحضر مجلس حمزة الزيات، كما أنه حج وهو يرتدي نفس الزي المتميز عن بقية الناس في الإحرام فسمي بالكسائي ، وكان حمزة الزيات إماماً في النحو واللغة والقراءات ولم يكن له في التهذيب حتى قيل : (( ليس في العلماء أجهل من الكسائي بالشعر) وكان مؤدباً للأمين والمأمون أبناء هارون الرشيد يعلمهم الأدب وتعلم الكسائي النحو على كبر)) (5).
    فتلقى النحو عن عيسى بن عمرو والخليل بن أحمد الفراهيدي(6).
    طفولتـه ونشـأتـه من المعروف أن للبيئة تأثيراً كبيراً في حياة بعض العلماء وذلك في حياتهم العلمية والعملية ولكن نحن لانعرف شيئاً عن طفولته إذا لم تتحدث المصادر عن طفولته ولكن بعضها يشير إلى أنه من أهل قرية (باخشما) فهل نفهم من ذلك أن أسرته كانت تعيش بها، وأنه ولد هناك(7).
    ــــــــــــ
    (1) وفيات الأعيان، ابن خلكان، تح إحسان عباس، دار الثقافة بيروت، لبنان سنة 1970م، 3/295
    (2) معجم البلدان، الإمام شهاب الدين بن عبد الله ياقوت الحموي البغدادي، ط2 دار صادر بيروت، 1/37
    (3) ماتلحن فيه العامة، الكسائي، تح د.رمضان عبد التواب ط1 دار الرفاعي، ص189
    (4) بغية الوعاة، جلال الدين السيوطي، تح محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة المصرية، بيروت، لبنان 1964م، 1/179
    (5) المصدر نفسه ، 1/179
    (6) إعراب القراءات السبع وعللها، ابن خالوية، ط1 مكتبة الخانجي القاهرة، ص25
    (7) باخشما : قرية بين أوانا والحضيرة. كانت به واقعة للمطلب بن عبد الله الخزاعي أيام، ينظر معجم البلدان ، ياقوت الحموي1 / 37
    (5)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    هذا شئ لاتستطيع أن تقطع به، ومهما يكن من شئ فقد دخل الكسائي الكوفة وهو غلام، وهناك حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، دون فهم لمعناه، كما فعل الملايين من صبيان المسلمين، حتى الوقت الحاضر(1)
    وقد نقلها مشافهة عن قراء الكوفة المعروفين في عهده، وأشهرهم: حمزة بن حبيب الزيات (2) . الذي استخدم الكثير من عناصر قرأته، وقد كان من الممكن بعد ذلك أن يظل الكسائي مجهولاً لايسمع به أحد، وألا يشتهر كقارئ من القراء السبعة المعروفين، وقد جلس يوماً مع جماعة من الناس، وكان قد مشى حتى تعب من المشي فقال: (قد عييت) (3) فعابوا عليه هذه الكلمة وقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟ فسألهم: أعييت وإن كنت قد أردت من انقطاع الحيلة: والتحير في الأمر. فقال: عييت مخففة ، فأنف من هذه الكلمة. ثم قام من فوره ذلك. فسأل عمن يعلم النحو. فأرشد إلى معاذ الهراء. فلزمه حتى أنفذ ما عنده ، ثم خرج إلى البصرة. فلقي الخليل. وجلس في حلقته ، فقال له رجل من الأعراب : تركت أسدا وتميما وعندها الفصاحة ، وجئت إلى البصرة (4) فقال الخليل بن أحمد الفراهيدي : من أين أخذت علمك هذا. فقال له: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة فخرج الكسائي إلى البادية وأخذ يسأل البدو عن لغتهم ويكتب عنهم ما يرونه.
    وتذكر المصادر بأنه أنفذ خمس عشرة قنينة من الحبر في الكتابة عن العرب سوى ماحفظ، وبعد أن دون عن العرب ما دونه وحفظ عنهم ما حفظ، رجع مرة أخرى إلى البصرة، يجلس في حلقة الخليل بن أحمد الفراهيدي فوجده قد مات وجلس في موضعه يونس بن حبيب، فجرت بينهما مسائل ومناظرات ظهر فيها علم الكسائي فأقر له يونس فيها ، وصدره موضعه ، وذاع صيته بعد ذلك واشتهر أمره ، وكان هذا سبباً في انتقاله إلى بغداد واتصاله بالخلفاء العباسين(5).
    فقد روي أن المهدي الخليفة العباسي كان عنده مؤدباً يؤدب الرشيد فدعاه وهو يستاك ، فقال كيف تأمر من السواك؟ فقال : استك يا أمير المؤمنين. فقال المهدي : إنا لله وإنا إليه لراجعون(6).
    ثم قال التمسوا لنا من هو أفهم من ذا. فقالوا : رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة، قدم من البادية قريباً فأمر بإحضاره من الكوفة فلما دخل عليه، قال المهدي: يا علي بن حمزة قال: لبيك يا أمير المؤمنين فقال كيف تأمر من السواك؟ فقال سك، يا أمير المؤمنين ، قال أحسنت وأصبت. فأمر له بعشرة آلاف درهم ومنذ ذلك الحين صار الكسائي مؤدب لأولاد الرشيد(7).
    ويروي الأزهري سبباً آخر لاتصال الكسائي بالخليفة المهدي فيقول: (( دخل الكسائي بغداد أيام المهدي، وطلب في شهر رمضان. قارئاً يقرأ في دار أمير المؤمنين في التراويح فذكر له الكسائي، فصلى بمن فــي الدار، ثم اقعـد مؤدباً لابني أمير المؤمنين
    ــــــــــــ
    (1) ما تلحن فيه العامة، الكسائي، ص11
    (2) المصدر نفسه، ص18.
    (3) عييت: أي انقطاع الحيلة والحيرة في الأمر
    (4) المصدر نفسه، ص13، 14.
    (5) المصدر نفسه، ص 14.
    (6) نفس المصدر، ص20.
    (7) نفس المصدر، ص20.
    (6)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    وأمر له بعشرة آلاف درهم وكسوة وبر ودار وبرذون )) (1) ، وكيفما كان السبب فقد اتصل الكسائي بقصور العباسيين، وأصبح من طائفة المؤدبين لأبناء الخلفاء، وكان إلى جانب عمله هذا، يقرئ الناس القرآن الكريم، ويعلمهم النحو واللغة في بغداد وقد أدى فريضة الحج في صحبة المهدي، وعندئذ قدم الكسائي ليصلي بالمدينة فهمز ، فأنكر أهل المدينة عليه ، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن(2).
    ولما ولى الرشيد الخلافة، وأحضر إليه الكسائي في سنة 182هـ في السنة الثالثة عشرة لخلافته وأخرج إليه، تأديب ابني الرشيد محمد وعبد الله فقال فكنت أشدد عليهما في الأدب ، أخذهما به أخذاً شديداً، فأتتني ذات يوم خالصة أم جعفر فقالت : ياكسائي، إن السيدة تقرأ عليك السلام، وتقول لك: حاجني إليك أن ترفق بابني محمد، فإنه ثمرة فؤادي وقرة عيني، وأنا أرق عليه رقة شديدة فقلت لخالصة : إن محمد مرشح للخلافة بعد أبيه، والرشيد حريص على أن يتعلم أولاده الصواب في اللغة والأدب، فكان يجب أن يطمئن إلى أن ما يلقنهم إياه الكسائي هو الصواب(3).
    فقد روى المفضل الضبي، فقال: وجه إلى الرشيد، فما علمت إلا وقد جاءتني الرسل ليلاً، فقالوا: أجب أمير المؤمنين، فخرجت حتى صرت إليه، وذلك في يوم خميس، وإذا هي متكئ ومحمد بن زبيدة عن يساره، والمأمون عن يمينه، فسلمت فأومأ إلي فجلست، فقال لي، يا مفضل قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: كم اسم في (فسيكفيكهم) قلت: ثلاثة أسماء، ياأمير المؤمين. فقال وماهي، قلت: الكاف لرسول الله، والهاء والميم هي الكفار. والياء هي لله عز وجل قال : صدقت هكذا أفادنا هذا الشيخ، يعني الكسائي(4).
    ــــــــــــ
    (1) ما تلحن فيه العامة، الكسائي، ص20.
    (2) المصدر نفسه ، ص20.
    (3) المصدر نفسه ، ص20 .
    (4) المصدر نفسه ، ص20 .
    (6)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    شيوخـــه
    تلقى الكسائي العلم على يد مجموعة كبيرة من شيوخ عصره في النحو واللغة والقرآن وقراءاته وهم :
    1 ـ إسماعيل بن جعفر أبو كثير الأنصاري مولاهم أبو إسحاق (ت 180هـ)(1)
    2 ـ الأعمش سليمان بن مهران الأسدى بالولاء أبو محمد الأعمش (ت 148هـ) (2)
    3 ـ جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسن سبط النبي صلى الله عليه وسلم (ت 148هـ) (3)
    4 ـ حماد بن عمرو الأسدى الكوفي (4) .
    5 ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي أبو عبد الرحمن الأزدى البصرة (ت 175هـ) (5)
    6 ـ حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل أبو عمارة الزيات (ت 156هـ) (6)
    7 ـ زائدة بن قدامة أبو الصلت الثقفي (ت 161هـ) (7)
    8 ـ سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي (ت 198هـ) (8)
    9 ـ سعيد بن مسعدة الأخفش (ت 215هـ) (9)
    10 ـ سليمان بن أرقم أبو معاد البصري (10)
    11 ـ شريح بن يزيد أبو حيوة الحضرمي(ت 203هـ) (11)
    12 ـ شعبة بن عياش بن سالم أبو بكر الأسدى (ت 154هـ) (12)
    13 ـ عبد الرحمن بن سكين أبو محمد بن أبي حماد الكوفي(13)
    14 ـ أبو عمرو بن العلاء زبان بن العلاء بن عمار (ت 154هـ) (14)
    15 ـ عيسى بن عمر الأسدى أبو عمر الهمذاني الكوفي (ت 156هـ) (15)
    16 ـ عيسى بن عمر الثقفي (ت 154هـ) (16)
    ــــــــــــ
    (1) تاريخ بغداد، البغدادي، تح مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان سنة 1997، 6/218
    (2) المصدر نفسه، 9/3
    (3) المصدر نفسه، 1/327
    (4) المصدر نفسه، 4/259
    (5) المصدر نفسه، 2/216
    (6) مرآة الجنان، الأمام أبو محمد عبد الله اليافعي، منشورات الاعلمي للمطبوعات بيروت، لبنان، 1970م 4 / 422
    (7) المصدر نفسه، 1/288
    (8) المصدر نفسه، 1/298
    (9) المصدر نفسه، 1/29
    (10) بغية الوعاة، جلال الدين السيوطي، تح/محمد أبو الفضل إبراهيم، ط/1 مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة (1383هـ - 1964م) ، 1/126
    (11) المصدر نفسه، 1/422
    (12) المصدر نفسه، 1/325
    (13) طبقات النحويين واللغويين ، الزبيدي ، تح محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف القاهرة ، 1973 ص28
    (14) المصدر نفسه، ص35
    (15) المصدر نفسه، 1/536
    (16) المصدر نفسه، 1/536
    (7)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    17 ـ قتيبة بن مهران أبو عبد الرحمن الأزاداني (مجهول الوفاة) (1)
    18 ـ محمد بن عبد الله بن ميسرة أبو عبد الرحمن العزومي الكوفي (ت 155 هـ ) (2).
    ثانياً : تلاميذه
    إن الكسائي من أسعد الشيوخ بتلاميذه كما لم يسعد شيخ من قبل بتلاميذه وهم :
    1 ـ أحمد بن حسن مقرئ الشام(3).
    2 ـ أحمد بن الصباح بن أبي سريح (ت 230هـ) (4).
    3 ـ إسحاق الدغوي(5).
    4 ـ إسحاق بن أبي اسرائيل(6).
    5 ـ أيوب بن المتوكل الأنصاري البصري (ت 200هـ) (7).
    6 ـ الصبى بن أبي تراب أبو حمدان (ت 26هـ) (8).
    7 ـ الفضل بن إبراهيم بن عبد الله أبو عباس النحوي(9).
    8 ـ القاسم بن سلام أبو عبيد الخراساني البغدادي(10).
    9 ـ جودي بن عثمان النحوي المغربي الأندلسي(11).
    10 ـ أبو الحسن الأعز(12).
    11 ـ خلف بن هشام بن ثعلب بن خلف (ت 229هـ) (13)..
    12 ـ سلموية النحوي الكوفي(14).
    13 ـ قتيبة بن مهران أبو عبد الرحمن النحوي(15).
    14 ـ عبد الله بن سعيد أبو محمد الأموي(16).
    15 ـ علي بن حازم أبو الحسن اللحياتي(17).
    16 ـ علي بن المبارك أبو الحسن الأحمر المروزي (ت 194هـ) (18).
    17 ـ صالح بن عاصم الناقط الكوفي(19).
    ــــــــــــ
    (1) المصدر نفسه، ص26
    (2) الفهرست، ابن النديم، تح يوسف علي الطويل، دار الكتب العلمية،بيروت، لبنان 1996م، ص97
    (3) غاية النهاية، ابن الجزري، تح براحستراسر،ط1، دار التراث القاهرة، سنة 1923، 1/539.
    (4) المصدر نفسه، ص1/241
    (5) طبقات النحويين واللغويين، الزبيدي، تح محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف،القاهرة ، 1973م، ص484
    (6) المصدر نفسه، 3/45
    (7) المصدر نفسه، 3/27
    (8) المصدر نفسه، 1/343
    (9) المصدر نفسه، 1/34
    (10) بغية الوعاة، السيوطي، تح محمد أبو الفضل إبراهيم، 3/353
    (11) المصدر نفسه، 1/534
    (12) المصدر نفسه، 3/127
    (13) المصدر نفسه ، 3/353
    (14) المصدر نفسه، 3/353
    (15) المصدر نفسه، 3/354
    (16) مراتب النحويين واللغويين، أبو الطيب اللغوي، تح محمد أبو الفضل ، 1993م، 1/91
    (17) المزهر في علوم اللغة، السيوطي، تح محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 2/240
    (18) المصدر نفسه، 2/140.
    (19) المصدر نفسه ، 1/388
    (8)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    كتبه
    ترك الكسائي وراءه ثروة كبيرة من مؤلفاته هي
    1 ـ أجزاء القرآن(1)
    2 ـ اختلاف مصاحف أهل المدينة(2)
    3 ـ أشعار المعايات وطرائفها ويسمى (أشعار المعايات فقط) (3)
    4 ـ الحدود في النحو(4)
    5 ـ الحروف(5)
    6 ـ الهجاءات المكنى(6)
    7 ـ القراءات(7)
    8 ـ قصص الأنبياء(8)
    9 ـ ماتلحن فيه العامة(9)
    10 ـ مختصر في النحو(10)
    11 ـ المصادر(11)
    12 ـ معاني القرآن(12)
    13 ـ الهجاء(13)
    14 ـ النوادر الأصغر(14)
    15 ـ النوادر الأوسط(15)
    16 ـ النوادر الكبير(16)
    17 ـ مقطوع القرآن وموصوله(17).
    ــــــــــــ
    (1) ما تلحن فيه العامة، ص55
    (2) المصدر نفسه، 2/328
    (3) المصدر نفسه، ص98
    (4) المصدر نفسه، ص98
    (5) كشف الظنون، حاجب خليفة، منشورات مكتبة المثنى، بغداد 1920-1339، 1/328
    (6) المصدر نفسه، 1/98
    (7) المصدر نفسه، 1/98
    (8) المصدر نفسه، 1/98
    (9) المصدر نفسه، 1/58
    (10) ينظر تاريخ بغداد، البغدادي، 11/403
    (11) المصدر نفسه ، 11/403
    (12) المصدر نفسه، 11/55
    (13) المصدر نفسه، 11/207\
    (14) المصدر نفسه، 11/98
    (15) المصدر نفسه، 11/98
    (16) المصدر نفسه، 11/403
    (17) المصدر نفسه، 11/403
    (8)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    ثقافته وآراء العلماء فيه
    شهد بفضل الكسائي وعظيم قدره وعلو كعبه في اللغة والنحو والقراءات، عدد كبير ممن يعتد بقولهم من المعاصرين له ومن جاء بعدهم: فالإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: (من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عالة على الكسائي(1).
    ويقول فيه الأعرابي: (كان أعلم الناس وكان ضابطاً قارئاً عالماً بالعربية صدوقاً)(2)
    ويقول كذلك: (كان الكسائي أعلم من أبي زيد بكثير بالعربية واللغات والنوادر. ولو كان نظر في الأشعار، ما سبقه أحد، ولا أدركه أحد بعده(3)
    ويقول فيه إسحاق الموصلي : (( ما رأيت أحداً أعلم بالنحو قط منه ولا أحسن تفسيراً، ولا أحذق بالمسائل )) (4)، كما يقول أيضاً: (( ما رأيت في الصنعة أحذق من أربعة : الأصمعي في شعره ، والكسائي في النحو، ومنصور زلزل يضرب العود بالزمر، قيل له : وما مبلغ حذقهم ؟ قال: كنت إذا رأيت كتاب إنسان منهم في صناعته لم تنازعك نفسك إلا أن تكون في الصناعة على أكثر ما سمعت ))(5).
    ويقول يحي بن معين : (( ما رأيت بعيني هاتين ، أصدق لهجة من الكسائي )) (6).
    وتمنى الفراء أن لو يبقى الكسائي حياً، ليستفيد من علمه، ويستوضحه ما أشكل عليه من المسائل فقد سأله ابن قادم (( هل بقى في نفسك شئ من النحو؟ فأجاب : أشياء كثيرة ، قال : فمن تحب أن تلقى فيها ؟ قال : كنت أحب لو بقى الكسائي ، وكان قد مات رحمه الله )) (7).
    وقال ابن مجاهد: (كان الكسائي إمام الناس في القراءة في عصره، وكان يأخذ الناس عنه ألفاظه بقراءته عليهم(8).
    وقال أبو زيد الأنصاري: ( لما ورد نعي الكسائي من الري يرحمه الله! مات بموته علم كثير(9).
    ويقول ابن الأنباري: ( ولو لم يكن لأهل بغداد والكوفة، من علماء العربية إلا الكسائي والفراء، لكن لهم بهما الافتخار على جميع الناس إذ انتهت العلوم إليهما(10).
    ويصفه الخطيب البغدادي بأنه (( كان عظيم القدر في دينه وفضله )) (11) . وهو في نظر أبي الطيب اللغوي : ((عالم أهل الكوفة وإمامهم غير مدافع )) (12)
    ــــــــــــ
    (1) غاية النهاية في طبقات القراء، ابن الجرزي، 1/538
    (2) بغية الوعاة، السيوطي، 1/179
    (3) المصدر نفسه، 1/179
    (4) المصدر نفسه، 1/180
    (5) طبقات القراء، ابن الجزري، 1/537
    (6) المصدر نفسه ، 1/537
    (7) تاريخ بغداد، 14/152
    (8) المصدر نفسه، 14/152
    (9) المصدر نفسه، 14/152
    (10) المصدر نفسه، 14/152
    (11) مراتب النحويين، ص74
    (12) وفيات الأعيان، ابن خلكان، 3/240
    (9)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    وعند ابن خلكان: (( إمام في النحو واللغة والقراءات )) (1) .
    وعند الأزهري هو (( ثقه مأمون ومختاراته في حروف القرآن حسنة )) (2).
    وعند ياقوت الحموي ، فهو أحد الأئمة في القراءة والنحو، وسأله يوماً أحد الأعراب فقال: أنت الكسائي؟ قال : نعم. قال : (كوكب) ماذا؟ قال: (دُرِّىَ) و (دَرِّىَ) و (دِرِّيٌ) فالدُرَّى يشبه الدّر، والدًّرًّىّ جارٍ، والدِّرِّئُ يلمع. قال : مافي العرب أعلم منك (3).
    ويقول الجاحظ أيضاً : (( والمعلمون عندي ضربان : منهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد العامة، إلى تعليم أولاد الخاصة، ومنهم رجال))(4)
    ويقول عنه طاش كبرى زادة : (( وما ظنك برجل غلامه الفراء؟! )) (5) .
    ويرى الجاحظ أن الكسائي تعلم النحو بعد الكبر فلم يمنعه ذلك من أن برع فيه ولقى أعراب الحطمة ، وكثر سماعه منهم ، قرأ القرآن وبرع فيه ، حتى قوى عليه وعرف إعرابه ، واختار حرف فقرأ به(6).
    ويصفه أبو عبد الرحمن المقرئ، فيقول: (( كان الكسائي فصيح اللسان، لايفطن لكماله، ولايخيل إليه أنه يعرب وهو يعرب ))(7).
    وفيه قال ثعلب: (( أجمعوا على أن أكثر الناس كلهم رواية وأوسعهم علماً الكسائي )) (8) ، ويتحدث عنه أبو بكر الأنباري، فيقول: (( اجتمعت للكسائي أمور لم تجتمع لغيره ، واحد الناس في القرآن)) (9).
    ــــــــــــ
    (1) وفيات الأعيان، ابن خلكان، 3/240
    (2) معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/176
    (3) معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/176
    (4) البيان والتبيين، الجاحظ، تح عبد السلام هارون 1948، القاهرة 1/250
    (5) مفتاح السعادة، طاش كبرى زادة، تح كامل بكري، 1969، القاهرة، 1/130
    (6) البيان والتبيين، الجاحظ، تح عبد السلام هارون 1948، القاهرة 1/250
    (7) طبقات اللغويين والنحويين، الزبيدي، ص141
    (8) ما تلحن فيه العامة، الكسائي، ص52
    (9) المصدر نفسه ، ص52
    (10)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    وفاته
    اختلفت الآراء في السنة التي توفي فيها الكسائي فقد رأى الرشيد أن الكسائي توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة أو ثلاث وثمانين ومائة وللمهدي رأي آخر في السنة التي توفي فيها الكسائي فقد قال: (مات الكسائي سنة اثنتين وتسعين ومائة هو محمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي حنيفة، فقال الرشيد: اليوم ذهب الفقه والعربية(1)
    قال الخطيب البغدادي : (( إن عمر الكسائي بلغ سبعين سنة )) (2) ، وهناك مصادر أخرى ذكرت أن السنة التي توفي فسها الكسائي هي سنة تسع وثمانين ومائة في بلاد الري وكان قد خرج إليها صحبة هارون الرشيد. قال السمعاني : (( وفي ذلك اليوم توفي محمد بن الحسن المذكور بالرى حيث قال : دفنت الفقه والعربية بالري)) (3).
    لقد وجدنا في المصادر التي وقفنا عليها عدداً من الأقوال في تاريخ وفاة الكسائي وهي أحد عشر قولاً تحدد تاريخ وفاته وهي :
    (179-180-181-183-185-189-192-193-197)هـ
    ويجب مناقشة هذه الأقوال لكي نصل إلى أقرب سنة يمكن أن تكون هي السنة التي توفي بها الكسائي(4).
    إن جميع المصادر كلها تقريباً تذكر على أن سنة 189هـ. السنة التي توفي فيها الكسائي والأغلب أيضاً يرجعون إلى سنتي (182-183)هـ (5).
    أما عن باقي السنوات فقد ينفرد به مصدر أو مصدران أو ثلاثة ولا يتعدون ذلك في بغداد سنة 182هـ . هذا إلى أن معظم المصادر تذكر أن الذي مات مع الكسائي هو محمد بن الجن الشيباني، وقد ذكر ابن النديم في موضع آخر سنة 179هـ أن الكسائي توفي فيها ويرجع ذلك إلى سهولة الخلط الكتابي بين عبارتي (سبع وتسعين) و (تسع وسبعين)(6)
    أما سنة 180هـ. فقد انفرد بذكرها القفطي، فقال: (مات الكسائي رحمه الله في صحبة الرشيد ببلد الري في سنة ثمانين ومائة وقيل في سنة ثلاث وثمانين ومائة)(7).
    أما سنة 181هـ . فقد انفرد بذكرها ابن الجزري، كما انفرد بذكر سنة 185هـ . وشارك الزبيدي في سنة 193هـ تاريخاً لوفاة الكسائي دون إسناد
    أما سنة 188هـ . فقد انفرد بذكرها أبو فرج الأصفهاني، إذ يقول: (مات إبراهيم الموصلي سنة ثمان وثمانين ومائة، ومات في ذلك اليوم الكسائي النحوي)(8). أما سنة 192هـ. فأول من ذكرها هو ياقوت_وليس عند أحد ممن تقدمه ولكنها ذكرت عند المتأخرين منهم السيوطي والداودي، وطاش كبرى زاده ويبقى أمامنا بعد ذلك السنوات (182-183-189)هـ وإن الباحـــــــث يقف حائـــــراً تمام الحيرة، أمام هذه
    ــــــــــــ
    (1) معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ص13/176.
    (2) ماتلحن فيه العامة، ص295
    (3) المصدر نفسه ، ص295
    (4) المصدر نفسه ، ص295
    (5) المصدر نفسه، ص52
    (6) المصدر نفسه، ص52.
    (7) المصدر نفسه، ص52.
    (8) المصدر نفسه، ص52.
    (1)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    السنوات وأيهما يرجح، إلا أن كل المصادر التي بين أيدينا تقريباً، تذكر سنتي 182هـ - 183هـ (1).
    أقدم المصادر التي ذكرت سنتي 182-183هـ هو تاريخ بغداد، وهناك مصادر أقدم منه ذكرت سنة 189هـ ، ولم تشير إلى سنتي 182-183هـ أن الكسائي مات في طوس، وأن الرشيد خرج إلى طوس في أول رحلته، وأقام بها زمن يسيراً ثم خرج منها إلى الري، فقالت بعض المصادر أنه مات هناك(9).
    ــــــــــــ
    (1) ما تلحن فيه العامة ، ص25
    (12)
    الإدغام عند الكسائي لقد تفرد الكسائي في إدغام بعض الحروف في بعضها ، وهو قليل ونادر عند اللغويين والنحويين ، واعتبروه ضعيفا ، وكره البصريون القراءة به ، ولكن الكسائي تفرد به في القراءة ومن ذلك :
    1ـ إدغام الفاء في الباء
    تفرد الكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وذلك في قول الله تعالى : أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ(1)
    لأن أقرب المخارج إلى مخرج الباء هو حرف الفاء ، والإدغام فيهما ضعيف وتقرأ بعد الإدغام (نخسبِّهم) ، ولم يدغم أبو عمرو بن العلاء ذلك .
    وذكر السيرافي (( أن ما روي عن الكسائي من إدغامها في الباء ضعيف وشاذ وهو شيء تفرد به الكسائي )) (2). والعلة في الإدغام عند الكسائي ما أشار إليه ابن خالويه بقوله : (( واتفق على إظهار الفاء عند الباء في قوله : (نَخْسِفْ بِهِمُ) ، إلا ما قرأه الكسائي ، وحجته أن مخرج الباء من الشفتين ، ومخرج الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا ، فاتفقا في المخرج للمقاربة ، إلا أن في الفاء تفشيا يبطل الإدغام ، أما إدغام الباء في الفاء فصواب)) (3).
    إدغام لام هل وبل عند الكسائي تعرضت كتب القراءات القرآنية للحديث عن إدغام لام (هل) ولام (بل) في حروف الهجاء ، وقد أدغم القراء لام هل وبل في بعض الحروف ، وانفرد الكسائي في إدغام اللام من هل وبل في بعض الحروف ومن ذلك : إدغام لام (هل) و(بل) في : التاء والثاء والسين في جميع القرآن(4).
    1 ـ إدغام لام هل وبل في التاء انفرد الكسائي بإدغام لام (هل) و(بل) في التاء ، وهذا جائز ، لأن العلاقة واضحة بين اللام والتاء ، لأن مخرج اللام قريب من مخرجها ، ومن ذلك قوله تعالى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(5). وقوله تعالى : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ(6)
    فقد قرأ الكسائي (بتُّؤثرون) ، (هتّنقمون) بإدغام لا هل في التاء .
    ومن الواضح أن الذين أدعموا ذلك هما حمزة (7) والكسائي ، وهما كوفيان والكوفة متأثرة بالقبائل التي سكنت شرق الجزيرة العربية وهي : تميم وأسد ، ثم إن الكسائي كان مولى لبني أسد ، تلك القبيلة التي آثــرت الإدغام ، وقد ورد الإدغام فيما
    ــــــــــــ
    (1) سبأ : 9
    (2) إدغام القراء ، السيرافي ، ص9
    (3)الحجة في القراءات السبع ، ابن خالويه ، تح د . عبدالعال سالم مكرم ، ط4 ، دار الشروق ، بيروت ، لبنان 1981 ، ص 292
    (4) إدغام القراء ، السيرافي ، ص9
    (5) الأعلى : 16
    (6) المائدة : 59.
    (7)هو حمزة بن حبيب الزيات ، أحد القراء السبعة ، وقاريء أهل الكوفة ، وشيخ الكسائي . ينظر غاية النهاية ابن الجزري ، 1/123
    (13)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    أنشده سيبويه لمزاحم العقيلي : فَدَعْ ذا ولكن هتُّعين متيَّما على ضوء برق آخر الليل ناصب(1).
    فاصل الكلمة (هل تعين) لكن الشاعر نطقها بالإدغام ، وهذا البيت لشاعر من بني عقيل ، وهم ةمكن القبائل البدوية الضاربة في صحراء نجد ، والتي كانت على صلة قوية بالقبائل المدغمة كتميم وأسد ، اللتان تؤثران الإدغام.
    2 ـ إدغام لام هل وبل في الثاء قرأ الكسائي قوله تعالى : هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(2) بإدغام لام هل في الثاء (هل ثوب) ، وتقرأ بعد الإدغام (هثَّوب). وهذه القراءة تفرد بها الكسائي ، قال السيرافي (( واتفق حمزة والكسائي على إدغام لام هل وبل في التاء والثاء والسين في جميع القرآن))(3).
    3 ـ إدغام لام هل وبل في السين قرأ الكسائي قوله تعالى : وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(4). بإدغام لام بل في السين ، لأن اللام والسين متقاربان في المخرج ، ففي اللام ينحرف اللسان مع الصوت ، وفي السين يعتمد طرف اللسان على اللثة ، ويرتفع وسط اللسان نحو الحنك الأعلى ، حيث لا يتذبذب الوتران الصوتيان ، ومن هنا هنا حدث إدغام اللام في السين (5) ، وتقرأ بعد الإدغام (بسَّولت).
    4 ـ إدغام لام هل وبل في الطاء والضاد والزاي والظاء والنون
    قرأ الكسائي بإدغام لام هل وبل في الطاء والضاد والزاي والظاء والنون ، وهو ما تفرد به وحده على ما ذكره السيرافي (6).
    أ ـ إدغام لام بل في الطاء قرأ الكسائي وحده قوله تعالى : فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (7) . بإدغام اللام في الطاء (بَلْ طَبَعَ) ، وذلك لقرب مخرج اللام من مخرج الطاء. وتقرأ بعد الإدغام (بطَّبع).
    ب ـ إدغام لام بل في الضاد أدغم الكسائي لام بل في الضاد في قوله تعالى : فلولا نَصَـرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن
    ــــــــــــ
    (1) ورد هذا البيت في كتاب سيبويه 4 / 459 ، وهو لمزاحم العقيلي .
    (2) المطففين : 36
    (3) إدغام القراء ، السيرافي ، ص52 .
    (4) يوسف : 18
    (5) علم اللغة ، السعران ، ص175
    (6) إدغام القراء ، السيرافي ، ص52 .
    (7) النساء : 155.
    (13)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(1). بإدغام اللام في الضاد ( بَلْ ضَلُّوا)(2). لقرب المخرجين ، وتقرأ بعد الإدغام (بضَّلوا).
    جـ ـ إدغام لام بل في الزاي قرأ الكسائي قول الله عز وجل : أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (3)
    أدغم الكسائي لام بل في الزاي في قوله تعالى : (بَلْ زُيِّنَ) ، والزاي هو (( النظير المجهور للسين ، فهو صامت مجهور لثوي احتكاكي ))(4). فاللام والزاي من الأصوات المتقاربه في المخرج ، وهذا يوجب إدغامهما في بعضهما ، وهو مذهب الكسائي ، وذلك للاقتصاد في الجهد العضلي . وتقرأ بعد الإدغام (بزَّين للذين كفروا).
    د ـ إدغام للام بل في الظاء قرأ الكسائي قوله تعالى : بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُون َ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُورا(5). بإدغـــــام اللام في الظاء (6)، فاللام والظاء متقاربان في المخرج ، وهذا يجيز إدغامهما وتقرأ بعد الإدغام (بظَّننتم) ، وهو مذهب الكسائي.
    هـ ـ إدغام لام بل في النون قرأ الكسائي قوله تعالى :  بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(7). بإدغـــــام اللام في النون وتقرأ بعد الإدغام (بنَّتبع). وهما متقاربان في المخرج ، وهذا يجيز إدغامهما ، وهو مذهب الكسائي.
    5 ـ إدغام لام بل في الذال روي عن الكسائي قراءته لقوله تعالى :  لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ(8).بإ غام اللام في الذال في هذا الحرف أينما وقع من القرآن. ويقرأ بعد الإدغام ، وتقرأ بعد الإدغام (ومن يفعذَّلك).
    هذا ما انفرد الكسائي في إدغامه ، وقد وافق أبا عمرو بن العلاء في كل ما قرأه بالإدغام ، ولكنه خالفه في ورد من إدغام تفرد به وحده ، ولا داعي لتكرار ما وافق فيه أبا عمرو بن العلاء .
    ــــــــــــ
    (1) الأحقاف : 28.
    (2) إدغام القراء ، السيرافي ، ص52.
    (3) الرعد : 33..
    (4)علم اللغة ، السعران ، ص155 .
    (5) الفتح : 12.
    (6) إدغام القراء ، السيرافي ، ص52.
    (7) القلم : 27.
    (8) آل عمران : 28
    (13)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    ومما لا شك فيه أن الصوت الذي يكثر استعماله وتداوله ، يكون أكثر تطورا من غيره من الحروف ، وقد نادى بهذه النظرية : vilhelm thomsen (طمسون) (1).
    وهو ما ذهب إليه الفراء الذي سبقه في ذلك بعدة قرون عديدة ، حيث يرى أن الكلمة قد يحذف بعض حروفها في الرسم ، ونسب الفراء هذا الحذف ألى كثر استعمال الكلمة وتداولها وذلك في قوله (( ألا ترى أنك تقول (بسم الله الرحمن الرحيم ) عند ابتداء كل فعل تأخذ فيه )) (2).
    فالفراء يعلل لحذف الألف من (بسم الله الرحمن الرحيم) وعدم حذفها من (باسم ربك) لأنها لا تلزم هذا الاسم ولا تكثر معه ، ككثرتها مع لفظ الجلالة (الله) عزوجل.
    ــــــــــــ
    (1) ينظر الأصوات اللغوية ، إبراهيم أنيس ط6 ، القاهرة ، 1981 ، ص172
    (2) معاني القرآن ، الفراء ، ط2 ، عالم الكتب ، بيروت ،لبنان ، 1980 ، 1 / 2
    تبيين لام المعرفة
    ينتج صوت اللام نتيجة ارتكاز ذلق اللسان على اللثة بحيث يسمح بتسرب الهواء من احد جانبي الفم مصحوبا بدوي في الحنجرة بسبب اضطراب الحبليين الصوتيين فهو صوت جانبي منحرف (1). وقد أبان الكسائي لام المعرفة عند جميع الحروف إلا عند اللام والراء والنون .
    وورد عن السيرافي أن الفراء حكى عن الكسائي أنه (( سمع العرب تبين لام المعرفة عند كل الحروف إلا عند اللام مثلها أو الراء أو النون)) (2).
    وقد مثل الكسائي لذلك بقوله : (( قال بعضهم الصامت )) (3). وقد نفى الفراء صحة هذا القول ، حيث قال (( ولم أسمعها عن العرب )) (4) .
    ويرى السيرافي أن الذي حكاه سيبويه ، لم يحكه أيضا البصريون ، ويوضح السيرافي رأيه في هذه العبارة بقوله : (( إذا كان اللام غير لام المعرفة ، لم يلزم إدغامها في الحروف التي تدغم فيها لام المعرفة )) (5).
    ولام المعرفة تدغم في ثلاثة عشر حرفا هي : ( النون والراء والدال والتاء والصاد والطاء والزاي والسين والظاء والثاء والذال والضاد والشين )(6).
    وقد أدغم الكسائي اللام في اللام ومن ذلك :
    1 ـ إدغام اللام في اللام يعتبر صوت اللام من الصوامت " المنحرفة " وتتكون هذه الصوامت بوضع عقبة في وسط المجرى الهوائي مع ترك منفذ للهواء عن طريق أحد جانبي العقبة أو عن جانبيها ، ومن هنا كانت تسميتها بالمنحرفة أو الجانبية(7).
    وقد قرأ الكسائي قوله تعالى : وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (8) بإدغام اللام في اللام ، وتقرأ بعد الإدغام (قِيْلَّهُم).
    وذكر السيرافي أن (( أبا عمرو كان يدغمها في مثلها ساكنا ما قبلها أو متحركا)) (9)
    وقد قرأ الكسائي بإدغام اللام في اللام في قوله تعالى :  فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا(10). وتقرأ بعد الإدغام : (فقالَّهم).
    وقوله تعالى :  وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ
    ــــــــــــ
    (1) علم اللغة ، السعران ، ص169
    (2) ما ذكره الكوفيون من الإدغام ، السيرافي ، تح د. صبيح التميمي ، ص69
    (3) المصدر نفسه ، ص 69 . والصامت هو تبيين اللام على الصاد
    (4) ) المصدر نفسه ، ص 69
    (5) المصدر نفسه ، ص 69
    (6) الكتاب ، سيبويه ، 4 / 457
    (7) علم اللغة ، السعران ، ص169.
    (8) الأعراف : 161
    (9) إدغام القراء ، السيرافي ، ص50
    (10) الشمس : 13
    (14)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (1).
    وتقرأ بعد الإدغام : (إذ تقولَّذي).
    وقوله تعالى :  وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَه َا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (2).
    وتقرأ بعد الإدغام : (والله جعلَّكُم).
    واللام (( من الأصوات الصامتة المجهورة ، وهو جانبي منحرف ، ينتج عن اعتماد طرف اللسان على أصول الثنايا العليا )) (3) .
    وقد ادغم الكسائي اللام الأولى في اللام الثانية ، لأنهما من الأصوات المتماثلة وهذا الإدغام (( ثقيل في اللفظ ، ولكنه جائز في القياس ، لأن الحرفين من جنس واحد ))(4) .
    ويتضح لنا أن الكسائي كان يدغم الحروف المتماثلة ، رغم أنها ثقيلة في النطق ولكنه أجاز الإدغام فيها قياسا على كلام العرب(5).
    فمذهب الكسائي قائم على القياس والسماع ، ولهذا تفرد وحده بقراءات لم يقرأ بها غيره من القراء .
    2 ـ إدغام اللام في الراء وقد قرأ الكسائي بإدغام اللام في الراء في قوله تعالى :  فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً(6). وتقرأ بعد الإدغام : (قد جعرَّبُّك).
    وقوله تعالى :  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(7).
    وتقرأ بعد الإدغام : (فَعَرّبك ).
    ويتضح من ذلك أن الحروف التي يكون الإدغام فيها أقوى هي الأقرب إلى اللام وأقواها الراء , وهي أقرب إلى اللام من سائر أخواتها , وأشبهها بها , فضارعتا الحرفين اللذين يكونان من مخرج واحد , إذ هي من طرف اللسان , فإن لم تدغم جاز وهي لغة لأهل الحجاز عربية جيدة(8) .
    وصوت اللام , صامت مجهور ينتج من اعتماد طرف اللسان على أصول الثنايا والراء صوت صامت , مجهور لثوى مكرر، ينتج من تتابع طرقات اللسان على اللثة تتابعا سريعا ، ولذا سُمي بالمكرر ، ولا يجوز ترك إدغام لام المعرفة في الراء وسائر أخواتها للأسباب الآتية (9):
    ــــــــــــ
    (1) الأحزاب : 37
    (2) النحل : 80
    (3) علم اللغة ، السعران ، 170
    (4) معاني القرآن وإعرابه ، أبو إسحاق الزجاج ، تح د. عبد الجليل شلبي ، ط1 ، عالم الكتب ، بيروت 1988 1 / 70
    (5) ) ينظر المصدر نفسه ، 1 / 170
    (6) مريم : 24
    (7) الفجر : 6
    (8) ينظر الكتاب ، سيبويه ، 4 / 458. وسائر أخوات الراء هي : ( النون والدال والتاء والصاد والطاء والزاي والسين والظاء والثالء والذال)
    (9) شرح المفصل ، ابن يعيش ، 10 / 141
    (15)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    1 ـ لأنها من حروف طرف اللسان .
    2 ـ كثرة لام المعرفة في الكلام .
    3 ـ إنها تتصل بالاسم اتصال بعض حروفه ، لأنه لا يوقف عليها ، فلهذا لزم الإدغام فيها .
    وما عدا لام المعرفة ، فيجوز إدغامها في هذه الأحرف ، ولا يلزم (1)
    ــــــــــــ
    (1) شرح المفصل ، ابن يعيش ، 10 / 141
    (16)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,224

    افتراضي رد: الإدغام في قراءة الكسائي(علي بن حمزة)

    يرفع لما فيه من الفوائد الجليلة.
    جزى الله الدكتور فتحي خير الجزاء.
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •