الجواب :
يا أخي لايمكن أن تأتي بحديث واحد وتحصر الموضوع فيه , هذه ليست طريقة لاستنباط الأحكام , بل لابد من جمع الأدلة مع بعضها حتى يكون الحديث المقصود في إطاره الصحيح ويفهم على وجهته الصحيحة , كما فعل علماء الحديث أتوا بهذا الحديث بعد تبيين حكم الخلوة وكانت طريقتهم كالتالي :
في المجموع قال الإمام النووي :
( في أول كتاب الحج في مسائل استطاعة الحج أن الشافعي نص علي انه يحرم أن يصلي الرجل بنساء منفردات ألا أن يكون فيهن محرم له أو زوجة وقطع بانه يحرم خلوة رجل بنسوة إلا أن يكون له فيهن محرم والمذهب ما سبق وان خلا رجلان أو رجال بامرأة فالمشهور تحريمه لانه قد يقع اتفاق رجال علي فاحشة بامرأة وقيل ان كانوا ممن تبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز وعليه يتأول حديث ابن عمرو بن العاص الآتى والخنثي مع امرأة كرجل ومع نسوة كذلك ومع رجل كامرأة ومع رجال كذلك ذكره القاضي أبو الفتوح وصاحب البيان عملا بالاحتياط وقياسا علي ما قاله الاصحاب في مسألة نظر الخنثى كما سنوضحه في أول كتاب النكاح ان شاء الله تعالي ...
وأما الاحاديث الواردة في المسألة فمنها ما روى عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إياكم والدخول علي النساء فقال رجل من الانصار أفرأيت الحمو قال الحمو الموت " رواه البخاري ومسلم الحمو قرابة الزوج والمراد هنا قريب تحل له كاخ الزوج وعمه وابنهما وخاله وغيرهم وأما أبوه وابنه وجده فهم محارم تجوز لهم الخلوة وان كانوا من الاحماء وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخاري ومسلم وعن بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال علي المنبر " لا يخلون رجل بعد يومي هذا سرا على مغيبة الا ومعه رجل أو إثنان رواه مسلم المغيبة - بكسر الغين - التى زوجها غائب والمراد هنا غائب عن بيتها وان كان في البلدة وعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال " كانت فينا امرأة - وفى رواية كانت لنا عجوز - تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه الينا " رواه البخاري فهذا قد يمنع دلالته لهذه المسألة لانه يحتمل أن يكون فيهم محرم لها وليس فيه تصريح بالخلوة بها والله اعلم * واعلم أن المحرم الذى يجوز القعود مع الاجنبية مع وجوده يشترط أن يكون ممن يستحي منه فان كان صغيراعن ذلك كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فوجوده كالعدم بلا خلاف ولا فرق في تحريم الخلوة بين الصلاة وغيرها كما سبق ويستوى فيها الاعمي والبصير ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بان يجد امرأة أجنبية منقطعة في برية ونحو ذلك فيباح له استصحابها بل يجب عليه إذا خاف عليها لو تركها وهذا لا خلاف فيه ويدل عليه حديث عائشة رضى الله عنها في قصة الافك ) انتهى (4/278)
ـــــــــــ
في شرح النووي على صحيح مسلم :
( 4039 - قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان )
المغيبة بضم الميم وكسر الغين المعجمة وإسكان الياء وهي التي غاب عنها زوجها . والمراد غاب زوجها عن منزلها ، سواء غاب عن البلد بأن سافر ، أو غاب عن المنزل ، وإن كان في البلد . هكذا ذكره القاضي وغيره ، وهذا ظاهر متعين . قال القاضي : ودليله هذا الحديث ، وأن القصة التي قيل الحديث بسببها وأبو بكر رضي الله عنه غائب عن منزله لا عن البلد . والله أعلم . ثم إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية ، والمشهور عند أصحابنا تحريمه ، فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم ، أو مروءتهم ، أو غير ذلك . وقد أشار القاضي إلى نحو هذا التأويل .)09
باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها )
قوله صلى الله عليه و سلم [ 2171 ] ( لايبتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم ) ... وذكره القاضي فقال إلا أن تكون ناكحا أو ذات محرم بالتاء المثناة فوق وقال ذات بدل ذا قال والمراد بالنا كح المرأة المزوجة وزوجها حاضر فيكون مبيت الغريب فى بيتها بحضرة زوجها ...ومعناه لايبيتن رجل عند امرأة إلا زوجها أو محرم لها قال العلماء إنما خص الثيب لكونها التى يدخل اليها غالبا وأما البكر فمصونة متصونة فى العادة مجانبة للرجال أشد مجانبة فلم يحتج إلى ذكرها ولأنه من باب التنبية لأنه اذا نهى عن الثيب التى يتساهل الناس فى الدخول عليها فى العادة فالبكر أولى وفى هذا الحديث والأحاديث بعده تحريم الخلوة بالأجنبية وإباحة الخلوة بمحارمها وهذان الأمران مجمع عليهما وقد قدمنا أن المحرم هو كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد لسبب مباح لحرمتها فقولنا على التأبيد احتراز من أخت امرأته وعمتها وخالتها ونحوهن ومن بنتها قبل الدخول بالأم وقولنا لسبب مباح احتراز من أم الموطوءة بشبهة وبنتها فانه حرام على التأبيد لكن لالسبب مباح فان وطء الشبهة لايوصف بأنه مباح ولا محرم ولا بغيرهما من أحكام الشرع الخمسة لأنه ليس فعل مكلف وقولنا لحرمتها احتراز من الملاعنة فهي حرام على التأبيد لالحرمتها بل تغليظا عليهما والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم [ 2172 ] ( الحمو الموت ) ) انتهى
(14/153)
وفي تحفة الأحوذي : ( باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات )
( قوله ( على نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يخلون رجل بامرأة ) هذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أحمد من حديث عامر بن ربيعة قاله الحافظ في الفتح ( إلا كان ثالثهما الشيطان ) ...
والمعنى يكون الشيطان معهما يهيج شهوة كل منهما حتى يلقيا في الزنى
[ 1172 ] 17 قوله ( لا تلجوا ) من الولوج أي لا تدخلوا ( على المغيبات ) أي الأجنبيات اللاتي غاب عنهن أزواجهن ( فإن الشيطان يجري من أحدكم ) أي أيها الرجال والنساء ( مجرى الدم ) بفتح الميم أي مثل جريانه في بدنكم من حيث لا ترونه
قال المجمع يحتمل الحقيقة بأن جعل له قدرة على الجري في باطن الإنسان ويحتمل الإستعارة لكثرة وسوسته ) انتهى
(4/282)
وفي شرح النووي على صحيح مسلم :
( 4041 - قوله في حديث صفية رضي الله عنها وزيارتها للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه عشاء ، فرأى الرجلين ، فقال : ( إنها صفية فقالا : سبحان الله ، فقال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم )
الحديث فيه فوائد منها بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ، ومراعاته لمصالحهم ، وصيانة قلوبهم وجوارحهم ، وكان بالمؤمنين رحيما فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان في قلوبهما فيهلكا ، فإن ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع ، والكبائر غير جائزة عليهم . وفيه أن من ظن شيئا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر . ). (7/311)
قلت : لو كانت الخلوة جائزة والاختلاط جائز , فلماذا نبه الرسول عليه الصلاة والسلام الصحابة أنها صفية أم المؤمنين .؟؟!.
وبناءاً على ما سبق قوله من الإجابة المخصوصة بالشبهة التي أوردتها :
فهل تستطيع أن تضمن لي أن الاختلاط في العمل والتعليم أن كل الرجال فيه ثقات تقات أصحاب عبادة وتقى صلاح ؟؟!
وهل تستطيع أن تضمن لي أن الاختلاط في العمل والتعليم النساء فيه متحجبات متسترات لامتبرجات ولا متزينات ؟؟!
وأقصى مايستطاع به الاستدلال على هذه الحادثة هو جواز دخول الرجلان والثلاثة من أهل الصلاح والتقى على المرأة المتسترة المتحجبة لعيادتها أو لتفقد أحوالها كأن تكون أرملة أو منقطع عنها السبيل أو نحو ذلك وذلك لضرورة ملحة ..
وأما الاستدلال بها على جواز الخلوة والاختلاط , فبعيد جد بعيد ..