بسم الله الرحمن الرحيم
قال في التعريفات - (ج 1 / ص 36)"الرشوة :ما يعطى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل"
والرشوة من كبائر الذنوب وعظائم الآثام فقد قال عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي" . رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني .
ولكن من دفع ماله لموظف أو حاكم ليصل إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلما لا يعد راشيا إلا أن الإثم ينحصر حينئذ بالمرتشي لكونه يجب عليه أن يدفع الظلم عن المظلوم ويعطي كل ذي حق حقه بدون قبض مال منهم وقد قال صلى الله عليه وسلم : " هدايا العمال غلول" رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني .
وعن أبي حميد الساعدي : استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي لي فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال : " أما بعد فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله فيأتي أحدكم فيقول : هذا لكم وهذا هدية أهديت لي فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا ؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر " ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ثم قال : " اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت " متفق عليه .
فمن كان لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الظلم أو يحصل حقه لا سيما في هذا العصر الذي كثر فيه الظلم وضياع الحقوق إلا ببذل الرشوة
فله ذلك عند جمهور العلماء وشيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه شيخنا الألباني- رحمهم الله - قال الإمام النووي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" - (ج 4 / ص 131):
"وأما باذل الرشوة فإن بذلها ليحكم له بغير الحق أو بترك الحكم بحق حرم عليه البذل وإن كان ليصل إلى حقه فلا يحرم كفداء الأسير".
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي في "المغني" - (ج 23 / ص 28):
" فَأَمَّا الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ ، وَرِشْوَةُ الْعَامِلِ ، فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ .
.....فَأَمَّا الرَّاشِي فَإِنْ رَشَاهُ لِيَحْكُمَ لَهُ بِبَاطِلٍ ، أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ حَقًّا ، فَهُوَ مَلْعُونٌ ، وَإِنْ رَشَاهُ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ ، وَيَجْزِيَهُ عَلَى وَاجِبِهِ ، فَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَالْحَسَنُ : لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهِ .
قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ : مَا رَأَيْنَا فِي زَمَنِ زِيَادٍ أَنْفَعَ لَنَا مِنْ الرِّشَا .
وَلِأَنَّهُ يَسْتَنْقِذُ مَالَهُ كَمَا يَسْتَنْقِذُ الرَّجُلُ أَسِيرَهُ .
فَإِنْ ارْتَشَى الْحَاكِمُ ، أَوْ قَبِلَ هَدِيَّةً لَيْسَ لَهُ قَبُولُهَا ، فَعَلَيْهِ رَدُّهَا إلَى أَرْبَابِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَأَشْبَهَ الْمَأْخُوذَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يَأْمُرْ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ بِرَدِّهَا عَلَى أَرْبَابِهَا"ان هى .
ولكن لا بد من التنبه إلى أن بذل الرشوة للوصول إلى حق أو دفع مظلمة فيه محظور شرعي وهو إعانة المعطى على الإثم. وقد قال تعالى : "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "[المائدة]
لذلك لا يجوز اللجوء إلى ذلك إلا عند الحاجة مع عدم التمكن من الوصول إلى الحق أو دفع الظلم بوسيلة أخرى خالية من المحظور
قال الصنعاني في سبل السلام - (ج 6 / ص 417):
"الرِّشْوَةُ إنْ كَانَتْ لِيَحْكُمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي وَإِنْ كَانَتْ لِيَحْكُم لَهُ بِالْحَقِّ عَلَى غَرِيمِهِ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الْحَاكِمِ دُون الْمُعْطَي ؛ لِأَنَّهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَهِيَ كَجُعْلِ الْآبِقِ وَأُجْرَةِ الْوَكَالَةِ عَلَى الْخُصُومَةِ .وَقِيلَ تَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهَا تُوقِعُ الْحَاكِمَ فِي الْإِثْمِ" .
والله تعالى أعلم .
كتبه أبو معاوية غالب الساقي المشرف على موقع روضة السلفيين www.salafien.com