السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى : ( .. فإن الله جل جلاله قـد تعبدنا بالعمل بالظن الحاصل عن البينة ، لأنه مستفاد من طريق شرعها الله لعباده ، ولم يتعبدنا بالظن الحاصل من القرينة ، ولو كان الأمر كذلك لكانت الطرق المثمرة للعمل غير منحصرة ، بل كلما أفاد الظن كان معمولاً به ، وهذا خـرق لإجماع المسلمين ، وقد أرشد الله عباده إلى ترك العمل بالظنون ، ونهاهم عن اتباعه كما في كتابه العزيز ، وما عُمل به من الظنون كأخبار الآحاد والحكم بالشهادة واليمين ، فلكون دليل العمل به مخصصاً لذلك العموم ، لأنا نقول : قـد عارضه ما هو أرجح منه ، وهو استثباتُه - صلى الله عليه وسلم - في الحدود استثباتاً زائداً على استثباته في غيرها ، حتى أنه كان يُعرض عن الرجل بعد ان يسمع منه الإقرار بالزنا مرة بعد مرة ، ثم يقول له بعد ذلك : صنعت كذا وكذا ، ويأتي بألفاظ تدل على الوقائع بدون كناية ، كقوله لماعز : " أفَنكتها ؟ " قال : نعـم ، وكقوله : " حتى غاب ذاك منك في ذاك منها كما يغيب المِـرودُ في المكحلة ، والرشا في البئر ؟ " قال : نعـم .
وربمـا استثبتَ فسأله عن عَقله ، أو سأل قومه عن ذلك ، كما في حديث ماعز أنه قال له : " أبـك جنون " وقوله للسارق : " مـا أخالُك سرقت " . وقوله : " ادرؤا الحدود بالشبهات " فإذا كانت الحدود بعد ثبوتها ثبوتاً لا يرتاب فيه تُدرأ بالشبهات ، فكيف يجوز الحكم بها بمجرد الشبهة الواهية ! ) إهـ الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني ( 4/ 2032 ) .
قلت : وهــذا الكـلام يوضح أن الظن الذي أجـاز الشارع العمل به هـو المستفاد من البينة وليس الظن المستفاد مـن القرينة .
وقـد سئل الشيخ صالح الفوزان عن الفرق بين البينة والقرينة
فأجاب : بأن البينة هي الشهود ، والقرينة هي العـلامة فقط .
والله أعلم .