اعداد: الفرقان
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له منهجه وطريقه، ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، ويخسر أفراده، ويضيع كل ذلك سدى. ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.
باب في قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}.
2127. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: « أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ [، كَانُوا إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ [ إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ [، فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ [ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ}.
2128. عنَّ حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ لِبَوَّابِهِ، إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُالْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الْآيَةِ ! إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ تَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} هَذِهِ الْآيَةَ وَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلَهُمْ النَّبِيُّ [ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا قَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ، وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ، وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلَهُمْ عَنْه ُ.
الشرح:
الباب السادس من مختصر الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله، للحافظ أبي بكر المنذري رحمه الله، هو في قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ} (آل عمران: 188).
ذكر فيه الإمام مسلم، حديث أبي سعيد الخدري، وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب صفات المؤمنين وأحكامهم. وقول الراوي: نزلت في كذا وكذا، هذا نص في سبب نزول الآية، وأسباب النزول منصوص عليها بأقاويل الصحابة، وأحيانا على لسان الرسول [، وأسباب النزول تعين على فهم الآيات؛ لأن واقعة الحال تعين على فهم الآية النازلة فيها.
فالذي كان من المنافقين في عهد رسول الله [ أنهم تخلفوا عنه في الجهاد، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم النبي [ من سفره، اعتذروا إليه وحلفوا له كذبا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت الآية: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: 188).
فيقول أبو سعيد الخدري: « إن رجالا من المنافقين في عهد الرسول [، كانوا إذا خرج النبي [ إلى الغزو تخلفوا عنه، وهذه صفة للمنافقين، ذكرها الله سبحانه وتعالى عنهم في كتابه أنهم يتخلفون عن الجهاد، ويكرهون الغزو في سبيل الله، مع رسول الله [، فكانوا يتثاقلون عن ذلك، ويميلون إلى الدنيا وشهواتها، ويكرهون الموت في سبيل الله، إذا دعت الضرورة إلى ذلك والحاجة، وإلا فالإنسان بطبعه يكره الموت ويدافع ذلك، لكن إذا حضر القتال الواجب، فإنه لا يجوز للإنسان أن يترك هذا الواجب كراهية الموت، قال تعالى عنهم: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون} (التوبة: 81 – 82).
فهم مع تخلفهم عن رسول الله في فرح وسرور! وهذا قدر زائد على المعصية؛ لأنه فرح ورضا بها.
وقال أيضا: {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} (التوبة: 86-87).
والخوالف هم النساء المتخلفات عن الجهاد.
وقال سبحانه وتعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (التوبة: 38)، وغيرها من الآيات التي تبين حرمة التقاعس عن الجهاد في سبيل الله مع الإمام المسلم، خصوصا مع رسول الله [، فهذا أقبح وأشد حرمة، وكان المنافقون إذا تخلفوا فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، والحقيقة لو كانوا يعقلون: أن التخلف عن الرسول عليه الصلاة والسلام ذنبٌ ومعصية، فليس هو من الأمور التي يفرح بها الإنسان، وإذا فرح الإنسان بالمعصية، أو فرح بالذنب، دلّ ذلك على فساد قلبه، وضعف عقله وسفهه، وعدم علمه بعاقبة هذا الفعل، فالفرح الحقيقي إنما يكون بالطاعة والقربة والحسنة، وإنما يكون بالرحمة وفضل الله، كما قال الله عز وجل: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 58).
وكانوا إذا قدم النبي عليه الصلاة والسلام، ورجع من الجهاد، أو رجع من الغزوة اعتذروا إليه، وقالوا: يا رسول الله {شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا} ويتقدمون له بالأعذار الواهية، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم كاذبون، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يتركهم ويعرض عنهم، ويستغفر لهم، وقد عاتبه الله تعالى فيه فقال: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (التوبة: 43).
ولما عفا عنهم النبي عليه الصلاة والسلام وظن أنهم أصحاب أعذار، أحبوا أن يحمدوا بذلك، وقد حمدوا بغير ما فعلوا وبغير حق، فنزلت الآية فيهم {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ} أي: من ترك الجهاد والتخلف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ويحبون أن يثنى عليهم بما لا يستحقون.
قال عز وجل مهددا لهم {فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} بمفازة يعني ينجاة من العذاب، أي: لا تحسبنهم بمنجاة من العذاب، بل لهم عذاب أليم.
وهذه الآية يدخل فيها أهل الكتاب أيضا، كما في حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان - وهو ابن الحكم الأموي - كان أميرا على المدينة ومكة، قال: « اذهب يا رافع لبوابه» رافع هو اسم البواب أو الحاجب الذي كان يعمل عند مروان.
قوله: «اذهب إلى ابن عباس رضي الله عنهما» وخص ابن عباس بالسؤال لأنه كان مشهورا بتفسير كتاب الله تبارك وتعالى، وذلك أن النبي [ دعا له كما في الحديث الصحيح: «اللهم علمه التأويل، وفقه في الدين» متفق عليه.
قوله: « فقال له قل له لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنعذبن أجمعون» أي: إذا كان كل واحد منا يفرح بما أتى من العمل الصالح، أو يفرح بما أعطاه الله تعالى من الخير ومن الفضل، ويكون في نفسه محبا أن يحمد بما لم يفعل، لكن يحب أن يحمد بين الناس، فهل هذا يكون سببا من أسباب العذاب؟!
قوله: « فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما لكم ولهذه الآية؟! إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس قوله تعالى {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: 187)، يعني: أن هذه الآية نزلت في آل الكتاب، وليست فيكم أيها المسلمون.
وهذا سبب نزول آخر غير السبب الأول، وهل يمكن أن تتعدد أسباب النزول والآية واحدة؟ الجواب: نعم ممكن أن تتعدد والأسباب وتكون الآية النازلة في هذه الأسباب واحدة، أو قد تنزل الآية أكثر من مره لأسباب متنوعة؛ وذلك لسعة مفهوم الآية، فالآية يكون لها مفهوم واسع يشمل أمورا كثيرة، فبمفهومها الواسع تشمل هذه الأسباب المتنوعة؛ لأنها صور متعددة، تدخل بمنطوق هذه الآية.
قال ابن عباس: إن هذه الآية نزلت في أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم والكتاب، ولم ينقادوا للرسول [، ولم يدخلوا في الإسلام وقالوا: نحن على علم، وعندنا كتاب من الله، ونحن أتباع موسى ونحن أصحاب حق، وفرحوا بما عندهم من العلم، كما هو الحال اليوم من النصارى الضالين، الذين يفرحون بما عندهم من الكتاب المحرف، والطقوس الدينية التي هي أشبه باللغو واللعب والغناء والتمتع، ومخالفة الرب سبحانه وتعالى، وزعمهم الابن والولد لله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فيفرحون بما عندهم من الكفر، ويفرحون بما عندهم من الكتاب المبدل، ويتركون الكتاب العزيز، والقرآن العظيم، الكامل التام الذي حفظه الله تعالى من التحريف والتغيير. وهكذا يدخل في هذه الآية بالمفهوم: أهل البدع الذين يفرحون بما عندهم من البدع والضلال، سواء كانت بدعا قولية، أم بدعا فعلية، فهم يفرحون بما عندهم من الباطل.
وهكذا كل من فرح بما عنده من الباطل القولي أو الفعلي وأحب أن يحُمد عند الناس بما لا يستحق، فهذا لا تحسبنه بمفازة من العذاب، لا تحسبنه بمنجاة من العذاب. وقول ابن عباس: سألهم النبي [ عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره قيل: إن المقصود بذلك أن النبي [ سألهم عن صفته، وهي في التوراة موجودة ومكتوبة، فكتموا وكذبوا وقالوا: إن صفة النبي الذي يبعث في آخر الزمان، لا تنطبق عليك يا محمد، [، فصفة النبي الذي عندنا في كتابنا، والذي بشرت به الرسل، أو بشر به عيسى عليه السلام على وجه الخصوص، هي لا تنطبق عليك يا محمد؛ لأنهم حرفوا الكتاب حتى قال بعض أهل التاريخ والسيرة، أنهم قالوا إن النبي الذي يبعث في آخر الزمان، سبط الشعر، أزرق العينين، أبيض الوجه، جاءوا بصفات محرفة، من أجل ألا تنطبق على النبي [، فالنبي [ تركهم وخرج، وفرحوا هم بهذا الباطل الذي أدوه وظنوا أنهم استطاعوا أن يصرفوا الناس عن الإسلام، وصرفوا أتباعهم، وهم في الحقيقة بهذا العمل يكونون قد أوقعوا أنفسهم في غضب الله وعذابه، وأيضا تحملوا أوزار الذين يضلونهم بغير علم، وهذا أعظم مع أن وزر الواحد فيهم كاف في عذابه، فكيف إذا حمل أوزار العالمين على ظهره؟!
وهكذا دعاة الباطل ودعاة الكفر: فإنهم يتحملون آثام من يتبعهم على باطلهم، كما قال [: « من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى باطل كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص من آثامهم شيئا» رواه مسلم وغيره.
وأيضا أهل الكتاب وقعوا في ذلك، كما في قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: 187)، فالله تعالى قد أخذ العهد والميثاق على الأنبياء، وعلى أتباع الأنبياء من ورثتهم، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، فإذا كتم العلماء الحق الذي جاء في كتاب الله، فقد خالفوا الميثاق الذي أخذه الله تبارك وتعالى عليهم، وصح في الحديث أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول [: «من سئل علما يعلمه فكتمه، ألجم بلجام من نار» أخرجه الترمذي.
ولفظ أبي داود: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». وهذا دليل على حرمة كتمان العلم مع القدرة على إظهاره، أي إذا كان الإنسان قادرا على إظهار هذا العلم، ولم يمنعه من إظهاره شيء من الموانع التي تمنع من إظهار العلم كالخوف على النفس من القتل، وما أشبه ذلك فهذا محرم.
أما أن يحمد الإنسان على الاستقامة والطاعة، ويحمد على الصفات الجميلة، ويحب ذلك من غير رياء ولا سمعة، دلت الآية بمفهومها على أنه غير مذموم، فلو أحب الإنسان أن يحمد، وأن تكون له سمعة حسنة طيبة بين الناس، وحرص على ذلك بأعماله الصالحة وصفاته الجميلة، وأصلح من نفسه، وعامل الخلق بما ينبغي محبا للسيرة الحسنة بين الناس، ولم يكن في ذلك قصد الرياء، هذا غير مذموم - بل دعت الأنبياء بذلك – فقد قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (الشعراء: 84) أي: اجعل لي لسان ثناء عند الناس، أن الناس تثني علي بخير، وتكون لي سيرة حسنة فيهم وكذلك في قوله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (الفرقان: 74)، هذا يدل على أنه لا مانع أن يكتسب الإنسان السمعة الطيبة بين الخلق.