سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)
فصاحتها ونبوغها
كانت عائشة رضي الله عنها فصيحة بليغة، صاحبة منطق سديد، وحجة قوية، وبراعة في الخطاب بما يقتضيه المقام، وكانت مع ذلك حافظة لكثير من أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم، وكانت ربما حدَّثت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وآنسته ببعض طرائف أخبار العرب؛ كما حدثته بحديث أمّ زرع المشهور في الصحيحين وغيرهما.
- قال معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: قال معاوية: (تالله ما رأيتُ خطيباً أبلغ ولا أفضل من عائشة رضي الله عنها). رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
- وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، أنَّ معاوية دخل على عائشة رضي الله عنهما فلما خرج قام متكئا على ذكوان فقال: (والله ما رأيتُ خطيباً ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغَ ولا أفطنَ من عائشة رضي الله عنها). رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والطبراني في المعجم الكبير.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني جابر بن إسماعيل، وغيره، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: الشعر منه حسن ومنه قبيح، خذ بالحسن ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا، منها القصيدة فيها أربعون بيتا، ودون ذلك). رواه البخاري في الأدب المفرد.
- وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: ما رأيت أحداً أروى للشعر من عروة!!
فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله!!
فقال: (وما روايتي من رواية عائشة!! ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدَتْ فيه شعراً). رواه ابن عساكر.
- وقال إبراهيم بن سعد الزهري: أخبرني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، قال: كانت عائشة أروى الناس للشعر، وكانت تنشد قول لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتغايرون خيانة وملاذة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
ثم تقول: كيف بلبيد لو أدرك من نحن بين ظهرانيه؟
قال عروة: كيف بعائشة لو أدركت من نحن بين ظهرانيه). رواه أبو داوود في الزهد، والبيهقي في الزهد الكبير.
يتغايرون: أي يغير بعضهم على بعض.
- وقال معاوية بن عمرو ابن الكرماني، عن زائدة [بن قدامة الثقفي]، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، قال: «ما رأيتُ أحداً أفصحَ من عائشة». رواه أحمد في فضائل الصحابة، والترمذي في جامعه، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
- وقال خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، عن الأحنف بن قيس، قال: «سمعت خطبة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم والخلفاء هلم جرا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة رضي الله عنها». رواه الحاكم في المستدرك.
صبرُها وعفّتها
صبرت عائشة رضي الله عنها صبراً حسناً على ما أصابها من الابتلاء في بيت النبوة، ونالها نصيب مما ابتلي به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح أن أشدّ الناس ابتلاء الأنبياء؛ فصبرت على قلة الزاد حتى كان ربما مرّ بها الشهر والشهران والثلاثة لا يوقد في بيتها نار لصنع طعام، وابتليت بحادثة الإفك فصبرت حتى أنزل الله براءتها، وأوذيت بالسحر مرتين؛ مرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه حُبس عنها سنة، ومرة بعد وفاته فمرضت منه مرضاً اشتدّ عليها حتى فرّج الله عنها، وحُلَّ عنها السحر، وأصابها أنواع من الابتلاء غير ذلك فصبرت صبراً جميلاً، ورفع الله شأنها.
- قال عاصم بن أبي النجود: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟
فقال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل علي حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلي على حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك)).
قال: ((فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي في الأرض وما عليه خطيئة)). رواه أحمد والدارمي وابن ماجه والترمذي والنسائي في الكبرى وغيرهم، وبوّب البخاري في صحيحه (باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).
- قال معمر بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر قال: (حُبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة، فبينا هو نائم أتاه ملكان؛ فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه؛ فقال أحدهما لصاحبه: سحر محمد؟
فقال الآخر: أجل، وسحره في بئر أبي فلان.
فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك السحر فأخرج من تلك البئر). رواه عبد الرزاق، لكنّه مرسل، وعطاء الخراساني يُضعَّف في الحديث.
- وقال أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري، عن أمّه عمرة بنت عبد الرحمن قالت: مرضت عائشة فطال مرضها؛ فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا مرضها؛ فقال: إنكم لتخبروني خبر امرأة مطبوبة.
قال: فذهبوا ينظرون، فإذا جارية لها سحرتها، وكانت قد دبَّرتها، فسألتها فقالت: ما أردت مني؟
فقالت: أردت أن تموتي حتى أعتق.
قالت: فإنَّ لله عليَّ أن تباعي من أشد العرب ملكة؛ فباعتها وأمرت بثمنها أن يجعل في غيرها). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والبخاري في الأدب المفرد، والدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى.
ورواه الشافعي عن مالك عن أبي الرجال مختصراً.
- وقال عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة: « ابن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار!!».
فقلت: يا خالة! ما كان يعيشكم؟
قالت: (الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيسقينا). رواه البخاري، ومسلم.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني أبو صخر، عن ابن قسيط، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: «لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز، وزيت في يوم واحد مرتين». رواه مسلم.
- وقال يزيد بن كيسان: حدثني أبو حازم، قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً، يقول: (والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأهله، ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة، حتى فارق الدنيا). رواه مسلم.
- وقال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام [بن عروة]، عن أبيه، عن عائشة قالت: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شَطْرَ شعير في رفٍّ لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، فكلته ففني». رواه البخاري ومسلم.
- وقال ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: (يا ابن أختي! كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة، وايم الله يا ابن أختي! إن كان ليمرّ على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر، ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من نارٍ إلا أن يكون اللُّحيم، وما هو إلا الأسودان: الماء والتمر، إلا أنَّ حولنا أهل دور من الأنصار جزاهم الله خيراً في الحديث والقديم، فكلَّ يومٍ يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزيرة شاتهم، يعني: فينال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اللبن، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في رفّي من طعام يأكله ذو كبد إلا قريب من شطر شعير، فأكلت منه حتى طالَ عليَّ لا يفنى، فَكِلْتُه ففني، فليتني لم أكن كِلْته، وايم الله لئن كان ضِجَاعه من أدم حشوه ليف). رواه أحمد.
- وقال منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام برٍّ ثلاث ليالٍ تباعاً حتى قُبض». رواه البخاري ومسلم.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدّث عن الأسود، عن عائشة، أنها قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم، من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه أحمد، ومسلم.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنْ كنَّا آل محمد صلى الله عليه وسلم لنمكث شهراً ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء». رواه مسلم، وابن أبي شيبة.
زهدها وورعها
كانت عائشة رضي الله عنها على مرتبة عالية من الزهد والورع، ولم يغيّرها ما فتح لها من الرزق الكثير في زمن الخلفاء الراشدين وما بعده؛ فكانت ربما تصدّقت بما يأتيها من مالٍ، وبقيت على حالها ترقَع قميصها وتأكل مما يتيسّر لها من يسير الطعام.
- قال وكيع بن الجراح: حدثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: «كانت عائشة تقسم سبعين ألفاً، وهي تَرْقَع دِرْعَها ». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة قال: (رأيتُها تصدَّق بسبعين ألفاً، وإنها لترقع جانب درعها). رواه ابن سعد.
ورواه أبو داوود في الزهد من طريق أبي أمامة عن الأعمش بنحوه، وزاد: (لترقع جانب درعها أو تنكّسه).
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا هشام بن عروة، عن محمد بن المنكدر، عن أمّ ذرة قالت: بعث ابنُ الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين يكون مائة ألف فدعت بطبق، وهي يومئذ صائمة؛ فجعلت تقسم في الناس.
قال: فلما أمست قالت: (يا جارية! هاتي فطري).
فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين! أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه؟!!
فقالت: (لا تعنفيني، لو كنتِ أذكرتِني لفعلت). رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن حسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى عائشة، رضي الله عنها بمائة ألف، فقسمتها حتى لم تترك منها شيئا، فقالت بريرة: أنت صائمة، فهلا ابتعت لنا بدرهم لحما؟
فقالت عائشة: «لو أني ذكرت لفعلت». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال شعيب بن الحبحاب، عن أبي سعيد كثير بن عبيد رضيع عائشة، أنَّ داخلاً دخل على عائشة وهي تخيط نقبة لها؛ فقال: يا أمَّ المؤمنين! أليس قد أكثر الله الخير؟
قالت: (دعنا منك، لا جديد لمن لا خَلَقَ له). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا ابن عون، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: (كانت أمُّ المؤمنين إذا تعوَّدَت خَلَقا لم تحبَّ أن تدعه). رواه ابن سعد.
سَمْتها وهديها
كانت عائشة رضي الله عنها على قدرٍ عالٍ من التعبّد، والمداومة على كثرة الصلاة، والصيام، والذكر، وتلاوة القرآن، والمسارعة في الخيرات، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامّتهم، والتفقيه في الدين، وإفتاء المستفتين، وإنكار المنكر، وتعليم الخير، ورعاية الأيتام، وكانت قدوة صالحة للنساء في زمانها؛ ومعلّمة للرجال والنساء، فنفع الله بها الأمة نفعاً عظيماً.
- قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قطّ، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس؛ فيفرض عليهم). رواه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميثة، قالت: أصبحت عند عائشة فلما أصبحنا قامت فاغتسلت، ثم دخلت بيتا لها فأجافت الباب، قلت: يا أم المؤمنين! ما أصبحت عندك إلا لهذه الساعة.
قالت: فادخلي.
قالت: فدخلت؛ فقامت؛ فصلَّت ثماني ركعات، لا أدري أقيامهنّ أطول أم ركوعهن أم سجودهن؟
ثم التفتت إليَّ فضربت فخذي، فقالت: (يا رميثة! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها، ولو نشر لي أبواي على تركها ما تركتها). رواه النسائي في السنن الكبرى.
- وعن زيد بن أسلم، عن عائشة أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول: «لو نشر لي أبواي ما تركتهن». رواه مالك في الموطأ.
- وقال شعبة بن الحجاج: أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه (أنَّ عائشة كانت تصوم الدهر). رواه ابن سعد في الطبقات، والفريابي في كتاب الصيام.
- وقال حيوة بن شريح، عن أبي الأسود يتيم عروة، عن عروة (أن عائشة رضي الله عنها كانت تصوم الدهر في السفر والحضر). رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، أن عبد الرحمن بن القاسم حدَّثه أنَّ أباه حدَّثه أنَّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت «تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر». رواه الفريابي في كتاب الصيام.
- وقال وكيع، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنها «كانت تقرأ في رمضان في المصحف بعد الفجر؛ فإذا طلعت الشمس نامت». رواه الفريابي في فضائل القرآن.
- وقال ابن جريج: أخبرني عطاء [بن أبي رباح] حين منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، فأخبرني وقال: كيف تمنعهن الطواف؟
وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال.
قلت: أبعد الحجاب؟
قال: إي لعمري! أدركت لعمري بعد الحجاب.
قلت: كيف يخالطن الرجال؟
قال: لم يكن يفعلن، كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم؛ فقالت امرأة معها: انطلقي بنا يا أم المؤمنين نستلم؛ فجذبتها، وقالت: «انطلقي عنك» وأبت أن تستلم.
وكنَّ يخرجن مستترات بالليل، فيطفن مع الرجال لا يخالطنهم.
قال: ولكنهنَّ إذا دخلن البيت سُترن حين يدخلن، ثم أُخرج عنه الرجال.
قال: وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير.
قلت: فما حجابها حينئذ؟
قال: هي في قبة لها تركية عليها غشاء لها، بيننا وبينها.
قال: (ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً وأنا صبي). رواه عبد الرزاق في مصنفه.
ورواه الفاكهي في أخبار مكة من طريق محمد ابن جعشم الصنعاني عن ابن جريج بنحوه.
- وقال حجاج بن محمد المصيصي، عن ابن جريج قال: قال عطاء: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير.
قال: قلت: وما حجابها يومئذ؟
قال: (هي حينئذ في قبة لها تركية عليها غشاؤها بيننا وبينها، ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً وأنا صبي). رواه ابن سعد.
- وقال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وأبوه، وعبيد بن عمير، والمسور بن مخرمة، وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة، وأبو عمرو غلامها لم يعتق، فكان إمامَ أهلها محمد بن أبي بكر، وعروة، وأهلهما، إلا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، كان يستأخر عنه أبو عمرو.
قالت عائشة: «إذا غيبني أبو عمرو ودلاني في حفرتي فهو حر». رواه عبد الرزاق.
- وقال أبو معاوية: حدثنا يزيد بن زياد، عن عبيد بن أبي الجعد، عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فقال: «اقسميها».
قال: وكانت عائشة إذا رجعت الخادم قالت: ما قالوا لك؟
فتقول: يقولون: بارك الله فيكم.
فتقول عائشة: (وفيهم بارك الله، نردّ عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا). رواه النسائي في السنن الكبرى.
- وقال سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري: أخبرني القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ».
قال: (وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته). رواه مسلم.
- وقال القاسم بن الفضل الحدّاني: حدثنا محمد بن علي قال: كانت عائشة تدَّان، فقيل لها: ما لك وللدَّين؟!
قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد كانت له نيّة في أداء دينه إلا كان له من الله عز وجل عونٌ» فأنا ألتمس ذلك العون). رواه أحمد، والبيهقي.
وفيه انقطاع لكن له شاهد.
- وقال طلحة بن شجاع الأزدي: حدثتني ورقاء بنت هداب، أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا خرج من منزله مرَّ على أمهات المؤمنين؛ فيسلّم عليهنَّ قبل أن يأتي مجلسه؛ فإذا انصرف إلى منزله مرَّ عليهن، وكان كلما مرَّ وجد على باب عائشة رجلاً جالساً؛ فقال له: «ما لي أراك هاهنا جالسا؟»
قال: حقّ لي أطلب به أم المؤمنين! فدخل عليها عمر.
فقال: لها: يا أم المؤمنين! ما لك في سبعة آلاف كفاية في كل سنة؟
قالت: بلى، ولكن عليَّ فيها حقوق، وقد سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان عليه دين يهمّه قضاؤه أو همّ بقضائه لم يزل معه من الله حارس؛ فأنا أحب أن لا يزال معي من الله حارس». رواه الطبراني في المعجم الأوسط.
- وقال ابن جريج: أخبرني عمرو بن يحيى، قال: حدثتني مريم بنت إياس، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عندك ذريرة؟»
فقالت: نعم.
فدعا بها فوضعها على بثرة بين إصبعين من أصابع رجله، ثم قال: «اللهم مطفئ الكبيرة، ومكبّر الصغيرة، أطفئها عني» فطفئت). رواه النسائي في السنن الكبرى.
- - قال أبو الوليد الباجي في المنتقى: (وكانت عائشة - رضي الله عنها - كثيرة الاسترقاء، قال مالك في العتبية: بلغني أنها كانت ترى البثرة الصغيرة في يدها فتلح عليها بالتعويذ فيقال لها: إنها صغيرة فتقول إن الله عز وجل يعظم ما يشاء من صغير ويصغر ما يشاء من عظيم).
- - وقال أبو منصور الأزهري: (الذريرة فُتاتٌ من قَصَب الطِّيبِ الذي يـُجَاء به من بلاد الهند، يشبه قَصَب النُّشَّاب).
خوفها وخشيتها
كانت عائشة رضي الله عنها مع بلوغها مرتبة عالية في العلم، والتقوى، والتعبّد، والأعمال الصالحة الكثير عظيمة الخشية لله تعالى، بعيدة عن تزكية نفسها، بل كانت تكره أن يُثنى عليها وإذا سًلت عن حالها قالت: بخير إن اتّقيت.
- وقال هشام بن عروة: كان أبي يحدّث عن عائشة أنها قالت: (لوددت أني إذا متُّ كنت نسيا منسيا). رواه ابن وهب في جامعه، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا هشام بن المغيرة، حدثني يحيى بن عمرو [الهمداني]، عن أبيه عمرو بن سلمة أن عائشة قالت: (والله لوددتُ أني كنت شجرة، والله لوددت أني كنت مدرة، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا قط). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين.
- وقال محمد بن عبد الله الأسدي: حدثنا مسعر، عن حماد، عن إبراهيم قال: قالت عائشة: (يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال يحيى بن سعيد القطان، عن عمر بن سعيد النوفلي قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: استأذن ابن عباس على عائشة قبيل موتها وهي مغلوبة؛ فقالت: إني أخشى أن يُثني عليَّ!
فقيل لها: ابن عم رسول الله ومن وجوه المسلمين.
قالت: ائذنوا له.
فقال: «كيف تجدينك يا أمَّه؟»
قالت: بخير إن اتقيت.
قال: «فإنك بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكح بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء».
ودخل ابن الزبير خلافه، فقالت: (دخل ابن عباس فأثنى، وددت أني كنت نسياً منسياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، والبخاري في صحيحه.
- وقال معمر بن راشد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك، فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته، فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله، فأذني له ليسلم عليك، وليودعك.
قالت: فأذن له إن شئت.
قال: فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلَّم وجلس؛ فقال: (أبشري يا أمَّ المؤمنين! فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب - أو قال: وصب - وتلقي الأحبّة محمداً وحزبه، - أو قال: أصحابه- إلا أن يفارق روحك جسدك.
فقالت: وأيضاً؟
فقال ابن عباس: (كنتِ أحبَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن ليحبّ إلا طيباً، وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سموات؛ فليس في الأرض مسجدٌ إلا هو يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها، أو قال: في طلبها حتى أصبح القوم من غير ماء، فأنزل الله عز وجل {فتيمموا صعيدا طيبا} الآية؛ فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك؛ فوالله إنك لمباركة.
فقالت: (دعني يا ابن عباس من هذا! فوالله لوددت لو أني كنت نسياً منسياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وفي المسند.
- قال وكيع بن الجراح: حدثنا هارون بن أبي إبراهيم، عن عبد الله بن عبيد قال: استأذن ابن عباس على عائشة في مرضها الذي ماتت فيه؛ فأبت أن تأذن له فلم يزل بها حتى أذنت له فسمعها وهي تقول: «أعوذ بالله من النار».
قال: « يا أم المؤمنين! إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعاذكِ من النار، كنتِ أوَّل امرأة نزل عذرها من السماء». رواه أحمد في فضائل الصحابة.
يتبع