يقولون : يزداد المرء معرفة ببيته كلما أكثر من دخول بيوت الآخرين. وأقول: تزداد مساحات الضوء على العلم الذي تتخصص فيه كلما ازداد علمك بعلوم أخرى؛ لأنها ستطرح أسئلة جديدة في المنهج والمحتوى لم تكن لتطرح لولا هذا .
وقد كان لي قراءات منذ زمن بعيد في "أصول الفقه". وبفضل الله عاودت ما انقطع فيه وفي علم مصطلح الحديث.
وكثرت الأسئلة المنهجية حول علوم اللغة استنادا إلى ما رأيته في هذين العلمين.
وقد كان الإمام السيوطي لموسوعية ثقافته رائد ذلك.
كيف؟
اسمعه يقول في مقدمة كتابه "المزهر في علوم اللغة": الحمد للّه خالق الألسُن واللغات ، واضع الألفاظ للمعاني بحسب ما اقْتَضَتْه حكمَهُ البالغات . الذي علّم آدم الأسماء كلَّها ، وأظْهر بذلك شرفَ اللغة وفضلَها . والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد أَفْصح الخلْق لساناً وأَعْربهم بياناً ، وعلى آله وصحبه أَكْرمْ بهم أنصاراً وأعواناً .
هذا علمٌ شريف ابتكرتُ ترتيبَه ، واخترعتُ تنويعه وتبويبه ، وذلك في علوم اللغة وأنواعها وشروط أداَئها وسَمَاعها ، حاكيتُ به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع ، وأتيتُ فيه بعجائبَ وغرائبَ حسنة الإبداع".
وسأورد هنا جزئية واحدة أفتح بها هذا الموضوع للنقاش لعل الإخوة والأخوات يثرونني فيه.
ما الموضوع؟
الموضوع أن طالب العلم في مصطلح الحديث له ألقاب علمية تصاحبه منذ البدء حيث المبتدئ في طلب الحديث حتى المنتهى حيث أمير المؤمنين في الحديث.
والسؤال المتشعب الذي عنَّ لي صباح هذا اليوم وأنا أقرأ هذا التصنيف - الذي قرأته من قبل كثيرا، ولم ينتج سؤالا- في كتاب "الاتجاهات الحديثية في القرن الرابع عشر" للدكتور محمود سعيد ممدوح ص655-656: هل يوجد تصنيف في علوم اللغة يصبغ المتخصص بصبغة تلائم كل مرحلة؟
لم يصادفني شيء مشابه، بل الموجود ترتيب النحويين واللغويين في طبقات، ومنحهم ألقابا علمية عامة تدل على سعة علمهم، لكنها لا ترتب بينهم.
فهل صادف أحد الإخوة أو إحدى الأخوات شيء مشابه ؟
وهل تعتبر الدراسات العلا من ماجستير ودكتوراه كافية في هذا الغرض؟ أم هل يكون الأمر مختلفا ويحتاج إلى تصنيف بمعيار جديد؟
وهل تكون هذه الزاوية صحيحة للموازنة؟ أم هل يقوم اختلاف العلمين طبيعة ومنهجا حجر عثرة في سبيل ذلك؟
وإذا كانت الموازنة صحيحة ، وأردنا
بناء هذا السلم- فهل نتكئ على درجات سلم المحدثين ونستثمره للغويين؟ أم هل يلزمنا اختراع سلم خاص بنا؟
وإذا لزمنا الاختراع فما معايير التصنيف؟ إن وزارات التربية والتعليم تشترط الزمن معيارا للترقي، والدراسات العلا تشترط التحصيل للترقي؛ فهل ندمجهما؟ أم نأتي بشيء غير مستند إليهما؟
والأسئلة تتمدد في هذه الاتجاهات، لكنني أكتفي بالسابق كعينة دالة على ما أريد طرحه.