الانتصار للغة القرآن
الرد المختصر


أ.م. د . محمد خضير مضحي الزوبعي
كلية العلوم الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:
الحمد لله رب العالمين الذي قيّض لهذا القرآن العظيم علماء ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والمبطلون هم الذين يريدون إبطال هذا الدين من اليهود والصليبيين والمشركين وسائر الملل الباطلة.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فهذه مقالات ومباحث موجزة في الرد على من ادّعى وجود التناقض في القرآن العظيم ووجود أخطاء نحوية ولغوية في هذا الكتاب العظيم، إذ وضع صليبي حاقد جدولا من خمس وعشرين نقطة في بيان أخطاء القرآن النحوية كما يزعم( ) فأحببت أن أكون في سِمط المرشدين ونمط الهادين في الدفاع عن القرآن العظيم بعد تشجيع أساتذتي وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور هشام الحداد حفظه الله ورعاه والدكتور محمد أمين بكري حفظه الله ورعاه، فأقول وبالله التوفيق، قال تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ } الحجر9 .
وقال تعالى{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }الأنبياء18 فالباطل ذاهب مضمحل ولأهل الباطل الهلاك والخزي في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المسائل والرد عليها
قال:
1. جاء في سورة المائدة 5/69 {إِنَّ الَّذِينَ إمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصيبئون َ } وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم انّ فيقول: (وَالصَّبِئِينَ) كما فعل هذا ورد في البقرة 2/62 والحج 22/17.
قلت: الجواب على هذه المسألة ما يأتي: (وَالصَّبِئونَ) من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّبِئونَ وَالنَّصَرَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الأخِرِ } مرفوع على العطف على موضع (إِنَّ) وما عملت فيه، وخبر (إِنَّ) منوي قبل (الصَّبِئِينَ) فلذلك جاز العطف على الموضع والخبر هو (مَنْ إمَنَ) ينوى به التقديم.
وقيل (َالصَّبِئونَ) مرفوع على أصله قبل دخول (إِنَّ) على الملة. وقيل إنما رفع (َالصَّبِئونَ) لأنّ (إِنَّ) لم يظهر لها عمل في الذين فبقي المعطوف مرفوعا على أصله قبل دخول (إِنَّ) على الجملة. وقيل إنما رفع لأنه جاء على لغة بلحارث بن كعب الذين يقولون: رأيت الزيدان بالاف وقيل (إِنَّ) بمعنى نعم. وقيل إِنَّ خبر (إِنَّ) مضمر محذوف دل عليه الثاني، هذه الأوجه وغيرها ذكرها الفراء ت 207 هـ ومكي القيسي( ) ت 437هـ وغيرهما وهي تدل على ثراء هذه اللغة وعمقها لا كما يظن هذا الجاهل الحاقد.
وبقي أمر آخر لم قدّم النصارى على الصابئين في البقرة (وَالنَّصَرَى وَالصَّبِئِينَ) البقرة 62 وعكس في المائدة 69 والحج 17 .
والجواب أن النصارى مقدمون على الصابئين في الرتبة لأنهم أهل كتاب فقدّموا في البقرة لكونها أولا والصابئون مقدمون على النصارى في الزمن فقدّموا في الحج ورُوعي في المائدة فقدموا في اللفظ وأخروا في المعنى إذ التقدير والصابئون كذلك كما في قول الشاعر:

فمن يكُ أمسى في المدينة رحلُهُ
فأني وقيّارُ بها لغريبُ
إذ التقدير: فأني لغريبُ وقيّارُ كذلك( )، والله أعلم.
2. قال: جاء في سورة البقرة 2/124 { لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ } وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول (الظلمون).
قلت والجواب على هذا الكلام أن العهد هو الذي لا ينالهم( )، وهناك قراءة وردت بالرفع { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّلِمِينَ } وإنما قالوا ( الظلمون) لأنهم جعلوهم الذين لا ينالون كما ذكر الاخفش( ) رحمه الله تعالى لأن العهد ينال كما يُنال فهو من الأفعال التي تدل على المشاركة. ( )

3. قال جاء في سورة الأعراف 7/56 { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } وكان يجب أن يتبع خبر ان اسمها في التأنيث فيقول (قريبة).
قلت والجواب على هذه المسألة ما يأتي:
في هذه المسألة كلام كثير لا يحتمله هذا الرد المختصر، وقد أفرد الكلام على هذه المسألة علماء كثيرون منهم ابن هشام الانصاري فله رسالة في الحكمة من تذكير ( قريب) وذكر وجوها كثيرة وذكر بعض هذه الوجوه الإعرابية ابن مالك أيضا، ووجدت العكبري، قد أجاد في ذكر بعض هذه الوجوه قال:( قوله تعالى ( قَرِيبٌ ، انما لم تؤنث لأنه أراد المطر، وقيل هو على النسب أي ذات قرب، كما يقال امرأة طالق، وقيل هو فعيل بمعنى مفعول كما قالوا لحية دَهين، وكفُّ خضيب. وقيل أراد المكان، أي انَّ مكان رحمة الله قريب، وقيل: فرق بين القريب من النسب وبين القريب من غيره) ( )
وبعض هذه الوجوه ذكرها الفراء من قبل ، وهذه الآية لها مثيلاتها من القرآن العظيم، قوله تعالى { وَمَا هِيَ مِنَ الظَّلِمِينَ بِبَعِيدٍ } هود 83 وقوله تعالى { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } الأحزاب 63 وقال عروة ابن حزام العذري:
عشية لا عفراءُ منك قريبةُ فتدنو ولا عفراء منك بعيدُ( ).
وقال ابن مالك:
وربما أكسب ثانٍ أولا تأنيثا ان كان لحذف موهلا.
فقد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث وبالعكس ايضا كقوله تعالى { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } و (رَحْمَتَ) اكتسبت التذكير( ) بإضافتها لاسم الله تعالى ، والله أعلم.
4. قال: جاء في سورة الأعراف 7/160 {وَقَطَّعْنَهُم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول: أثني عشر سبطاً.
قلت والجواب: هو ما ذكره الفراء قال: (( فقال اثْنَتَيْ عَشْرَةَ والسبط ذكر لأنّ بعده أمم فذهب التأنيث إلى الأمم ولو كان (اثنى عشر) التذكير السبط كان جائزا)) ( ) وقد ذكر هذا التقدير غير واحد من العلماء ومنهم العكبري( ) فالسبط يأتي بمعنى الفرقة تعني اثنتي عشرة فرقة فحذف المميز فلذلك أنث.( )
5. قال جاء في سورة الحج 22/19 {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } وكان يجب أن يثني الضمير العائد على المثنى فيقول خصمان اختصما في ربهما.
قلت: والجواب ما ذكره الفراء أن (( قوله تعالى (اخْتَصَمُوا) ولم يقل اختصما لأنهما جمعان ليسا برجلين ولو قيل اختصما كان صوابا ومثله (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الحجرات 9 يذهب إلى الجمع ولو قيل اقتتلتا لجا= يذهب إلى الطائفتين))( ) أي لو قيل في غير القرآن اختصما واقتتلتا لكان الأمر جائزا وهذا رد من المتقدمين على أمثال هذه الشبه، والله أعلم.
6. قال جاء في سورة التوبة 9/69 { وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ } وكان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول: خضتم كالذين حاضوا.
قلت: والجواب أن في الذي وجهين أحدهما أنه جنس، والتقدير خوضاً كخوض الذين خاضوا وقد ذكر مثله في قوله تعالى {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً } البقرة 17 والثاني أن (الذي) هنا مصدريه، أي كخوضهم ، وهو نادر وقال به جمع منهم يونس والفراء والفارسي وارتضاه ابن خروف وابن مالك( )
7. قال جاء في سورة المنافقون 63/10 {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّلِحِينَ } وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأصدق وأكون .
قلت: والجواب عن هذه المسألة ما يأتي: قال الفراء: ( وإذا أجبت الاستفهام بالفاء فنصبت فانصب المعطوف وإن جزمتها فصواب من ذلك قوله في المنافقين { لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} رددت (وَأَكُن) على موضع الفاء لأنها في محل جزم إذ كان الفعل إذا وقع موقعها بغير الفاء جزم، والنصب على أن ترده على ما بعدها، فتقول (وأكون) وهي في قراءة عبد الله بن مسعود (وأكون) بالواو، وقد قرأ بها بعض القراء). ( )
فالوجهان جائزان- رواية ودراية لكن هذا الاطلس المتحير يريد أن بضرب القرآن بعضه ببعض جهلا وحقدا.
8. قال جاء في سورة البقرة 2/17 {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ } وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفردا فيقول اسْتَوْقَدَ .. ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِ.
قلت: والجواب أنه في وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان أحدهما هو جنس مثل من وما فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد وتارة بلفظ الجمع.
والثاني أنه أراد الذين فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ومثله { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } ( ) ثم قال ( أولئك هم المتقون) الزمر 33.
وقال الفراء: (( وإنما قال الله عز وجل (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ)لأن المعنى ذهب إلى المنافقين فجمع لذلك، ولو وُحّد لكان صوابا)) ( ) وضرب الفراء على ذلك بعض الأمثلة، ولم نذكرها للاختصار.
9. قال جاء في سورة النساء 4/162 {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُون َ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلوةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالْمُؤْمِنُون َ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الأخر أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والمقيمون الصَّلاَةَ.


قلت: والجواب على هذه المسألة من عدة وجوه:
أحدها أنه منصوب على المدح أي: وأعني المقيمين. وذلك لبيان فضل الصلاة وفضل مقيمي الصلاة.
والثاني أنه معطوف على (ما) أي يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين والمراد بهم الملائكة. وقيل التقدير: وبدين المقيمين فيكون المراد بهم المسلمين.
والثالث: أنه معطوف على (قبل) تقديره ومن قبل المقيمين فحذف قبل وأقيم المضاف إليه مقامه.
والرابع: أنه معطوف على الكاف في قبلك.
والخامس: أنه معطوف على الكاف في إليك.
والسادس: أنه معطوف على الهاء والميم في منهم. ( )
وتحمل كل هذه الوجوه على الاتساع في المعنى.
10. قال جاء في سورة هود 11/10 {وَلَئِنْ أَذَقْنَهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } وكان يجب أن يجر المضاف إليه فيقول: بعد ضراءِ.
قلت: والجواب عن هذه المسألة بأن كلمة ضراء ممنوعة من الصرف تجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، ولا أدري أجهل هذه المسألة الواضحة أم أراد أن يثير الشبهة على بني جلدته، وهو أمر يدعو إلى العجب من جهله وبلادته.

11. قال جاء في سورة البقرة 2/80 { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث إنهم( ) أراد القلة فيقول: أياما معدودات.

12. وقال جاء في سورة البقرة 2/183 و 184 { كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث إن المراد جمع كثرة عدته 30 يوما فيقول أياما معدودة.
قلت: والجواب على هاتين المسألتين ما يأتي قال قوله تعالى {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } البقرة 80 وفي سورة آل عمران 24 { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } فأفرد في البقرة الوصف وجمع في آل عمران فقيل معدودات والجاري عليه الوصف في السورتين قوله: (أياما) بلفظ واحد فيسال عن موجب اختلاف الوصف
فما يجمع جمع التكسير من مذكر غير عاقل قد يتبع بالصفة المفردة مؤنثة بالتاء كما يفعل في الخبر تقول ذنوب مغفورة وأعمال محسوبة، وقال تعالى {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ(13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَة(14)ٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ(15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَة(16) } الغاشية ومنه قوله تعالى مخبرا عن يهود (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) ثم قد يجمع هذا الضرب بالألف والتاء رعيا لمفرده وان لم يكثر إلاّ أنه فصيح ومنه {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } البقرة 203 وإذا تبين ما ذكرناه وأنه الجاري الكثير مع ما وقع في آية البقرة من الإيجاز وفي الأخرى من الإطالة ألا ترى قوله تعالى في آية آل عمرن 24 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} في البقرة 80 {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} وإخباره تعالى باغترارهم بقول { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } وهذا بسط لحالهم الحامل على سوء مرتكبهم ولم يذكر سببه فناسب الإفراد الإيجاز وناسب الجمع الإسهاب ولو جمع في سورة البقرة وأفرد في سورة آل عمران أو أفرد فيهما أو جمع فيهما لما ناسب، فورد كل على ما يناسب ويجب، والله أعلم( ).
وقال الأستاذ الدكتور فاضل السامرائي: (( فقال مرة (معدودة) ومرة أخرى (مَّعْدُودَات) مع أن القصة واحدة والحقيقة أن السياق في الموضعين مختلف.
اما الأولى فالكلام فيها على بني إسرائيل وقد أكثر من الكلام عليهم وفي صفاتهم السيئة فذكر أنهم يحرفون كلام الله وهم يعلمون قال تعلى {أَفَتَطْمَعُون أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }75 {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَه ُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة76.
فهم يعرفون جُرمهم ويّقرُّون به ويعملون به عن قصد وأصرار وقد توعدهم الله بالعذاب بالشديد فقال {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79 وإذن فهم يعلمون أن الله معاقبهم على هذا الجرم فقالوا { إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } فجاء بصيغة الكثرة.
وليس الأمر في آية آل عمران فقد قال {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَبِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَبِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ }23 ذلك بأنهم قالوا {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } 24آل عمران.
فليس في آية آل عمران مثل الجرم المذكور في سورة البقرة من ارتكاب الذنب العمد وتحريف كلام الله ففرق كبير بين المقامين فجاء بزمن العذاب الطويل للجرم الكبير والقليل للذنب القليل فقال (مَّعْدُودَاتٍ) بصيغة جمع القلة في آل عمران بخلاف آية البقرة فسبحان الله رب العالمين( ).
وبقي شيء آخر بخصوص قوله تعالى {يَاَيُّهَا الَّذِينَ إمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } البقرة 183-182 فقال (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) مع أنها أكثر من عشرة أي هي قليلة بسيرة بالنسبة إلى قدرتكم واستطاعتكم، وهو من باب تنزيل الكثرة بمنزلة القلة. ( )
13. قال جاء في سورة الصافات 37/123-132 {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ .. سَلَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ .. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} فلماذا قال إِلْ يَاسِينَ بالجمع عن الياس المفرد؟ فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العلم. حبا في السجع المتكلف.
وجاء في سورة التين 95 /1 – 3 { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء ؟ فمن الخطأ لغويا تغيير اسم العلم حبا في السجع المتكلف
قلت: والجواب على هاتين المسالتين ما ذكره الفراء وغيره قال الفراء : (( وقوله:
( وإنّ إلْياس لمن المرسلين) 123 ذكر انه نبي وان هذا الاسم اسم من أسماء العبرانية كقولهم إسماعيل وإسحاق والألف واللام منه ولو جعلته من الألْيس فتجعله إفعالا مثل الإخراج والإدخال لجرى)) ( ) ويقصد الصرف والتنوين . وقال ( ثم قال (سَلَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) فجعله بالنون والعجمي من الأسماء قد يفعل به هذا العرب تقول ميكال وميكائيل وميكائل وميكائين بالنون وهي في بني أسد يقولون : هذا إسماعين قد جاء بالنون وسائر العرب باللام .. فهذا وجه لقوله : إِلْ يَاسِينَ ، وان شئت ذهبت بالياسين إلى ان تجعله جمعا فتجعل أصحابه داخلين في اسمه )). ( )
وقال (( وقد يشهد على صواب هذا قوله {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء} وقال في موضع اخر (وَطُورِ سِينِينَ) وهو معنى واحد والله أعلم )) ( ). وقال ابن
النحاس: (( وشرح هذا أنّ إبليس اسم أعجمي والأسماء الأعجمية اذا وقعت إلى العرب غيرتها بضروب من التغيير فيقولون إبراهيم وابراهم وابرهام هكذا

أيضا سيناء وسينين والياس والياسين ويس في قراءة ( سلم على ال ياسين ) بمعنى واحد )) ( ).

14 : قال جاء في سورة البقرة 2 / 177 : {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الأخر وَالْمَلئِكَةِ وَالْكِتَبِ وَالنَّبِيِّينَ } والصواب أن يقال: ولكن الْبِرَّ أن تؤمنوا بالله لأنّ البر هو الإيمان لا المؤمن.
قلت: والجواب على هذا نقول إنه اعتراض في غاية السماجة والضعف فالذي لا يميز الممنوع من الصرف من غيره كما في الفقرة العاشرة لا يهتدي الى مثل هذا الأساليب القرآنية البديعة ومنه قوله تعالى (انه عملُ غير صالح) وهو من باب زيد عدل وصوم فقال (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ) وهناك تأويل آخر ولكن صاحب البر من امن بالله او وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ أمَنَ بِاللّهِ ( ) .
وبقي أمر آخر أنه لم يميز في هذه الفقرة بين الفعل الماضي واسم الفاعل فقال في بدء الفقرة : أتى باسم الفاعل بدل المصدر يظن أنّ آمن اسم فاعل ! ويريد أن يحكم على أساليب القرآن العظيم بالخطأ والصواب .
15: قال جاء في سورة البقرة 2 / 177 { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَهَدُواْ وَالصَّبِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ }. وكان يجب ان يرفع المعطوف على المرفوع فيقول ، والموفون .. والصابرون .
قلت: والجواب على هذه المسالة أنّ العرب تنبع بالواو تارة وتستأنف أخرى لغرض الاختصاص والمدح أو الذم كأنهم أخرجوه عن السابق ف (الْمُوفُونَ) رفع عطف على (مَنْ ءَامَنَ) من الآية 177 أي المؤمنون والموفون او خبرهم مقدرا (والصبرين) نصب بفعل مقدر إي اخص أو مدح الصابرين تنبيهاً على شرف هذه الصفة( ) .
وقال سيبويه:(( ومثل ذلك قوله عز وجل { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَوةَ }( ) النساء 162
16 : قال جاء في سورة ال عمران 3 / 59 {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } وكان يجب ان يعتبر المقام الذي يقتضي صبغة الماضي لا المضارع فيقول كن فكان.
قلت: والجواب على هذه المسالة ما يأتي جهل هذا الحاقد أسلوبا من أساليب العرب وهو أنهم يعبرون عن الماضي والآتي كما يعبرون عن الشيء الحاضر ، قصدا لإحضاره في الذهن حتى كأنه مشاهد حالة الأخبار نحو { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ}الن ل 124 لان لام الابتداء للحال ومثله قوله تعالى {واللَّهُ الَّذِي أرسِلُ الرِّيَحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً}فاطر 9 قصد بقوله سبحانه وتعالى (فَتُثِيرُ) إحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب تبدو أولا قطعا ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى تصير ركاما ومنه هذه الآية الكريمة (ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) أي فكان( ) والله اعلم .
17 : قال جاء في سورة يوسف 12 / 15 {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَبَت الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّه ُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }. فأين جواب لما ؟ ولو حذف الواو التي قبل أوحينا لاستقام المعنى.
قلت: والجواب على هذه المسالة ما يأتي ان من أساليب العربية زيادة واو النسق حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له( ) ، وهذا كثير في القرآن الكريم ومنه هذه الآية وقوله تعالى { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}الز ر73 والمعنى قال لهم خزنتها وقوله تعالى { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }الصافات103. أي ناديناه ويوجد هذا في الشعر العربي وهذا الذي ذكرناه مذهب الكوفيين فتزاد عندهم الواو في جواب لما وحتى واذا وعلى ذلك خرجوا هذه الآيات وأشباهها.
وقيل جواب لما محذوف وهو قول البصريين واختلف في تقديره وقدره بعضهم فلما ذهبوا واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها وانتصر لهذا الرأي أبو حيان .( ) رحمه الله تعالى لان قوله ( وأجمعوا أن يجعلوه ) يدل على هذا المقدر والله اعلم.
18 : قال جاء في سورة الفتح 48 / 8 و 9 { إِنَّا أَرْسَلْنَكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}. وهنا ترى اضطرابا في المعنى بسبب الالتفات من خطاب محمد () إلى خطاب غيره ولأنّ الضمير المنصوب في قوله تعزروه وتوقروه عائد على الرسول المذكور آخرا وفي قوله تسبحوه عائد على اسم الجلالة المذكور أولا هذا ما يقتضيه المعنى وليس في اللفظ ما يعينه تعيينا يزيل اللبس فان كان القول تعزروه وتوقرون وتسبحون بكرة وأصيلا عائدا على الرسول يكون كفرا لان التسبيح لله فقط وان كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا عائدا على الله يكون كفرا لأنه تعالى لا يحتاج لمن يعزره ويقويه.
قلت: والجواب على هذه المسالة أنّ من أساليب العرب في البيان أن يخاطب الرجل بشيء : ثم يجعل الخطاب لغيره ( ) وهذا كثير في القران الكريم ومنه { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى } طه49 وقوله تعالى { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَ ا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } طه117
اما قوله تعالى { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } فقد قرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ( ليؤمنوا) بالياء وكذلك ( ويعزروه ويوقروه ويسبحوه ) كله بالياء على الخبر واختاره أبو عبيد لذكر المؤمنين قبله وبعده فأما قبله فقوله ( ليدخل) أما بعده فقوله {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } الباقون بالتاء على الخطاب واختاره أبو حاتم
وتعزروه أي تعظموه وتفخموه قالهُ الحسن والكلبي والتعزير التعظيم والتوقير ، وقال قتادة تنصروه وتمنعوا منه ، ومنه التعزيز في الحد لانه مانع ...
وقال ابن عباس تقاتلون معه بالسيوف وقال بعض اهل اللغة : تطيعوه ( وتوقروه) أي تسودوه قاله السدي وقيل تعظموه والتوقير التعظيم والترزين ايضا والهاء فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهنا وقف تام ثم تبتديء ( وتسبحوه ) أي تسبحوا الله
( بكرة واصيلا أي عشياً وقيل الضمائر كلها لله تعالى فعلى هذا يكون تاويل
( وتعزروه وتوقروه ) أي تثبتوا له صحة الربوبية وتنفقوا عنه أن يكون له ولد أو شريك واختار هذا القول القشيري والاول قول الضحاك ، وعليه يكون بعض الكلام راجعا الى الله سبحانه وتعالى وهو ( وتسبحوه) من غير خلاف وبعضه راجعا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو ( وتعزروه وتوقروه) أي : تدعوه بالرسالة والنبوة لا بالاسم والكنية ( ).
ولم يختلف كلام الزمخشري كثيرا عما سبق الا انه قال (( المراد بتعزير الله تعزير دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن فرق الضمائر فقد أبعده ))( ) وفي المسالة كلام قد يطول ولا يحتمله هذا الرد والله اعلم .

19 : قال جاء في سورة الإنسان 76 / 15 {وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِـانِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} بالتنوين مع انها لا تنون لامتناعها عن الصرف ؟ انها على وزن مصابيح .
وجاء في سورة الإنسان 76 / 4 {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ سَلَسِلَا وَأَغْلَلاً وَسَعِيراً} فلماذا قال (سَلَاسِلَا) بالتنوين مع أنها لا تنون لامتناعها عن الصرف .
قلت: والجواب في هاتين الآيتين قراءات نذكرها ثم نذكر توجيه ذلك قرا ابن كثير
( سلسل) بغير الف وصل أو وقف هذه زواية قنبل.
وهناك رواية عن ابن كثير ( سلسلاً) منونة وقرأ أبو عمرو بغير تنوين ووقف بألف وقرأ ابن عامر وحمزة ( سلسلَ) بغير تنوين ووقف حمزة بغير الف وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي سلاسل منونة وروي عن حفص عن عاصم انه كان لا ينون إذا وصل ويقف بالالف .( )
أمّا قوله تعالى { كانت قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ }15و16 فقد قرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع الكسائي ( قواريراً قَوَارِيراً مِن فِضَّةٍ) منونة وقرا حفص مثل
( سلسلا) لا ينون في الوصل ويقف بالإلف على الأولى وعلى الثانية بغير ألف )).
وقرا حمزة وابن عامر ( قواريراً .. قواريرا ) بغير تنوين ووقف حمزة بغير الف فيهما وقرا ابن كثير (كَانَتْ قَوَارِيرا) منونة (قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ) غير منونة وقرا ابو عمرو ( كانت قواريرا ) غير منونة ووقف بألف (قَوَارِيراً مِن فِضَّةٍ) غير منونة أيضا ووقف بغير ألف.
وتوجيه ذلك أنّ قوله تعالى (سَلَسِلَا) و (قَوَارِيراْ ) أصله كله ألاّ يصرف لأنه جمع والجمع ثقيل ولأنه لا يجمع فخالف سائر الجموع ولأنه لا نظير له في الواحد ولأنه غاية الجموع إذ لا يجمع فثقل فلم ينصرف.
فأما من صرفه من القراء فإنّه لغة لبعض العرب حكى الكسائي انهم يصرفون كل ما ينصرف الا ( افعل منك ) وقال الاخفش سمعنا من العرب من يصرف هذا وجميع ما لا ينصرف.( )
وقيل: إنّما صرفه لانه وقع في المصحف بالألف فصرفه على الاتباع لخط المصحف وانما كتب في المصحف بالألف لأنها رؤوس الآي فأشبهت القوافي والفواصل التي تزاد فيها الالف للوقف.
وقيل إنّما صرفه من صرفه لأنّه جمع كسائر الجموع قد جمعهُ بعض العرب فصار كالواحد قال عليه الصلاة والسلام ( إنّكن لأنتنَّ صواحبات يوسف) ( ) مجمع صواحب بالالف والتاء كما يجمع الواحد فصار كالواحد في الحكم اذ قد يجمع كما يجمع الواحد فانصرف كما ينصرف الواحد وحكى الأخفش مواليات فلان فجمع (موالي) فصار كالواحد .( )
20 : قال في سورة الشورى 42/17 {اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ } فلماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول قريبة ؟
قلت: قد أجبنا عن هذه المسالة ومثيلاتها في الفقرة الثالثة والله الموفق.
21 : قال جاء في سورة البقرة 2 / 196 { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فلماذا لم يقل تلك عشرة مع حذف كلمة (كَامِلَةٌ ) تلافيا لإيضاح الواضح لأنه من يظن العشرة تسعة ؟
قلت: والجواب على هذه المسالة بخصوص كلمة (كَامِلَةٌ) معناها والله اعلم كاملة في الثواب حتى لا يظن ظان أن التفريق يضر الأجر، وهذا احد وجوه التفسير، قال الأنصاري: (( إن قلت ما أردت ذكره بعد الثلاثة والسبعة وذكر (كَامِلَةٌ) بعد قوله (تِلْكَ عَشَرَةٌ) ؟
قلت فائدة الأول دفع تصحيف سبعة بـ( تسعة) وتاكيد العلم بالعدد تفصيلا وإجمالا وفائدة الثاني التاكيد كما في ( حولين كاملين) البقرة 233 أو معناه كاملة في الثواب مع كونها متفرقة أو واقعة بدلا عن الهدي )) ( )، والله أعلم.
22 : قال جاء في سورة الأنبياء 21 / 3 ( واسروا النجوى الذين ظلموا) مع حذف ضمير الفاعل في (أسروا) لوجود الفاعل ظاهرا وهو ( الذين).
قلت: والجواب عن هذه الاية أنها تحتمل وجوها من الاعراب ولا يتعين الوجه المذكور. فـ ( الذين) بدل من الضمير المرفوع في اسروا والضمير يعود على الناس وقيل الذين رفع إضمار(هم) الذين وقيل الذين في موضع نصب ( أعني) وأجاز الفراء أن تكون الذين في موضع الخفض نعت للناس، وقيل الذين رفع بـ ( أسروا) واتى لفظ الضمير في (أسروا) على لغة من قال:( أكلوني البراغيثُ) وقيل الذين رفع على إضمار يقول ( )، وهذه الأوجه الكثيرة كلها تدل على ثراء اللغة العربية وسعتها لا كما يظن هذا الجاهل الحاقد.
23 : قال جاء في سورة يونس قال جاء في سورة يونس 10 / 21 { حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} فلماذا التفت عن المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى ؟ والأصح ان يستمر على خطاب المخاطب.
قلت: والجواب على هذه المسالة ما يأتي أنّ من أساليب العرب في الكلام أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب وهذا الأسلوب الجميل موجود في القران الكريم ومنه هذه الآية وقوله تعالى: { وَمَا ءاتَيْتُم مِّن زَكَوةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ }. الروم 39 وقوله { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ }. ثم قال ( أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) الحجرات 7.
وقال النابغة الذبياني
يادار مية بالعليا فالسند اقوت طال عليها سالف الأبد ( )
وهذا الأسلوب يسمى في علم البلاغة بالالتفاف ولو شواهد كثيرة والالتفات على ضربين فواحد ان يفرغ المتكلم من المعنى فإذا ظننت انه يريد ان يجاوزه يلتفت إليه فيذكره بغير ما تقدم ذكره به.
والثاني ان يكون الشاعر آخذاً في معنى وكأنه يعترضه شك أو ظن أنّ راداً يردُّ قوله او سائلا يسأله عن سببه فيعود راجعا إلى ما قدمه فإما أن يؤكده أو يذكر سببه او يزيل الشك عنه. ( )
وقال الباقلاني في تعريف الالتفات (( فمتى خرج عن الكلام الأول ثم رجع إليه على وجه يلطف ، كان ذلك التفاتا)).( )
24 : قال جاء في سورة التوبة 9/62 { وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } فلماذا لم يثن الضمير العائد على الاثنين اسم الجلالة ورسوله فيقول ان يرضوهما.
قلت: والجواب ان من أساليب العرب في البيان ان يجتمع شيئان فيجعل الفعل لاحدهما او تنسبه إلى احدهما وهو لهما. ( )
وهذا الأسلوب المحبب موجود في القران الكريم وفي كلام العرب أيضا ومنه هذه الآية وقوله تعالى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إليها}. الجمعة 11 ، وقوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} البقرة 45 وقال تعالى {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَا نِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ } أراد الله اعلم عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد.
وقال الفراء: (( وَحّدَ ( يرضوه ) ولم يقل يرضوهما لأنّ المعنى والله اعلم بمنزلة قولك ما شاءَ اللهُ وشئت انما يقصد بالمشيئة قصدُ الثاني وقوله ما شاء الله تعظيم لله مقدم قبل الافاعيل كما تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك وإن شئت أردت: يرضوهما فاكتفيت بواحد كقوله:
نحن بما عندنا وانت بما عنـ دك راضِ والراي مختلفُ
ولم يقل راضون )) ( )
فنقول له ولأمثالة أتريد أن تصنع لغة من خيالك المريض فتقول هذا يجوز وهذا لا يجوز أم ماذا ؟ وهذا الصليبي الحاقد لم يفعل شيئا سوى انه ذهب الى كتب معاني القرآن واعاريبه والكتب التي تتحدث عن مشكل القرآن فاستخرجها على أنها أخطاء نحوية ولغوية فاثار الشكوك على نفسه وعلى ابناء جلدته وما فطن الى الجمال والحسن في اسلوب القرآن فحاله أسوء من حال المشركين وقت نزول القران، الذين أذعنوا واقروا بجماله ورونقه لكنهم لم يؤمنوا عنادا واستكبارا.
25 : قال: جاء في سورة التحريم 66 / 4 {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الخطاب ( كما يقول البيضاوي) موجه لحفصة وعائشة فلماذا لم يقل صغا قلباكما بدل صغت قلوبكما اذ انه ليس للاثنين أكثر من قلبين.
قلت: والجواب أنّ هذا جمع يراد به واحد واثنان ومنه قوله تعالى { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} واحد واثنان( ) فما فوق ومنه قوله { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } التوبة 66 والطائفة هنا المقصود به رجل من القوم كان لايمالئهم على اقاويلهم في النبي صلى الله عليه وسلم فسماه الله طائفة وهو واحد ( )، وهناك أمثلة كثيرة تدل على هذا الأسلوب في كلام الله سبحانه وتعالى وفي كلام العرب ايضا.
ويزعم هذا الصليبي أنّه وجد خطا آخر في القرآن وبوب له طفل أم أطفال في قوله تعالى { أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء َ} التوبة 31 .
والجواب من جنس ما قبله ايضا جهل أيضا أسلوبا آخر من أساليب العرب في الكلام وهو ان الواحد في بعض الأحيان يراد به جميع ( ) ولهذا أمثلة كثيرة كقوله تعالى { قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ} الحجر 68 وقوله تعالى { إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الشعراء 16 ، وقوله تعالى ( نخرُجُكُمْ طِفْلاً) الحج 5 وقوله { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } البقرة 285 والتفريق لا يكون الا بين اثنين فصاعدا.
والعرب تقول : فلان كثير الدرهم والدينار يريدون الدراهم والدنانير .( )
وبعد فهذا ما يسرنا الله سبحانه وتعالى في رد هذه الشبهات وان كان بعضها في التهافت بمكان ولكننا ذكرناها والرد عليها حتى لا تروج هذه البضاعة الفاسدة على عامة الناس في زمن نطق فيه الرويبضة ، وهو كما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم التافه يتكلم بأمر العامة وهذا التافه الاطلس المتحير يريد ان يحاكم أساليب القرآن وأساليب العرب في بيانها ونسي أو تناسى أن القرآن العظيم هو كتاب العربية الأول وصل اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.


أ.م. د . محمد خضير مضحي الزوبعي
كلية العلوم الإسلامية
بغداد المحروسة
المصادر
• القرآن الكريم.
• اعجاز القران لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني، ت 43هـ تحقيق السيد احمد صقر، مصر 1963م.
• اعراب القران لأبي جعفر النحاس ت 338 هـ تحقيق د. زهير غازي زاهد بيروت ط 3، 1409 هـ – 1988م.
• البحر المحيط لأبي حيان محمد بن يوسف الاندلسي 745 هـ بيروت ط 1398 هـ – 1978 م
• تأويل مشكل القرآن، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ت276 هـ تحقيق السيد احمد صقر ، المدينة المنورة ط 3،1401 هـ – 1981م
• التبيان في اعراب القران لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ت 616 تحقيق علي محمد البجاوي بيروت ط 2 1407 هـ – 1987 م
• التعبير القراني، د. فاضل صالح السامرائي، دار عمار عمان ط 5،
1428 هـ – 2007 م.
• التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للامام فخر الدين محمد بن عمر الرازي
ت 604 هـ تحقيق عماد زكي البارودي ، مصر 2003م.
• الجامع لأحكام القران لابي عبد الله محمد بن احمد القرطبي ت 671 هـ مصر 1425 هـ – 2005 م.
• جميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة اراب القصائد ، برهان الدين ابراهيم بن عمر الجعبري ، تحقيق محمد خضير مضحي الزوبعي ( رسالة دكتوراه ) 2002 م طبعت في دار الغوثاني للدراسات القرآنية.


• درة التنزيل وغرت التأويل للخطيب الاسكافي ت 42هـ بيروت ط1، 1393هـ - 1973م.
• السبعة في القراءات لابي بكر احمد بن موسى بن مجاهد ت 324 هـ تحقيق
د. شوقي ضيف ط 3 القاهرة 1499هـ.
• سنن النسائي لأبي عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي ت 303 هـ، بيروت 2000م.
• سورة يوسف دراسة تحليلية ، د. احمد نوفل الأردن، ط 2، 1420 هـ – 1999م.
• شرح ابن عقيل ، بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري ت 769 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط 14 مصر 1384هـ – 1964م.
• صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 هـ، بيروت 1995م
• صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ت 261 هـ بيروت 1998م.
• فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن، لأبي يحيى زكريا الانصاري تحقيق محمد علي الصابوني ، بيروت ط1، 2001م.
• كتاب الصناعتين لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري 395 هـ / تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم بيروت 1406هـ - 1986م.
• الكتاب لأبي بشر عمرو بن عثمان الملقب بسيبويه ت 180 هـ تحقيق عبد السلام محمد هارون ط 6، بيروت 1385 هـ – 1966م.



• الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ووجوه التأويل لأبي القاسم جار الله محمد بن عمر الزمخشري ت 538 هـ بيروت ( د.ت).
• مجمع البيان في تفسير القران لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي طهران ط ، 1426 هـ .
• المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابي محمد عبد الحق بن عطية الاندلس ت 541 هـ ، بيروت ط1 ، 423 هـ – 2002 م .
• مشكل اعراب القران ، لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت 437 هـ ، تحقيق ياسين محمد السواس ، ط 3 ، 1423 هـ 2002 م .
• معاني القران الكريم ، لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء ت 207 هـ تحقيق أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار مصر 1955م.
• معاني القران لأبي الحسن سعيد بن مسعده الاخفش الاوسط 215 هـ تحقيق د . هدى محمود قراعة ، القاهرة ط ، 1411 هـ - 1990م.
• معاني النحو د. فاضل صالح السامرائي بيروت ط 1428 هـ – 2007 م
• مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب، جمال الدين ابن هشام الانصاري
ت 761هـ، تحقيق د. مازن المبارك ومحمد علي حمد الله طه 6 بيروت 1985م.
• ملاك التاويل ، لأبي جعفر احمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي ت 708 هـ تحقيق عبد الغني محمد علي الفاسي ط 1 بيروت 2006 م – 1427هـ