تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

  1. #1

    افتراضي سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إذا كانت الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبعة .... كيف نفسر اختلاف قراءة الإمام
    ورش رحمه الله عن قراءة قالون رحمه الله ؟؟ مع أنهما أخذا من نفس الإمام نافع المدني رحمه الله
    لماذا اختلفوا بما أن القرآن الكريم نزل بسبعة أحرف للتسهيل على الأمة الاسلامية
    عند مسلم من حديث أُبيٍّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فأرسل إليَّ أن اقرأ على حرفين، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف) .
    أتمنى أن أجد التوضيح لديكم ...في رعاية الله .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    الدولة
    المملكة المغربيّة
    المشاركات
    244

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
    هاك أخي الكريم اسم كتاب قيم فيه ما تبحث ، حملته سابقا من النت ويمكنك البحث عنه وتحميله أو زودني ببريدك إن عجزت:
    المدخل إلى علم القراءات

    محمد بن محمود حوا
    فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وبه تعالى نستعين

    لفظ (الأحرف) أو (الحرف) يأتي في اللغة بمعنى: الوجه والطريقة، ومنه قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي: على وجه واحد.
    وفي الاصطلاح: فقد اتفق العلماء على أن القرآن نزل على سبعة أحرف؛ لأن هذا ما صرحت به الأحاديث. ولكنهم اختلفوا في المفهوم أو المعنى المراد منها على مذاهب متعددة، ويمكن أن تصنف أقوالهم تحت مذهبين:

    المذهب الأول: ويرى أصحابه أن المراد بالسبعة حقيقة العدد، ولكنهم اختلفوا في تحديد هذه الأحرف:
    (1) فمنهم: من ذهب إلى أن الأحرف هي اللغات أو اللهجات التي نزل بها القرآن، وهي لغة قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن. أو هي: لغة قريش، وهذيل، وتميم، وأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر. (على اختلاف)
    وممن قال بهذا الرأي: سفيان بن عيينة، وأبو عبيد بن سلام، وابن جرير، وأبو شامة، والقرطبي، ومصطفى الرفاعي، ومحمد أبو شهبة، ومناع القطان، ومحمد الصباغ، وحسن عتر.
    (2) ومنهم: من ذهب إلى أن الأحرف هي الأوجه اللفظية التي نزل بها القرآن، ولكنهم اختلفوا في تعيينها وحصرها.
    ومن أصحاب هذا الرأي: ابن قتيبة، وأبو الفضل الرازي، والزركشي، وابن الجزري، والزرقاني، ومحمد المطيعي، وشعبان إسماعيل، وأحمد البيلي، ومحمد اللبدي، وعبد العزيز القارئ، ومحمد الصابوني. (مع اختلافهم اليسير في بعض النقاط وتوافقهم في كثير منها)
    (3) ومنهم: من ذهب إلى أن الأحرف الأوجه المعنوية التي نزل بها القرآن؛ ولكنهم اختلفوا في تعيينها وحصرها:
    * فمنهم من قال بأنها: الحلال والحرام، الأمر والزجر، المحكم والمتشابه، الأمثال.
    * ومنهم من قال بأنها: الوعد، والوعيد، والحلال، والحرام، والمواعظ، والأمثال، والاحتجاج.
    * ومنهم من قال بأنها: المحكم، والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، والخصوص، والعموم، والقصص. وهذا الرأي لم ينسب صراحة إلى أحد ممن نقل رأيهم.

    المذهب الثاني: ويرى أصحابه أن المراد بالسبعة ليس حقيقة العدد؛ وإنما المراد التعدد والكثرة من أجل التيسير والتسهيل والتوسعة.
    فهم يرون أن القرآن نزل بلغات العرب بأوجه متعددة.
    وممن ذهب إلى هذا القول: علي ابن أبي طالب، وابن عباس، والقاضي عياض، وسعيد الأفغاني، ومحمد سالم محيسن، وعبد الصبور شاهين، وشوكت عليان، وغانم قدوري، ورزق الطويل.

    والذي يترجح حقيقة هو ما عليه المحققون من أن حقيقة العدد مراده، وذلك لأنه ورد في الحديث بلفظ السبعة في كل طرقه؛ مما يوضح أنه مراد، ولأن عادة العرب أن تستعمل السبعة لتدل على التعدد في الآحاد.
    كما أن الصحيح أيضا بإذن الله تعالى أن الأحرف السبعة هي اللغات أو اللهجات التي نزل بها القرآن، ويدل على هذا ما قاله الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه للنفر القرشيين الثلاثة: (إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلغة قريش فإنه نزل بلغتهم).

    وقد وهم بعض الناس في فهم المراد بالأحرف الواردة في أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف، وظن أنها قراءات الأئمة السبعة المعروفة، وكان مبدأ هذا التوهم أنه لما صنف ابن مجاهد كتاب (السبعة في القراءات) واقتصر على سبع قراءات عفوا من غير تعمد منه لعدد السبعة، فقد اشترط على نفسه ألا يروي إلا عمن اشتهر بالضبط والأمانة وطول العمر وملازمة القراءة واتفاق الآراء على الأخذ عنه والتلقي منه.
    فالقراءات السبعة اختيرت حسب شروط معينة، لا على أن كلا منها حرف من الأحرف السبعة، ولا على أنها وحدها القراءة المتواترة، فالعشر متواترة أيضا.
    فتكون القراءات السبعة المشهورة هي جزء من الأحرف السبعة، وليست هي الأحرف السبعة.

    والله تعالى أعلم
    بتصرف مما أفاده الشيخ الدكتور/ نبيل إسماعيل.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  4. #4

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    أخي هناك تفصيل قيم للحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري انقله اليك:
    قَوْله : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآن أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف )
    هَذَا أَوْرَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبًا لِعُمَر لِئَلَّا يُنْكِر تَصْوِيب الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْ نِ ، وَقَدْ وَقَعَ عِنْد الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ " قَرَأَ رَجُل فَغَيَّرَ عَلَيْهِ عُمَر ، فَاخْتَصَمَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ الرَّجُل : أَلَمْ تُقْرِئنِي يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ فَوَقَعَ فِي صَدْر عُمَر شَيْء عَرَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهه ، قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْره وَقَالَ : أَبْعِدْ شَيْطَانًا . قَالَهَا ثَلَاثًا . ثُمَّ قَالَ : يَا عُمَر ، الْقُرْآن كُلّه صَوَاب ، مَا لَمْ تَجْعَل رَحْمَة عَذَابًا أَوْ عَذَابًا رَحْمَة " وَمِنْ طَرِيق اِبْن عُمَر " سَمِعَ عُمَر رَجُلًا يَقْرَأ " فَذَكَرَ نَحْوه وَلَمْ يَذْكُر " فَوَقَعَ فِي صَدْر عُمَر " لَكِنْ قَالَ فِي آخِره " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف كُلّهَا كَافٍ شَافٍ " . وَوَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَة نَظِير مَا وَقَعَ لِعُمَر مَعَ هِشَام ، مِنْهَا لِأُبَيّ بْنِ كَعْب مَعَ اِبْن مَسْعُود فِي سُورَة النَّحْل كَمَا تَقَدَّمَ ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ أَبِي قَيْس مَوْلَى عَمْرو بْن الْعَاصِ عَنْ عَمْرو " أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ آيَة مِنْ الْقُرْآن ، فَقَالَ لَهُ عَمْرو إِنَّمَا هِيَ كَذَا وَكَذَا ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآن أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف فَأَيّ ذَلِكَ قَرَأْتُمْ أَصَبْتُمْ ، فَلَا تُمَارُوا فِيهِ " إِسْنَاده حَسَن ، وَلِأَحْمَد أَيْضًا وَأَبِي عُبَيْد وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي جَهْم بْن الصِّمَّة " أَنَّ رَجُلَيْنِ اِخْتَلَفَا فِي آيَة مِنْ الْقُرْآن كِلَاهُمَا يَزْعُم أَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ . وَلِلطَّبَرِيِّ وَالطَّبَرَانِي ِّ عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ " جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَقْرَأَنِي اِبْن مَسْعُود سُورَة أَقْرَأَنِيهَا زَيْد وَأَقْرَأَنِيهَ ا أُبَيّ بْن كَعْب ، فَاخْتَلَفَتْ قِرَاءَتهمْ ، فَبِقِرَاءَةِ أَيّهمْ آخُذ ؟ فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيّ إِلَى جَنْبه - فَقَالَ عَلِيّ : لِيَقْرَأ كُلّ إِنْسَان مِنْكُمْ كَمَا عَلِمَ فَإِنَّهُ حَسَن جَمِيل " وَلِابْنِ حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود " أَقْرَأَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَة مِنْ آلِ حم ، فَرُحْت إِلَى الْمَسْجِد فَقُلْت لِرَجُلٍ : اِقْرَأْهَا ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأ حُرُوفًا مَا أَقْرَؤُهَا ، فَقَالَ : أَقْرَأَنِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهه وَقَالَ : إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ الِاخْتِلَاف ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَى عَلِيّ شَيْئًا ، فَقَالَ عَلِيّ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُركُمْ أَنْ يَقْرَأ كُلّ رَجُل مِنْكُمْ كَمَا عَلِمَ . قَالَ فَانْطَلَقْنَا وَكُلّ رَجُل مِنَّا يَقْرَأ حُرُوفًا لَا يَقْرَؤُهَا صَاحِبه " وَأَصْل هَذَا سَيَأْتِي فِي آخِر حَدِيث فِي كِتَاب فَضَائِل الْقُرْآن . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَة عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة بَلَّغَهَا أَبُو حَاتِم بْن حِبَّان إِلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ قَوْلًا . وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ : أَكْثَرهَا غَيْر مُخْتَار .
    قَوْله : ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ )
    أَيْ مِنْ الْمُنْزَل . وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى الْحِكْمَة فِي التَّعَدُّد الْمَذْكُور ، وَأَنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْقَارِئ ، وَهَذَا يُقَوِّي قَوْل مَنْ قَالَ : الْمُرَاد بِالْأَحْرُفِ تَأْدِيَة الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ الْمُرَادِف وَلَوْ كَانَ مِنْ لُغَة وَاحِدَة ، لِأَنَّ لُغَة هِشَام بِلِسَانِ قُرَيْش وَكَذَلِكَ عُمَر ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ قِرَاءَتهمَا . نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ اِبْن عَبْد الْبَرّ ، وَنُقِلَ عَنْ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَاد بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَة . وَذَهَبَ أَبُو عُبَيْد وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَاد ، اِخْتِلَاف اللُّغَات ، وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن عَطِيَّة ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لُغَات الْعَرَب أَكْثَر مِنْ سَبْعَة ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد أَفْصَحهَا ، فَجَاءَ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْع لُغَات . مِنْهَا خَمْس بِلُغَةِ الْعَجُز مِنْ هَوَازِن قَالَ : وَالْعَجُز سَعْد بْنُ بَكْر وَجُشَم بْنُ بَكْر وَنَصْر بْن مُعَاوِيَة وَثَقِيف ، وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ مِنْ هَوَازِن ، وَقَالَ لَهُمْ عُلْيَا هَوَازِن ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : أَفْصَح الْعَرَب عُلْيَا هَوَازِن وَسُفْلَى تَمِيم يَعْنِي بَنِي دَارِم . وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن بِلُغَةِ الْكَعْبَيْنِ كَعْب قُرَيْش ، وَكَعْب خُزَاعَة قِيلَ وَكَيْف ذَاكَ ؟ قَالَ : لِأَنَّ الدَّار وَاحِدَة يَعْنِي أَنَّ خُزَاعَة كَانُوا جِيرَان قُرَيْش فَسَهُلَتْ عَلَيْهِمْ لُغَتهمْ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِي ّ : نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْش وَهُذَيْل وَتَيْم الرَّبَاب وَالْأَزْد وَرَبِيعَة وَهَوَازِن وَسَعْد بْن بَكْر وَاسْتَنْكَرَهُ اِبْن قُتَيْبَة وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) فَعَلَى هَذَا فَتَكُون اللُّغَات السَّبْع فِي بُطُون قُرَيْش ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَلِيّ الْأَهْوَازِيّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ كُلّ كَلِمَة تُقْرَأ عَلَى سَبْع لُغَات ، بَلْ اللُّغَات السَّبْع مُفَرَّقَة فِيهِ ، فَبَعْضه بِلُغَةِ قُرَيْش وَبَعْضه بِلُغَةِ هُذَيْل وَبَعْضه بِلُغَةِ هَوَازِن وَبَعْضه بِلُغَةِ الْيَمَن وَغَيْرهمْ . قَالَ : وَبَعْض اللُّغَات أَسْعَد بِهَا مِنْ بَعْض وَأَكْثَر نَصِيبًا وَقِيلَ : نَزَلَ بِلُغَةِ مُضَر خَاصَّة لِقَوْلِ عُمَر نَزَلَ الْقُرْآن بِلُغَةِ مُضَر . وَعَيَّنَ بَعْضهمْ فِيمَا حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ السَّبْع مِنْ مُضَر أَنَّهُمْ هُذَيْل وَكِنَانَة وَقَيْس وَضَبَّة وَتَيْم الرَّبَاب وَأَسَد بْن خُزَيْمَةَ وَقُرَيْش فَهَذِهِ قَبَائِل مُضَر تَسْتَوْعِب سَبْع لُغَات . وَنَقَلَ أَبُو شَامَة عَنْ بَعْض الشُّيُوخ أَنَّهُ قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن أَوَّلًا بِلِسَانِ قُرَيْش وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنْ الْعَرَب الْفُصَحَاء ثُمَّ أُبِيحَ لِلْعَرَبِ أَنْ يَقْرَءُوهُ بِلُغَاتِهِمْ الَّتِي جَرَتْ عَادَتْهُمْ بِاسْتِعْمَالِه َا عَلَى اِخْتِلَافهمْ فِي الْأَلْفَاظ وَالْإِعْرَاب ، وَلَمْ يُكَلَّف أَحَد مِنْهُمْ الِانْتِقَال مِنْ لُغَته إِلَى لُغَة أُخْرَى لِلْمَشَقَّةِ وَلِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْحَمِيَّة وَلِطَلَبِ تَسْهِيل فَهْم الْمُرَاد كُلّ ذَلِكَ مَعَ اِتِّفَاق الْمَعْنَى . وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّل اِخْتِلَافهمْ فِي الْقِرَاءَة كَمَا تَقَدَّمَ ، وَتَصْوِيب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلًّا مِنْهُمْ .
    قُلْت : وَتَتِمَّة ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ الْإِبَاحَة الْمَذْكُورَة لَمْ تَقَع بِالتَّشَهِّي ، أَيْ إِنَّ كُلّ أَحَد يُغَيِّر الْكَلِمَة بِمُرَادِفِهَا فِي لُغَته ، بَلْ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ السَّمَاع مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُشِير إِلَى ذَلِكَ قَوْل كُلّ مِنْ عُمَر وَهِشَام فِي حَدِيث الْبَاب أَقْرَأَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَكِنْ ثَبَتَ عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ بِالْمُرَادِفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَهُ ، وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَ عُمَر عَلَى اِبْن مَسْعُود قِرَاءَته " عَتَّى حِين " أَيْ " حَتَّى حِين " وَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنَّ الْقُرْآن لَمْ يَنْزِل بِلُغَةِ هُذَيْل فَأَقْرِئْ النَّاس بِلُغَةِ قُرَيْش وَلَا تُقْرِئهُمْ بِلُغَةِ هُذَيْل . وَكَانَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَجْمَع عُثْمَان النَّاس عَلَى قِرَاءَة وَاحِدَة . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدِهِ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا مِنْ عُمَر عَلَى سَبِيل الِاخْتِيَار ، لَا أَنَّ الَّذِي قَرَأَ بِهِ اِبْن مَسْعُود لَا يَجُوز . قَالَ : وَإِذَا أُبِيحَتْ قِرَاءَته عَلَى سَبْعَة أَوْجُه أُنْزِلَتْ جَازَ الِاخْتِيَار فِيمَا أُنْزِلَ ، قَالَ أَبُو شَامَة : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُرَاد عُمَر ثُمَّ عُثْمَان بِقَوْلِهِمَا " نَزَلَ بِلِسَانِ قُرَيْش " أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّل نُزُوله ، ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى سَهَّلَهُ عَلَى النَّاس فَجَوَّزَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَءُوهُ عَلَى لُغَاتهمْ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُج ذَلِكَ عَنْ لُغَات الْعَرَب لِكَوْنِهِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين . فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ قِرَاءَته مِنْ غَيْر الْعَرَب فَالِاخْتِيَار لَهُ أَنْ يَقْرَأهُ بِلِسَانِ قُرَيْش لِأَنَّهُ الْأَوْلَى ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل مَا كَتَبَ بِهِ عُمَر إِلَى اِبْن مَسْعُود لِأَنَّ جَمِيع اللُّغَات بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْعَرَبِيّ مُسْتَوِيَة فِي التَّعْبِير ، فَإِذًا لَا بُدّ مِنْ وَاحِدَة ، فَلْتَكُنْ بِلُغَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا الْعَرَبِيّ الْمَجْبُول عَلَى لُغَته فَلَوْ كُلِّفَ قِرَاءَته بِلُغَةِ قُرَيْش لَعَثَرَ عَلَيْهِ التَّحَوُّل مَعَ إِبَاحَة اللَّه لَهُ أَنْ يَقْرَأهُ بِلُغَتِهِ ، وَيُشِير إِلَى هَذَا قَوْله فِي حَدِيث أُبَيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ " هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي " وَقَوْله " إِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيق ذَلِكَ " ، وَكَأَنَّهُ اِنْتَهَى عِنْد السَّبْع لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا تَحْتَاج لَفْظَة مِنْ أَلْفَاظه إِلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ الْعَدَد غَالِبًا ، وَلَيْسَ الْمُرَاد كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلّ لَفْظَة مِنْهُ تُقْرَأ عَلَى سَبْعَة أَوْجُه قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ غَيْر مُمْكِن بَلْ لَا يُوجَد فِي الْقُرْآن كَلِمَة تُقْرَأ عَلَى سَبْعَة أَوْجُه إِلَّا الشَّيْء الْقَلِيل مِثْل " عَبَدَ الطَّاغُوت " . وَقَدْ أَنْكَرَ اِبْن قُتَيْبَة أَنْ يَكُون فِي الْقُرْآن كَلِمَة تُقْرَأ عَلَى سَبْعَة أَوْجُه ، وَرَدَّ عَلَيْهِ اِبْن الْأَنْبَارِيّ بِمِثْلِ " عَبَدَ الطَّاغُوت ، وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ، وَجِبْرِيل " وَيَدُلّ عَلَى مَا قَرَّرَهُ أَنَّهُ أُنْزِلَ أَوَّلًا بِلِسَانِ قُرَيْش ثُمَّ سَهَّلَ عَلَى الْأُمَّة أَنْ يَقْرَءُوهُ بِغَيْرِ لِسَان قُرَيْش وَذَلِكَ بَعْد أَنْ كَثُرَ دُخُول الْعَرَب فِي الْإِسْلَام ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ وُرُود التَّخْفِيف بِذَلِكَ كَانَ بَعْد الْهِجْرَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث أُبَيِّ بْن كَعْب " أَنَّ جِبْرِيل لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْد أَضَاة بَنِي غِفَار فَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تُقْرِئ أُمَّتك الْقُرْآن عَلَى حَرْف ، فَقَالَ : أَسْأَل اللَّه مُعَافَاته وَمَغْفِرَته ، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيق ذَلِكَ " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم ، وَأَضَاة بَنِي غِفَار هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة بِغَيْرِ هَمْز وَآخِره تَاء تَأْنِيث ، هُوَ مُسْتَنْقَع الْمَاء كَالْغَدِيرِ ، وَجَمْعه أَضًا كَعَصًا ، وَقِيلَ بِالْمَدِّ وَالْهَمْز مِثْل إِنَاء ، وَهُوَ مَوْضِع بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة يُنْسَب إِلَى بَنِي غِفَار بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا عِنْده . وَحَاصِل مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ أَنَّ مَعْنَى قَوْله " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف " أَيْ أُنْزِلَ مُوَسَّعًا عَلَى الْقَارِئ أَنْ يَقْرَأهُ عَلَى سَبْعَة أَوْجُه ، أَيْ يَقْرَأ بِأَيِّ حَرْف أَرَادَ مِنْهَا عَلَى الْبَدَل مِنْ صَاحِبه ، كَأَنَّهُ قَالَ أُنْزِلَ عَلَى هَذَا الشَّرْط أَوْ عَلَى هَذِهِ التَّوْسِعَة وَذَلِكَ لِتَسْهِيلِ قِرَاءَته ، إِذْ لَوْ أَخَذُوا بِأَنْ يَقْرَءُوهُ عَلَى حَرْف وَاحِد لَشَقَّ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ . قَالَ اِبْن قُتَيْبَة فِي أَوَّل " تَفْسِير الْمُشْكِل " لَهُ : كَانَ مِنْ تَيْسِير اللَّه أَنْ أَمَرَ نَبِيّه أَنْ يَقْرَأ كُلّ قَوْم بِلُغَتِهِمْ ، فَالْهُذَلِيّ يَقْرَأ عَتَّى حِين يُرِيد " حَتَّى حِين " وَالْأَسَدِيّ يَقْرَأ تِعْلِمُونَ بِكَسْرِ أَوَّله ، وَالتَّمِيمِيّ يَهْمِز وَالْقُرَشِيّ لَا يَهْمِز ، قَالَ وَلَوْ أَرَادَ كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ أَنْ يَزُول عَنْ لُغَته وَمَا جَرَى عَلَيْهِ لِسَانه طِفْلًا وَنَاشِئًا وَكَهْلًا لَشَقَّ عَلَيْهِ غَايَة الْمَشَقَّة ، فَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد أَنَّ كُلّ كَلِمَة مِنْهُ تُقْرَأ عَلَى سَبْعَة أَوْجُه لَقَالَ مَثَلًا أُنْزِلَ سَبْعَة أَحْرُف ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنْ يَأْتِي فِي الْكَلِمَة وَجْه أَوْ وَجْهَانِ أَوْ ثَلَاثَة أَوْ أَكْثَر إِلَى سَبْعَة . وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : أَنْكَرَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم أَنْ يَكُون مَعْنَى الْأَحْرُف اللُّغَات ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اِخْتِلَاف هِشَام وَعُمَر وَلُغَتهمَا وَاحِدَة ، قَالُوا : وَإِنَّمَا الْمَعْنَى سَبْعَة أَوْجُه مِنْ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَة بِالْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَة ، نَحْو أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ . ثُمَّ سَاقَ الْأَحَادِيث الْمَاضِيَة الدَّالَّة عَلَى ذَلِكَ .
    قُلْت : وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْن الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَاد بِالْأَحْرُفِ تَغَايُر الْأَلْفَاظ مَعَ اِتِّفَاق الْمَعْنَى مَعَ اِنْحِصَار ذَلِكَ فِي سَبْع لُغَات ، لَكِنْ لِاخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فَائِدَة أُخْرَى ، وَهِيَ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو عَمْرو الدَّانِيّ أَنَّ الْأَحْرُف السَّبْعَة لَيْسَتْ مُتَفَرِّقَة فِي الْقُرْآن كُلّهَا وَلَا مَوْجُودَة فِيهِ فِي خَتْمَة وَاحِدَة ، فَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَة فَإِنَّمَا قَرَأَ بِبَعْضِ الْأَحْرُف السَّبْعَة لَا بِكُلِّهَا ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْأَحْرُفِ اللُّغَات ، وَأَمَّا قَوْل مَنْ يَقُول بِالْقَوْلِ الْآخَر فَيَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي خَتْمَة وَاحِدَة بِلَا رَيْب ، بَلْ يُمْكِن عَلَى ذَلِكَ الْقَوْل أَنْ تَصِل الْأَوْجُه السَّبْعَة فِي بَعْض الْقُرْآن كَمَا تَقَدَّمَ .
    وَقَدْ حَمَلَ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره الْعَدَد الْمَذْكُور عَلَى الْوُجُوه الَّتِي يَقَع بِهَا التَّغَايُر فِي سَبْعَة أَشْيَاء :
    الْأَوَّل مَا تَتَغَيَّر حَرَكَته وَلَا يَزُول مَعْنَاهُ وَلَا صُورَته ، مِثْل ( وَلَا يُضَارّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيد ) بِنَصْبِ الرَّاء وَرَفْعهَا .
    الثَّانِي مَا يَتَغَيَّر بِتَغَيُّرِ الْفِعْل مِثْل " بَعُدَ بَيْن أَسْفَارنَا " وَ " بَاعِدْ بَيْن أَسْفَارنَا " بِصِيغَةِ الطَّلَب وَالْفِعْل الْمَاضِي .
    الثَّالِث مَا يَتَغَيَّر بِنَقْطِ بَعْض الْحُرُوف الْمُهْمَلَة مِثْل " ثُمَّ نُنْشِرُهَا بِالرَّاءِ وَالزَّاي " .
    الرَّابِع مَا يَتَغَيَّر بِإِبْدَالِ حَرْف قَرِيب مِنْ مَخْرَج الْآخَر مِثْل " طَلْح مَنْضُود " فِي قِرَاءَة عَلِيٍّ وَطَلْع مَنْضُود .
    الْخَامِس مَا يَتَغَيَّر بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِير مِثْل " وَجَاءَتْ سَكْرَة الْمَوْت بِالْحَقِّ " فِي قِرَاءَة أَبِي بَكْر الصَّدِيق وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَزَيْن الْعَابِدِينَ " وَجَاءَتْ سَكْرَة الْحَقّ بِالْمَوْتِ " .
    السَّادِس مَا يَتَغَيَّر بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَان كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِير عَنْ اِبْنِ مَسْعُود وَأَبِي الدَّرْدَاء " وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَار إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَر وَالْأُنْثَى " هَذَا فِي النُّقْصَان ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَة فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب " فِي حَدِيث اِبْنِ عَبَّاس " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ ، وَرَهْطك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ " .
    السَّابِع مَا يَتَغَيَّر بِإِبْدَالِ كَلِمَة بِكَلِمَةٍ تَرَادُفهَا مِثْل " الْعِهْن الْمَنْفُوش " فِي قِرَاءَة اِبْنِ مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر كَالصُّوفِ الْمَنْفُوش ، وَهَذَا وَجْه حَسَن لَكِنْ اِسْتَبْعَدَهُ قَاسِمِ بْن ثَابِت فِي " الدَّلَائِل " لِكَوْنِ الرُّخْصَة فِي الْقِرَاءَات إِنَّمَا وَقَعَتْ وَأَكْثَرهمْ يَوْمَئِذٍ لَا يَكْتُب وَلَا يَعْرِف الرَّسْم ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحُرُوف بِمَخَارِجِهَا . قَالَ : وَأَمَّا مَا وُجِدَ مِنْ الْحُرُوف الْمُتَبَايِنَة الْمَخْرَج الْمُتَّفِقَة الصُّورَة مِثْل " نُنْشِرُهَا وَنُنْشِرُهَا " فَإِنَّ السَّبَب فِي ذَلِكَ تَقَارُب مَعَانِيهَا ، وَاتَّفَقَ تَشَابُه صُورَتهَا فِي الْخَطّ .
    قُلْت : وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ تَوْهِين مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْنُ قُتَيْبَة ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الِانْحِصَار الْمَذْكُور فِي ذَلِكَ وَقَعَ اِتِّفَاقًا ، وَإِنَّمَا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَا ءِ ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة الْبَالِغَة مَا لَا يَخْفَى . وَقَالَ أَبُو الْفَضْل الرَّازِيَُّ : الْكَلَام لَا يَخْرُج عَنْ سَبْعَة أَوْجُهٍ فِي الِاخْتِلَاف : الْأَوَّل اِخْتِلَاف الْأَسْمَاء مِنْ إِفْرَاد وَتَثْنِيَة وَجَمْع أَوْ تَذْكِير وَتَأْنِيث . الثَّانِي اِخْتِلَاف تَصْرِيف الْأَفْعَال مِنْ مَاضٍ وَمُضَارِع وَأَمْر ، الثَّالِث وُجُوه الْإِعْرَاب ، الرَّابِع النَّقْص وَالزِّيَادَة ، الْخَامِس التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ، السَّادِس الْإِبْدَال ، السَّابِع اِخْتِلَاف اللُّغَات كَالْفَتْحِ وَالْإِمَالَة وَالتَّرْقِيق وَالتَّفْخِيم وَالْإِدْغَام وَالْإِظْهَار وَنَحْوِ ذَلِكَ .
    قُلْت : وَقَدْ أَخَذَ كَلَامِ اِبْنِ قُتَيْبَة وَنَقَّحَهُ . وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ السَّبْعَة الْأَحْرُف سَبْعَة أَصْنَاف مِنْ الْكَلَام ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كَانَ الْكِتَاب الْأَوَّل يَنْزِل مِنْ بَابِ وَاحِد عَلَى حَرْف وَاحِد ، وَنَزَلَ الْقُرْآن مِنْ سَبْعَة أَبْوَاب عَلَى سَبْعَة أَحْرُف : زَاجِر وَآمِر وَحَلَال وَحَرَام وَمُحْكَم وَمُتَشَابِه وَأَمْثَال ، فَأَحِلُّوا حَلَاله وَحَرِّمُوا حَرَامه ، وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَقُولُوا آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبِّنَا " أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره ، قَالَ اِبْنِ عَبْد الْبَرّ : هَذَا حَدِيث لَا يَثْبُت ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ اِبْنِ مَسْعُود وَلَمْ يَلْقَ اِبْن مَسْعُود ، وَقَدْ رَدَّهُ قَوْم مِنْ أَهْل النَّظَر مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن أَبِي ، عِمْرَان .
    .
    قُلْت : وَمِمَّا يُوَضِّح أَنَّ قَوْله زَاجِر وَآمِر إِلَخْ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْأَحْرُفِ السَّبْعَة مَا وَقَعَ فِي مُسْلِم مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ اِبْنِ شِهَاب عَقِبِ حَدِيث اِبْنِ عَبَّاس الْأَوَّل مِنْ حَدِيثَيْ هَذَا الْبَاب : قَالَ اِبْنُ شِهَاب بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ الْأَحْرُف السَّبْعَة إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمْر الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا لَا يَخْتَلِف فِي حَلَال وَلَا حَرَام ، قَالَ أَبُو شَامَة : وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي الْأَحْرُف السَّبْعَة الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآن هَلْ هِيَ مَجْمُوعَة فِي الْمُصْحَف الَّذِي بِأَيْدِي النَّاس الْيَوْم أَوْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا حَرْف وَاحِد مِنْهَا ، مَالَ اِبْنُ الْبَاقِلَّانِي ّ إِلَى الْأَوَّل ، وَصَرَّحَ الطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَة بِالثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَد . وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي " الْمَصَاحِف " عَنْ أَبِي الطَّاهِر بْن أَبِي السَّرْح قَالَ : سَأَلْت اِبْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ اِخْتِلَاف قِرَاءَة الْمَدَنِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّ ينَ هَلْ هِيَ الْأَحْرُف السَّبْعَة ؟ قَالَ : لَا ، وَإِنَّمَا الْأَحْرُف السَّبْعَة مِثْل هَلُمَّ وَتَعَالَ وَأَقْبِلْ ، أَيّ ذَلِكَ قُلْت أَجْزَأَك . قَالَ وَقَالَ لِي اِبْنُ وَهْب مِثْله . وَالْحَقّ أَنَّ الَّذِي جُمِعَ فِي الْمُصْحَف هُوَ الْمُتَّفَق عَلَى إِنْزَاله الْمَقْطُوع بِهِ الْمَكْتُوب بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيهِ بَعْض مَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْرُف السَّبْعَة لَا جَمِيعهَا ، كَمَا وَقَعَ فِي الْمُصْحَف الْمَكِّيّ " تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار " فِي آخَرِ بَرَاءَة وَفِي غَيْره بِحَذْفِ " مِنْ " وَكَذَا مَا وَقَعَ مِنْ اِخْتِلَاف مَصَاحِف الْأَمْصَار مِنْ عِدَّة وَاوَات ثَابِتَة بَعْضهَا دُونَ بَعْض ، وَعِدَّة هَاءَات وَعِدَّة لَامَات وَنَحْو ذَلِكَ ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا ، وَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابَتِهِ لِشَخْصَيْنِ أَوْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ شَخْصًا وَاحِدًا وَأَمَرَهُ بِإِثْبَاتِهِمَ ا عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْقِرَاءَات مِمَّا لَا يُوَافِق الرَّسْم فَهُوَ مِمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَة جُوِّزَتْ بِهِ تَوْسِعَة عَلَى النَّاس وَتَسْهِيلًا ؛ فَلَمَّا آلَ الْحَال إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَاف فِي زَمَن عُثْمَان وَكَفَّرَ بَعْضهمْ بَعْضًا اِخْتَارُوا الِاقْتِصَار عَلَى اللَّفْظ الْمَأْذُون فِي كِتَابَته وَتَرَكُوا الْبَاقِي . قَالَ الطَّبَرِيُّ : وَصَارَ مَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة مِنْ الِاقْتِصَار كَمَنْ اِقْتَصَرَ مِمَّا خُيِّرَ فِيهِ عَلَى خَصْلَة وَاحِدَة ، لِأَنَّ أَمْرهمْ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْأَوْجُه الْمَذْكُورَة لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيل الْإِيجَاب بَلْ عَلَى سَبِيل الرُّخْصَة .
    قُلْت : وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْبَاب " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " وَقَدْ قَرَّرَ الطَّبَرِيُّ ذَلِكَ تَقْرِيرًا أَطْنَبَ فِيهِ وَوَهَى مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاس بْن عَمَّار فِي " شَرْح الْهِدَايَة " وَقَالَ : أَصَحُّ مَا عَلَيْهِ الْحُذَّاق أَنَّ الَّذِي يَقْرَأ الْآن بَعْض الْحُرُوف السَّبْعَة الْمَأْذُون فِي قِرَاءَتهَا لَا كُلّهَا ، وَضَابِطه مَا وَافَقَ رَسْم الْمُصْحَف ، فَأَمَّا مَا خَالَفَهُ مِثْل " أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِم الْحَجّ " وَمِثْل " إِذَا جَاءَ فَتْح اللَّه وَالنَّصْر " فَهُوَ مِنْ تِلْكَ الْقِرَاءَات الَّتِي تُرِكَتْ إِنْ صَحَّ السَّنَد بِهَا ، وَلَا يَكْفِي صِحَّة سَنَدهَا فِي إِثْبَات كَوْنهَا قُرْآنًا ، وَلَا سِيَّمَا وَالْكَثِير مِنْهَا مِمَّا يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّأْوِيل الَّذِي قُرِنَ إِلَى التَّنْزِيل فَصَارَ يُظَنّ أَنَّهُ مِنْهُ . وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي " شَرْح السُّنَّة " : الْمُصْحَف الَّذِي اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْر هُوَ آخَرُ الْعَرْضَات عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَ عُثْمَان بِنَسْخِهِ فِي الْمَصَاحِف وَجَمَعَ النَّاس عَلَيْهِ ، وَأَذْهَبَ مَا سِوَى ذَلِكَ قَطْعًا لِمَادَّةِ الْخِلَاف ، فَصَارَ مَا يُخَالِف خَطّ الْمُصْحَف فِي حُكْم الْمَنْسُوخ وَالْمَرْفُوع كَسَائِرِ مَا نُسِخَ وَرُفِعَ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْدُو فِي اللَّفْظ إِلَى مَا هُوَ خَارِجِ عَنْ الرَّسْم وَقَالَ أَبُو شَامَة : ظَنَّ قَوْم أَنَّ الْقِرَاءَات السَّبْع الْمَوْجُودَة الْآن هِيَ الَّتِي أُرِيدَتْ فِي الْحَدِيث وَهُوَ خِلَاف إِجْمَاع أَهْل الْعِلْم قَاطِبَة ، وَإِنَّمَا يَظُنّ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْجَهْل . وَقَالَ اِبْنُ عَمَّار أَيْضًا : لَقَدْ فَعَلَ مُسَبِّع هَذِهِ السَّبْعَة مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ ، وَأَشْكَلَ الْأَمْر عَلَى الْعَامَّة بِإِيهَامِهِ كُلّ مَنْ قَلَّ نَظَره أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَات هِيَ الْمَذْكُورَة فِي الْخَبَر ، وَلَيْتَهُ إِذْ اِقْتَصَرَ نَقَصَ عَنْ السَّبْعَة أَوْ زَادَ لِيُزِيلَ الشُّبْهَة ، وَوَقَعَ لَهُ أَيْضًا فِي اِقْتِصَاره عَنْ كُلّ إِمَام عَلَى رَاوِيَيْنِ أَنَّهُ صَارَ مَنْ سَمِعَ قِرَاءَة رَاوٍ ثَالِث غَيْرهمَا أَبْطَلَهَا وَقَدْ تَكُونُ هِيَ أَشْهَر وَأَصَحَّ وَأَظْهَر وَرُبَّمَا بَالَغَ مَنْ لَا يَفْهَم فَخَطَّأَ أَوْ كَفَّرَ . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : لَيْسَتْ هَذِهِ السَّبْعَة مُتَعَيِّنَة لِلْجَوَازِ حَتَّى لَا يَجُوز غَيْرهَا كَقِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة وَالْأَعْمَش وَنَحْوهمْ ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِثْلهمْ أَوْ فَوْقهمْ . وَكَذَا قَالَ غَيْر وَاحِد مِنْهُمْ مَكِّيّ بْن أَبِي طَالِبِ وَأَبُو الْعَلَاء الْهَمْدَانِيُّ وَغَيْرهمْ مِنْ أَئِمَّة الْقُرَّاء . وَقَالَ أَبُو حَيَّان : لَيْسَ فِي كِتَاب اِبْنِ مُجَاهِد وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْقِرَاءَات الْمَشْهُورَة إِلَّا النَّزْر الْيَسِير ، فَهَذَا أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء اُشْتُهِرَ عَنْهُ سَبْعَة عَشَر رَاوِيًا ، ثُمَّ سَاقَ أَسْمَاءَهُمْ . وَاقْتَصَرَ فِي كِتَاب اِبْنِ مُجَاهِد عَلَى الْيَزِيدِيّ ، وَاشْتُهِرَ عَنْ الْيَزِيدِيّ عَشَرَة أَنْفُس فَكَيْف يَقْتَصِر عَلَى السُّوسِيّ وَالدُّورِيّ وَلَيْسَ لَهُمَا مَزِيَّة عَلَى غَيْرهمَا لِأَنَّ الْجَمِيع مُشْتَرِكُونَ فِي الضَّبْط وَالْإِتْقَان وَالِاشْتِرَاك فِي الْأَخْذ ، قَالَ : وَلَا أَعْرِفْ لِهَذَا سَبَبًا إِلَّا مَا قَضَى مِنْ نَقْص الْعِلْم فَاقْتَصَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى السَّبْعَة ثُمَّ اِقْتَصَرَ مَنْ بَعْدهمْ مِنْ السَّبْعَة عَلَى النَّزْر الْيَسِير . وَقَالَ أَبُو شَامَة : لَمْ يُرِدْ اِبْنُ مُجَاهِد مَا نُسِبَ إِلَيْهِ ، بَلْ أَخْطَأَ مَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ ، وَقَدْ بَالَغَ أَبُو طَاهِر بْن أَبِي هَاشِم صَاحِبُهُ فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مُرَاده بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْع الْأَحْرُف السَّبْعَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث ، قَالَ اِبْنُ أَبِي هِشَام : إِنَّ السَّبَب فِي اِخْتِلَاف الْقِرَاءَات السَّبْع وَغَيْرهَا أَنَّ الْجِهَات الَّتِي وُجِّهَتْ إِلَيْهَا الْمَصَاحِف كَانَ بِهَا مِنْ الصَّحَابَة مَنْ حَمَلَ عَنْهُ أَهْل تِلْكَ الْجِهَة ، وَكَانَتْ الْمَصَاحِف خَالِيَة مِنْ النُّقَط وَالشَّكْل ، قَالَ فَثَبَتَ أَهْل كُلّ نَاحِيَة عَلَى مَا كَانُوا تَلَقَّوْهُ سَمَاعًا عَنْ الصَّحَابَة بِشَرْطِ مُوَافَقَة الْخَطّ ، وَتَرَكُوا مَا يُخَالِف الْخَطّ ، اِمْتِثَالًا لِأَمْرِ عُثْمَان الَّذِي وَافَقَهُ عَلَيْهِ الصَّحَابَة لِمَا رَأَوْا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِيَاط لِلْقُرْآنِ ، فَمِنْ ثَمَّ نَشَأَ الِاخْتِلَاف بَيْن قُرَّاء الْأَمْصَار مَعَ كَوْنهمْ مُتَمَسِّكِينَ بِحَرْفٍ وَاحِد مِنْ السَّبْعَة . وَقَالَ مَكِّيّ بْن أَبِي طَالِبٍ : هَذِهِ الْقِرَاءَات الَّتِي يُقْرَأ بِهَا الْيَوْم وَصَحَّتْ رِوَايَاتهَا عَنْ الْأَئِمَّة جُزْء مِنْ الْأَحْرُف السَّبْعَة الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآن . ثُمَّ سَاقَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ قَالَ : وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنَّ قِرَاءَة هَؤُلَاءِ الْقُرَّاء كَنَافِعٍ وَعَاصِم هِيَ الْأَحْرُف السَّبْعَة الَّتِي فِي الْحَدِيث فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا ، قَالَ : وَيَلْزَم مِنْ هَذَا أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ قِرَاءَة هَؤُلَاءِ السَّبْعَة مِمَّا ثَبَتَ عَنْ الْأَئِمَّة غَيْرهمْ وَوَافَقَ خَطّ الْمُصْحَف أَنْ لَا يَكُونَ قُرْآنًا ، وَهَذَا غَلَط عَظِيم ، فَإِنَّ الَّذِينَ صَنَّفُوا الْقِرَاءَات مِنْ الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمِي نَ - كَأَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّامٍ ، وَأَبِي حَاتِم السِّجِسْتَانِي ّ ، وَأَبِي ، جَعْفَر الطَّبَرِيِّ ، وَإِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق ، وَالْقَاضِي - قَدْ ذَكَرُوا أَضْعَاف هَؤُلَاءِ قُلْت : اِقْتَصَرَ أَبُو عُبَيْدَة فِي كِتَابه عَلَى خَمْسَة عَشَر رَجُلًا مِنْ كُلّ مِصْر ثَلَاثَة أَنْفُس فَذَكَرَ مِنْ مَكَّة اِبْنَ كَثِير وَابْنَ مُحَيْصِن ، وَحُمَيْدًا الْأَعْرَج وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة : أَبَا جَعْفَر وَشَيْبَة وَنَافِعًا وَمِنْ أَهْل الْبَصْرَة ، أَبَا عَمْرو ، وَعِيسَى بْن عُمَر ، وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق ، وَمِنْ أَهْل الْكُوفَة : يَحْيَى بْن وَثَّاب ، وَعَاصِمًا ، وَالْأَعْمَش وَمِنْ أَهْل الشَّام : عَبْد اللَّه بْن عَامِر ، وَيَحْيَى بْن الْحَارِث . قَالَ وَذَهَبَ عَنِّي اِسْمُ الثَّالِث وَلَمْ يَذْكُر فِي الْكُوفِيِّينَ حَمْزَة ، وَلَا الْكِسَائِيّ بَلْ قَالَ : إِنَّ جُمْهُور أَهْل الْكُوفَة بَعْد الثَّلَاثَة صَارُوا إِلَى قِرَاءَة حَمْزَة وَلَمْ يَجْتَمِع عَلَيْهِ جَمَاعَتهمْ قَالَ : وَأَمَّا الْكِسَائِيّ فَكَانَ يَتَخَيَّر الْقِرَاءَات . فَأَخَذَ مِنْ قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ بَعْضًا وَتَرَكَ بَعْضًا وَقَالَ بَعْد أَنْ سَاقَ أَسْمَاء مَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يُحْكَى عَنْهُمْ عِظَم الْقِرَاءَة وَإِنْ كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِمْ الْفِقْه وَالْحَدِيث ، قَالَ : ثُمَّ قَامَ بَعْدهمْ بِالْقِرَاءَاتِ قَوْم لَيْسَتْ لَهُمْ أَسْنَانهمْ وَلَا تَقَدُّمهمْ غَيْر أَنَّهُمْ تَجَرَّدُوا لِلْقِرَاءَةِ وَاشْتَدَّتْ عِنَايَتهمْ بِهَا وَطَلَبهمْ لَهَا حَتَّى صَارُوا بِذَلِكَ أَئِمَّة يَقْتَدِي النَّاس بِهِمْ فِيهَا فَذَكَرَهُمْ ، وَذَكَرَ أَبُو حَاتِم زِيَادَة عَلَى عِشْرِينَ رَجُلًا وَلَمْ يَذْكُر فِيهِمْ اِبْنَ عَامِر وَلَا حَمْزَة وَلَا الْكِسَائِيّ ، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابه اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ رَجُلًا ، قَالَ مَكِّيّ : وَكَانَ النَّاس عَلَى رَأْس الْمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ عَلَى قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَيَعْقُوب ، وَبِالْكُوفَةِ عَلَى قِرَاءَة حَمْزَة وَعَاصِم وَبِالشَّامِ عَلَى قِرَاءَة اِبْن عَامِر ، وَبِمَكَّة عَلَى قِرَاءَة اِبْنِ كَثِير ، وَبِالْمَدِينَة ِ عَلَى قِرَاءَة نَافِع ، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ عَلَى رَأْس الثَّلَاثمِائَة ِ أَثْبَتَ اِبْنُ مُجَاهِد اِسْم الْكِسَائِيّ وَحَذَفَ يَعْقُوب ، قَالَ : وَالسَّبَب فِي الِاقْتِصَار عَلَى السَّبْعَة مَعَ أَنَّ فِي أَئِمَّة الْقُرَّاء مَنْ هُوَ أَجَلّ مِنْهُمْ قَدْرًا وَمِثْلهمْ أَكْثَر مِنْ عَدَدهمْ أَنَّ الرُّوَاة عَنْ الْأَئِمَّة كَانُوا كَثِيرًا جِدًّا ، فَلَمَّا تَقَاصَرَتْ الْهِمَم اِقْتَصَرُوا - مِمَّا يُوَافِق خَطّ الْمُصْحَف - عَلَى مَا يَسْهُل حِفْظه وَتَنْضَبِط الْقِرَاءَة بِهِ ، فَنَظَرُوا إِلَى مَنْ اُشْتُهِرَ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَة وَطُول الْعُمُر فِي مُلَازَمَة الْقِرَاءَة وَالِاتِّفَاق عَلَى الْأَخْذ عَنْهُ فَأَفْرَدُوا مِنْ كُلّ مِصْر إِمَامًا وَاحِدًا ، وَلَمْ يَتْرُكُوا مَعَ ذَلِكَ نَقْل مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّة غَيْر هَؤُلَاءِ مِنْ الْقِرَاءَات وَلَا الْقِرَاءَة بِهِ كَقِرَاءَةِ يَعْقُوب وَعَاصِم الْجَحْدَرِيِّ وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة وَغَيْرهمْ ، قَالَ وَمِمَّنْ اِخْتَارَ مِنْ الْقِرَاءَات كَمَا اِخْتَارَ الْكِسَائِيّ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم وَالْمُفَضَّل وَأَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيُّ وَغَيْرهمْ وَذَلِكَ وَاضِح فِي تَصَانِيفهمْ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ صَنَّفَ اِبْنُ جُبَيْر الْمَكِّيّ وَكَانَ قَبْل اِبْنِ مُجَاهِد كِتَابًا فِي الْقِرَاءَات فَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَة اِخْتَارَ مِنْ كُلّ مِصْر إِمَامًا ، وَإِنَّمَا اِقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصَاحِف الَّتِي أَرْسَلَهَا عُثْمَان كَانَتْ خَمْسَة إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَار ، وَيُقَال إِنَّهُ وُجِّهَ بِسَبْعَةٍ هَذِهِ الْخَمْسَة وَمُصْحَفًا إِلَى الْيَمَن وَمُصْحَفًا إِلَى الْبَحْرَيْنِ لَكِنْ لَمْ نَسْمَع لِهَذَيْنِ الْمُصْحَفَيْنِ خَبَرًا ، وَأَرَادَ اِبْنُ مُجَاهِد وَغَيْره مُرَاعَاة عَدَد الْمَصَاحِف فَاسْتَبْدَلُوا مِنْ غَيْر الْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَن قَارِئِينَ يَكْمُل بِهِمَا الْعَدَد فَصَادَفَ ذَلِكَ مُوَافَقَة الْعَدَد الَّذِي وَرَدَ الْخَبَر بِهَا وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآن أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف ، فَوَقَعَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَعْرِف أَصْل الْمَسْأَلَة وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِطْنَة فَظَنَّ أَنَّ الْمُرَاد بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْع الْأَحْرُف السَّبْعَة ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ كَثُرَ اِسْتِعْمَالهمْ الْحَرْف فِي مَوْضِع الْقِرَاءَة فَقَالُوا : قَرَأَ بِحَرْفِ نَافِع بِحَرْفِ اِبْنِ كَثِير ، فَتَأَكَّدَ الظَّنّ بِذَلِكَ ، وَلَيْسَ الْأَمْر كَمَا ظَنَّهُ ، وَالْأَصْل الْمُعْتَمَد عَلَيْهِ عِنْد الْأَئِمَّة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ الَّذِي يَصِحّ سَنَده فِي السَّمَاع وَيَسْتَقِيم وَجْهه فِي الْعَرَبِيَّة وَيُوَافِق خَطّ الْمُصْحَف ، وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضهمْ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَنَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَ مَكِّيّ بْن أَبِي طَالِبِ مَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَلَا سِيَّمَا إِذَا اِتَّفَقَ نَافِع وَعَاصِم ، قَالَ وَرُبَّمَا أَرَادُوا بِالِاتِّفَاقِ مَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْل الْحَرَمَيْنِ ، قَالَ : وَأَصَحُّ الْقِرَاءَات سَنَدًا نَافِع وَعَاصِم ، وَأَفْصَحهَا أَبُو عَمْرو وَالْكِسَائِيّ ، وَقَالَ اِبْنِ السَّمْعَانِيّ فِي " الشَّافِي " : التَّمَسُّك بِقِرَاءَةِ سَبْعَة مِنْ الْقُرَّاء دُونَ غَيْرهمْ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا سُنَّة ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَمْع بَعْض الْمُتَأَخِّرِي نَ فَانْتَشَرَ رَأْيهمْ أَنَّهُ لَا تَجُوز الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ قَالَ : وَقَدْ صَنَّفَ غَيْره فِي السَّبْع أَيْضًا فَذَكَرَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ الرِّوَايَات عَنْهُمْ غَيْر مَا فِي كِتَابه ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَد إِنَّهُ لَا تَجُوز الْقِرَاءَة بِذَلِكَ لِخُلُوِّ ذَلِكَ الْمُصْحَف عَنْهُ . وَقَالَ أَبُو الْفَضْل الرَّازِيَُّ فِي " اللَّوَائِح " بَعْد أَنْ ذَكَرَ الشُّبْهَة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا ظَنَّ الْأَغْبِيَاء أَنَّ أَحْرُف الْأَئِمَّة السَّبْعَة هِيَ الْمُشَار إِلَيْهَا فِي الْحَدِيث وَأَنَّ الْأَئِمَّة بَعْد اِبْنِ مُجَاهِد جَعَلُوا الْقِرَاءَات ثَمَانِيَة أَوْ عَشَرَة لِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ : وَاقْتَفَيْت أَثَرهمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَأَقُول : لَوْ اِخْتَارَ إِمَام مِنْ أَئِمَّة الْقُرَّاء حُرُوفًا وَجَرَّدَ طَرِيقًا فِي الْقِرَاءَة بِشَرْطِ الِاخْتِيَار لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ الْأَحْرُف السَّبْعَة . وَقَالَ الْكَوَاشِيّ : كُلّ مَا صَحَّ سَنَده وَاسْتَقَامَ وَجْهه فِي الْعَرَبِيَّة وَوَافَقَ لَفْظه خَطّ الْمُصْحَف الْإِمَام فَهُوَ مِنْ السَّبْعَة الْمَنْصُوصَة فَعَلَى هَذَا الْأَصْل بُنِيَ قَبُول الْقِرَاءَات عَنْ سَبْعَة كَانُوا أَوْ سَبْعَة آلَافٍ ، وَمَتَى فُقِدَ شَرْط مِنْ الثَّلَاثَة فَهُوَ الشَّاذّ قُلْت : وَإِنَّمَا أَوْسَعْت الْقَوْل فِي هَذَا لِمَا تَجَدَّدَ فِي الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة مِنْ تَوَهُّم أَنَّ الْقِرَاءَات الْمَشْهُورَة مُنْحَصِرَة فِي مِثْل " التَّيْسِير " وَالشَّاطِبِيَّ ة ، وَقَدْ اِشْتَدَّ إِنْكَار أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ كَأَبِي شَامَة وَأَبِي حَيَّان ، وَآخِر مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ السُّبْكِيُّ فَقَالَ فِي " شَرْح الْمِنْهَاج " عِنْد الْكَلَام عَلَى الْقِرَاءَة بِالشَّاذِّ صَرَّحَ كَثِير مِنْ الْفُقَهَاء بِأَنَّ مَا عَدَا السَّبْعَة شَاذّ تَوَهُّمًا مِنْهُ اِنْحِصَار الْمَشْهُور فِيهَا ، وَالْحَقّ أَنَّ الْخَارِج عَنْ السَّبْعَة عَلَى قِسْمَيْنِ : الْأَوَّل مَا يُخَالِف رَسْم الْمُصْحَف فَلَا شَكّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ ، وَالثَّانِي مَا لَا يُخَالِف رَسْم الْمُصْحَف وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا : الْأَوَّل مَا وَرَدَ مِنْ طَرِيق غَرِيبَة فَهَذَا مُلْحَق بِالْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي مَا اُشْتُهِرَ عِنْد أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن الْقِرَاءَة بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَهَذَا لَا وَجْه لِلْمَنْعِ مِنْهُ كَقِرَاءَةِ يَعْقُوب وَأَبِي جَعْفَر وَغَيْرهمَا . ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ وَقَالَ : هُوَ أَوْلَى مَنْ يُعْتَمَد عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ فَقِيه مُحَدِّث مُقْرِئ . ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا التَّفْصِيل بِعَيْنِهِ وَارِدٌ فِي الرِّوَايَات عَنْ السَّبْعَة ، فَإِنَّ عَنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ الشَّوَاذّ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَأْتِ إِلَّا مِنْ طَرِيق غَرِيبَة وَإِنْ اِشْتَهَرَتْ الْقِرَاءَة مِنْ ذَلِكَ الْمُنْفَرِد . وَكَذَا قَالَ أَبُو شَامَة . وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْقِرَاءَات الصَّحِيحَة إِلَيْهِمْ نُسِبَتْ وَعَنْهُمْ نُقِلَتْ فَلَا يَلْزَم أَنَّ جَمِيع مَا نُقِلَ عَنْهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَة ، بَلْ فِيهِ الضَّعِيف لِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَرْكَان الثَّلَاثَة : وَلِهَذَا تَرَى كُتُب الْمُصَنِّفِينَ مُخْتَلِفَة فِي ذَلِكَ ، فَالِاعْتِمَاد فِي غَيْر ذَلِكَ عَلَى الضَّابِط الْمُتَّفَق عَلَيْهِ .
    ( فَصْل )
    لَمْ أَقِف فِي شَيْء مِنْ طُرُق حَدِيث عُمَر عَلَى تَعْيِين الْأَحْرُف الَّتِي اِخْتَلَفَ فِيهَا عُمَر وَهِشَام مِنْ سُورَة الْفُرْقَان . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ فِيمَا حَكَاهُ اِبْنُ التِّين أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد الْقُرَّاء خِلَاف فِيمَا يَنْقُص مِنْ خَطِّ الْمُصْحَف سِوَى قَوْله : ( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ) وَقُرِئَ " سُرُجًا " جَمْع سِرَاج ، قَالَ : وَبَاقِي مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَاف لَا يُخَالِف خَطَّ الْمُصَنِّف .
    قُلْت : وَقَدْ تَتَبَّعَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ مَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْقُرَّاء مِنْ ذَلِكَ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ هَذِهِ السُّورَة ، فَأَوْرَدْته مُلَخَّصًا وَزِدْت عَلَيْهِ قَدْر مَا ذَكَرَهُ وَزِيَادَة عَلَى ذَلِكَ ، وَفِيهِ تَعَقُّب عَلَى مَا حَكَاهُ اِبْنِ التِّين فِي سَبْعَة مَوَاضِع أَوْ أَكْثَرَ .
    قَوْله : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان ) قَرَأَ أَبُو الْجَوْزَاء وَأَبُو السِّوَار " أَنْزَلَ " بِأَلِفٍ .
    قَوْله : ( عَلَى عَبْده ) قَرَأَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَعَاصِم الْجَحْدَرِيُّ " عَلَى عِبَاده " وَمُعَاذ أَبُو حَلِيمَة وَأَبُو نَهِيك " عَلَى عَبِيده " .
    قَوْله : ( وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ اِكْتَتَبَهَا ) قَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف وَرُوِيَتْ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ بِضَمِّ الْمُثَنَّاة الْأُولَى وَكَسْر الثَّانِيَة مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَإِذَا اِبْتَدَأَ ضَمَّ أَوَّله .
    قَوْله : ( مَلَكَ فَيَكُون ) قَرَأَ عَاصِم الْجَحْدَرِيُّ وَأَبُو الْمُتَوَكِّل وَيَحْيَى بْن يَعْمُر " فَيَكُونُ " بِضَمِّ النُّون .
    قَوْله : ( أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة ) قَرَأَ الْأَعْمَش وَأَبُو حُصَيْنٍ " يَكُون " بِالتَّحْتَانِي َّةِ .
    قَوْله : ( يَأْكُل مِنْهَا ) قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ سِوَى عَاصِم " نَأْكُل " بِالنُّونِ وَنَقَلَهُ فِي الْكَامِل عَنْ الْقَاسِم وَابْنِ سَعْد وَابْنِ مِقْسَم .
    قَوْله : ( وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه ) قَرَأَ اِبْنِ مَسْعُود وَأَبُو نَهِيك وَعُمَر بْن ذَرّ " وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُوننَا " .
    قَوْله : ( حِجْرًا مَحْجُورًا ) قَرَأَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاك وَقَتَادَةُ وَأَبُو رَجَاء وَالْأَعْمَش " حِجْرًا " بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهِيَ لُغَة ، وَحَكَى أَبُو الْبَقَاء الْفَتْح عَنْ بَعْض الْمِصْرِيِّينَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَهَا قِرَاءَة .
    قَوْله : ( لِنُثَبِّت ) قَرَأَ اِبْنُ مَسْعُود بِالتَّحْتَانِي َّةِ بَدَل النُّون ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْس وَأَبِي حُصَيْنٍ وَأَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ .
    قَوْله : ( فَدَمَّرْنَاهُم ْ ) قَرَأَ عَلِيّ وَمَسْلَمَة بْن مُحَارِب " فدمرناهم " بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الرَّاء وَكَسْر النُّون الثَّقِيلَة بَيْنهمَا أَلِف تَثْنِيَة ، وَعَنْ عَلِيّ بِغَيْرِ نُون ، وَالْخِطَاب لِمُوسَى وَهَارُون .
    قَوْله : ( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّه ) قَرَأَ اِبْنِ مَسْعُود وَأَبِي بْن كَعْب " اِخْتَارَهُ اللَّه مِنْ بَيْننَا " .
    قَوْله : ( أَوْ يَعْقِلُونَ ) قَرَأَ اِبْنُ مَسْعُود " أَوْ يُبْصِرُونَ " .
    قَوْله : ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ ) قَرَأَ اِبْنُ مَسْعُود " جَعَلَ " .
    قَوْله : ( الرِّيَاح ) قَرَأَ اِبْنُ كَثِير وَابْنُ مُحَيْصِن وَالْحَسَنُ " الرِّيح " .
    قَوْله : ( لِنُحْيِيَ بِهِ ) قَرَأَ اِبْنُ مَسْعُود " لِنَنْشُر بِهِ " .
    قَوْله : ( مَيْتًا ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَر بِالتَّشْدِيدِ .
    قَوْله : ( لِيَذَّكَّرُوا ) قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ سِوَى عَاصِم بِسُكُونِ الذَّال مُخَفَّفًا .
    قَوْله : ( سُجَّدًا ) قَرَأَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ " سُجُودًا " .
    قَوْله : ( وَمُقَامًا ) قَرَأَ أَبُو زَيْد بِفَتْحِ الْمِيم .
    قَوْله ( قَوَامًا ) قَرَأَ حَسَّان بْن عَبْد الرَّحْمَن صَاحِبِ عَائِشَة بِكَسْرِ الْقَاف ، وَأَبُو حُصَيْنٍ وَعِيسَى بْن عُمَر بِتَشْدِيدِ الْوَاو مَعَ فَتْح الْقَاف .
    قَوْله : ( يَلْقَ ، أَثَامًا ) قَرَأَ اِبْنُ مَسْعُود وَأَبُو رَجَاء " يَلْقَى " بِإِشْبَاعِ الْقَاف ، وَقَرَأَ عُمَر بْن ذَرّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْح اللَّام وَتَشْدِيد الْقَاف بِغَيْرِ إِشْبَاع .
    قَوْله : ( يُضَاعَف ) قَرَأَ أَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِرَفْعِ الْفَاء ، وَقَرَأَ اِبْنُ كَثِير وَابْنُ عَامِر وَأَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَيَعْقُوب يُضَعَّف بِالتَّشْدِيدِ . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن سُلَيْمَان بِالنُّونِ ، " الْعَذَاب " بِالنَّصْبِ .
    قَوْله : ( قُرَّة أَعْيُن ) قَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاء وَابْنُ مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو الْمُتَوَكِّل وَأَبُو نَهِيك وَحُمَيْد بْن قَيْس وَعُمَر بْن ذَرّ " قُرَّات " بِصِيغَةِ الْجَمْع .
    قَوْله : ( يُجْزَوْنَ الْغُرْفَة ) قَرَأَ اِبْنُ مَسْعُود " يُجْزَوْنَ الْجَنَّة " .
    قَوْله : ( وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا ) قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ سِوَى حَفْص وَابْن مَعْدَان بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُون اللَّام ، وَكَذَا قَرَأَ النُّمَيْرِيّ عَنْ الْمُفَضَّل .
    قَوْله : ( فَسَوْفَ يَكُون ) قَرَأَ أَبُو السَّمَال وَأَبُو الْمُتَوَكِّل وَعِيسَى بْن عُمَر وَأَبَان بْن تَغْلِب بِالْفَوْقَانِي َّةِ .
    قَوْله : ( لِزَامًا ) قَرَأَ أَبُو السَّمَّال بِفَتْحِ اللَّام أَسْنَدَهُ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِي ّ عَنْ أَبِي زَيْد عَنْهُ وَنَقَلَهَا الْهُذَلِيّ عَنْ أَبَان بْن تَغْلِب . قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ بَعْد أَنْ أَوْرَدَ بَعْض مَا أَوْرَدْته : هَذَا مَا فِي سُورَة الْفُرْقَان مِنْ الْحُرُوف الَّتِي بِأَيْدِي أَهْل الْعِلْم بِالْقُرْآنِ . وَاَللَّه أَعْلَمْ بِمَا أَنْكَرَ مِنْهَا عُمَر عَلَى هِشَام وَمَا قَرَأَ بِهِ عُمَر ، فَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُونُ هُنَاكَ حُرُوف أُخْرَى لَمْ تَصِل إِلَيَّ ، وَلَيْسَ كُلّ مَنْ قَرَأَ بِشَيْءٍ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَلَكِنْ إِنْ فَاتَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَهُوَ النَّزْر الْيَسِير . كَذَا قَالَ ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَزِيد عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِثْله أَوْ أَكْثَرِ ، وَلَكِنَّا لَا نَتَقَلَّد عُهْدَة ذَلِكَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَقُول يُحْتَمَل أَنْ تَكُونُ بَقِيَتْ أَشْيَاء لَمْ يُطَّلَع عَلَيْهَا ، عَلَى أَنِّي تَرَكْت أَشْيَاء مِمَّا يَتَعَلَّق بِصِفَةِ الْأَدَاء مِنْ الْهَمْز وَالْمَدّ وَالرَّوْم وَالْإِشْمَام وَنَحْو ذَلِكَ . ثُمَّ بَعْد كِتَابَتِي هَذَا وَإِسْمَاعه وَقَفْت عَلَى الْكِتَاب الْكَبِير الْمُسَمَّى " بِالْجَامِعِ الْأَكْبَر وَالْبَحْر الْأَزْخَر " تَأْلِيف شَيْخ شُيُوخنَا أَبِي الْقَاسِم عِيسَى بْن عَبْد الْعَزِيز اللَّخْمِيّ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ سَبْعَة آلَاف رِوَايَة مِنْ طَرِيق غَيْر مَا لَا يَلِيق . وَهُوَ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مُجَلَّدَة ، فَالْتَقَطْت مِنْهُ مَا لَمْ يَتَقَدَّم ذِكْره مِنْ الِاخْتِلَاف فَقَارَبَ قَدْر مَا كُنْت ذَكَرْته أَوَّلًا وَقَدْ أَوْرَدْته عَلَى تَرْتِيب السُّورَة .
    قَوْله : ( عَلَى الْأَرْض هَوْنًا ) قَرَأَ اِبْنُ السُّمَيْفِع بِضَمِّ الْهَاء .
    قَوْله : ( قَالُوا سَلَامًا ) قَرَأَ حَمْزَة بْن عُرْوَة سِلْمًا بِكَسْرِ السِّين وَسُكُون اللَّام .
    قَوْله : ( بَيْن ذَلِكَ ) قَرَأَ جَعْفَر بْن إِلْيَاس بِضَمِّ النُّون وَقَالَ : هُوَ اِسْم كَانَ .
    قَوْله : ( لَا يَدْعُونَ ) قَرَأَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بِتَشْدِيدِ الدَّال .
    قَوْله : ( أَثَامًا ) قَرَأَ عَبْد اللَّه بْن صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنْ حَمْزَة " إِثْمًا " بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُون ثَانِيه بِغَيْرِ أَلِف قَبْل الْمِيم ، وَرُوِيَ عَنْ اِبْنِ مَسْعُود بِصِيغَةِ الْجَمْع " آثَامًا " .
    قَوْله : ( لَا يَشْهَدُونَ الزُّور ) قَرَأَ أَبُو الْمُظَفَّر بِنُونٍ بَدَل الرَّاء .
    قَوْله : ( ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ) قَرَأَ تَمِيم بْن زِيَاد بِفَتْحِ الذَّال وَالْكَاف .
    قَوْله : ( بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ) قَرَأَ سُلَيْمَان بْن يَزِيد " بِآيَةِ " بِالْإِفْرَادِ .
    قَوْله : ( الْغُرْفَة ) قَرَأَ أَبُو حَامِد " الْغُرُفَات " .
    قَوْله ( تَحِيَّة ) قَرَأَ اِبْنُ عُمَيْر " تَحِيَّات " بِالْجَمْعِ .
    قَوْله " وَسَلَامًا " قَرَأَ الْحَارِث " وَسِلْمًا " فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
    قَوْله : ( مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) قَرَأَ عُمَيْر بْن عِمْرَان " وَمَقَامًا " بِفَتْحِ الْمِيم .
    قَوْله : ( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ) قَرَأَ عَبْد رَبِّهِ بْن سَعِيد بِتَخْفِيفِ الذَّال . فَهَذِهِ سِتَّة وَخَمْسُونَ مَوْضِعًا لَيْسَ فِيهَا مِنْ الْمَشْهُور شَيْء ، فَلْيُضَفْ إِلَى مَا ذَكَرْته أَوَّلًا فَتَكُونُ جُمْلَتهَا نَحْوًا مِنْ مِائَة وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا ، وَاَللَّه أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) عَلَى جَوَاز الْقِرَاءَة بِكُلِّ مَا ثَبَتَ مِنْ الْقُرْآن بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَة ، وَهِيَ شُرُوط لَا بُدَّ مِنْ اِعْتِبَارهَا ، فَمَتَى اِخْتَلَّ شَرْط مِنْهَا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْقِرَاءَة مُعْتَمَدَة ، وَقَدْ قَرَّرَ ذَلِكَ أَبُو شَامَة فِي " الْوَجِيز " تَقْرِيرًا بَلِيغًا وَقَالَ : لَا يُقْطَع بِالْقِرَاءَةِ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَة مِنْ عِنْد اللَّه إِلَّا إِذَا اِتَّفَقَتْ الطُّرُق عَنْ ذَلِكَ الْإِمَام الَّذِي قَامَ بِإِمَامَةِ الْمِصْر بِالْقِرَاءَةِ وَأَجْمَعَ أَهْل عَصْره وَمَنْ بَعْدهمْ عَلَى إِمَامَته فِي ذَلِكَ ، قَالَ : أَمَّا إِذَا اِخْتَلَفَتْ الطُّرُق عَنْهُ فَلَا ، فَلَوْ اِشْتَمَلَتْ الْآيَة الْوَاحِدَة عَلَى قِرَاءَات مُخْتَلِفَة مَعَ وُجُود الشَّرْط الْمَذْكُور جَازَتْ الْقِرَاءَة بِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْتَلّ الْمَعْنَى وَلَا يَتَغَيَّر الْإِعْرَاب . وَذَكَرَ أَبُو شَامَة فِي " الْوَجِيز " أَنَّ فَتْوَى وَرَدَتْ مِنْ الْعَجَم لِدِمَشْق سَأَلُوا عَنْ قَارِئٍ يَقْرَأ عَشْرًا مِنْ الْقُرْآن فَيَخْلِط الْقِرَاءَات ، فَأَجَابَ اِبْنُ الْحَاجِب وَابْنُ الصَّلَاح وَغَيْر وَاحِد مِنْ أَئِمَّة ذَلِكَ الْعَصْر بِالْجَوَازِ بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كَمَنْ يَقْرَأ مَثَلًا ( فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات ) فَلَا يُقْرَأ لِابْنِ كَثِير بِنَصْبِ آدَم وَلِأَبِي عَمْرو بِنَصْبِ كَلِمَات ، وَكَمَنْ يَقْرَأ " نَغْفِر لَكُمْ " بِالنُّونِ " خَطَايَاتُكُمْ " بِالرَّفْعِ ، قَالَ أَبُو شَامَة : لَا شَكّ فِي مَنْع مِثْل هَذَا ، وَمَا عَدَاهُ فَجَائِز وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَقَدْ شَاعَ فِي زَمَاننَا مِنْ طَائِفَة مِنْ الْقُرَّاء إِنْكَار ذَلِكَ حَتَّى صَرَّحَ بَعْضهمْ بِتَحْرِيمِهِ فَظَنَّ كَثِير مِنْ الْفُقَهَاء أَنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُعْتَمَدًا فَتَابَعُوهُمْ وَقَالُوا : أَهْل كُلّ فَنٍّ أَدْرَى بِفَنِّهِمْ ، وَهَذَا ذُهُول مِمَّنْ قَالَهُ ، فَإِنَّ عِلْم الْحَلَال وَالْحَرَام إِنَّمَا يُتَلَقَّى مِنْ الْفُقَهَاء ، وَاَلَّذِي مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَّاء إِنَّمَا هُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا قَرَأَ بِرِوَايَةٍ خَاصَّة فَإِنَّهُ مَتَى خَلَطَهَا كَانَ كَاذِبًا عَلَى ذَلِكَ الْقَارِئ الْخَاصّ الَّذِي شَرَعَ فِي إِقْرَاء رِوَايَته ، فَمَنْ أَقْرَأَ رِوَايَة لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَنْتَقِل عَنْهَا إِلَى رِوَايَة أُخْرَى كَمَا قَالَهُ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين ، وَذَلِكَ مِنْ الْأَوْلَوِيَّة لَا عَلَى الْحَتْم ، أَمَّا الْمَنْع عَلَى الْإِطْلَاق فَلَا ، وَاَللَّه أَعْلَمُ .

  5. #5

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    فائدة لإثراء الموضوع :
    قال أبو محمد ابن حزم : ولقد وقفت على هذا مكي بن أبي طالب المقرئ رحمه الله، فمرة سلك هذه السبيل الفاسدة فلما وقفته على ما فيها رجع، ومرة قال بالحق في ذلك كما تقول، ومرة قال لي: ما كان من الاحرف السبعة موافقا لخط المصحف فهو
    باق، وما كان منها مخالفا لخط المصحف فقد رفع، فقلت له: إن البلية التي فررت منها في رفع السبعة الاحرف باقية بحسبها، في إجازتك رفع حركة واحدة من حركات جميع الاحرف السبعة أكثر من ذلك، فمن أين وجب أن يراعى خط المصحف، وليس هو من تعليم رسول الله لانه كاأميا لا يقرأ ولا يكتب واتباع عمل من دونه من غير توقيف منه عليه السلام لا حجة فيه، ولا يجب قبوله، وقد صححت القراءة من طريق أبي عمرو بن العلاء التميمي مسنده إلى رسول الله : * (إن هذان لساحران) * وهو خلاف خط المصحف وما أنكرها مسلم قط فاضطرب وتلجلج.
    أما عن مذهب ابن حزم في المسألة فأنقله هنا :
    (( وأما الاحرف السبعة، فباقية كما كانت إلى يوم القيامة، مثبوتة في القراءات المشهورة من المشرق إلى المغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، فما بين ذلك، لانها من الذكر المنزل الذي تكفل الله تعالى بحفظه، وضمان الله تعالى لا يخيس أصلا، وكفالته تعالى لا يمكن أن تضيع.
    ومن البرهان على كذب أهل الجهل وأهل الافك على عثمان رضي الله عنه في هذا أنبأناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني، نا إبراهيم بن أحمد البلخي، نا الفربري، نا البخاري نا أمية - هو ابن بسطام - نا يزيد بن ربيع عن حبيب بن
    الشهيد عن ابن مليكة عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * قال قد نسختها الآية الاخرى، فلم تكتبها أو تدعها ؟ قال: يا ابن أخي: لا أغير شيئا منه من مكانه.
    وبه إلى البخاري، نا موسى بن إسماعيل، نا إبراهيم، حدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق.
    فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
    فأرسل عثمان إلى حفصة أم المؤمنين، أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بهما إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.
    وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
    فهذان الخبران عن عثمان، إذا جمعا صححا قولنا وهو: أنه لم يحل شيئا من القرآن عن مكانه الذي أنزله الله تعالى عليه، وأنه أحرق ما سوى ذلك مما وهم فيه واهم، أو تعمد تبديله متعمد.
    نا عبد الله بن الربيع التميمي، نا عمر بن عبد الملك الخولاني، نا أبو سعيد الاعرابي العزي، نا سليمان بن الاشعث، نا محمد بن المثنى، نا محمد بن جعفر، نا

    شعبة عن الحكم عن مجاهد، عن أبي ليلى، عن أبي بن كعب أن النبي كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.
    فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، إن أمتي لا تطيق على ذلك، ثم أتاه
    الثانية فذكر نحو هذا حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.
    وبه إلى سليمان بن الاشعث، نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لففته بردائه فجئت به رسول الله فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله : اقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله : هكذا أنزلت، ثم قال لي: اقرأ فقرأت، فقال: هكذا نزلت، ثم قال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه.
    قال أبو محمد: فحرام على كل أحد أن يظن أن شيئا أخبر رسول الله أن أمته لا تطيق ذلك، أتى عثمان فحمل الناس عليه فأطاقوه، ومن أجاز هذا فقد كذب رسول الله في قوله لله تعالى: إن أمته لا تطيق على ذلك ولم ينكر الله تعالى عليه ذلك، ولا جبريل عليه السلام وقال هؤلاء المجرمون إنهم يطيقون ذلك، وقد أطاقوه فيا لله ويا للمسلمين أليس هذا اعتراضا مجردا على الله عز وجل مع التكذيب لرسوله ؟ فهل الكفر إلا هذا ؟ نعوذ بالله العظيم أن يمر بأوهامنا فكيف أن نعتقده.
    وأيضا فإن الله تعالى آتانا تلك الاحرف فضيلة لنا، فيقول من لا يحصل ما يقول: إن تلك الفضيلة بطلت فالبلية إذا قد نزلت، حاشا لله من هذا.))
    أبو محمد المصري

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    77

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    الجواب عن هذا الإشكال باختصار:
    الأحرف السبعة عبارة عن أوجه نزل بها القرآن لأجل تسهيل القراءة وانتشار القرآن بصورة أوسع بين المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
    كتب أبو بكر رضي الله عنه القرآن على ضوء ما أجمع عليه الصحابة من هذه الأوجه وما يوافق العرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام بحضور بعض الصحابة.
    وحّد عثمان بن عفان رضي الله عنه القراءة مرة أخرى معتمداً على جمع أبي بكر والعرضة الأخيرة وما وافق لغة قريش من الأوجه حال الاختلاف ووزع المصاحف في الأمصار على اختلاف يسير فيما بينها نظراً لنزول القرآن على سبعة أحرف، وأمر بحرق جميع المصاحف المخالفة لذلك حتى لو كان فيها أوجه صحيحة نزل بها القرآن.
    وهكذا كان يقرأ المسلمون من رسم المصاحف التي اعتمدت في زمن عثمان رضي الله عنه.. ومنها المصحف الذي كان في المدينة المنورة..
    تلقى نافع رحمه الله القراءة عن أكثر من 70 من التابعين واختار منها قراءته ..
    أجمع القراء والمقرؤون على حسن قراءة نافع وموافقتها لما سمعوه من غيره.. وهكذا جميع القراءات العشر..
    أما بالنسبة للروايات فإنها تخضع أيضاً للاختيار .. حيث يقرئ هذا بما سمعه عن الشيخ فلان.. وهذا بما سمعه عن شيخ آخر..
    فالاختلاف الحاصل بين القراءات الآن في الألفاظ والتشكيل والأحكام التجويدية إنما هو بسبب نزول القرآن على سبعة أحرف.. وقد يكون في القراءة الواحدة أو الرواية الواحدة نماذج من جميع الأحرف السبعة.


  7. #7

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    بارك الله فيكم مع أن الصورة لم تتضح بشكل كافي

    لأني أريد إجابة مختصرة وفي نفس الوقت مقنعة

    بانتظار إجابة شافية
    ما سبب إختلاف القراءات المتواترة ؟
    هل كانت المصاحف التي أرسلها عثمان ررر متطابقة الكتابة { الرسم ؟؟؟




  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    الإشكال في الموضوع عندي هو هذا:
    إذا كانت الأحرف هي القراءات (من حيث الجملة) فقد استبان معنى الأحرف وأصل القراءات
    وإذا لم تكن هناك علاقة فيصعب جداً تفسير الأحرف، كما يصعب جداً تأصيل القراءات.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    7

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سليمة الجزائرية مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم مع أن الصورة لم تتضح بشكل كافي
    لأني أريد إجابة مختصرة وفي نفس الوقت مقنعة
    بانتظار إجابة شافية
    ما سبب إختلاف القراءات المتواترة ؟
    هل كانت المصاحف التي أرسلها عثمان ررر متطابقة الكتابة { الرسم ؟؟؟
    أختي الكريمة
    جواب هذه المسألة باختصار
    أنّ الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ليست هذه القراءات السبع
    بل الأحرف السبعة نزل بها القرآن على لغات سبع للعرب منها لغة قريش
    واللغات الأخرى إختلفوا في تعيينها ولا أهمية لمعرفة تعيينها
    وفي عهد عثمان رضي الله عنه رأى الصحابة أنّ الحكمة من هذه الأحرف السبعة
    قد تمّت وأنّ بقاءها أصبح يورث خلافا بين القرّاء
    فاجتمع الصحابة على الإقتصار على حرف واحد من الأحرف السبعة وهو حرف قريش
    لأنهم أفصح العرب والنبي عليه الصلاة والسلام منهم
    فهذا إجماع من الصحابة وهو حجة
    وأما هذه القراءات السبع أو العشر فهي ألفاظ ولهجات في هذا الحرف الذي
    إجتمع الصحابة على إبقائه دون الست التي أحرقوها في عهد عثمان
    هذا ما اختاره شيخ الإسلام إبن تيمية
    وهو الذي لا ينبغي القول بخلافه
    وسبب إختلاف القراءات السبع مع أنها من حرف واحد حرف قريش هو أنّ هذا الحرف نزل هكذا
    بهذه الألفاظ وبها أقرأ النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه هذا الحرف
    والمصاحف التي أرسلها عثمان كانت على رسم واحد هو رسم مصاحفنا اليوم
    والله أعلم

  10. #10

    افتراضي رد: سؤال بخصوص الأحرف السبعة ؟؟

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
    اختي الغالية انا درست بالجامعة قسم قراءات والى الان لم اجد اجابة شافية في هذا الموضوع وللعلم فإن اصحاب العلم اقوالهم مختلفة وبالعامية بتوهين...

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2016
    المشاركات
    85

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد الطنطاوي مشاهدة المشاركة
    وقد صححت القراءة من طريق أبي عمرو بن العلاء التميمي مسنده إلى رسول الله : * (إن هذان لساحران) * وهو خلاف خط المصحف
    أخي بل هذا خط المصحف، وليست هذه قراءة أبي عمرو، قراءة أبي عمرو (إن هذين لساحران) وهكذا يجب أن يكون كلام ابن حزم رحمه الله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •