جاء في بعض التفاسير أن هبوط آدم عليه السلام لم يكن عقوبه بل تكليف أو زجر له ولذريته فهل هذا التوجيه مقبول ؟
قال الله عز وجل:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
تفسير القرطبي
لم يكن إخراج الله تعالى آدم من الجنة وإهباطه منهاعقوبة له ; لأنه أهبطه بعد أن تاب عليه وقبل توبته وإنما أهبطه إما تأديباوإما تغليظا للمحنة , والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر منالحكمة الأزلية في ذلك وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلكثوابهم وعقابهم الأخروي إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف فكانت تلكالأكلة سبب إهباطه من الجنة ولله أن يفعل ما يشاء وقد قال " إني جاعل فيالأرض خليفة " وهذه منقبة عظيمة وفضيلة كريمة شريفة وقد تقدمت الإشارةإليها مع أنه خلق من الأرض , وإنما قلنا إنما أهبطه بعد أن تاب عليه
تفسير الرازي
المسألة الثالثة : اختلفوا في أن قوله : { اهبطوا } أمر أو إباحة ، والأشبه أنه أمر لأن فيه مشقة شديدة لأن مفارقة ما كانا فيه من الجنة إلى موضع لا تحصل المعيشة فيه إلا بالمشقة والكد من أشق التكاليف ، وإذا ثبت هذا بطل ما يظن أن ذلك عقوبة ، لأن التشديد في التكليف سبب للثواب ، فكيف يكون عقاباً مع ما فيه من النفع العظيم؟
نظم الدرر للبقاعي
{ اهبطوا } وفي ذلك لطف لذريته بالتنفير من الخطأ والترهيب الشديد من جريرته والترغيب العظيم على تقدير الوقوع فيه في التوبة والهبوط .
تفسير النيسابوري
وإنما قيل : إنه تكليف لا عقوبة لما ترتب عليه من الثواب العظيم.
تفسير الكشاف
فإن قلت : الخطيئة التي أهبط بها آدم إن كانت كبيرة فالكبيرة لا تجوز على الأنبياء ، وإن كانت صغيرة ، فلم جرى عليه ما جرى بسببها من نزع اللباس والإخراج من الجنة والإهباط من السماء كما فعل بإبليس ونسبته إلى الغيّ والعصيان ونسيان العهد وعدم العزيمة والحاجة إلى التوبة؟ قلت : ما كانت إلا صغيرة مغمورة بأعمال قلبه من الإخلاص والأفكار الصالحة التي هي أجل الأعمال وأعظم الطاعات . وإنما جرى عليه ما جرى ، تعظيماً للخطيئة وتفظيعاً لشأنها وتهويلاً ، ليكون ذلك لطفاً له ولذريّته في اجتناب الخطايا واتقاء المآثم ، والتنبيه على أنه أخرج من الجنة بخطيئة واحدة ، فكيف يدخلها ذو خطايا جمة
تفسير الثعالبي
·ت * : وهذه الآية تبين أن هبوط آدم كان هبوط تَكْرِمَةٍ؛ لما ينشأ عن ذلك من أنواع الخيرات ، وفنون العباداتِ .
تفسير التحرير والتنوير
·وفيه إشارة أخرى وهي أن العفو يكون من التائب في الزواجر والعقوبات . وأما تحقيق آثار المخالفة وهو العقوبة التأديبية فإن العفوعنها فساد في العالم لأن الفاعل للمخالفة إذا لم ير أثر فعله لم يتأدب في المستقبل فالتسامح معه في ذلك تفويت لمقتضى الحكمة ، فإن الصبي إذا لوث موضعاً وغضب عليه مربيه ثم تاب فعفا عنه فالعفو يتعلق بالعقاب وأما تكليفه بأن يزيل بيده التلويث الذي لوث به الموضع فذلك لا يحسن التسامح فيه ولذا لما تاب الله على آدم رضي عنه ولم يؤاخذه بعقوبة ولا بزاجر في الدنيا ولكنه لم يصفح عنه في تحقق أثر مخالفته وهو الهبوط من الجنة ليرى أثر حرصه وسوء ظنه ، هكذا ينبغي أن يكون التوجيه إذا كان المراد من { اهبطوا } الثاني حكاية أمر ثان بالهبوط خوطب به آدم .