بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
كثير من المتدينين يكون آمنا من مكر الله وهو لا يشعر ولا يخطر في باله أنه ممكن أن تكون له سوء الخاتمة فهو يستبعد أن يموت كافرا أو فاسقا أو مبتدعا مستحقا دخول النار إما مع الخلود فيها أو بدون الخلود فيها . قال تعالى : (( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )) [ الأعراف : 99 ].
وهذا الأمن من سوء الخاتمة ليس مما يدعمه الواقع ولا تسنده أخبار الشرع المطهر .
فلو استعرضنا التاريخ لوجدنا أن كثيرا ممن كان مسلما تحول إلى الكفر كما وقع ذلك لأكثر العرب عند موت النبي صلى الله عليه وسلم حتى قامت حروب المرتدين على يد الخليفة الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
وكم نجد في التاريخ من إنسان كان موحدا تحول إلى عبادة غير الله أو القول بوحدة الوجود أو الحلول أو الاعتقاد بصحة عبادة الكواكب أو إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة .
ولا زالت حلقات التحول من الحق إلى الضلال ومن الكفر إلى الإيمان متواصلة حتى سمعنا بمن ألف الكتب الضخمة ورد على المخالفين للحق ثم ارتد عن دينه وألحد بعد الإسلام والعلم .
بل عرفنا شخصا كان سلفيا مقربا للشيخ الألباني رحمه الله تعالى تحول من السلفية إلى الجهمية والصوفية ثم إلى البهائية .
وكم من إنسان وقع في احتقار الله وسبه أو سب دينه ورسوله ومات على ذلك فكان من الكافرين وكم من إنسان عندما يبتلى بالابتلاءات الشديدة يتهم ربه سبحانه بالظلم ويقدح في حكمته ورحمته وعدله فيصير بذلك كافرا ويموت على ذلك فيبوء بالخسران .
ومن الناس من لا يتحول من الإسلام إلى الكفر ولكن يتحول إلى مذهب من مذاهب الفرق الضالة التي جاء الوعيد لها بالنار .
أو يتحول إلى الفسوق والعصيان فيستحق دخول النيران وإن كان تحت مشيئة الرحمن وليس من أهل الخلود في الجحيم .
فهذه الفكرة التي تستقر في نفوس كثير منا أنه سيموت على ما هو عليه من الخير والهدى والصلاح ليس لها رصيد من الواقع ولا يسندها الشرع إذ أن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم وضح أن القلوب تتقلب كريشة بأرض فلاة يقلبها الريح ظهرا لبطن أو كما يتقلب الماء في القدر حين غليانه .
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت : يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال : " نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء " . رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل القلب كريشة بأرض فلاة يقلبها الرياح ظهرا لبطن " . رواه أحمد وصححه الألباني كما في تخريجه مشكاة المصابيح .
وقال عليه الصلاة والسلام :
" إنما سمي القلب من تقلبه إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن ". أخرجه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا ". رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع .
وقد بين الله سبحانه أنه أملك لقلوب العباد من أنفسهم بقوله في كتابه العزيز : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ) [ الأنفال : 24].
وهذا العلم بهذه الحقيقة التي يتفطر لها قلوب المؤمنين ليس المقصود منه أن يعيش المسلم المتدين منا حزينا شقيا فإن الحزن ليس عبادة يجوز أن يقصدها ويستجلبها المسلم بعد قوله تعالى :
( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) [ آل عمران : 139 ]
ولا المقصود والغرض من معرفة هذه الحقيقة اليأس من رحمة الله فإن الله تعالى يقول : ( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) [ الحجر : 56]
وقال صلى الله عليه وسلم :
" الكبائر : الشرك بالله و الإياس من روح الله و القنوط من رحمة الله " رواه البزار وحسنه الألباني في صحيح الجامع .
ولكن المقصود من معرفة هذه الحقيقة أن نحذر من الأسباب التي تؤدي إلى سوء الخاتمة فإن الله سبحانه لا يضل إنسانا بعد إذ هداه إلا لسبب يستحق عليه هذا المنقلِب تلك العقوبة الوخيمة نسأل الله أن يسلمنا منها .
فما هي تلك الأسباب التي تؤدي إلى سوء الخاتمة لنحذرها ونجتنبها خشية أن نقع في شراكها ونذوق نتائجها ونقطف ثمارها المرة ونجني منها الشوك والخسران .
من تلك الأسباب الاستغناء عن الله وعدم الافتقار إليه . قال تعالى : ( فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى ، فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغنى ، وكذب بالحسنى ، فسنيسره للعسرى ) [ الليل : 5-10 ].
قال ابن سعدي في تفسيره هذه الآيات الكريمات :
" { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى } [أي] ما أمر به من العبادات المالية، كالزكوات، والكفارات والنفقات، والصدقات، والإنفاق في وجوه الخير، والعبادات البدنية كالصلاة، والصوم ونحوهما.
والمركبة منهما، كالحج والعمرة [ونحوهما] { وَاتَّقَى } ما نهي عنه، من المحرمات والمعاصي، على اختلاف أجناسها.
{ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } أي: صدق بـ " لا إله إلا الله " وما دلت عليه، من جميع العقائد الدينية، وما ترتب عليها من الجزاء الأخروي.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } أي: نسهل عليه أمره، ونجعله ميسرا له كل خير، ميسرًا له ترك كل شر، لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له ذلك.
{ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ } بما أمر به، فترك الإنفاق الواجب والمستحب، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله، { وَاسْتَغْنَى } عن الله، فترك عبوديته جانبًا، ولم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها، الذي لا نجاة لها ولا فوز ولا فلاح، إلا بأن يكون هو محبوبها ومعبودها، الذي تقصده وتتوجه إليه.
{ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } أي: بما أوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } أي: للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسرًا للشر أينما كان، ومقيضًا له أفعال المعاصي، نسأل الله العافية" .
ومن تلك الأسباب الاستكبار والعجب والغرور والحسد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُون َ فَاقْتَتَلُوا.
فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقَالُوا مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا. قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ - قَالَ - فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.
قَالَ « وَمَا ذَاكَ ». قَالَ الرَّجُلُ الَّذِى ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْتُ فِى طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ».رواه البخاري ومسلم .
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" :
"وقوله : (( فيما يبدو للناس )) إشارةٌ إلى أنَّ باطنَ الأمر يكونُ بخلافِ ذلك ، وإنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ، إما من جهة عمل سييء ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوءَ الخاتمة عند الموت ، وكذلك قد يعمل الرجلُ عملَ أهل النَّارِ وفي باطنه خصلةٌ خفيةٌ من خصال الخير ، فتغلب عليه تلكَ الخصلةُ في آخر عمره ، فتوجب له حسنَ الخاتمة ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِى ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِى ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالَّذِى لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ».رواه البخاري ومسلم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له ، فإن العامل يعمل زمانا من دهره ، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات ( عليه ) دخل الجنة ، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا ، و إن العبد ليعمل زمانا من دهره بعمل سيىء لو مات ( عليه ) دخل النار ،ثم يتحول فيعمل عملا صالحا ، و إذا أراد الله بعبد خير استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح ، ( ثم يقبضه عليه ) " .أخرجه أحمد وصححه الالباني في " السلسلة الصحيحة " .
ومن أوضح الأمثلة على ذلك خاتمة إبليس التي كانت بسبب الكبر والعجب والحسد قال تعالى :
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) [ البقرة : 34].
وقال ابن عيينة : "من كانت معصيته في الشهوة فارج له التوبة فإن آدم عصى مشتهيا فغفر له فإذا كانت معصيته في كبر فاخش على صاحبه اللعنة فإن إبليس عصى مستكبرا فلعن".
وكذلك اليهود بعد أن فضلهم الله على العالمين كما في قوله تعالى : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ) [ البقرة : 47 ] .
بسبب ما كان في قلوبهم من الحسد والكبر والعجب والغرور أضلهم الله وأعمى بصائرهم فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا فصاروا شر الأمم بعد أن كانوا خيرها .
قال تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ) [ البقرة : 34] .
وقال سبحانه : (( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون )) [ البقرة : 146 ] .
وقال تبارك وتعالى : (( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )) [ البقرة : 89 ] .
فراقب قلبك أخي المسلم لا يدخل فيه الكبر والعجب والغرور والحسد فيكون ذلك مؤديا إلى أن يعاقبك الله على ذلك بخاتمة السوء والنهاية المرة .
فإن النفوس فيها شرور كامنة والقلوب فيها أمراض خفية إن تركت تنمو في القلب بدون تطهير له باستمرار ومراقبة وإصلاح فإنها تنمو وتزداد حتى يصل الإنسان بسببها إلى أن يصاب القلب بأمراض خطرة تؤدي إلى موته وسوء الخاتمة اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك !! .
ومن أسباب سوء الخاتمة أن يقدم الإنسان طاعة هواه على طاعة الله ورسوله وأن يعتد بعقله ورأيه أكثر من اعتداده بكتاب ربه وسنة نبيه فيحمله ذلك على أن يتبع المتشابهات ويترك المحكمات وأن يرد حديث رسول الله الصحيح عنه بتكذيبه أو تحريفه وأن يبتدع في دين الله ولا يكتفي بهدي رسول الله وسنته
قال تعالى : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ))[ النساء :115].
وقال سبحانه : (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ))[ النور : 63].
وقال أيضا : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) [ آل عمران : 7-8] .
وفي "الشريعة" للآجري "عن محمد بن سيرين: أنه كان يرى أن أسرع الناس ردة : أهل الأهواء" .
وقال أبو حامد الغزالي "أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام ".
"وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال : سمعت مالك بن أنس ـ وأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ ـ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد فقال: لا تفعل قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة فقال : وأي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إني سمعت الله يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ". كذا في الاعتصام للشاطبي.
وقال الإمام أحمد: "عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) أتدري ما الفتنة؟.
الفتنة: الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك " . ذكره ابن كثير في تفسيره .
ومن أسباب سوء الخاتمة أن يرائي الإنسان في عمله الناس ويسترسل مع هذا الرياء حتى ينمو ويزداد فيصل به إلى سوء الخاتمة قال ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ :" أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ". ذكره البخاري في صحيحه.
فإنما كانوا يخافون على أنفسهم النفاق الأصغر الذي يؤدي إلى النفاق الأكبر .
وقد يتحول الإنسان من الهدى إلى الضلال لكونه بعد أن هداه الله واستقام على شرع ووصل نور القرآن والتوحيد والإيمان إلى قلبه لم يحفظ هذه النعمة ولم يقدرها قدرها فلم يحذر من الافتتان بالنساء أو بالمال أو بالمنصب والجاه أو بغير ذلك من مفاتن الدنيا ولم يأخذ أوامر الله بالامتثال والحذر من مخالفتها بل صار يستهين بمعصية الله وينال منها ما يناله عند خلوته أو في أي حال أخرى فيغير الله ما به ويحول قلبه من حال إلى حال أخرى بسبب ذلك قال تعالى : (( وإذ قال موسى لقومه ياقوم لم تؤذنني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين )) [ الصف ].
وقال : (( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )) [ التوبة : 75-77] .
وقال – أيضا - : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) [ الرعد : 11] .
وقال – سبحانه - : (( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا )) [ النساء : 66] .
قال الشوكاني في تفسيره :
" {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } من اتباع الشرع والانقياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم { لَكَانَ } ذلك { خَيْراً لَّهُمْ } في الدنيا والآخرة ، { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } لأقدامهم على الحق ، فلا يضطربون في أمر دينهم ". انتهى كلام الشوكاني .
وقال صلى الله عليه وسلم :
" ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" رواه الترمذي وصححه الألباني .
هذه بعض أسباب سوء الخاتمة فعلينا أن نحذرها وأن نفر منها كفرارنا من الأسد إن كنا نريد أن نثبت على دين الله ونستمر على هداية الله إلى الممات كما أمرنا الله تعالى بقوله : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) [ آل عمران : 102] .
ومن آمن بالله واستقام على شرعه وحذر من الأسباب التي تؤدي إلى سوء الخاتمة فليبشر بالخير وليطمع برحمة الله ويرجو أن يثبته على الحق والهدى حتى يلقاه عليه فإن الله سبحانه رحيم منان جواد كريم من تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعا ومن أتاه يمشي أتاه هرولة .
ويزيد المؤمن هداية ونورا وثباتا على الحق قال تعالى :
(( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )) [ إبراهيم : 27 ] .
وقال سبحانه :
(( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم )) [ محمد : 17] ,
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك! يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك! اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه !!.
كتبه أبو معاوية غالب الساقي المشرف على موقع روضة السلفيين www.salafien.com