السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على خير الخلق أجمعين، سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد .. فهذه أولى مشاركاتي في مجلسكم العامر، نفعنا الله وإياكم وأفاض علينا من بركاته.
وتساؤلي هذا أطرحه على الأساتذة الأفاضل، وليعذروا الفقير إلى مولاه في سذاجة السؤال. فقد استوقفني قول عبد الله بن أحمد رحمهما الله تعالى في المسند عند ذكره حديثاً لمحمد بن فضيل. فقد أورد له أحاديث عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ثم قال في أحدها:
قال أبي: "كلها عن أبي زرعة، إلا هذا عن أبي صالح" :
7165 - حدثنا عبد الله: حدثني أبي: ثنا محمد بن فضيل، عن عمارة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد ضوء كوكب درى في السماء إضاءةً. لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون. أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين. أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، في طول ستين ذراعاً)).
- وقد أخرجه إسحاق بن راهويه (177) والبخاري (3149) ومسلم (2834) وأبو نعيم الأصبهاني (صفة الجنة 246) من طريق جرير بن عبد الحميد.
- وأخرجه مسلم (2834) والبيهقي (البعث والنشور 323) من طريق عبد الواحد بن زياد.
- وأخرجه أحمد (7165) ومن طريقه أبو نعيم الأصبهاني (صفة الجنة 246)، وأخرجه ابن أبي شيبة (36278) وعنه ابن ماجه (4333) وأبو نعيم الأصبهاني (صفة الجنة 246) من طريق ابن أبي شيبة. كلاهما (أحمد، وابن أبي شيبة): عن محمد بن فضيل.
وثلاثتهم (جرير، وعبد الواحد، وابن فضيل): عن عمارة بن القعقاع. إلا أن جريراً وعبد الواحد قالا: "عن عمارة، عن أبي زرعة"، وقال ابن فضيل: "عن عمارة، عن أبي صالح".
قال ابن رجب (شرح علل الترمذي 2/754-755): ((قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: "نا محمد بن فضيل: نا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم". فذكر بضعة عشر حديثاً كلها بهذا الإسناد، إلا حديث: ((أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ...)) الحديث، فإنه قال: "عن عمارة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة" كذا قال. يشير أحمد إلى أن هذا قاله ابن فضيل، وأن الصحيح خلافه، وأنه عن أبي زرعة. وقد خرجاه في الصحيحين كذلك، وقد رواه عن عمارة، عن أبي زرعة: جرير، وعبد الواحد بن زياد)). اهـ
قلتُ: أما عبد الواحد بن زياد، فقد قال فيه يحيى بن سعيد: ((ما رأيت عبد الواحد بن زياد يطلب حديثا قط بالبصرة ولا بالكوفة. قال يحيى: وكنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره حديث الاعمش، لا يعرف منه حرفاً!)). وقال عمرو بن علي: سمعت أبا داود وذُكر عنده عبد الواحد بن زياد فقال: ((عهد إلي نقل أحاديث كان يرسلها الاعمش فوصلها كلها يقول حدثنا الاعمش قال حدثنا مجاهد في كذا وكذا)). وقال عثمان بن سعيد: سألت يحيى عن عبد الواحد بن زياد فقال: ((ليس بشئ)). اهـ (ضعفاء العقيلي، رقم 1015، 3/55).
وأما جرير بن عبد الحميد: فقد قال فيه الإمام أحمد (ضعفاء العقيلي 244، 1/200): (( لم يكن جرير الرازي بالذكى في الحديث .. كان اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول. حتى قدم عليه بهز، فقال له: هذا حديث عاصم، وهذا حديث أشعث. فعرفها، فحدث بها الناس)). وقال البيهقي في السنن: ((نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ)). (تهذيب التهذيب 1/369).
والسؤال هنا:
هل يمكن أن يكون ابن فضيل أتقن هذا الإسناد لغرابته، كما نبّه إليه الإمام أحمد، ويكون جرير قد سلك الجادة هو وعبد الواحد؟ أم يكون الوهم من ابن فضيل كما يُمكن أن يُفهم من صنيع الشيخين؟ أم يكون له إسنادان عن عمارة بن القعقاع؟
آسف للإطالة .. وجزاكم الله خيراً