وَذَنْبُ أَبِي الْإِنْسِ كَانَ ذَنْبًا صَغِيرًا : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } ؛ وَهُوَ إنَّمَا فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ ، وَهُوَ الْأَكْلُ مِنْ الشَّجَرَةِ ؛ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْمُتَكَلِّمِي نَ فِي الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِذَنْبِ ؛ وَأَنَّ آدَمَ تَأَوَّلَ ، حَيْثُ نُهِيَ عَنْ الْجِنْسِ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } ، فَظَنَّ أَنَّهُ الشَّخْصُ فَأَخْطَأَ ، أَوْ نَسِيَ ؛ وَالْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَيْسَا مُذْنِبَيْنِ . وَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَبَعْضُ الْأَشْعَرِيَّة ِ ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُوجِبُ عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الصَّغَائِرِ ، وَهَؤُلَاءِ فَرُّوا مِنْ شَيْءٍ وَوَقَعُوا فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي تَحْرِيفِ كَلَامِ اللَّهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَأَمَّا السَّلَفُ قَاطِبَةً مِنْ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ قُرُونِ الْأُمَّةِ ؛ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ ؛ وَأَهْلُ كُتُبِ قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُبْتَدَأِ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ ؛ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ ، كَجُمْهُورِ الْأَشْعَرِيَّة وَغَيْرِهِمْ ، وَعُمُومُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَعَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } ، وَقَوْلِهِ : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ، بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُمَا : { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } ، وقَوْله تَعَالَى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ، مَعَ أَنَّهُ عُوقِبَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْجَنَّةِ . وَهَذِهِ نُصُوصٌ لَا تُرَدُّ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلَامِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ؛
وَالْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي إذَا كَانَا مُكَلَّفَيْنِ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ فَلَا فَرْقَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُكَلَّفَيْنِ امْتَنَعَتْ الْعُقُوبَةُ وَوَصْفُ الْعِصْيَانِ ، وَالْإِخْبَارُ بِظُلْمِ النَّفْسِ وَطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ . وقَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } . وَإِنَّمَا ابْتَلَى اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ بِالذُّنُوبِ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ بِالتَّوْبَةِ ، وَتَبْلِيغًا لَهُمْ إلَى مَحَبَّتِهِ ، وَفَرَحِهِ بِهِمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ ، وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَشَدَّ فَرَحٍ. فَالْمَقْصُودُ كَمَالُ الْغَايَةِ لَا نَقْصُ الْبِدَايَةِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ لَا يَنَالُهَا إلَّا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الْبَلَاءِ .