بسم الله الرحمن الرحيم


بين صحوة المسلمين وسكرة وشهوة الليبراليين

الحمد لله الذي أنعم على المسلمين بالتوبة ، ولولا التوبة كانت حياة المسلمين عنتا وعناء ومشقة لا يتصورها إنسان ، والمسلمون توابون أوابون في كل أحوالهم ، والأمة الإسلامية حين تؤوب وتتوب إلى ربها فهي تصحوا من غفلتها وتنهض من رقدتها ، وما الغفلة والرقدة إلا مجموع الذنوب والتقصير في حق الخالق عز وجل و التقصير في الأخذ بأسباب القوة والعطاء والتقصير في التنبه إلى أحابيل الأعداء ومكر العملاء المنافقين والتقصير عن الأخذ بأسباب القوة ، وقد مرت الأمة الإسلامية بهذه الحال ردحا من الزمن فاستقوى عليها الأعداء برقدتها وغفلتها ، لا بقوتهم الذاتية بل بما استقووا به من أسباب القوة المادية ، ولكن الله لطيف بعباده فقد أيقظ هذه الأمة من غفلتها وأنهضها من رقدتها في هذا العصر بأسباب كثيرة منها ظهور الدعاة المصلحين والقادة المخلصين الذين أخذوا هذه الأمة إلى شاطئ النجاة بعد أن كادت تذهب ريحها – والأمر لله من قبل ومن بعد وما التوفيق إلا من الله العلي الكبير- ولما رأى الأعداء الاستعماريون من النصارى واليهود وغيرهم هذه العودة أقضت مضاجعهم وأقلقت راحتهم لأنهم يريدون لهذه الأمة أن تستمر في نومها وأن تبقى في غفلتها ورقدتها ، أما صحوتها وعودتها إلى دينها فأمر يعني ظهور قوة هذه الأمة من جديد ووعيها بذاتها وبمصالحها ويعني أخذها بأسباب القوة والعزة والتفوق والاستقلال على كل صعيد ، وهو ما لا تريده القوى المعادية للإسلام التي لن ترضى عنه (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) البقرة ، وكذا المنافقون الليبراليون العلمانيون في العالم الإسلامي وهم الذين صنعهم الكفار الذين دنسوا أوطان المسلمين ردحا من الزمن ، لما رأى الأعداء المنافقون هذه الصحوة التي هي تعبير عن التوبة والأوبة إلى الله تعالى وإلى معرفة الذات وإلى الرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة بنبيه صلى الله عليه وسلم واستلهام تجارب الأمة وتراثها ورجالها وقادتها وعلمائها ، لما رأى المنافقون الليبراليون جن جنونهم ، وقاموا قومة رجل واحد ضد الإسلام وأهله تارة يشككون في ولاء الدعاة المخلصين والقادة الصادقين ، وتارة يشككون في شرع الله المطهر ، وتارة بالقول بأن التقدم لا يكون إلا بالأخذ بكل ما لدى الغرب الجاحد الملحد في الله النصراني واليهودي وما دار في فلكه حتى الديدان التي في التي أمعاء الغربيين كما قال كبيرهم قبل نصف قرن .

صحوة المسلمين والتي يعبر عنها بالصحوة الإسلامية هي عودة إلى الله وهي إصلاح للذات ورجوع عن ظلمها بالمعاصي والذنوب ، وهي تطهير للنفس وإعلاء للأخلاق وبث لروح الإيمان ودعوة إلى الله تعالى وإصلاح للنفس والمجتمع على نور من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي رفض لأدران الضلالات ولدنس الأفكار الظلامية ، هي رجوع إلى النور ورفض لحالك الديجور ، صحوة تترسم فيها الأمة خطى نبيها صلى الله عليه وسلم الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، الذي يأمر بمكارم الأخلاق ويكره سفسافها ، النبي الذي لم أدبه ربه فأحسن تأديبه ، النبي الذي هدى به الله الناس من الضلال إلى الهدى ومن التيه إلى اليقين ومن الظلمات إلى النور ، النبي الذي أعز الله به أمة لم تكن ذات بال فصارت قائدة العالم وسيدة القرار في العلم خلال أقل من نصف قرن من الزمان .

هذه هي الصحوة التي تريد أن تعود بالأمة إلى القوة والسؤدد ، وتعود بالفرد المسلم إلى طريق النجاة في الدارين ، فمن يكرهها ويغص بها ويبغضها إلا من ليس في قبله ذرة من إيمان ؟.

أم المنافقون الليبراليون فهم في سكرتهم يعمهون ويترددون ، صنعهم العدو الكاشح الصليبي وغير الصليبي على عينه ، فصاروا أهل ولا ء له ، وصاروا جندا من جنده ، بل صاروا أخطر جنده لأنهم يعملون ضد الإسلام وأهله وهم يظهرونا أنهم مسلمون ويعيشون بين المسلمين ليكيدوا للمسلمين من بين أظهرهم ، ولينفثوا سمومهم ضد الإسلام ودعاته وقادته وهم يتكلمون بلسان المسلمين ويلبسون ثيابهم ويحملونا أسماءهم ، فهم العدو ، كما قال الله تعالى عن المنافقين ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) والمنافقون هم الذين كانوا يكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم ولصحابته ولدولة الإسلام في المدينة ، يعيشون بين المسلمين بل ويأخذون عطاءهم من بيت مال المسلمين – ولكنهم كانوا معزولين مهمشين ليس لهم من الأمر شيء ،وهل يعقل أن يؤتمن المنافق الليبرالي على أمة الإسلام وعلى مصالح الأمة وهم عدو لها ؟- ويحملون أسماءهم ويقولون إنهم مسلمون ويشهدون الصلاة ولكنهم المنافقون الذين لا يتركون مناسبة إلا ويكيدون للإسلام وأهله وللنبي صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين ودولتهم في المدنية ، والأمثلة على ذلك لاحصر لها ، فقد قال كبيرهم عبدالله بن أبي بن أبي سلول لئن رجعنا إلى المدينة بعد غزوة بني المصطلق ليخرجن الأعز يعني نفسه ورهطه المنافق ، ليخرج الأذل يعني النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين من المدينة فأنزل الله فيه قرآنا يفضحه (َيقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون وهكذا فسترى أيها المسلم أن النفاق ظهر في المدينة بعد قيام دولة الإسلام ، أي بعد أن رأى المنافقون قوة المسلمين وظهورهم على غيرهم ، وفي عصرنا الراهن ووقتنا القائم اشتد عداء المنافقين الليبراليين للإسلام وأهله وللدعوة وأهلها بعد أن رأوا عودة الأمة إلى دينها وبشارات قوتها وعزها ونصرها ، فهلا ساقنا هذا إلى مزيد تأمل وتدبر في حال هؤلاء الأعداء.

وهكذا فالمنافقون في هذا العصر – الليبراليون العلمانيون – يكيدون للإسلام ولأهله ، ويفتون في عضد المسلمين من بين أظهرهم ، وهو يقومون بذلك كله لأنهم لا يؤمنون على الحقيقة بالإسلام ولا يعظمون شعائر الله ولا يحبون أن يحكم المسلمون بشريعته الغراء .

وهم لا يريدون للمسلمين عزا ولا نصرا ولا سؤددا ، بينما يسعون لعز أسيادهم من الغربيين والشرقيين وينصرونهم ، وهل نسينا أن هؤلاء المنافقين كانوا ذات يوم حزبين يعملان هدما وهتكا في كيان الأمة الإسلامية ولإذلال أوطان الإسلام ، هؤلاء المنافقون الذين كانوا ذات يوم موزعين في الولاء بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الليبرالي ، وحين سقط المعسكر الشيوعي رجع الفرع إلى الأصل واتضح أن ما كان من خلاف بين المعسكرين والعسكرين في بلاد الإسلام كان مؤقتا ومن أجل المزيد من إنجاح الكيد للإسلام وأهله ولخداع الأمة أن هنالك معسكر يقف مع المسلمين وهو المعسكر الشيوعي بقياة الصليبية الشيوعية الكبيرة الإتحاد السوفييتي – مثلما أن أمريكا وأوربا ليبرالية صليبية فمن عقيدتهم اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله وهذا جوهر النصرانية عندهم فلا خلاف بين الليبرالية والنصرانية كما يعتقدون - فلما سقط المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي رجع هؤلاء إلى المعسكر الأم وهو الليبرالية الغربية بمعانيها ومكوناتها الأساس : الصليبية والرومانية والإغريقية الوثنية .

إذا كان للمسلمين أوبتهم إلى دينهم وصحوتهم من غفلتهم التي تعيدهم إلى ربهم وتعزهم بعد هوان وتقويهم بعد ضعف وتفتح أعينهم على خطر العدو المنافق الليبرالي قبل كل شيء ، فإن لليبراليين سكرتهم التي لا يفيقون منها ، وضلالهم الذي لا يحيدون عنه وصدق الله تعالى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) الحجر ، إنهم لفي سكرتهم ، فالحمد لله الذي جعل لنا الصحوة والتوبة والأوبة ، وجعل لهم السكرة والشهوة والعمالة ، نسأل الله تعالى أن يكبتهم ، وأن يخذلهم إنه على كل شيء قدير .

وإلى الأمام يا أمة الإسلام في صحوتك المباركة وتوبة البارة وأوبتك الحميدة إلى خالقك ومدد عزك وسبب نجاتك في الدارين ، وستصل المسييرة – مسيرة الإسلام وأهله - بإذن الله التي لايغص بها إلى منافق ليبرالي عميل عدو للإسلام وأهله .

حفظ الله بلاد الإسلام قاطبة من شرورهم وفجورهم .


علي التمني


أبها في 29/2/1430