قال الإمام الرباني العلامة أبوعبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية في "شفاء العليل" (1: 199) بين يدي مناقشته لمذاهب الطوائف في بعض مسائل القدر بعد عرضه لها:
(( وأربابُ هذه المذاهب مع كُلِّ طائفةٍ منهم خطأٌ وصواب...
وبعضُهم أقرب إلى الصواب، وبعضهم أقرب إلى الخطأ...
وأدِلَّةُ كُلٍّ منهم وحُجَجُه إنما تنهضُ على بُطلان خطإ الطائفه الأخرى لا على إبطال ما أصابوا فيه)).
ثم قال: ((وأهلُ السُّنةِ وحِزْبُ الرَّسولِ وعسْكر الإيمانِ لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء....
بل هم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه، وهم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه.
فكلُّ حقٍّ مع طائفةٍ من الطَّوائفِ فهُم يوافقونهم فيه، وهم بُرآء من باطلهم.
فمذهبُهم:
- جَمْعُ حَقِّ الطَّوائفِ بعضَه إلى بعضٍ والقولُ به ونصرُه وموالاةُ أهله من ذلك الوجه..
_ ونفيُ باطلِ كُلِّ طائفةٍ من الطَّوائفِ وكسرُهُ ومعاداةُ أهلِه من هذا الوجْه.
فهم حُكَّامٌ بين الطَّوائفِ:
1. لا يتحيَّزُون إلى فئةٍ منهم على الإطلاق.
2. ولا يردُّون حقَّ طائفةٍ من الطَّوائف.
3.ولا يقابلون بدعةً ببدعةً، ولا يردُّون باطلاً بباطلٍ.
4.ولا يحملُهم شَنَآنُ قومٍ -يعادُونهم ويكفِّرونَهم - على أن لا يعدلوا فيهم، بل يقولون فيهم الحقَّ ويحكمون في مقالالتهم بالعدل.
والله سبحانه وتعالى أمرَ رسُولَه أن يعدِل بين الطَّوائفِ فقال: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ (الشورى: 15).
فأمَرَهُ سُبحانه أن يدعوَ إلى دينه وكتابِه، وأن يستقيم في نفسه كما أمَرَه، وأن لا يتَّبعَ هوى أحدٍ من الفِرَق، وأن يُؤمنَ بالحقِّ جميعِهِ ولا يؤمن ببعضه دون بعض، وأن يعدِل بين أرباب المقالات والدياناتِ.
وأنتَ إذا تأمَّلت هذه الآية وجدت أهلالكلام الباطل وأهل الأهواء والبدع من جميع الطوائف أبخس الناس منها حظاً وأقلَّهم منها نصيباً، ووجدتَ حزبَ الله ورسوله وأنصار سُنَّته هم أحقَّ بها وأهلها )) انتهى.
والعزو إلى طبعة مكتبة العبيكان بتحقيق عمر الحفيان.