السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الصومال.. البلد الذي لم يلق السلاح يوماً

منذ سنوات طويلة، حمل المجاهدون في الصومال مسؤولية كبيرة، سقط خلالها مئات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من المعتدين أيضاً. وإلى الآن، لا تبدو الصومال بحال أفضل عن غيرها من ا لدول الإفريقية التي تعاني من الفقر والعوز، ورغم ذلك، لم يحد هذا الحال المعيشي والاقتصادي الصعب، من قدرة الصوماليين على مواجهة المحتل، ولا من حبهم للاستقلال والحرية. كان الهمّ في البداية منصباً على التحرر من الاستعمار الغربي والذي كان يعاني منه غالبية الدول الإسلامية والعربية. والصومال كبلد مسلم عربي، شهد إنشاء مستعمرات بريطانية وإيطالية فصلت قسميه، قبل أن تتوحد في العام 1960م، ومنذ ذلك الوقت، بدأت الأمور تتطوّر ببطئ، ككثير من الدول الإفريقية، بسبب طبيعة البلد وحالته الاقتصادية. وخلال هذا النمو المجتمعي، كان هناك توتر مستمر مع دول الجوار، خاصة النصرانية منها، كإثيوبيا وكينيا. سنوات الجهاد الأولى: والجهاد في الصومال ليس وليد تلك الفترة، بل هو ممتد لتاريخ سابق، ففي العام 1889 انطلقت ثورة بقيادة محمد عبدالله حسن، استمرت حتى العام 1921، ولقب بمهدي الصومال تيمناً بمهدي السودان. وربما من أفضل ما قام به آنذاك، أنه نبذ العنصرية القبلية، ووحّد جميع الصوماليين للجهاد ضد المستعمرين. وقد أثار قدوم المنصرين من الكنيسة الإنجيلية إلى الصومال، وتقديم هبات للناس لتنصيرهم حفيظة محمد عبدالله حسن، ما سرّع في الثورة، حيث هاجم مراكزهم وأثار المسلمين ضدهم. واستمر جهاد الصوماليين إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، تمكنت خلالها الدول الغربية من التكاتف لوأد حركة المجاهدين الأولى. إلا أن الجهاد عاد من جديد بعد أن ضمّت إيطاليا عام 1936م مناطق من الصومال إلى إثيوبيا التي تحتلها، وقام البريطانيين بفرض سيطرتهم الكاملة، حيث استطاع المجاهدون طرد القوات البريطانية وتحرير مناطق واسعة من الصومال عام 1940م، قبل أن تعيد القوات البريطانية تنظيم صفوفها، وبدعم من القوات الإيطالية، أعادت احتلال الصومال من جديد. إلا أن الإيطاليين لم يستطيعوا العودة لمواقعهم السابقة التي طردها منهم المجاهدين، إلا عام 1950م. وشهدت الصومال بعد ذلك حركات جهادية عديدة، انتهت بإعلان الاستقلال الكامل عن البريطانيين في الجزء الذي كان يسمى أرض الصومال (شمال) في يونيو 1960م، فيما حصل الجنوب على استقلاله من البريطانيين في يوليو 1960م. الجهاد بعد الاستقلال: ورغم خروج المحتل البريطاني والإيطالي، إلا أن البلاد لم تهدأ سياسياً، إذ كانت إيطاليا قد ضمّت جزء من الصومال لإثيوبيا خلال فترة الاحتلال، فيما قامت بريطانيا بإعطاء منطقة الحدود الشمالية الصومالية لكينيا عام 1963م. خاصة وأن الصومال بلد مسلم، فيما إثيوبيا وكينيا دول نصرانية، الأمر الذي أشعل الغيرة والحمية لدى نفوس الصوماليين. وخلال فترة بسيطة بعد الاستقلال، عاد المجاهدون الصوماليون لحمل السلاح بسبب هذه التطورات، وبسبب تطوّر سياسي محلي أيضاً هام، إذ قام محمد سياد بري (من جنوب الصومال)، بانقلاب عسكري عام 1969م، على شرعية الحكومة التي كانت برئاسة محمد حاج إبراهيم (وهو من شمال الصومال). وأطلق يد قوات الأمن في البلاد، واستبدّ في الحكم طويلاً. ورغم أن رئاسة الصومال منذ الاستقلال ورئاسة الحكومة كانت بيد الجنوبيين، ما أساء كثيراً للشماليين، إلا أن محمد سياد بري بديكتاتوريته، وتحوّله للنظام الاشتراكي الشيوعي بدعم من الاتحاد السوفيتي السابق، أجبر الصوماليين على إعلان قيام جبهة معارضة أطلق عليها اسم "جبهة تحرير أرض الصومال" عام 1981م، واستطاعت أن تحرر 80% من الشمال من حكم بري. وكان للسلاح بيد المجاهدين الصوماليين دوراً آخر في حربهم ضد الاحتلال الإثيوبي، هذه الحرب التي استمرت منذ العام 1977م، ولغاية 1988م. ولم يستطع الشماليون الإطاحة بحكم محمد سياد بري إلا في العام 1991، عندما أعلن محمد فرح عيديد تأسيس حركة جنوب الصومال، التي أطبقت هي والمعارضة الشمالية على العاصمة مقديشو، وأسقطت نظام بري، ما فتح باب الانقسام القبلي في الصومال على مصراعيه. استطاع الصوماليون في الشمال إعادة تأسيس بلاد "أرض الصومال" أو "بونت لاند"، فيما غرقت بقية البلاد في صراع داخلي. الصوماليون يطردون الأمريكيين: ومرّة أخرى كان للمجاهدين دور فعال وكبير، عندما حاولت القوات الأمريكية التدخل في الصومال، واحتلالها بحجة إنقاذ البلاد من الانقسام الداخلي.. فقام المجاهدون وخاصة جماعة محمد فرح عيديد بمواجهة القوات الأمريكية والأممية، والتي كانت تمارس كل أنواع الاحتلال والقتل والاعتقال والتنكيل بالصوماليين. ووقعت حادثة 1995م الشهيرة، والتي قتل فيها 18 عسكرياً أمريكياً بعد سقوط مروحيتهم في مقديشو، وتم تصوير الأهالي الغاضبين وهم يجرون جثث الأمريكيين في شوارع المدينة، ما أجبر الأمريكيين على الرحيل مباشرة. بعد عامين، وخلال سنة 1997م، التقت الفصائل الصومالية المتناحرة في اجتماع بالقاهرة، لوضع حد للمواجهات، ولكنها بائت بالفشل، قبل ان تتمكن تلك الفصائل للتوصل لحل سياسي عام 2000م عقد في جيبوتي، تم فيه اختيار عبدالقادر صلاد حسن رئيساً للبلاد، فيما تم تعيين علي خليف رئيساً للحكومة، وتشكّلت أوّل حكومة صومالية متكاملة منذ العام 1991م. وما أن وضع المقاتلون الصوماليون أسلحتهم، حتى ثار أمراء الحرب السابقين، الذين كانوا ينتفعون باستمرار من الحرب الأهلية، وقاموا في إبريل 2001 بدعم من إثيوبيا، بتشكيل معارضة مسلحة لحكومة الاتفاق. المحاكم الشرعية: بعد إعادة الخلافات بين الفصائل الصومالية، أعلنت من جديد أرض الصومال استقلالها، وتم اختيار الرئيس ظاهر ريال، بعد وفاة الرئيس محمد إبراهيم عقال، ولكن محادثات كينيا عام 2004م أعادت الأمل للصوماليين، بتعيين أول برلمان صومالي وحّد أمراء الحرب وقادة القبائل والسياسيين، أوكلت إليه مهمة اختيار رئيس البلاد ورئيس الحكومة. وبسبب أوضاع مقديشو الأمنية الصعبة، انتقل البرلمان للعمل من مدينة "بيداوا". وبعد فشل البرلمان والاتفاق السياسي الأخير من إخراج البلاد من محنة الحرب الأهلية، وبعد الدعم المقدم من أمريكا لأمراء الحرب السابقين لإعادة تقسيم البلاد، قام المجاهدون التابعون لقوات المحاكم الشرعية عام 2006م، بطرد أمراء الحرب وأعوانهم، وفرضوا سيطرتهم على أجزاء كبيرة من شمال الصومال والعاصمة مقديشو، وأسسوا لنظام إسلامي عادل، تم فيه نشر الأمن والأمان، وتمت مكافحة الجريمة والرذيلة، ومعاقبة المسيء، ما أدخل المنطقة في جو من الأمن والأمان الدائمين. حاولت العديد من الجهات الخارجية، دعم القوات المناوئة للمحاكم الشرعية التي نشرت الشريعة الإسلامية، ما أدى لحروب أهلية جديدة. ورغم انسحاب قوات المحاكم الشرعية من مقديشو، وقيام إثيوبيا بدعم من القوات الأمريكية بنشر قواتها في الصومال، إلا أن شيخ شريف شيخ احمد (رئيس المحاكم) الذي أسس جبهة لتحرير الصومال، استطاع العودة مرة أخرى لمقديشو أواخر العام 2008، بعد التوقيع على اتفاقية السلام في جيبوتي، التي أجبرت القوات الإثيوبية على الانسحاب من الصومال، خرج خلالها الرئيس السابق عبدالله يوسف أحمد من الحكم، وطلب اللجوء إلى اليمن. وخلال الانتخابات التي جرت في جيبوتي، صوّت البرلمان الصومالي على انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد، رئيساً للبلاد، على أمل دخول الصومال في فترة استقرار سياسية. إلا أن الكثير من السياسيين يرون أن هذه الأرض التي لم يضع المقاتلون فيها السلاح يوماً، قد لا تستسيغ الهدوء لفترة طويلة.. ما قد يهدد الاتفاق الجديد بحروب قادمة.

المصدر :
http://salmajed.com/node/6555