الاستغفار في خِتامِ الشهر

الشهر للشيخ أحمد العتيق





إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه ُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعتبروا بِمرورِ الأيام وسُرعةِ انقِضائِها, وحاسِبوا أنفسَكُم ماذا قَدَّمتُم لِأَنفُسِكُم في هذا الشهرِ. واختِمُوه بعَمَلينِ عَظيمَين مُهمَّينِ, ألا وَهُما: الاستغفارُ, وصدقةُ الفِطر. كَتَبَ عُمرُ بنُ عبدالعزيزِ رحمه الله إلى الأمصار, يأمُرُهُم " بِخَتْمِ رمضانَ بالاستغفارِ وصدقةِ الفِطر ".
أما الاستغفار: فَلِأَنَّ العبدَ لا يسْلَمُ مِنَ الذنوبِ والتقصير, فيستغفرُ من ذُنُوبِهِ التي ارتكبَها, ومِنْ تَقصِيرِه في أداءِ هذا الركنِ العَظيم, ألا وهو صيام شهر رمضان.
وقد شَرَعَ اللهُ الاستغفارَ في ختامِ الأعمال. حيثُ شَرَعَ لِلمُصَلِّي إذا فَرَغَ مِن صلاتِه أن يقول: ( استغفِرُ اللهَ, استغفر الله, استغفر الله, اللهم أنتَ السلامُ ومنك السلام, تباركتَ يا ذا الجلالِ والإكرام ). وشَرَعَ للحُجَّاجِ إذا فَرَغوا مِن الوقوفِ بِعَرَفَةَ الذي هو أَعْظَمُ أركانِ الحج, أنْ يَسْتَغْفِروا الله, كما قال تعالى: ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). وأثْنَى على المُستغفِرِين بالأسحار بعدَ الفَراغِ من صلاةِ الليلِ فقال: ( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ). وشَرَعَ في ختامِ المجلسِ كَفَّارةَ المجلِس: ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبَحَمْدكَ أشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ ). ولَمَّا بَلَّغَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رسالَةَ رَبِّه, وجاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهادِه, ودَخَلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجا, وأَكْمَلَ اللهُ لِلأُمَّةِ دِينَها, وأَتَمَّ النِّعمة, أَنْزَلَ الله تعالى: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ), فَأَمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه أن يَخْتِمَ ذلك بِكَثرَةِ التسبيحِ والاستغفار, لِيَخْتِمَ جِهادَه وعبادتَهُ ودعوَتَه بِذلك. فينبَغِي لِكُلِّ مسلِمٍ إذا فَرَغَ مِن عِبادَةٍ أن يُتْبِعَها بِكَثرَةِ الاستغفار.
وللاستغفار فضائلُ كثيرة، فَمِن ذلك: أنه من صفات المتقين كما أخبر سبحانه في كتابه الكريم: ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا ْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ). ومن ذلك أنه مِن أسبابِ رَفْعِ العُقُوبةِ وعَدَمِ نُزولِ العذاب, كما قال تعالى: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ). وهو أيضاً سببٌ لمغفرةِ الذنوب، ورِفعةِ الدرجات، ونزولِ الأمطار، والإمدادِ بالأموال والبنين. والاستغفارُ سببٌ في زيادةِ القُوَّةِ والمتاعِ الحسن، ودفعِ البلاء، وحُصُولِ الرحمة. قالت عائشةُ رضي الله عنها: " طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيْفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً ". وقال الحسنُ رحمه الله:" أكثروا من الاستغفار؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة ". ومما يدل على عِظم شأن الاستغفار أن الله عز وجل جَمَعَ بينه وبين التوحيدِ في قوله: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ). وفي بعض الآثار أن إبليسَ قال: " أهْلَكْتُ الناسَ بالذنوب، وأهلكوني بـ: لا إله إلا اللهُ، والاستغفار ".
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: العملُ الثاني في ختامِ شهرِ رمضان: صدقةُ الفطر, فَرَضَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام, على الصغيرِ والكبيرِ والذكر والأنثى والحُرِّ والعبد من المسلمين. وقد شرعها الله تعالى وأمر بها لِحِكَمٍ كثيرة:
فهي: عِبادَةٌ فَرَضَها اللهُ تعالى لِتَسُدَّ الخَلَلَ الذي حَصَلَ مِنَ الصائِم, وكذلك هي طُهرَةٌ له من اللغو والرفث. وطعمةٌ للمساكين. وفيها: إظهارُ التَّراحُمِ والتَّوَاصُلِ بين المسلمين, فقيرِهمِ وغنيِّهِم, فهي صورةٌ ظاهرة, ومثالٌ حيٌ للتكافل الاجتماعي. في مَنْظَرٍ عظيم يشرح الصدورَ ويَفرَحُ بِهِ المؤمنون, لأنه يدل على الأخوة الصادقة, والتراحمِ بين المؤمنين, وتعظيمِ أمر الله. فما ظَنُّكُم بمن يرى المسلمين وهم يؤدونها بهذه الصورة الظاهرة, كيف سيكونُ شُعُورُه, ونَظْرتُه لهذا الدينِ وأحكامِه؟
فاحرص أيها المسلِم على إخراجِ زكاتِكَ صاعاً من طعام, فإن هذا هو المنقولُ عن النبي صلى الله عليه وسلم, فقد كانت النقودُ موجودةً في ذلك الزمان, ومع ذلك أُمِرَ المسلمون بإخراجها صاعاً من الطعام, فإياك والمخالفةَ في ذلك, وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلِيْهِ أَمْرُنَا فَهوَ رَدٌّ ).
فاتقوا الله عباد الله, واعتَنُوا بعبادتِكم, واحرِصوا على أدائها, بالطريقة التي أُمِرْتُمْ بها, واعلموا أن كُلاًّ يُؤْخَذُ من قوله ويُرَد, إلا الرسولَ صلى الله عليه وسلم.
اللهم اقبل صيامنا وقيامنا, وتجاوز عن سيئاتنا وتقصيرنا ، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ولا تردنا خائبين، اللهم اجعلنا في هذا الشهر من عتقائك من النار اللهم أعتق رقابنا من النار يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم أعذهم من شر الفتنة والفرقة والاختلاف يا حي يا قيوم، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .